ملخص: اضطرت المؤسسات في الآونة الأخيرة إلى اللجوء طوعاً أو كرهاً إلى تعيين الموظفين عن بُعد، ولم يجلب هذا الحل فرصاً جديدة فحسب، بل جلب معه تحديات جديدة أيضاً. وقد درجت العادة عند اتخاذ القرارات الماسة بتعيين موظفين جدد على عدم حسم هذا القرار إلا بعد التفاعل مع المرشحين المحتملين لمدة كافية وبصورة شخصية في أغلب الأحوال. حيث لا نكتفي بمحاولة فهم ما إذا كان المرشحون يمتلكون المعارف والمهارات والخبرات المطلوبة فحسب، ولكننا نريد أن نتأكد أيضاً من فهم ما إذا كان بإمكاننا العمل معهم دون مُنغصات. فكيف نتيقن من ذلك في ظل استمرار عمليات تعيين الموظفين عن بُعد في المستقبل المنظور؟ لتحسين فرصك في العثور على الشخص المناسب (حتى لو لم تقابله وجهاً لوجه مطلقاً) ومنحه أفضل فرصة للنجاح كعضو جديد في الفريق، لا بد من مراعاة بعض المواءمات وأخذها في الاعتبار.
لطالما كان تعيين موظفين جدد أحد أهم الأدوار المنوطة بالقائد. ويعد العثور على الشخص المناسب لأداء عمل محدد من الصعوبة بمكان، وربما كان أخطر قرار يتخذه معظم المدراء نظراً لتأثيره المباشر على نجاح الفريق أو فشله. أضف إلى ذلك تعقيدات تعيين الموظفين عن بُعد، دون أن تقابل المرشح لشغل الوظيفة وجهاً لوجه، وما يعقب ذلك من تحديات غاية في الصعوبة.
وإنني لعلى ثقة بأنك بصفتك مديراً للتعيينات ستوافقني الرأي في أن معظمنا يفضل عدم اتخاذ قرار تعيين أي موظفين جدد إلا بعد التفاعل معهم لمدة كافية وبصورة شخصية في أغلب الأحوال، وذلك لأننا لا نريد التأكد من امتلاك هؤلاء المرشحين للمعارف والمهارات والخبرات المطلوبة فحسب، ولكننا نريد أن نتأكد أيضاً من فهم ما إذا كان بإمكاننا العمل معهم دون مُنغصات. ونفترض أن هذا يعني التعرف عليهم وجهاً لوجه. لكن لم يعد بمقدورنا فعل ذلك في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا. فقد اضطرت المؤسسات في الآونة الأخيرة إلى اللجوء طوعاً أو كرهاً إلى تعيين الموظفين عن بُعد، ولم يجلب هذا الحل فرصاً جديدة فحسب، ولكنه جلب معه تحديات جديدة أيضاً. وعلى الرغم من تحييد عنصر الموقع الجغرافي إلى حد كبير بالنسبة للمتقدمين لشغل الوظائف المُعلن عنها، وهذا أمر جيد في حد ذاته لأنه صار بوسعك الاختيار من شبكة أوسع من المواهب، فإن هناك الكثير من المتغيرات الجديدة التي يجب أن تراعيها إذا أردت العثور على شخص يمثّل إضافة جديدة وإيجابية لفريقك.
مواءمات اختيار الشخص المناسب للعمل عن بعد
ولتحسين فرصك في العثور على الشخص المناسب ومنحه أفضل فرصة للنجاح كعضو جديد في الفريق، لا بد من مراعاة بعض المواءمات وأخذها في الاعتبار.
إجراء المقابلة الشخصية على منصات متعددة
من المغري افتراض أن اعتيادك إجراء مقابلات شخصية وجهاً لوجه مع المرشحين المحتملين يعني أنه بإمكانك الاستعاضة عن هذا الأسلوب بإجراء المقابلات عبر الفيديو باعتبارها وسيلة كافية لتعيين موظفين جدد عن بُعد. ولكن من الصعب تحقيق التزامن والتقابل وجهاً لوجه رقمياً في بيئة العمل عن بُعد كلما تواصلت مع زملائك في الفريق أو كلما تواصل أعضاء الفريق مع بعضهم. وبالتالي، فإذا كان الهدف يتمثل في استخدام عملية المقابلة الشخصية لإجراء تقييم دقيق لكيفية تطابق أسلوب تواصل شخص ما مع أسلوب الفريق في التواصل، فستحتاج حينئذ إلى تغيير منصات أو وسائط التواصل التي تستخدمها في أثناء المقابلة.
وقد اعتاد مات مولينغ، مؤسس شركة "أوتوماتيك" (Automattic)، إجراء جولة المقابلات النهائية مع كافة المرشحين لشغل الوظائف من خلال الدردشة عبر الإنترنت. لم يكن يعرف نوع أي شخص قابله أو العرق الذي ينتمي إليه، وكان يعتمد فقط على الكلمات التي تظهر على الشاشة. وأوضح مولينغ في مقال بمجلة "هارفارد بزنس ريفيو" لعام 2014 كيف كانت هذه العملية أشبه ما يكون بعملية مزدوجة التعمية. إذ كان يبحث في المقام الأول عن الشغف والملاءمة الثقافية.
قد يعني هذا بالنسبة لك إجراء جولة واحدة من المقابلات عبر الفيديو، بينما يتم إجراء جولة أخرى عبر البريد الإلكتروني، وأخرى عبر المكالمات الصوتية فقط. يجب عليك تضمين كل الوسائط التي يستخدمها فريقك للتعاون خلال المقابلة. بل يمكنك التفكير في طرح بعض الأسئلة على المرشحين مسبقاً، وتطلب منهم تسجيل الإجابات في مقاطع فيديو لا تتجاوز مدتها دقيقتين (حتى تقيم قدرتهم على الإيجاز في تقديم المعلومات، ليس هذا فحسب، بل وتقيم التزامهم باتباع التعليمات أيضاً). لا بأس بأن تتطرّق هذه الأسئلة للمسائل الفنية أو كيفية التعامل مع مواقف محددة، ولكن يجب طرحها بشكل موحد لكافة المرشحين، بحيث يمكنك المقارنة بين مقاطع الفيديو لاحقاً.
أحضر الفريق بأكمله
لقد ظللنا لفترة طويلة من الزمن نفترض أن الأداء الفردي هو النتيجة المحتمة لمعارف الفرد ومهاراته وقدراته. ولكن كلما أجرينا مزيداً من البحوث، ازداد يقيننا بأن هناك عوامل أخرى تسهم في تحديد مستوى أداء الفرد. فالقدرة على التعاون مع الآخرين وديناميات الفريق لهما تأثير كبير على أداء الفرد لأنه يتأثر بالفريق الذي يعمل فيه والموارد التي يمكن للفريق (والشركة بأكملها) توفيرها.
حتى إذا نظرنا إلى مستوى الأداء الفردي في سياق العمل عن بُعد، فسنجد أن الفريق الذي ينضم إليه الموظفون الجدد له تأثير كبير على أدائهم على المديين المنظور والبعيد، لذا من المفيد إشراك أكبر عدد ممكن من أعضاء فريقهم المستقبلي في عملية التعيين قدر المستطاع. قد يعني هذا السماح لبعض الزملاء بإجراء مقابلة فردية مع المرشح المحتمل لشغل الوظيفة. أو ربما كان بإمكانك تشكيل لجنة تضم بعض أعضاء فريقك وإجراء مقابلة تعارفية واحدة. وإذا كنت تسجل الردود النصية أو المصورة بالفيديو، كما في الاقتراح السابق، فيُنصَح بأن تطلع أعضاء الفريق الحالي على هذه الإجابات حتى تتمكن من الحصول على آرائهم وملاحظاتهم قبل اتخاذ القرار النهائي.
وتتوسع شركة "بارابول" (Parabol) في هذه النقطة، علماً بأنها تطبّق نظام العمل عن بُعد بالكامل. إذ تحرص على إشراك ممثل واحد على الأقل من كل فريق في المقابلة خلال جولة "الملاءمة الثقافية" ضمن عملية المقابلة.
أضف مشروعاً تجريبياً
تتمثل الطريقة المثلى لإشراك الفريق في قرار التعيين وتقييم كيفية عمل المرشحين مع الفريق في جعلهم يعملون مع الفريق. وتستخدم الكثير من الشركات المشاريع التجريبية أو الاختبارات أو عينات العمل أو ما شابه للتعرف على أساليب العمل ومدى الملاءمة الوظيفية للمرشحين. وحبذا لو كانت هذه المهمات بسيطة وغير محورية، لأنك لا تهدف من وراء هذه العملية إلى الحصول على عمل مجاني من المرشحين. لكنه يجب أن يكون مشروعاً مهماً بما يكفي لإتاحة الفرصة لمراقبة كل مرشح والتعاون معه. ويمكنك تصميم المشروع التجريبي كوسيلة لقياس القدرة على التأقلم أو التفكير الإبداعي عن طريق استبعاد أحد الموارد الأساسية أو أحد التعليمات عن عمد ومراقبة كيفية تعامل المرشح المحتمل مع هذا التحدي.
تطبّق شركة "زابير" (Zapier) نظام العمل عن بُعد بالكامل، وتستخدم المشاريع التجريبية خلال المقابلات الشخصية في مجموعة متنوعة من الوظائف. حيث يعمل مهندسو البرمجيات المحتملون على منتج الشركة، بينما يتعاون موظفو التسويق المحتملون لكتابة مقالة يتم نشرها على مدونة الشركة. وقد ذهبت بعض الشركات إلى حد تقديم مشاريع تجريبية مدفوعة الأجر طويلة الأجل للمرشحين المحتملين، ولكن معظمها يكتفي بمشروع بسيط لا يستغرق سوى بضع ساعات للحكم على كيفية عمل المرشحين وما إذا كان الفريق سيستطيع العمل معهم دون مُنغصات.
عرّفهم على التوقعات مسبقاً وكرّرها على أسماعهم قدر الإمكان
لقد تفاجأ الكثير من القادة بضرورة إجراء المقابلات الشخصية وتعيين الموظفين الجدد عن بُعد، ولكن مع عودة الشركات إلى المقرات المكتبية بشكل تدريجي (وربما المزج بين العمل المكتبي والعمل عن بُعد)، سيكون هناك الكثير من المفاجآت في انتظارهم. واحرص على تعريف المرشحين المحتملين على المدى المحتمل لبُعد المواقع الجغرافية للموظفين الجدد مسبقاً، وكرّره على أسماعهم قدر الإمكان في أثناء عملية التعيين. وإذا كانت مؤسستك تمتلك وثائق رسمية تشرح تفاصيل العمل عن بُعد، فانشر أكبر قدر ممكن منها في إعلانات الوظائف، وأطلع المرشحين المحتملين عليها خلال مقابلات التوظيف الأولية. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فابذل ما بوسعك على الأقل للإفصاح عما هو معروف عن خطط الشركة الماسة بالعمل عن بُعد أو ما يتم مناقشته من حيث السياسات المستقبلية. فلا يريد أحد أن يعيّن شخصاً رائعاً عن بُعد، ثم لا يلبث أن يتركه بعد ستة أشهر عندما يعرف أنه لا يستطيع الاستمرار في مزاولة العمل عن بُعد سوى لمدة يومين فقط في الأسبوع.
وبالطريقة نفسها، صارحهم بتوقعاتك فيما يخص عملية التواصل وغيرها من معايير العمل الجماعي كفريق. وإذا كان لدى فريقك عقد اجتماعي أو اتفاق عمل يساعد على وضع قواعد للتعاون، فشارك أكبر قدر ممكن منه كنوع من "دليل المستخدم" لزملائك الجدد في الفريق.
وعندما تستقر على مرشح معين وتقدّم له عرضاً بالوظيفة، ويقبله المرشح، احرص على إعطاء الأولوية للتواصل مع الفريق والمؤسسة بأكملها قبل إلحاقه بها رسمياً. صحيح أنه يتعين عليك إتمام الأعمال الورقية، لكن هذا لا يعني أن هذه الإجراءات مُقدَّمة على بناء علاقة متينة بينك وبين العضو الجديد في فريقك أو بين الموظف الجديد وبقية أعضاء الفريق. يمكنك تحديد موعد لإجراء محادثة فيديو ترحيبية يلتقي فيها أعضاء الفريق بأكملهم مع زميلهم الجديد ويرحبون به. أو اطلب من كل عضو في الفريق كتابة بريد إلكتروني أو تسجيل مقطع فيديو ترحيبي. وإذا كنت قد اتبعت الاقتراحات المشار إليها أعلاه، فإن هذا يعني أن الكثير من زملائك قد التقوا الموظف الجديد فعلياً خلال المقابلة. لذا، اطلب من الفريق مشاركة ما يميزهم والأسباب الداعية إلى تطلعهم إلى العمل معاً.
وإذا بدا أن "الملاءمة الوظيفية مع الفريق" هي الخيط المشترك بين هذه الأفكار، فهذا لأنها كذلك. فعلى الرغم مما قد يبدو في الظاهر، فإن العمل عن بُعد يجعل العمل الجماعي أكثر أهمية، وهو ما يجعل التفكير في الملاءمة الوظيفية مع الفريق أكثر أهمية. فالموظفون العاملون عن بُعد لا يعملون بمفردهم، بل يعملون بمفردهم معاً.