ملخص: تعمل الشركات في بيئة تنافسية تشهد تطورات متلاحقة، وقد تميل في ظل هذه البيئة إلى تحديث استراتيجيتها بشكل روتيني، ولكن هذا خطأ، إذ يجب وضع الاستراتيجية مرة واحدة كل عقد من الزمان. وعلى الرغم من تراثها الإداري العريق، فإنها لا "تعيد ابتكار نفسها باستمرار". صحيحٌ أنها كانت تتوخى أقصى درجات الحيطة والحذر، وصحيحٌ أن هناك الكثير من العمل المنوط بالمدراء والمستشارين من أجل تقييم المبادرات الجديدة ومعايرتها عند ظهور الفرص، لكنهم يميلون إلى تجنب التغييرات المتكررة في الاتجاه العام. ويحرصون بدلاً من ذلك على رسم آفاق المستقبل على المدى البعيد لمدة عقد من الزمان أو أكثر في العادة، وذلك لمتابعة النمو مع الحفاظ على التزامهم بنوعية الأعمال التي خططوا لها.
كم مرة يجب عليك تغيير استراتيجية المؤسسة؟ يقول البعض إنه يجب عليهم تغييرها سنوياً. ويقول آخرون إن المؤسسات تمر بأحداث غير عادية تتطلب إجراء تغييرات على فترات أقصر، بل يتطلب الأمر في بعض الأحيان إجراء تغييرات جذرية. لكن الإجابة الصحيحة هي أن النتائج والعواقب تتطلب عقلية تنظر إلى الأمور نظرة بعيدة المدى، وبالتالي يجب أن يكون تغيير استراتيجية المؤسسة حدثاً نادراً.
دعونا أولاً نحدد ما نعنيه باستراتيجية المؤسسة. إذا كانت الرسالة تصف غاية المؤسسة، وكانت الرؤية ترسم صورة واضحة للكيفية التي نرى بها المؤسسة في المستقبل، فإن الاستراتيجية هي خطة عمل لتحقيق رسالة المؤسسة وتجسيد رؤيتها. وتستطيع وحدات العمل والفرق وحتى الأفراد تطوير الاستراتيجيات وتعديلها باستمرار. لكن استراتيجية المؤسسة يجب أن تكون أكثر استقراراً نظراً لتعقيد التنظيم المؤسسي الذي يخوض المجهول ويتعامل مع الصدمات المستقبلية والاستجابات التنافسية. وعادةً ما تتطلب توافر نظام شامل من البرامج وغالباً ما يستلزم تنفيذها اتخاذ العديد من الخطوات، وقد يستغرق سنوات عديدة.
لذا إذا وجدت نفسك تحاول تغيير استراتيجية المؤسسة بشكل متكرر، فيجب أن تسأل نفسك ما إذا كانت لديك بالفعل استراتيجية في المقام الأول. فقد تؤدي المشاركة في سوق متنامية أو تكرار عرض تنافسي أو استغلال توجه جديد إلى تحقيق الأرباح لفترة من الوقت وغالباً ما ننخدع في هذه العناصر ونعتبرها استراتيجيات دائمة. لكن هذه العناصر ما هي إلا تحركات انتهازية مؤقتة ما لم تكن مصحوبة بإجراءات متعمدة تهدف إلى احتلال مكانة سوقية متميزة. وتتطلب استراتيجية المؤسسة الحقيقية تطبيق نظرية الألعاب. كما تتطلب أيضاً العصف الذهني لمجموعة واسعة من النتائج. وتتطلب بكل تأكيد قدراً كبيراً من الدقة حول كيفية الاستجابة للسيناريوهات المختلفة والبناء عليها.
فكيف تضمن أن استراتيجية مؤسستك تتمتع بهذا المستوى المناسب من الدقة، حتى لا تقع في مشكلة مطاردة التوجهات الجديدة؟ عليك التفكير أولاً في خطتك، ومن ثم إدارتها عبر 3 مجالات منفصلة: الأساسيات، والميزات، والخيارات.
- الأساسيات هي العوامل التي تُدخلك في أجواء المنافسة. ترى الشركات العريقة أن الكفاءة الصارمة والتركيز على العملاء بدقة متناهية تعتبر بمثابة رهانات لا يمكن الاستغناء عنها لتحقيق التميُّز والاستمرار في المنافسة.
- الميزات هي الجانب الذي تستغّل فيه أصولك وقدراتك لتحقق لنفسك بعض المكاسب المالية الحقيقية. والميزات هي الجانب الذي يحدث فيه التكيف المدروس جيداً من خلال إعادة صياغة العلاقة مع العميل أو استغلال نواتج الأساسيات.
- الخيارات هي المرونة التي تعتمدها مع وضع المستقبل في الاعتبار. وقد تفتح هذه الخيارات الأبواب أمام فرص جديدة عندما يتغير العالم (بتشجيعك أو دونه). وتتضمن الاستراتيجية الجيدة وجود عنصر الاختيار بشكل صريح في صلب تصميمها. وتحرص الإدارة الرشيدة على استخدامه.
ولك أن تنظر مثلاً إلى شركة ألفابت (Alphabet). يعدّ النشاط البحثي هو أساس عمل الشركة. أما ميزتها فتتمثّل في الخدمات السحابية. وتشمل خياراتها الاستفادة من البيانات التي يجمعونها، ربما في بعض نماذج العمل القائمة على الذكاء الاصطناعي التي قد تكون غير موجودة أساساً اليوم. ونظراً لتغير العالم حول شركة ألفابت، فقد أعدّت الشركة عدداً لا يحصى من المبادرات (على يوتيوب ومنصة جوجل السحابية ووايمو، وغيرها). لكن تظل الاستراتيجية الأساسية للشركة ثابتة، وتتمثّل في تعزيز نظام البناء الذاتي المرن الذي يخلق رؤية إحصائية عميقة حول المصالح والخيارات البشرية ويحولها إلى نقد.
كما تمتلك شركات جونسون آند جونسون وجيه بي مورغان ولوكهيد مارتن (فيما نعلم على أقل تقدير) استراتيجيات مؤسسية رفيعة المستوى تشبه إلى حد كبير ما قد لاحظناه منذ سنوات. وعلى الرغم من ذلك، فقد تطورت هذه الشركات تدريجياً وحققت معدلات نمو عالية في الأرباح، حتى مع تغيُّر أذواق العملاء والتحركات التنافسية والتقدم التكنولوجي وأثره على تغيير خريطة المنافسة في الأسواق العالمية من عام لآخر.
وأستطيع أن أقول من واقع خبرتي إن هذا الوضع ينطبق على أكبر المؤسسات التي تمتلك أنجح استراتيجيات الشركات. وعلى الرغم من تراثها الإداري العريق، فإنها لا "تعيد ابتكار نفسها باستمرار". صحيحٌ أنها كانت تتوخى أقصى درجات الحيطة والحذر، وصحيحٌ أن هناك الكثير من العمل المنوط بالمدراء والمستشارين من أجل تقييم المبادرات الجديدة ومعايرتها عند ظهور الفرص، لكن ينبغي ألا نخلط بين الابتكار المدروس بعناية من جهة وعدم الالتزام بالخطة الموضوعة للابتكار على المدى البعيد. ويجب أن تأخذ مسارات الميزة التنافسية في الحسبان كافة الأمور غير المتوقعة، وبهذه الطريقة فإن الاستراتيجية ترتبط بالاتجاه العام والمبادئ أكثر من ارتباطها بالخيارات التكتيكية المحددة التي تنبثق عنها.
من المؤكد أن الاقتراح الذي يدعو للتفكير البعيد المدى قد يستثير في حد ذاته الكثير من الاعتراضات، وغالباً ما يثير المخاوف المرتبطة بجمود التفكير الذي أدى إلى سقوط العديد من الشركات التي كانت ملء السمع والبصر يوماً ما. ومن أبرز الأمثلة على ذلك شركة كوداك وإصرارها على الصور الفوتوغرافية المطبوعة، أو مقاومة شركة كومباك للمبيعات المباشرة إلى المستهلك، أو فشل شركة بلوك باستر (Blockbuster) في التطور. لكن اعتماد رؤية بعيدة المدى بشأن الاستراتيجية يختلف كلياً وجزئياً مع الاقتراح الذي ينادي بوضع الاستراتيجية ونسيانها.
يمكن القول إن الأمر أشبه بالتفكير في خطواتك المقبلة على لوحة الشطرنج قبل تحريك القطع بعدة خطوات مع تجنب الإلهاءات. ولا بأس بإجراء تعديل في الخطط من حين لآخر بالطريقة التي قد يتبعها المستثمر لإعادة التوازن إلى محفظته الاستثمارية، مثلاً، أو لإجراء عملية بيع مدروسة للأسهم لتقليل الخسائر الناجمة عن فرض الضرائب على الأسهم المملوكة. لكن أفضل المستثمرين سيخبرك أيضاً بأنك كلما لمست المال، قلّت قدرتك على الاحتفاظ به. وسيضع أفضل الخبراء الاستراتيجيين المبادئ والحدود التي تفرق بين المعايرة المستمرة والتغييرات الحقيقية في الاتجاه العام.
تذكّر أيضاً أن التكهنات لا يمكن الوثوق بها، وأن الشيء الوحيد الذي يمكننا توقعه على وجه اليقين هو أن غالبية التوقعات سيثبت خطؤها. ويجب علينا بدلاً من ذلك التركيز على خطط اختبار القدرة على تحمل الضغط عبر نتائج متنوعة. وتفرض استراتيجية المؤسسة الرشيدة في جوهرها النقاش حول مجموعة من السيناريوهات مقدماً، بحيث تكون أكثر استعداداً لتحمل المخاطر المحسوبة بسرعة، بما يتماشى مع مبادئ شركتك وأهدافك بعيدة المدى، مع تغيُّر السوق.
وتتمثل إحدى القواعد العامة في أن الاستراتيجية الرائعة تتميز ببساطة صياغتها وصعوبة تكرارها ووضوحها التام. وتتطلب ضمنياً أيضاً عملية لتحديد اللحظات المناسبة لفرض التكيُّف من خلال مزيج من معلومات السوق وتقييم المخاطر. ولا بد من إجراء تقييمات مستمرة للفرص التي تظهر على السطح من خلال هذه العملية، مع تخصيص بعضها للانضمام إلى المحفظة الاستثمارية بينما يتم إلغاء البعض الآخر. ومهما يكن، فإن الهدف النهائي هو إدراك حقيقة الموقف حتى تتمكن من معايرة طبيعة العمل على طول المسار التطوري المدروس بعناية. ويعتبر هذا بشكل حاسم عملاً يرتبط بإدارة الاستراتيجية، وليس تغييرها.
تحفل أدبيات علم الإدارة الرائجة بالنصائح حول الزعزعة الذاتية. وتعتبر هذه الخطوة من الناحية العملية خطوة محفوفة بالمخاطر، إذ لا تنجو جميع الشركات من عمليات التغيير من هذا القبيل. وثمة نهج أفضل لمعظم الناس يتمثّل في إدراك أن إدارة الخطة هي بالأحرى ما يحتاج إلى الديناميكية في التعامل. ومن ناحية أخرى، فإن استراتيجية المؤسسة تخطط لاحتمالات متنوعة وتحدد القواعد التي يتم من خلالها اتخاذ الخيارات في عملية مدروسة ومستمرة.