تغيير ثقافة العمل يتطلب تصحيح الأنظمة وليس التركيز على التواصل

10 دقيقة
ثقافة العمل
أنطون فيريتين/غيتي إميدجيز

يتعامل العديد من القادة مع الثقافة على أنها جزء من استراتيجية التواصل؛ فهم يعتقدون أنها تكمن في الرسائل التي يرسلونها، أي في توضيح غاية المؤسسة وتحديد القيم وأنماط الحملات الداخلية. لكن الثقافة لا تتغير بتقديم السرديات الجديدة، بل عندما تتغير الأنظمة:

  • أي عندما يخاطر الق…

الثقافة هي واحدة من أكثر الأولويات التي يناقشها العاملون في مجال القيادة. مع ذلك، فهي من أكثر الأولويات التي يسيء الكثيرون فهمها باستمرار. يقول المدراء التنفيذيون دائماً إن الثقافة هي ضرورة استراتيجية؛ فهم يطبقون حملات نشر القيم ويجرون برامج الرفاهة ويعيدون النظر في أهداف الشركة الرئيسية ويتحدثون بشغف عن الثقة وغاية الشركة. لكن على الرغم من ذلك، هذه الجهود لا تجدي نفعاً. لاحظنا في العديد من المؤسسات أنه كلما تحدث القادة أكثر عن الثقافة، زادت نظرة الموظفين إليها على أنها مجرد مظهر استعراضي، خاصة عندما لا تتوافق الأفعال مع الرسالة.

تحكم الثقافة كل شيء بدءاً من اندماج الموظفين ومعايير صناعة القرار وصولاً إلى تصور العلامة التجارية وتحديد المخاطر المسموح بها. عندما تسيء المؤسسة إدارة الثقافة، فإنها تفقد الثقة وقدرتها على إحراز التقدم.

أصبحت هذه المفارقة نقطة انطلاق في بحثنا؛ إذ سعينا لتحديد الأثر المباشر للثقافة من خلال إجراء دراسة في عدة بلدان، وأضفنا نتائجها إلى "موسوعة إلغار للقيادة". كان هدفنا هو الاطلاع على تعريف كبار القادة للثقافة والطرق التي يتبعونها للتعبير عنها وتطبيقها، وأيضاً على انطباع الموظفين في المؤسسة عن هذه الجهود. استمرت الدراسة 18 شهراً وشملت 164 من كبار القادة يعملون في مؤسسات في القطاعين الخاص والعام والقطاع غير الربحي في أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا. اخترنا القادة بناءً على انخراطهم الفعال في تصميم المبادرات الثقافية أو إشرافهم على التغييرات الثقافية الكبيرة. أجرينا مقابلات متعمقة ومحادثات مع الفرق وراقبنا بيئات العمل، كما فحصنا بيانات اندماج الموظفين وتتبعنا الاستقصاءات نصف السنوية لمؤشرات مثل الثقة في القيادة والأمان النفسي والشفافية في التواصل. مكننا ذلك من تقييم بناء القادة للثقافة؛ ليس من خلال ما يقولونه عن الرؤية، بل في الاجتماعات والتفاعلات والقرارات اليومية.

ظهر نمط محدد باستمرار، وهو أن العديد من القادة يتعاملون مع الثقافة على أنها استراتيجية تواصل؛ فهم يعتقدون أنها تكمن في الرسائل التي يرسلونها، أي في توضيح غاية المؤسسة وتحديد القيم والعمل بها وتحديد أنماط الحملات الداخلية. لكن الثقافة لا تتغير بتقديم السرديات الجديدة، بل عندما تتغير الأنظمة، أي عندما يخاطر القادة على الصعيد الشخصي ويطبقون القواعد ويلبون المعايير بدلاً من مجرد إعلانها.

ركزنا في البحث على الأسئلة الأربعة الرئيسية التالية:

  • كيف يعرف كبار القادة الأثر الثقافي ويقيسونه؟
  • ما هي الفجوات التي تظهر بين نية القادة وتجربة الفريق؟
  • ما هي السلوكيات التي تبين الأصالة، وما هي السلوكيات التي تقوضها في الخفاء؟
  • ما الذي يتطلبه بناء ثقافة مستدامة؟

ما اكتشفناه كان مذهلاً، وهو أن ما يفشل في ترسيخ الثقافة ليس نسيان أسسها، بل إساءة فهمها، أي النظر إليها على أنها مظهر يروج له لا سلوك يتبع فعلاً، أو على أنها مجرد ناتج لا أساس يبنى عليه. عندما يحدث ذلك، قد تؤدي الجهود إلى تراجع الثقة التي من المفترض أن تعززها، حتى إن كانت ذات نية حسنة. سنتحدث فيما يلي عن نتائج بحثنا:

الثقافة ليست مجرد حملة ترويج

في العديد من المؤسسات، يبدأ العمل على بناء الثقافة بمبادرات واضحة؛ إذ تحدد فرق القيادة القيم المحدثة أو تأمر بتصميم الملصقات أو تطرح حزم الرموز التعبيرية على تطبيق سلاك أو تجدول ورش العمل حول التعاطف. في حين أن النوايا وراء هذه المبادرات صادقة غالباً، فإن هذه الجهود الرمزية لا تلهم الموظفين، بل تسبب انفصالهم عن العمل إذا لم تكن مصحوبة بتغيير حقيقي في سلوك القادة.

اكتشفنا في البحث أن 72% من الشركات التي طرحت مبادرات ثقافية رسمية منذ عام 2022 لم تشهد زيادة ملحوظة في ثقة الموظفين أو اندماجهم أو استبقائهم بعد مرور عام واحد. على الرغم من أن المؤسسات استثمرت الموارد في هذه الجهود وأبرزتها، فقد نظر الموظفون إليها على أنها سطحية، أي استعراضية وليست حقيقية.

كان العكس صحيحاً أيضاً؛ ففي الشركات التي غير فيها كبار القادة أسلوبهم القيادي، أي طرق إدارة الاجتماعات وتقديم الملاحظات واتخاذ القرارات والتعامل مع التحديات، ارتفعت درجات الثقة بنسبة 26% حتى في غياب الحملات الترويجية. قال لنا أحد المدراء التنفيذيين المشاركين في البحث: "لم نكتب قيمنا في شعارات، بل جسدناها في السلوكيات التي أردنا من موظفينا اتباعها"، كما قال أحد كبار القادة المشاركين: "لم نعلن عن العمل على تغيير الثقافة، بل انتهجنا سلوكاً يبين أن الثقافة مهمة لنا".

المشكلة ليست في غياب النية، بل في طريقة تأطير الثقافة. لا يزال القادة يتعاملون مع الثقافة على أنها مشروع، أي مبادرة يجب طرحها أو ترويجها أو تحميل قسم الموارد البشرية مسؤولية بنائها. في الوقت نفسه، لا يغير القادة آليات توزيع السلطة الأساسية وعادات التواصل ومعايير صناعة القرار، كما أن نظام عمل المؤسسة الأعمق يبقى على حاله.

يلاحظ الموظفون ذلك؛ إذ أخبرنا 59% منهم بأن تصرفات كبار القادة العليا تتعارض مرة واحدة أسبوعياً على الأقل مع القيم التي يصرحون بها. هذه ليست اختلالات معزولة، بل انتهاكات واضحة تقوض المصداقية وتستنزف الزخم. لا يمكن إزالة الأثر السلبي لهذا التعارض بترويج الثقافة.

نصيحة احترافية

يجب تجسيد الثقافة قبل التحدث عنها؛ بدلاً من ترويجها، أعد النظر في الآليات الفعلية التي يتبعها فريق كبار القادة في العمل. ما هي المواضع التي تكون فيها القرارات مبهمة؟ وما هي الحالات التي تكون فيها التراتبية الهرمية هي المعيار؟ وما هي العوامل التي تقوض الأمان النفسي؟ بعد ذلك، ابدأ بمعالجة هذه المشكلات كلها.

القيم غير مهمة إلا إذا كان لتطبيقها ثمن

يثمن المدراء التنفيذيون غالباً القيم مثل التعاطف والشمول والنزاهة، ويتحدثون عنها في العروض التقديمية وجلسات إعداد الموظفين الجدد والاجتماعات العامة التي يعقدها الرؤساء التنفيذيون. مع ذلك، لا يفكر الموظفون في الالتزام بالقيم بناءً على تكرار حديث القادة عنها، بل على أساس استعداد القادة للتضحية في سبيل التمسك بها فعلاً.

وصفت قيادة أحد البنوك العالمية العدالة بأنها ركيزة ثقافية أساسية، وكانت طريقة تعبيرها عن هذه القيمة مؤثرة وبارزة. مع ذلك، ظلت تعويضات التنفيذيين مرتبطة بالكامل تقريباً بالإيرادات. عندما مارس المناصرون الداخليون الضغط بهدف التوفيق بين قيمة العدالة وأنظمة المكافآت، تذرع القادة بضغوط السوق وتجنبوا اتخاذ أي إجراء. تراجعت درجات الثقة الداخلية بنسبة 12% على مدار العام التالي، وشهد الموظفون من الفئات المهمشة الانخفاض الأكبر؛ فكانت رسالة القيادة واضحة: الأداء أهم من المبدأ.

في المقابل، ربطت إحدى شركات الاتصالات في أميركا اللاتينية 13% من مكافآت كبار القادة بجودة القيادة وتطوير الفريق والثقافة القائمة على تقديم الآراء والملاحظات. لم تكن هذه السياسة رمزية فقط، بل غيرت صياغة الأولويات وجعلت تقييم نجاح القادة قائماً على التوازن السليم بين الأداء المالي والسلوك القيادي. في غضون 12 شهراً، ارتفع معدل الاحتفاظ بالموظفين بنسبة 18% وزادت معدلات الترقية الداخلية، ولا سيما في الفرق التي يقودها المدراء الذين تبنوا هذه السياسة والتزموا بها.

أشد الرسائل الثقافية أثراً هي التي تنطوي على مخاطر شخصية واضحة. قد يتطلب ذلك تغيير سياسة الحوافز أو فرض القيم حتى إذا أدى ذلك إلى خسارة أصحاب الأداء المتميز، وقد يتطلب أيضاً توزيع مسؤولية صناعة القرار التي كانت تقع فقط على القيادة العليا. تظل القيم استعراضية إذا لم يكن لتطبيقها أي عواقب؛ إذ يعتبر الموظفون التركيز عليها عرضاً مسرحياً غير صادق.

نصيحة احترافية

لا يتوقع الموظفون من القادة أن يكونوا مثاليين، بل يتوقعون منهم سلوكاً متسقاً، خاصة عندما تكون هناك عواقب لهذا السلوك. اختر قيمة معلنة واطرح السؤال: "ما هو ثمن تطبيق هذه القيمة في الواقع؟ هل هو تكلفة مالية أو متعلقة بتوزيع السلطة أو سرعة العمل أو السيطرة؟" بعد ذلك، اتخذ إجراءً واضحاً لتطبيق هذه القيمة والتزم بها.

الصمت لا يعني التوافق

يصدق القادة غالباً ما يسمعونه من الآخرين، ولكن الآخرين لا يعبرون عن قناعاتهم الحقيقية دائماً. قد يبدو أن الصمت تعبير عن التوافق في أوساط المدراء التنفيذيين ذوي المكانة العالية، لكن في الحقيقة، يخفي الموظفون غالباً مخاوفهم وشكوكهم وآراءهم التي تتعارض مع آراء الآخرين.

اكتشفنا في بحثنا أنه في هذه الأوساط، يخفي 69% من الموظفين بانتظام ملاحظاتهم أو مخاوفهم المتعلقة بالقيادة العليا. السببان الرئيسيان لذلك هما عدم الجدوى والخوف. قال العديد من الموظفين إنهم عبروا عن آرائهم من قبل دون جدوى، بينما خشي آخرون من أن يظن زملاؤهم أن طبعهم صعب أو أنهم لا يتمتعون بالولاء أو أنهم يعرضون المؤسسة للخطر.

حاولت إحدى شركات التكنولوجيا الأوروبية معالجة هذه المشكلة من خلال إجراء منتديات الأسئلة والأجوبة المجهولة الهوية وتشجيع الاختلاف العلني بالآراء. بدت هذه الخطوة مفيدة نظرياً، لكن 83% من الموظفين من المجموعات المهمشة أفادوا بأنهم لم يقدموا أي سؤال. برر هؤلاء ذلك بأنهم لا يشعرون بالأمان النفسي وبأنهم يخشون من أن إخفاء هوياتهم لن يحميهم من ردود الفعل السلبية في السياقات غير الرسمية. تغير شكل التفاعل ولكن آليات توزيع السلطة ظلت كما هي.

أعادت الشركة النظر في هذا النهج واتبعت نهجاً عكسياً في طرح الأسئلة والإجابة عنها؛ إذ انتقت لجان تمثيل الموظفين الأسئلة الأهم والأكثر إرباكاً وألقتها دون مراجعة وتنقيح على القادة التنفيذيين في اجتماعاتهم المفتوحة مع الموظفين عبر الفيديو. ارتفعت درجات الثقة الداخلية بنسبة 32% بعد ثلاثة أرباع سنوية، وقال الموظفون إنهم شعروا بأن آراءهم مسموعة واستنتجوا أن استماع الآخرين لهم يحدث فرقاً ملحوظاً.

الخلاصة بسيطة ولكن القادة يتجاهلونها غالباً، وهي أن الناس يعبرون عن أنفسهم عندما يشعرون بالأمان وعندما تكون عواقب الصمت وخيمة، وعندما تؤدي آراؤهم إلى إحداث التغيير. لا يمكن بناء الثقافة من خلال طلب تقديم الملاحظات والآراء، بل بالطريقة التي يستجيب وفقها القادة للآراء التي لا تتوافق مع آرائهم.

يخلط الكثيرون بين الصمت والإجماع. لكن في الأوساط ذات التراتبية الهرمية الصارمة، يعكس الصمت غالباً الانفصال أو الخوف أو العجز المكتسب. الخطوة الأولى نحو تحقيق التوافق الحقيقي هي إدراك أن الموظفين لن يتحدثوا عن المسائل الشائكة ما لم تفسح المجال لهم وتحميهم من عواقب ذلك.

نصيحة احترافية

اطلب من أحد موظفي الخطوط الأمامية أن يبدأ الاجتماع العام التالي بملاحظة حول الثقافة يتجنب الجميع تقديمها عادة وتكون من اختيار أقرانه. لا تشرح ما يقوله الموظف ولا تبرره، بل اكتف بالاستماع وتقبل تعبيره عن رأيه وباتخاذ خطوة واضحة نحو حل المشكلة التي يطرحها؛ فالعبرة ليست بالسؤال نفسه، بل بالرسالة التي ترسلها من خلال إجابتك.

وهم الامتيازات

عندما يشعر المدراء التنفيذيون بأن الثقافة غير راسخة، يلجأ العديد منهم إلى تقديم الامتيازات. يحاول هؤلاء إثبات أن الثقافة تدعم الموظفين من خلال توفير تطبيقات الصحة النفسية ووجبات الغداء المجانية وأيام استعادة النشاط ومخصصات الرفاه الصحي. لكن عندما يقدم القادة الامتيازات بدلاً من تطبيق تغيرات حقيقية، تعود هذه الامتيازات بنتائج عكسية.

طرحت إحدى شركات التكنولوجيا الأوروبية التي شملتها دراستنا مجموعة كاملة من المزايا تضمنت الإجازات غير المحدودة وتطبيق سياسة جداول العمل المرنة في نهاية الأسبوع والمطالبات اليومية بإظهار الامتنان وإمكانية الوصول إلى أدوات اليقظة الذهنية. كانت هذه الامتيازات سخية نظرياً، ولكن التقييمات الداخلية انخفضت على نحو حاد في غضون 3 أشهر؛ إذ أفاد الموظفون بأنهم يعانون درجة أعلى من الاحتراق الوظيفي. يعود ذلك إلى أن سير العمل الفعلي لم يتغير إطلاقاً. ظلت الأدوار غامضة والمواعيد النهائية غير منتظمة، بينما ظل الموظفون يتلقون الرسائل عبر تطبيق سلاك بعد ساعات العمل. هدف الشركة كان فصل الموظفين عن العمل خارج ساعاته، ولكنها توقعت منهم تجاوباً دائماً مع العمل.

ظهر نمط مشابه في إحدى الشركات الإعلامية في جنوب شرق آسيا، التي خصصت أياماً لتجنب استخدام الأدوات الرقمية وقدمت مخصصات الرفاه الصحي. على الرغم من المبادرات الجديدة، أبلغ الموظفون عن معاناتهم القلق المتزايد، يرجع ذلك بأغلبه إلى الضغط اليومي الناجم عن جداول مواعيد الإنتاج الصارمة والتغييرات التحريرية المطلوبة في اللحظات الأخيرة.

أصبحت الامتيازات مصدر ضغط وشعر الموظفون بالذنب لأنهم يأخذون الإجازات؛ فهم لم يعلموا إن كان أخذ الإجازة مسموحاً حقاً. عبر أحد أعضاء الفريق عن ذلك صراحة قائلاً: "شعرنا وكأننا تلقينا تعليمات حول الرعاية الذاتية دون تغيير الظروف التي تجبرنا على إهمال أنفسنا".

هذه المشكلة ليست نادرة؛ إذ قال 57% من الموظفين في المؤسسات التي شملتها دراستنا إن حالتهم أصبحت أسوأ بعد تقديم الامتيازات المعززة للثقافة. السبب الأكثر شيوعاً لذلك هو أن الامتيازات عززت لدى الموظفين الشعور بأن القيادة كانت إما غير مدركة المشكلات العميقة وإما غير راغبة في الاعتراف بها. بدلاً من معالجة انخفاض الأمان النفسي أو عدم الاتساق في أساليب الإدارة أو عبء العمل الزائد المزمن، أقدمت الشركات على معالجة الأعراض فقط.

على النقيض من ذلك، شهدت المؤسسات التي ألغت الامتيازات السطحية وخصصت الموارد للتحسينات الهيكلية، مثل تدريب المدراء وحل النزاعات ووضع حدود أوضح للعمل، مكاسب حقيقية؛ إذ انخفضت درجات الاحتراق الوظيفي بنسبة 22%، بينما تعززت تصورات الإنصاف والقيادة الراعية على نحو ملحوظ.

العبرة هي أن الثقافة لا تترسخ بمنح الموظفين المزيد، بل عندما تلغي المؤسسات العمليات التي تهدر وقتهم أو تستنزف طاقتهم أو تجعل أولوياتهم مبهمة. الامتيازات ليست ثقافة، بل معايير العمل هي الثقافة.

نصيحة احترافية

احرص على إلغاء ميزة واحدة شائعة في هذا الربع السنوي، واستخدم الميزانية الزائدة لحل مشكلة تتعلق بسير العمل أو مشكلة إدارية معروفة، مثل المشكلات التي يشير إليها الموظفون ولكن يتجنبها القادة. بعد ذلك، صرح بما تفعله للموظفين وبين أن الثقافة لا تتعلق فقط بالاهتمام بالموظفين، بل بحل المشكلات.

مدراء الإدارة الوسطى غير قادرين على ترسيخ ما لا يجسده المدراء التنفيذيون في سلوكهم

تلقي القيادة العليا في أغلبية المؤسسات مسؤولية ترسيخ الثقافة على المستويات الأدنى، على الأقل من الناحية النظرية. يعلن كبار القادة عن مجموعة من القيم أو يطرحون مبادرة جديدة ثم يتراجعون، ويتوقعون من مدراء الإدارة الوسطى تحويل النوايا إلى أفعال، غالباً دون تقديم التدريب لهم أو منحهم الصلاحيات أو توفير الظروف الملائمة لنجاحهم.

ظهر هذا النمط في بحثنا في مختلف القطاعات. قال 69% من مدراء الإدارة الوسطى في إحدى شركات الخدمات العالمية إنهم يشعرون بأنهم المسؤولون عن الوفاء بالالتزامات الثقافية. مع ذلك، اعتقد 14% منهم فقط أن كبار القادة يتبعون سلوكيات تتوافق مع الثقافة ويمكن الاقتداء بها. هذا التباين بين المسؤولية والالتزام هو المؤشر الأهم على الاحتراق الوظيفي لدى المدراء في مختلف أنحاء المؤسسة.

