ملخص: ما مِن أحد يريد أن يشعر بالندم أو أن يقدم على تغيير الوظيفة بعد شغله وظيفة جديدة، لكن هذا يحدث كثيراً بكل أسف. وتستعرض كاتبة هذه المقالة عدداً من الخطوات التي يمكنك اتخاذها لتجنب هذه الزلّة المهنية الأليمة: 1) قبل الإقدام على التفكير في قرارك، حدّد أهدافك المهنية ومعايير القبول، وضع خريطة طريق لكيفية تقييم كل عنصر. 2) في أثناء المقابلة الشخصية، اطرح أسئلة استطلاعية حول مستوى اندماج الموظفين وإمكانات النمو والتوقعات المرتقبة والمقاييس المعمول بها والتحديات المطلوب مواجهتها ومتوسط مدة بقاء الموظفين في مناصبهم بالشركة. 3) احذر تحيّزاتك المعرفية في أثناء محاولة اتخاذ القرار. 4) وأخيراً، قبل قبول العرض الوظيفي، ضع على رأس أولوياتك التعرّف على الموظفين الذين يعملون في الشركة التي ترغب في الانضمام إليها، وتعرّف على وجهة نظرهم حول حقيقة الأوضاع بالداخل.
بعد تلقيها عرضاً للعمل بدوام كامل في منصب نائبة رئيس إحدى شركات صناعة السيارات، قَبِلت جودي المنصب بشغف، لا سيما أن الشركة تتوسَّع بسرعة في الأسواق. كانت الشركة تستقطب وكلاء توزيع السيارات بسرعة البرق، واعتقدت جودي أنها ستكون قادرة على العمل عن قرب مع أصحاب المناصب التنفيذية العليا في الشركة للتطوير الاستراتيجي. تلقّت جودي وعداً من الرئيس التنفيذي للشركة بمنحها الاستقلالية في تشكيل اتجاه الشركة وتنفيذه بالطريقة التي تراها، وهو ما اعتبرته فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر.
تحمّست جودي وأسرتها للعرض وقرروا قبوله دون النظر إلى العواقب، حتى إن زوجها استقال من وظيفته وانتقلوا معاً عبر البلاد مع ابنتهم الرضيعة حتى تتمكن جودي من مزاولة مهمات منصبها الجديد. ولكن بعد عام واحد فقط، تلاشت آمال جودي وضاعت أحلامها الوردية، للتحول إلى خيبة أمل. فما كان منها إلا أن استقالت وعادت هي وأسرتها إلى منزلهم القديم. وقد أخبرتني جودي بصفتي مدربتها التنفيذية بأن الرئيس التنفيذي للشركة، وعلى عكس ما توقعته، لم يكن يبالي بها ولم تكن لديه رؤية واضحة للدور الذي يمكن أن تؤديه من خلال منصبها في الشركة. إذ قالت متذمرةً: "كان يعتقد أنه يمنحني قدراً كبيراً من الاستقلالية، لكنني شعرت بأنني كمٌ مهمل لا يبالي به أحد".
قد تبدو عودة جودي إلى وظيفتها السابقة بعد شغلها وظيفة جديدة مثالاً متطرفاً لعودة العاملين إلى وظائفهم السابقة، لكن الإحصاءات تشير إلى واقع مختلف تماماً. فقد توصّل استطلاع للرأي أجرته مجموعة "هاريس" (Harris) الاستشارية لصالح صحيفة "يو إس أيه توداي" إلى أن واحداً من كل 5 عاملين تركوا وظيفتهم يتمنون لو عادوا إلى مناصبهم القديمة وأن ما يقرب من ربع العاملين فقط الذين غيروا وظائفهم قالوا إنهم راضون بما يكفي عن مناصبهم الجديدة ويريدون البقاء فيها. وبالمثل، فقد توصّلت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة "ذا ميوز" (The Muse) إلى أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الموظفين الذين شملهم استقصاء الرأي أفادوا أن المناصب الجديدة أو الشركات الجديدة التي استقالوا من وظيفتهم من أجلها تبين أنها "مختلفة تماماً عمّا كانوا يحسبون أو يعتقدون". وقال ما يقرب من نصف هؤلاء العاملين إنهم سيحاولون العودة إلى وظائفهم القديمة بفضل ظاهرة تطلق عليها مؤسسة "ذا ميوز" "صدمة التحول".
وقد تفاقم هذا الاتجاه بسبب جائحة "كوفيد-19"، ما دفع الكثيرين إلى إعادة التفكير في أولوياتهم وجعل العاملين أقل إقبالاً على التشبُّث بوظائفهم ما لم تكن مُرضية لهم. لكن الغرق في بحار الندم بعد شغل وظيفة جديدة ليس شعوراً مزعجاً من الناحية العاطفية فحسب، وإنما هو مكلف أيضاً، فقد يؤدي فقدان مزايا التأمين الصحي إلى إنفاق ما يصل إلى 541 دولاراً شهرياً في المتوسط، وقد تضطر أيضاً إلى الإنفاق من مدخراتك في أثناء البحث عن فرصة عمل جديدة وإجراء المقابلات الشخصية. ويمكن أن تسهم الاستراتيجيات الأربع التالية في ضمان التوفيق بين التوقعات المأمولة والواقع الحقيقي عند قبول عرض عمل حتى لا تندم على ترك وظيفتك.
حدّد البنية التنظيمية لعملية صناعة القرار
يؤدي الحصول على عرض عمل إلى تعزيز غرورنا الشخصي إلى حدٍّ بعيد، وذلك لأنه يدل على أن قيمتنا كبيرة وأن مهاراتنا مطلوبة في سوق العمل. لكن من الضروري التفكير فيما هو أبعد من الإطراء وإمعان التفكير في أهم الفوائد التي ستعود عليك وعلى مسيرتك المهنية، على المديين البعيد والمنظور. وتتصف القرارات المهنية بأنها شديدة التعقيد ومحفوفة بالمخاطر، ومن ثم يستحيل أن تحافظ على موضوعيتك دون وجود خطة مسبقة. قبل الإقدام على التفكير في قرارك، حدّد أهدافك المهنية ومعايير القبول، وضع خريطة طريق لكيفية تقييم كل عنصر. وستضمن بذلك ألا تغفل أي جزء من المعادلة أو ألا تقضي وقتاً أطول أو أقصر من اللازم في تحليله. والأهم من ذلك أن تحدد أُطُر عملية التقييم قبل أن تبدأ التفكير في القرار. وبذلك ستتفادى تغيير استراتيجيتك دون قصد على نحو يؤكد تحيزاتك.
اطرح أسئلة استطلاعية
لن يفي أصحاب العمل بكل الوعود التي يقدمونها لك خلال المقابلة الشخصية. قد يتصف بعضهم بالتفاؤل المفرط ويرسمون لك صورة وردية لأجواء العمل في مؤسساتهم، وهو ما قد يغذي التوقعات غير المنطقية من جانب المرشحين لشغل الوظائف حول ما ينتظرهم.
ويمكنك تجنب الوقوع في شِباك المحاولات المضللة ببعض التخطيط الوقائي من خلال إجراء تحليل تفصيلي للثقافة والبيئة المؤسسية في أثناء المقابلات الشخصية. من المهم أن تطرح أسئلة استطلاعية في أثناء المقابلة الشخصية حول مستوى اندماج الموظفين وإمكانات النمو والتوقعات المرتقبة والمقاييس المعمول بها والتحديات المطلوب مواجهتها ومتوسط مدة بقاء الموظفين في مناصبهم بالشركة. على سبيل المثال، كان بإمكان جودي توضيح ما سيترتب على دورها الجديد من خلال طرح الأسئلة التالية على الرئيس التنفيذي للشركة قبل قبول العرض:
- كم مرة تلتقي وجهاً لوجه مع كبار موظفيك؟
- كم مرة يلتقي أعضاء الفريق التنفيذي؟
- ما معايير النجاح في منصبي من وجهة نظرك؟
احذر التحيّز المعرفي
الانحياز التأكيدي هو الميل إلى تفضيل المعلومات التي تؤكد ما نعتقده فعلاً، كملاحظة القصص الجديدة التي تتوافق مع آرائنا الحالية وتصديقها. وقد أوضح مارك مورتنسن أن هناك عدة أنواع من الانحياز التأكيدي، مثل إعطاء مزيد من المصداقية للمعلومات المرتبطة بذكرى حديثة، لذلك من المهم تحديد هذه التحيزات والتصدي لها قبل اتخاذ قرارات مصيرية، مثل تغيير المسار المهني.
كان يوري أحد العملاء الذين تولّيت تدريبهم، وقد وقع يوري ضحية الانحياز التأكيدي، حيث قَبِل عرضاً للانضمام إلى قسم الموارد البشرية في شركة ناشئة بعد أن استدعاه رئيسها التنفيذي لمقابلته. طُلب من يوري أداء مهمات الشؤون المالية إلى أن يعود المدير المالي من إجازته. رأى يوري في ذلك فرصة لاكتساب خبرة في النُّظُم المالية للشركات الناشئة وتحقيق دخل كبير يساعده على سداد مصروفاته في كلية الحقوق. لكنه أُصيب بخيبة الأمل وشعر بالإحباط بعد 6 أشهر، وعلى أثرها ترك يوري الشركة. كانت المشكلة أنه أقنع نفسه بالإمكانات المالية الهائلة التي سيتحصّل عليها نتيجة الانضمام إلى شركة ناشئة، معتقداً أن شركة أخرى ستستحوذ عليها أو أن أسهمها ستُطرَح للاكتتاب العام لتتضاعف قيمة خيارات الأسهم الممنوحة له. ولأنه اقتنع بما يسميه مورتنسن "الدليل التأكيدي"، فقد أغفل يوري إشارة تحذيرية واضحة تمثّلت في الحلول بديلاً لشخص ما زال يعمل في الشركة. أهمل يوري أيضاً طلب تفاصيل حول تحديد مهمات منصبه ومعايير نجاحه، ولم يتفاوض على تسريع استحقاق خيارات الأسهم المخصّصة له.
ابحث عن وجهة نظر طرف خارجي
كيف تتعرّف على المستوى الحقيقي لالتزام المؤسسة بتطوير موظفيها، وكيف تتيقن من أنها تفي بوعودها، وأن غايتها أكبر مما ينادي به شعارها؟ سيكون من الصعب أن تعرف ما إذا كانت قيم الشركة تتفق مع قيمك ما لم تتحدث أولاً إلى الأفراد الذين يعملون هناك بالفعل. فاحرص قبل قبول العرض الوظيفي أن تضع على رأس أولوياتك التعرّف على الموظفين الذين يعملون في الشركة التي ترغب في الانضمام إليها، وتعرّف على وجهة نظرهم حول حقيقة الأوضاع بالداخل.
بمجرد أن تتوصّل إلى قرار مبدئي، ناقش معاييرك في صناعة القرار مع الأشخاص الذين تعرف أنهم سيتحدون افتراضاتك، بدلاً من الاعتماد على أولئك الذين يشاركونك وجهة نظرك. ابحث عن أفراد ليست لديهم مصلحة في اختيارك النهائي، وأخبرهم بأنهم يستطيعون مساعدتك بأفضل شكل ممكن من خلال إبداء وجهة نظرهم بصدق تام.
خذ ما يكفيك من الوقت للتفكير بتأنٍّ ووضع خطط مدروسة، حتى لا تندم على قرارك المهني بعد فوات الأوان. ضع خريطة طريق لاتخاذ قرارك بمعايير واضحة ترتبط بأهدافك المهنية، وكن على دراية بافتراضاتك وتحيزاتك، واسأل الأشخاص المناسبين الأسئلة الصحيحة قبل قبول منصب جديد. وحينما تتعرَّف على حقائق دورك ومسؤولياتك وعلاقاتك وتناقشها مسبقاً، فإن هذا سيساعدك على تجنب الوقوع في زلة مهنية مؤلمة.