كان التفاوت الاقتصادي من القضايا الحاضرة في الانتخابات الأميركية الأخيرة. والمرشحون من كلا الحزبين تجادلوا في أن الأثرياء قد طوّعوا النظام السياسي لمصلحتهم الاقتصادية. وبينما أصبح الأثرياء أكثر ثراء، بقيت أجور العمال متوسطي الدخل كما هي. وبكل المقاييس، فالفجوة بين أصحاب الدخل المرتفع وأصحاب الدخل المتدني قد اتسعت بشكل كبير. فماذا عن تفاوت الأجور بسبب الكومبيوترات؟
تكنولوجيا الكمبيوتر وعلاقتها بتفاوت الأجور
هل هذا كله نتيجة الاستغلال الشائن للنفوذ من قبل 1% من المجتمع؟ في الحقيقة يبيّن بحث جديد أن العامل الرئيس في زيادة الفجوة في الأجور يمكن إحالته إلى تكنولوجيا الكمبيوتر.
إحدى الطرق التي تتسبب فيها أجهزة الكمبيوتر بعدم التساوي في الأجور هي القضاء على الوظائف، ما يؤدي إلى نسبة بطالة عالية، وبالتالي إلى الأجور المتدنية؛ لكن هذا ما لم يحدث، خاصة وأن البطالة في مستوى منخفض هذه الأيام. وبدلاً من ذلك تتطلب تكنولوجيا الكمبيوتر مهارات جديدة عالية المستوى. والعاملون الذين تعلموا هذه المهارات تلقوا زيادة في الأجور، وهناك عمال آخرون وجدوا صعوبة في استيعاب هذه المهارات الجديدة، وبالتالي بقيت أجورهم ثابتة، ما أدى إلى هذا التفاوت المتزايد في الأجور.
قد يبدو من السهل والعدل استهداف الأثرياء الذين يشكلون 1% من المجتمع حلاَ لهذه المعضلة، إلا أن الحل العملي لهذه المشكلة من التفاوت الاقتصادي يفرض توجيه هذه المهمة الصعبة إلى تطوير أماكن العمل بمهارات القرن الحادي والعشرين.
لم يعد موضوع الأتمتة يثير قلق عمال المهن الصناعية فقط، بل هو مثير لقلق موظفي المكاتب وأصحاب الخبرة. تستولي برامج الكمبيوتر الحديثة - التي يستخدم بعضها تقنية الذكاء الصناعي- على أعمال أصحاب المكتبات وصرافي البنوك والموظفين وآخرين. ويدّعي بعض الناس أن هذا الاستبدال لهذه الأعمال يسبب البطالة التكنولوجية.
في الحقيقة معظم هذه الوظائف التي تستخدم الكمبيوتر تساعد في زيادة التوظيف وليس العكس. على سبيل المثال، زادت وظائف صرافي البنوك منذ تشغيل الصراف الآلي. وهذا النمط من الزيادة لاحظناه في باقي الوظائف المماثلة بشكل عام.
وفي جميع الأحوال، يمكن القول إن الكثير من النمو في الوظائف المستخدمة للكمبيوتر يأتي على حساب وظائف أخرى. لنأخذ على سبيل المثال تأثير الكمبيوتر على العاملين في مجال التنضيد. قلل النشر المكتبي من وظائف المنضدين بشكل واضح في ثمانينيات القرن الماضي. والكمبيوتر ليس هو المسؤول عن هذا الإلغاء؛ فالمسألة هي تبديل مهنة بمهنة أخرى. فقد استحوذ مصممو الغرافيك، باستخدام الكمبيوتر وبرامج النشر المكتبي، على الكثير من أعمال المنضدين. إلا أن الزيادة في عدد وظائف مصممي الغرافيك كانت أكثر من وظائف التنضيد المستبعَدة.
إن أجهزة الكمبيوتر تساهم في هبوط معدل التوظيف في بعض المهن، لكن التأثير النهائي للكمبيوترات لا يسبب تراجعاً إجمالياً في عدد الوظائف الكلي. تخلق أتمتة الكمبيوتر وظائف جديدة بدل تلك التي تسببت باستبعادها، وبذلك فأجهزة الكمبيوتر ليست المسؤولة عن البطالة التكنولوجية.
إقصاء الوظائف بسبب الأتمتة
وهذه النتيجة ليست بالخبر السار. مع أن أتمتة الكمبيوتر ليست المسؤولة عن الإقصاء النهائي للوظائف؛ بل هي تتضمن إبعاد رئيس لوظائف من بعض المهن واستبدالها بوظائف أخرى. أتى ثقل الإبعاد لبعض الوظائف بشكل غير متناسب على العاملين في المهن ذات الأجور المتدنية، والسبب أن هذه المهن تستخدم أجهزة الكمبيوتر بشكل أقل من المهن التي أجورها مرتفعة. وبهذا تساعد الأتمتة مهنَ الأجور المرتفعة في الاستيلاء على أعمال مهن الأجور المتدنية. وهذا التأثير النهائي يتضمن إقصاء جوهرياً لصالح مهن الأجور المرتفعة.
ولن تكون تنحية بعض الوظائف ذات شأن يُذكر إن استطاع العاملون اكتساب المهارات المطلوبة لممارسة المهن الجديدة بسهولة وسلاسة، لكن الأدلة تشير إلى خلاف ذلك. في الحقيقة، يجد الكثير من العاملين - حتى ضمن مهنهم الواحدة- صعوبة في تعلم المهارات المطلوبة للعمل بشكل فعال ضمن أنظمة الكمبيوتر الحديثة. فعندما يستطيع العمال الماهرون - في مهنة ما- تعلم المهارات الجديدة، ولا يستطيع العمال المتوسطون فعل ذلك، فأجور العمال المهرة تزداد بشكل أسرع من أجور العمال المتوسطين. يُظهر الرسم البياني التالي أن الفجوة بين تعويض العمال المرتفع (بنسبة 90%) وتعويض العمال المتوسطين (بنسبة 50%)، قد توسّعت بشكل رئيس لصالح المهن التي تستخدم الكمبيوتر، وليس لصالح مهن أخرى.
تفسّر هذه التغيرات -ضمن المهنة الواحدة- العامل الأساس في زيادة التفاوت في الأجور ضمن نطاق العمل الواحد بشكل إجمالي. والسبب يعود إلى التكاليف المرتفعة لتعلم المهارات الجديدة، وبهذا ألقت أتمتة الكمبيوتر العبء الثقيل على العديد من العمال وخاصة أصحاب الأجور المتدنية منهم.
في العقود الثلاث الماضية لم تتسبب الأتمتة بالبطالة التكنولوجية لكنها أقصت العديد من العمال، طالبة منهم تعلم مهارات جديدة. ومن المحتمل أن يكون للأتمتة في المستقبل تأثير مختلف تماماً عما هي عليه اليوم.
والمصاعب التي تواجهها السياسة هذه الأيام هي فارق المهارات بين العمال. فإذا فرضنا ضرائب عالية على الأثرياء الذين يشكلون 1% من الناس، وردمنا ثغرات النظام الضريبي المستفيد منها مدراء صندوق التحوط، فقد تكون أفكاراً جيدة، لكن لن يكون لهذه السياسات بذاتها فائدة كبيرة عائدة على العمال الذين يعانون من الدخل الثابت. فالسياسات التي تمكّن العمال من كسب مهارات جديدة، وتوظيفها في التكنولوجيا الحديثة، ستكون ذات نفع كبير لهم وللاقتصاد بشكل عام إذا انتبهنا إلى مشكلة تفاوت الأجور بسبب الكومبيوترات.