المشكلة ليست عدم تبني الثقافة، بل امتناع كبار القادة عن اتباع سلوكيات تتوافق مع هذه الثقافة ويمكن الاقتداء بها. عندما يتعامل المدراء التنفيذيون مع ترسيخ الثقافة على أنه مهمة يجب تفويضها بدلاً من أدائها، فإنهم يربكون مدراء الإدارة الوسطى ويدفعونهم للسخرية من الثقافة ويجهدونهم.

على النقيض من ذلك، اتبع مسؤولو القيادة العليا في تكتل شركات في جنوب شرق آسيا نهجاً مختلفاً. بدلاً من إلقاء مسؤولية ترسيخ الثقافة على المستويات الأدنى، تولوا هذه المسؤولية بأنفسهم من خلال إعادة تصميم اجتماعاتهم بطريقة تعزز التوافق الثقافي؛ فبدؤوا بوضع جداول عمل الاجتماعات بالتعاون مع صغار الموظفين، وعبروا عن مخالفتهم لآراء أقرانهم صراحة وسجلوا الجلسات لعرضها على الفريق. في غضون عام، ارتفعت درجات توافق سلوكيات المدراء مع قيمهم بنسبة 37% وازدادت مصداقية المدراء التنفيذيين في كل وحدة عمل.

الخلاصة هي أنه إذا لم يلتزم القادة في أعلى المستويات الإدارية بالثقافة باستمرار وعلى نحو يمكن الاقتداء به، فلن يتمكن القادة في أي مستوى آخر من ترسيخها؛ لا يستطيع مدراء الإدارة الوسطى فرض ما لا يجسده كبار القادة، فالثقافة ليست رسالة تنقل من قمة الهرم إلى قاعدته، بل هي سلوك فعلي يجب ممارسته.

نصيحة احترافية

اطلب من أحد مدراء الإدارة الوسطى مراقبة أحد اجتماعات القيادة العليا دون تدخل مرة واحدة شهرياً، ثم اطرح سؤالاً بسيطاً: "ما هي السلوكيات التي تعتقد أنها تتوافق مع ثقافتنا المعلنة، وما هي السلوكيات غير المتوافقة؟" استمع له وستعرف منه أكثر مما يمكنك معرفته من عشرات الاستقصاءات.

النتيجة الأساسية لبحثنا هي أن ما يسبب فشل ترسيخ الثقافة ليس عدم الاهتمام بها، بل عدم إحداث تغييرات جذرية في آليات توزيع السلطة. يتحدث القادة عن الثقة ولكنهم يتخذون القرارات في الخفاء، ويثمنون الشمولية ولكنهم يكافئون الامتثال، ويشجعون على التعاطف ولكنهم يعاقبون من يعارضهم. هذه ليست مشكلات تتعلق بالتواصل، بل بالمصداقية.

في كل قطاع درسناه وكل منطقة شملها بحثنا، لم تتغير الثقافة إلا عندما تغير سلوك القادة. لا يتعلق هذا التغيير بأسلوب التواصل والمبادئ، بل بالبنية التنظيمية وآليات توزيع السلطة. لم تتبع الفرق الأكثر فعالية شعارات حملات الترويج، بل اتبعت نمطاً سلوكياً معيناً. بنت المؤسسات في تلك الأوساط الثقافة بفعل 3 عوامل:

  • السلطة: أي من يتخذ القرارات، ومن ينصت الآخرون له.
  • المخاطرة: أي العواقب التي يشعر القادة بالاستعداد للتعامل معها لتطبيق قيمهم.
  • تجسيد السلوكيات التي يمكن الاقتداء بها: أي السلوكيات التي يظهرها القادة ولا يطالبون الآخرين بها فقط.

إذا لم تركز على هذه العوامل، فلن تترسخ الثقافة.

قبل أن تعلن عن مبادرة ثقافية جديدة، تمهل قليلاً وفكر واسأل: "ما هي القيم التي نطلب من الآخرين تبنيها ولكننا لم نثبت التزامنا بها في سلوكنا؟" اتبع السلوكيات التي تثبت ذلك في البداية، ثم أعلن عن القيم. إذا أردت أن يطبق الآخرون قيمك، فابدأ باتباع سلوكيات تجعل هذه القيم حقيقية ويمكن الاقتداء بها. تصرف وفقاً لهذه القيم قبل إعلانها وأثبت التزامك بها قبل الإشادة بها.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي