تغيير مسار جهود الاستدامة

12 دقيقة
جهود الاستدامة

كل يوم، تعلن إحدى الشركات عن التزام جديد تجاه الاستدامة أو تطلق حملة إعلانات حول عملها في مساعدة الناس والكوكب.

يركز الكثير من هذه المبادرات على تحسين استدامة المنتجات والعمليات في الأسواق القديمة أو المجاورة، أو على تحقيق مكاسب الاستدامة عن طريق استكشاف أسواق جديدة بمجموعة منتجات أكثر تنوعاً، وهذا يختلف عن استراتيجية "تحديد السوق وطرق النجاح" التي يألفها معظم المسؤولين التنفيذيين. ولكن القليل من القادة يحرصون على استكشاف مجال جديد مهم في الاستدامة حيث تتشارك العلامات التجارية مع العملاء من أجل تحقيق أثر مستمر.

نوضح في هذا المقال إطاراً عملياً لوضع استراتيجيات الاستدامة التي تأخذ في اعتبارها بُعدَي الأسواق ومشاركة العملاء تم تطوير هذا الإطار من خلال حوارات أجريناها مع قادة شركة السلع الاستهلاكية المعبأة العملاقة، ريكيت (Reckitt)، التي تصل قيمتها إلى 16 مليار دولار. يحدد هذا النموذج الطرق الأربعة الرئيسة التي يمكن للشركات الراسخة اتباعها من أجل تعزيز نمو جهودها المكرسة للاستدامة: التخصيب، حيث تبقى العلامة التجارية في سوقها الحالية وتضيف العناصر "المغذية" التي تعزز الاستدامة إلى المنتج أو الخدمة؛ والزراعة، حيث تقدم العلامة التجارية خدماتها لتلبية احتياجات عملاء جدد من خلال توسيع مكاسب الاستدامة في العروض الحالية أو الجديدة ذات الصلة وإدخالها إلى أسواق مجاورة؛ والتطعيم، حيث تعمل العلامة التجارية على إشراك عملائها في استراتيجية الاستدامة الحالية من خلال تغيير طرق استخدامهم للمنتج أو الخدمة؛ والتهجين، حيث تتبنى الشركة هدف استدامة جديداً من أجل إجراء عملية إعادة تموضع كبيرة لعلامتها التجارية في أسواق جديدة مع مطالبة العملاء بالتغير أيضاً.

يجب أن تكون أهمية مكاسب الاستدامة التي يحققها العرض للعملاء مساوية لأهمية عوامل التمييز الأخرى مثل الملاءمة والسعر والأداء.

لكل من هذه الاستراتيجيات متطلباته الخاصة وآثاره المتموجة في جميع أقسام الشركة وخارجها، بدءاً من قسم البحث والتطوير والاتصالات التسويقية وصولاً إلى عمليات سلسلة التوريد والشراكات. يلقي خوض هذه الرحلة متطلبات كثيرة على عاتق الشركة، ولكن الشركات صاحبة العلامات التجارية الرائدة اكتشفت أن ثمارها فيما يخص مكاسب الاستدامة وأداء الشركة جديرة بالعناء، وهذا يشمل شركات مثل ريكيت [التي تشمل مجموعة علاماتها التجارية المتخصصة في الصحة والنظافة كلاً من لايسول (Lysol) وإيرويك (Air Wick) وفينيش (Finish)] وشنايدر إلكتريك (Schneider Electric) وماهيندرا غروب (Mahindra Group) وغيرها.

فكرة المقالة باختصار

النهج المعتاد

يركز الكثير من مبادرات الاستدامة على تحسين استدامة المنتجات والعمليات في الأسواق القديمة أو المجاورة، أو على تحقيق مكاسب الاستدامة عن طريق استكشاف أسواق جديدة بمجموعة منتجات أكثر تنوعاً.

مجال جديد

يجب أن يتبنى القادة مساراً جديداً للاستدامة تتشارك فيه العلامات التجارية مع العملاء من أجل تحقيق الأثر الدائم.

الاستراتيجيات

يوضّح هذا المقال إطاراً عملياً لوضع استراتيجيات الاستدامة التي تأخذ في اعتبارها بُعدَي الأسواق ومشاركة العملاء في آن معاً. يوضح النموذج الطرق الأربع الرئيسة التي يمكن للشركات الراسخة اتباعها من أجل تعزيز نمو جهودها المكرسة للاستدامة.

دور العميل في الاستدامة

قبل التمعن في الاستراتيجيات الأربعة بالتفصيل، فلنلق نظرة على الطريقتين الرئيستَين اللتين تمكّنان العملاء من تحقيق الاستدامة. بالنسبة لكثير من العلامات التجارية يتمثل دور العميل في شراء المنتج ببساطة، وتتمكن الشركات من تحقيق أهداف الاستدامة عن طريق تحسين الأداء البيئي والاجتماعي لمنتجاتها وعملياتها وسلاسل توريدها، وتستثمر الموارد في استخدام عمليات التصنيع النظيفة والحصول على مكونات الإنتاج من مورّدين معتمدين وفق معايير التجارة العادلة وما إلى ذلك، وتتحقق مكاسب الاستدامة عندما يتخذ العملاء القرار بشراء المنتج. نسمي هذه الاستراتيجية: الاستدامة عبر الشراء.

أما بالنسبة للعلامات التجارية الأخرى فتعتمد مكاسب الاستدامة على تبني العملاء لسلوكيات الاستخدام الرئيسة: تشغيل غسالة الصحون على البرنامج الاقتصادي بدلاً من البرنامج العادي مثلاً، أو إعادة تدوير كبسولات الألمنيوم المستخدمة في ماكينات صنع القهوة. يجب أن تقنع العلامة التجارية عملاءها بتغيير سلوك ما بعد الشراء من أجل تحقيق الفوائد، وهذا ما نسميه الاستدامة عبر المشاركة، والاستراتيجيات التي تتطلب تغيير عادات المستهلكين أصعب ولكنها تحقق مكاسب أعظم للاستدامة.

الاستراتيجيات الأربعة

لن تكون جميع هذه الاستراتيجيات مناسبة أو سهلة لجميع العلامات التجارية، ومن الضروري أن نفهم متطلبات كل منها وتحدياته كي نتمكن من اختيار الاستراتيجية التي ستحقق أثر الاستدامة الأكبر والأرباح الأعلى للعلامة التجارية. يمكن أن تفكر الشركات بوضوح أكبر عن طريق وضع الاستراتيجيات الأربعة في خانات مصفوفة 2×2 يعبّر محورها الأفقي عن الأسواق ومحورها العمودي عن نسب مشاركة العملاء (انظر الشكل التوضيحي بعنوان "أربع استراتيجيات لاستدامة العلامة التجارية").

التخصيب. في هذه الاستراتيجية تستمر العلامة التجارية في سوقها الحالية وتضيف مكاسب الاستدامة إلى منتجها أو خدمتها، ويتمثل دور العميل في مجرد الشراء. ينبغي للعلامة التجارية أن تختار هذه الاستراتيجية عندما يكون بإمكانها تحقيق أعظم المكاسب عن طريق تعديل المنتج أو إجراء تغييرات على سلسلة التوريد، ورسالتها الرئيسة للعملاء هي: "نحن مسؤولون عن الاستدامة وليس عليك سوى الشراء". يشيع استخدام استراتيجية التخصيب بين العلامات التجارية الراسخة بالدرجة الأولى، كما أنها الأسهل بالنسبة لها من حيث التبني أو التوسيع. استخدمت شركة ريكيت استراتيجية التخصيب من أجل إضافة مكاسب الاستدامة إلى علامتها التجارية المتخصصة بملطفات الجو، إيرويك، فهي تستخدم في خط الإنتاج الجديد المراعي للبيئة، بوتانيكا (Botanica)، مكونات طبيعية تتبع في توريدها الممارسات المسؤولة وتستخدم في تغليفها مواد معاد تدويرها (إفصاح: عمل أحدنا، وهو تشالاغالا، مستشاراً بأجر لشركة ريكيت).

يجب أن تحرص الشركات على ألا تنطوي استراتيجية التخصيب التي تتبعها على ممارسات انتهازية، فمن السهل ادعاء أن المنتج مستدام من دون تقديم فوائد بيئية أو اجتماعية حقيقية، وهذا النوع من الممارسات الشائعة جداً يعود بآثار عكسية ويثير غضب المستهلكين عادة. يمكن للعلامات التجارية تفادي ردود فعل العملاء السلبية عن طريق إثبات أن ممارسات الاستدامة التي تتحدث عنها حقيقية وتتوافق مع إرث العلامة التجارية. في عام 2018، أطلقت شركة كارلسبيرغ لصناعة المشروبات نظام تغليف جديد تستخدم فيه مادة جديدة للصق علب المشروبات بعضها ببعض بدلاً من تثبيت الحزمة المؤلفة من 6 علب باستخدام الحلقات البلاستيكية التي اشتهرت بخطورتها على الحياة البرية وأثرها الملوث للمحيطات. من المتوقع أن يؤدي أسلوب التغليف الجديد إلى تقليل ألف طن من النفايات البلاستيكية سنوياً بعد اعتماده بالكامل.

الزراعة. تتمثل هذه الاستراتيجية في توسيع العلامة التجارية مكاسب الاستدامة في عروضها الحالية أو الجديدة ذات الصلة وتدخلها إلى أسواق مجاورة. تناسب استراتيجية الزراعة بالدرجة الأولى الشركات الأكثر قدرة على جني مكاسب الاستدامة بالتركيز على مجموعة أوسع من احتياجات العملاء، ورسالتها الرئيسة للعملاء هي: "سنقدم مكاسب الاستدامة الجديدة عبر توسيع نطاق خدماتنا، وليس عليك سوى اللحاق بنا إلى هذه السوق الجديدة".

في بداية انتشار جائحة كوفيد، رأى فريق العلامة التجارية لايسول في شركة ريكيت فرصة في التفكير خارج نطاق مكانة المنتج الحالية على اعتباره معقماً للأسطح في السوق الاستهلاكية، فحول غاية العلامة التجارية من "منتج تنظيف" إلى "عرض متعلق بالصحة والرفاهة". وانطلاقاً من الغاية الجديدة المتمثلة في "حماية الناس من المرض"، ركز الفريق على بيع مناديل لايسول مع نصائح للوقاية من العدوى إلى الشركات التي اعتمدت بدورها على قوة علامة لايسول التجارية لتؤكد لعملائها أنها تأخذ الجائحة على محمل الجد.

يجب على العلامة التجارية التي تستعين بالاستدامة للدخول إلى سوق جديدة تحقيق فائدة لها قيمة كافية لإقناع العملاء بقبول العرض الجديد بدلاً من تجاهله، ويجب أن تكون أهمية مكاسب الاستدامة بالنسبة للعملاء مساوية لأهمية عوامل التمييز الأخرى مثل الملاءمة والسعر والأداء.

خذ مثلاً الشركة العالمية لتكنولوجيا الطاقة، شنايدر إلكتريك، التي نفذت هذه الشروط على أكمل وجه حين نقلت تركيزها من منتجات توزيع الكهرباء التقليدية (مثل مفاتيح المرحّلات الكهربائية "ريلاي" وقواطع الدارات) إلى سوق خدمات تحسين كفاءة استهلاك الطاقة الجديدة. في بدايات العقد الأول من الألفية الثالثة، أدركت شركة شنايدر أن أهمية تخفيض انبعاثات الكربون تزداد على اعتباره وسيلة لخفض التكاليف في الشركات، ورأت فرصة في تبني غاية جديدة متعلقة بالاستدامة وتقديم نوع جديد كلياً من القيمة لزبائنها من الشركات التي لم يكن عليها سوى شراء الأجهزة المتكاملة والحلول البرمجية الجديدة التي تنتجها شنايدر (مثل منظِمات الحرارة الذكية التي تخفض الحرارة تلقائياً حين يخلو المبنى من السكان) من أجل تحقيق الفائدتين. وبفضل هذه الاستراتيجية الجديدة ازدادت مبيعات شركة شنايدر إلى أكثر من الضعف على مدى 15 عاماً وارتفع سعر سهمها أربعة أضعاف. خذ مثلاً شركة وول مارت التي استعانت بشركة شنايدر من أجل إدارة مشروعها "غيغاتون" (الذي يهدف إلى تفادي مليار طن من انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2030)، وشركة إس تي مايكرو إلكترونكس (STMicroelectronics) التي استعانت أيضاً بشركة شنايدر من أجل مساعدتها على تحقيق حيادية الكربون بحلول عام 2027. يجب على الشركات التي تغير السوق التي تعمل فيها بالدخول إلى فئات منتجات جديدة أن تحذر من الشركات المنافسة القادرة على تجاوزها والتقدم عليها بعدة مراحل لأنها تحقق مكاسب استدامة أفضل. خذ مثلاً شركات النفط التقليدية التي استثمرت مبالغ طائلة في الوقود الحيوي القائم على الإيثانول التذي يمكن خلطه مع البنزين لتخفيف الانبعاثات بنسبة تقارب 50%، ولكن شركة تكرير النفط الفنلندية، نيستيه (Neste)، تخطتها وتقدمت عليها بمراحل عن طريق تطوير وقود متجدد لا يحتاج إلى خلطه بالبنزين، ويقلل الانبعاثات بنسبة تصل إلى 90%.

التطعيم. تسلّط العلامات التجارية التي تتبنى هذه الاستراتيجية الضوء على إحدى مشكلات الاستدامة ضمن فئة منتجها أو سوقها الحالية، وتتوصل إلى طرق لتشجيع العملاء على تغيير سلوكهم من أجل المساعدة على معالجتها. هذه الاستراتيجية هي الأفضل بالنسبة للعلامات التجارية التي تتمتع بميزة تنافسية في سوقها الحالية ولا تستطيع تحقيق مكاسب الاستدامة الإضافية إلا عن طريق عملائها، ورسالتها لهم هي: "نعاني جميعنا من هذه المشكلة، ونحن بحاجة إلى مساعدتكم من أجل إحراز تقدم حقيقي في معالجتها".

خذ مثلاً شركة نايكي (Nike) التي نجحت في تنفيذ استراتيجية التطعيم إلى جانب التزامها القديم المعهود تجاه العدالة بين الجنسين على اعتبارها جزءاً من جدول أعمالها الخاص بالاستدامة؛ تنسحب الفتيات في سن 14 عاماً من الأنشطة الرياضية بمعدل يعادل ضعفي معدل انسحاب الصبية، ولذلك تعمل مبادرة شركة نايكي، ميد تو بلاي (مُصمم لأجل اللعب) أو (Made to Play)، بالتشارك مع الجهات المجتمعية من أجل زيادة الفرص المتاحة للفتيات للمشاركة في الفعاليات الرياضية ولتعيين مدربات إناث وتدريبهنّ. إلا أنه كما يقول أحد المساهمين في مجلة فوربس: "لا يقتصر تعزيز اللاعبات الرياضيات على اتباع استراتيجية تسويق مُلهمة، بل يتطلب توفير سلع مُلهمة أيضاً". ولذلك بذلت شركة نايكي جهداً هائلاً لتطوير اللوازم الرياضية المبتكرة للفتيات والنساء، وأصبح ذلك مصدراً مهماً لإيراداتها، وبدأ بنسبة لا تزيد على 10% من إجمالي إيراداتها في تسعينيات القرن الماضي ليصل إلى نحو 25% منها اليوم.

يتوقف نجاح استراتيجية التطعيم على تغيير سلوك المستهلك الذي ينشأ غالباً من القواعد الثقافية أو العادات القديمة، ولكن المستهلكين يبدون مقاومة لهذا التغيير إذا شعروا بالضغط. وأحد أكثر الأساليب فعالية لضمان مشاركة المستهلكين في خطة الاستدامة التي تعمل الشركة على تنفيذها هي وضع طلب تغيير السلوك ضمن إطار ما سيخسره المستهلك إذا لم يغير سلوكه، يقوم هذا الأسلوب على الظاهرة النفسية المعروفة بتفادي الخسارة (Loss Aversion)؛ تبين الدراسات أن الإنسان يفضل تفادي خسارة شيء ما على اكتساب شيء مكافئ.

فهمت شركة ريكيت ذلك عندما اغتنمت غاية علامتها التجارية فينيش المتخصصة في مواد التنظيف الخاصة بغسالات الصحون، "ادخار الماء للمستقبل"، من أجل تغيير حوارها مع المستهلكين في تركيا التي ستعاني نقصاً شديداً في الماء بحلول عام 2030 إذا لم تتغير أنماط الاستهلاك فيها. اكتشفت العلامة التجارية أن نصف الأسر التركية تغسل الصحون بالماء قبل وضعها في غسالة الصحون، ما يشكل هدراً كبيراً للماء، فأقامت حملة إعلانية بعنوان "لا تغسلها بالماء" لتوضح للمستهلكين أنهم إذا وضعوا الصحون في غسالة الصحون مباشرة واستخدموا منتج فينيش كوانتوم المصنوع خصيصاً لهذا الغرض فسيوفرون قرابة 57 لتراً من الماء في كل استخدام، وتشاركت بصورة موازية مع شركات إعلامية وشركات تصنيع غسالات الصحون ووزارة الموارد المائية التركية لتثقيف المستهلكين بمطالبتهم بالتفكير في الظروف التي سيعيشها الجيل القادم، إذ من المحتمل ألا تصل كمية الماء المتوفر له إلى نصف الكمية الحالية. رفعت هذه الحملات الوعي بالعلامة التجارية وعوضت خسارة الحصة السوقية التي واجهها المنتج وقللت استخدام الماء في غسالات الصحون بنسبة 20%.

ثمة طريقة أساسية أخرى لدفع المستهلكين إلى المشاركة في خطة العلامة التجارية للاستدامة، وهي إتاحة أسهل الخيارات لهم؛ في سويسرا مثلاً تقدم العلامة التجارية، نسبريسو (Nespresso)، خدمة بريدية تعمل على تعبئة كبسولات القهوة المستخدمة واستلامها من المنازل مجاناً، وفي فرنسا تقدم سلسلة متاجر التجزئة، لوكلير (Leclerc)، لزبائنها أكياس الخيش "القابلة لإعادة الاستخدام والتدوير والاستبدال مدى الحياة" من أجل الاستغناء عن أكياس البلاستيك بسهولة (لمزيد من المعلومات حول طريقة تغيير عادات المستهلكين من أجل تحقيق أهداف الاستدامة يمكنك الاطلاع على مقال "المستهلك الأخضر صعب المنال" المنشور في هارفارد بزنس ريفيو الأميركية، عدد شهري يوليو/تموز-أغسطس/آب عام 2019).

يتعين على الشركات التي تفكر في اتباع نهج التطعيم توخي الحذر الشديد فيما يتعلق بالإنصاف المُدرَك، وهو شرط في أي استراتيجية تعتمد على مشاركة المستهلكين، لأن المستهلكين سيرفضون المشاركة في حمل عبء خطتها لتحقيق الاستدامة إذا شعروا أنها تطالبهم بذلك من دون أن تقوم بأي دور. حرصت العلامة التجارية، فينيش، على تأكيد شراكتها مع المستهلكين الأتراك من خلال إطلاق مجموعة من مشاريع حماية المياه تشمل العمل مع مؤسسة غير حكومية وإحدى هيئات الحكومة المحلية من أجل إنعاش بحيرة كويوجوك، وهي منطقة أراض رطبة خاضعة للحماية ذات أهمية كبيرة، والعمل مع بنك التنمية الصناعية التركي من أجل إنشاء مؤشر تتبع لجميع موارد المياه في تركيا.

التهجين. تتضمن هذه الاستراتيجية إعادة ابتكار العلامة التجارية بإجراء تغييرَين متزامنَين يعتمد كل منهما على الآخر؛ التوسع إلى سوق جديدة مع هدف جديد للاستدامة، وإجراء عملية إعادة تموضع كبيرة للعلامة التجارية مع مطالبة المستهلكين بتغيير سلوكهم، ورسالتها لهم هي: "فلنعمل معاً على تغيير القواعد والأدوار والعادات كي يصبح القطاع مستداماً أكثر". هذا هو أكثر التغييرات جرأة، ويستدعي عادة اتباع طرق جديدة في التنافس. استراتيجية التهجين هي خيار مناسب للشركات التي تعاني تباطؤ النمو أو تعطله أو تتبع نهجاً محدوداً أكثر مما يجب لحلّ المشكلات المتعلقة بالعملاء والبيئة والمجتمع.

بالنسبة للعلامة التجارية فانيش (Vanish) المتخصصة بمستحضر تنظيف الملابس وإزالة البقع منها، تبنت شركة ريكيت في البداية استراتيجية التخصيب التي ركزت على تقليل أثر الكربون من سلسلة التوريد. ولكن نظراً إلى التكاليف البيئية والاجتماعية العالية في قطاع الألبسة أدركت العلامة التجارية أن جهودها المكرسة للاستدامة ليست مجدية، فاتخذت خطوة حاسمة للانتقال إلى سوق جديدة؛ نظام "الموضة الدائرية" حيث تُباع الألبسة بقصد إعادة استخدامها والتخلص منها على نحو مسؤول، ودعت العملاء للمشاركة. وفقاً للرئيس التنفيذي للتسويق والاستدامة وشؤون الشركات في شركة ريكيت، فابريس بوليو، يكمن سرّ نجاح هذه النقلة في المساعدة على تخفيف الهدر عن طريق ضمان أن "تعيش" الملابس مدة أطول. استفادت العلامة التجارية، فانيش، من وعدها الأصلي؛ الملابس التي تُنظّف بلطف تبقى بحال أفضل مع مرور الوقت، لعقد شراكة مع الشركة المستدامة لخدمة الغسيل في المملكة المتحدة، أوكسووش (Oxwash)، بهدف إطالة عمر الملابس. ومؤخراً، عقدت العلامة التجارية شراكة مع مؤسسة مجلس الأزياء البريطاني (British Fashion Council) بهدف تحفيز المستهلكين على تبني الموضة الدائرية بالاعتماد على الوعد بأن يؤدي استخدام منتج فانيش إلى إطالة عمر الملابس المستعملة وجعل ألوانها مشرقة أكثر. تمثل هذه الشراكة تغييراً كبيراً في استراتيجية الاستدامة التي تتبناها العلامة التجارية فانيش وتتطلب تغييراً كبيراً في سلوك المستهلكين. سيستغرق قياس أثر البرنامج عدة أعوام، إلا أن النتائج المبكرة تبشر بالخير.

تبنى تكتل الشركات المتعدد الأنشطة الذي تصل قيمته إلى 19 مليار دولار، ماهيندرا غروب (Mahindra Group)، استراتيجية التهجين أيضاً من أجل زيادة انتشاره وتوسيع أثر استدامته؛ على اعتبار إحدى شركاته، ماهيندرا آغري (Mahindra Agri)، شركة رائدة في مجال المعدات الزراعية، فقد قررت تحويل استراتيجيتها ووضع الاستدامة محوراً لها مع الوعد بإنشاء "أمة من المزارعين الأبطال". وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2020 طرحت عرض "الزراعة كخدمة"، كريشي (Krish-e)، بهدف زيادة محصول المزارعين الفقراء ودخلهم عن طريق تأجيرهم آلات الحرث والحصاد والرشاشات وتقديم الخدمات الاستشارية والرقمية وخدمات الزراعة الدقيقة التي تشمل تيسير العمليات الميدانية، وإلى جانب عرض منتجها الجديد عملت على إقناع المزارعين بالتخلي عن الأساليب القديمة التي اتبعوها في زراعة المحاصيل على مدى عقود من الزمن وتعلم أساليب جديدة.

تطوير الاستراتيجية

تستخدم استراتيجيات استدامة العلامة التجارية الأربعة ضمن مصفوفتنا غاية الاستدامة من أجل تحصيل القيمة للشركات، إما باكتساب حصة أكبر من الأعمال التجارية في السوق الحالية (التخصيب والتطعيم) أو بدخول أسواق مجاورة أو إنشاء أسواق جديدة (الزراعة والتهجين). يمكن أن يحدد المسؤول التنفيذي الاستراتيجية الأنسب لكل علامة تجارية باستخدام العملية التكرارية ذات الخطوات الأربع، بدءاً من إجراء دراسة متعمقة على غاية الاستدامة واستراتيجيتها الحالية.

تمعن في نهجك الحالي بدءاً من تحديد استراتيجية الاستدامة الحالية لعلامتك التجارية، واطرح على نفسك الأسئلة التالية:

  • هل تتمتع العلامة التجارية بمكانة تنافسية قوية في سوقها الحالية؟
  • هل تلقى استراتيجية الاستدامة الحالية صدى لدى العملاء؟
  • هل يمكن أن تسهم الاستدامة أكثر في أداء أعمال العلامة التجارية؟
  • هل يمكن أن تكون الاستدامة بمثابة برنامج عمل لزيادة الابتكار والنمو؟ ستساعدك أجوبتك على تحديد الفرص المتاحة إما لتنشيط استراتيجيتك الحالية أو للانتقال إلى مجال آخر.

خذ مثلاً قطاع الزراعة؛ تكشف الدراسة المتعمقة لهذه الأسئلة عن أن مجال الأعمال الزراعية يحتاج إلى الابتكار، إذ يعاني المزارعون في العالم صعوبة في تأمين رزقهم، والعلامات التجارية الموثوقة قادرة على مساعدتهم على تحسين الأداء المستدام في جميع مراحل دورة حياة زراعة المحاصيل.

تخطيط رحلة العميل. بعد ذلك، ضع خطة لطرق استخدام العملاء منتجك من أجل تحقيق هدف، أو كما يقول كلايتون كريستنسن، اسأل نفسك: "ما هو العمل الذي يستأجر العملاء منتجك من أجل أدائه؟" ولا تنس أن منتجك على الأرجح هو مجرد عرض واحد بين عدة عروض متاحة أخرى، لذلك فكر في أثناء تخطيط رحلة العميل في العلامات التجارية الأخرى وما يدفع العملاء لاختيار إحداها أو إحدى فئات المنتجات الأخرى لتؤدي نفس الوظيفة.

كانت وحدة العمل الزراعي في شركة ماهيندرا تركز على بيع المعدات الزراعية للمزارعين، ولكن من أجل بناء أمة من المزارعين الأبطال كان عليها التمعن في طرق عمل المزارعين على تحقيق هدفهم المتمثل في كسب الرزق وإنتاج محاصيل زراعية سليمة. فبدأت العمل بهدف فهم العملية التي يخوضها المزارع من البداية إلى النهاية، بدءاً من اختيار المحاصيل التي سيزرعها والبذور التي سيستخدمها مروراً بعملية غرس البذور ورعايتها وصولاً إلى حصاد المحصول، كما أجرت مراجعة شاملة للشركات المنافسة الأخرى التي تقدم منتجات أو خدمات في كل مرحلة من مراحل عملية الزراعة.

استراتيجية التهجين هي خيار مناسب للشركات التي تعاني تباطؤ النمو أو تعطله أو تتبع نهجاً محدوداً أكثر مما يجب لحلّ المشكلات المتعلقة بالعملاء والبيئة والمجتمع.

قياس أثر أصحاب المصالح. بعد أن توضح صورة رحلة العميل، لا بد لك من تقييم أثر الاستدامة الذي يحققه كل من العملاء والمنافسين وشركتك نفسها في كل خطوة، ويتمثل أحد الأساليب الفعالة في وضع مصفوفة تضم أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر للتنمية المستدامة في عناوين للأعمدة، وجميع أنشطة رحلة العميل في عناوين الصفوف الأفقية، ثم الإشارة إلى أثر كل نشاط في كل هدف من أهداف التنمية. تسبب الزراعة عدة آثار سلبية محتملة فيما يتعلق بعدد من أهداف التنمية المستدامة، ومنها إدارة المياه (الهدف 6) وتآكل التربة (الهدف 12) والإفراط في استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية (الهدف 12).

ثم حدد أصحاب المصلحة المشاركين في النشاطات كلاً على حدة؛ مثلاً، يستخدم المزارعون المبيدات الحشرية في مرحلة معينة من عملية الزراعة، ويمكن أن يفرطوا في استخدام المواد الكيماوية، ولكن قد يكون ذلك بسبب رداءة جودة المنتجات، حينئذ يسهم المزارع والمورّد معاً في نتائج الاستدامة السلبية لهذا النشاط. بالنسبة لشركة ماهيندرا، أدركت من خلال هذه العملية الحاجة إلى مبادرة مربحة تجمع تقديم التعليم والمعدات والأساليب الأفضل أو الأساليب المدروسة بدرجة أكبر لاستخدام المبيدات الحشرية من أجل تحسين نتائج الاستدامة ومحاصيل المزارعين في آن معاً.

اختيار الاستراتيجية المناسبة. سيعتمد اختيار السوق، سواءً كان البقاء في السوق الحالية أو الدخول إلى سوق مجاورة أو إنشاء سوق جديدة أو الانتقال إليها، على المعلومات التي توفرها الدراسات التحليلية التي تجريها على احتياجات العملاء ومكاسب الاستدامة في جميع مراحل رحلتهم. وسيعتمد اختيار الاستدامة عبر الشراء أو عبر المشاركة على المعلومات التي توفرها الدراسة التحليلية التي تجريها على قدرة العملاء أو غيرهم من أصحاب المصالح على التأثير في تحقيق مكاسب الاستدامة.

بالنظر إلى شركة ماهيندرا آغري من هذا المنظور، نرى أن تبني استراتيجية التهجين تفي بجميع هذه الشروط، فقد تمكنت بواسطة منتجها، كريشي، من اقتناص الفرصة للانتقال إلى أسواق جديدة بمنتجات جديدة مع مساعدة المزارعين على تحويل ممارساتهم في الوقت نفسه، وكان الأثر كبيراً؛ فقد تمكن عرض كريشي من زيادة محاصيل المزارعين بنسبة 15%، وخفض تكاليفهم بنسبة تتراوح بين 8 و12%، وزيادة أرباحهم بما يصل إلى 79 دولار لكل فدان.

استراتيجيات تحسين استدامة العلامة التجارية هي رحلة معقدة كثيرة المتطلبات، ولكن عن طريق التحليل المنطقي لموضع العلامة التجارية واتجاه مسارها ضمن إطار العمل ستتمكن الشركات من تنفيذ مبادرات استدامة العلامة التجارية على نحو يضمن دعم سمعتها ومكاسبها البيئية والاجتماعية مع تعزيز قدرتها على المنافسة وأداء أعمالها التجارية في آن معاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي