تعلّم كيف تتعلّم: الأدوات الذهنية التي تساعدك في اكتساب مهارات جديدة

10 دقائق
تشهد المؤسسات والمنظمات في هذه الأيّام حالة من الحراك الدائم، حيث يخضع العديد من القطاعات إلى عمليات الاندماج والاستحواذ، كما أنّ هناك الكثير من النماذج التجارية الجديدة التي باتت تظهر إلى حيّز الوجود، وهناك تكنولوجيات جديدة قيد التطوير، ناهيك عن التحوّلات التي تطرأ دائماً على سلوكيات المستهلك. وبالنسبة للمدراء التنفيذيين، يمكن لهذه الوتيرة المتسارعة من التغيير أن تفرض عليهم متطلبات كثيرة. فهي تُجبِرُهم على فهم التحوّلات الكبيرة التي تطال طريقة عمل الشركات والكيفية التي يجب أن تُنجز بها الأعمال، وتدفعهم إلى التجاوب معها. ووفقاً لما يقوله آري دي غيوس (Arie de Geus)، وهو الباحث في مجال الأعمال فإنّ "قدرتك على التعلّم أسرع من منافسيك قد تكون هي الميزة التنافسية المستدامة الوحيدة".

وأنا هنا لا أتحدّث عن التعلّم الذي تمارسه وأنت جالس باسترخاء في كرسي هزّاز، أو حتّى التعلّم في صف دراسي رسمي. وإنّما المقصود هو مقاومة التحيّز الموجود لديك ضدّ فعل الأشياء الجديدة، ومحاولة استشراف المستقبل بحثاً عن فرص لتحقيق النمو، والسعي الحثيث لاكتساب قدرات مختلفة جذرياً عن قدراتك الحالية، في ذات الوقت الذي تواصل فيه أداء وظيفتك. ويحتاج هذا الأمر إلى استعداد المرء للتجريب ولقبول فكرة أن يكون مُبتدئاً مراراً وتكراراً، وهو مفهوم لا يبعث على الارتياح بالنسبة لمعظمنا.

ولكن على مدار عقود من الزمن، عملت خلالها أنا وزميل لي كمرشدين واستشاريين مع آلاف المدراء التنفيذيين العاملين في مجموعة متنوّعة من القطاعات، لاحظنا وجود العديد من الأشخاص الذين نجحوا في هذا النوع من التعلّم. وقد حدّدنا أربع خصال واضحة تميّز هؤلاء الأشخاص بوضوح، ألا وهي: الطموح، والوعي الذاتي، والفضول المعرفي، والقبول بارتكاب الأخطاء. فهم يريدون بحق أن يتعلّموا مهارات جديدة وأن يتقنوها؛ ويرون أنفسهم بمنتهى الوضوح؛ ولديهم دائماً أسئلة جيّدة يفكّرون فيها ويطرحونها على الآخرين؛ ويتحمّلون أخطاءهم الشخصية التي يرتكبونها خلال رحلة التعلّم التي تقودهم نحو الارتقاء.

لا شكّ بأنّ هذه الأشياء تكون موجودة بصورة أكثر طبيعية لدى بعض الناس مقارنة بغيرهم. ولكن اعتماداً على الأبحاث العلمية في مجال علم النفس والإدارة، إضافة إلى عملنا مع زبائننا، فقد حدّدنا بعض الأدوات الذهنية البسيطة نسبياً والتي يمكن لأيّ إنسان استعمالها بهدف تعزيز تلك الخصال الأربع جميعها، بما في ذلك الخصال التي تُعتبرُ غالباً بأنّها ثابتة (الطموح، والفضول المعرفي، والقبول بارتكاب الأخطاء).

الطموح

من السهل النظر إلى الطموح بوصفه إما موجوداً أو غير موجود: فأنت إما تريد أن تتعلّم مهارة جديدة، أو لا تريد؛ وأنت إمّا تمتلك الطموح والدافع أو أنّك تفتقر إليهما. لكن المتعلّمين الأفذاذ قادرون على رفع مستوى طموحهم، وهذا أمر أساسي، لأنّ كلّ إنسان متّهم في بعض الأوقات بمقاومة التطوّر الذي يُعتبرُ أمراً حاسماً للنجاح.

هل تتذكّر آخر مرّة لجأت فيها شركتك إلى تبنّي مقاربة جديدة، مثل تغيير نظام تقديم التقارير، أو استبدال برنامج إدارة العلاقات مع الزبائن، أو إصلاح سلسة التوريد في الشركة؟ هل كنت توّاقاً إلى مواكبة هذا التغيير الحاصل؟ لعلّ ردّ فعلك الأولي تمثّل في تبرير رغبتك في عدم التعلّم (فلربما قلت لنفسك: سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً جدّاً. وأنا ليس لديّ مشكلة مع النظام القديم وأعرف كيف أتعامل معه بسهولة. وأراهن على أنّ الأمر لن يعدو كونه مبادرة ناجحة وبرّاقة في بادئ الأمر فقط). وعندما تواجهنا حالة تتطلّب منّا تعلّم أشياء جديدة، فإنّ هذا العائق هو غالباً أوّل عائق يعترض سبيلنا، حيث أنّنا نركّز على الجانب السلبي ونسهم بطريقة لاواعية في تعزيز غياب الطموح لدينا.

ولكن عندما نريد "فعلياً" أن نتعلّم شيئاً جديداً، فإنّنا نركّز على الجانب الإيجابي، أي أنّنا نركّز على المكاسب التي سنحصل عليها من تعلّم ذلك الشيء الجديد، ونتخيّل مستقبلاً سعيداً نحصد فيه ثمار عملية التعلّم هذه. ويدفعنا ذلك إلى اتخاذ الإجراءات المطلوبة. فقد توصّل الباحثون إلى أنّ انتقالك من التركيز على التحدّيات إلى التركيز على المكاسب هو طريقة جيّدة لتزيد طموحك ولكي تقوم بأشياء قد لا تكون جذّابة في بادئ الأمر. فعلى سبيل المثال، عندما شجّعت نيكول ديتلينغ، عالمة النفس في جامعة يوتاه، ممارسي رياضة الألعاب البهلوانية الجويّة ورياضة التزلّج على الجليد على تخيّل أنفسهم وهم يستفيدون من مهارة معيّنة، فقد كانوا أكثر حماسة بكثير لممارستها.

قبل بضع سنوات، عملت مرشداً لأحد مدراء التسويق، وهو كان متردّداً جدّاً في التعرّف على موضوع البيانات الضخمة (Big Data). ورغم أنّ معظم أقرانه كانوا قد تبنّوا هذه التقنية الجديدة، إلا أنّه كان قد أقنع نفسه بأنّه لم يكن لديه الوقت الكافي لتعلّم هذه التقنية، التي اعتبرها غير مهمّة كثيراً في مجال عمله. وقد أدركتُ في نهاية المطاف بأنّ الأمر كان مشكلة لها علاقة بالطموح، لذلك شجّعته على التفكير بطرق جديدة تساعده في مواكبة عمليات التسويق المعتمدة على البيانات الضخمة، لأنّ ذلك يمكن أن يساعده شخصياً. وقد أقرّ هذا المدير بالفائدة التي سيجنيها من التعرّف على المزيد من التفاصيل المتعلّقة بكيفية تجاوب مختلف شرائح زبائنه مع الإعلانات التي يضعها فريقه على شبكة الانترنت ومع الحملات التسويقية في المتاجر. بعد ذلك، دعوته إلى تخيّل الوضع الذي سيكون فيه بعد مرور عام إذا كان يحصل على تلك البيانات. وقد بدأت تظهر عليه علامات الإثارة فقال: "سوف نجرّب مقاربات مختلفة في الوقت ذاته، سواء داخل المتاجر أو على موقعنا على شبكة الانترنت؛ وستكون لدينا معلومات جيّدة وموثقة حول المقاربات الناجحة مع الفئة المناسبة؛ وسيكون بمقدورنا توفير الكثير من الوقت والمال من خلال التخلّي السريع عن المقاربات غير الفعّالة بما يكفي". وقد شعرت على الفور كيف أنّ طموحه قد بات أكبر. وخلال بضعة أشهر، كان هذا المدير قد استعان بخبيرة في مجال تحليل البيانات، وعزم على التعلّم منها يومياً، وبدأ يعيد النظر بحملاته الرئيسية بناءً على نظرته ومهاراته الجديدة.

الوعي الذاتي

خلال السنوات العشر الماضية تقريباً، أصبح معظم القادة مطلعين على مفهوم "الوعي الذاتي". فهم باتوا يتفهّمون ضرورة طلب رأي الآخرين بأدائهم، ومعرفة كيف ينظر هؤلاء الآخرون إليهم. ولكن عندما يتعلّق الأمر بالحاجة إلى التعلّم، فإن تقويمنا لنفسنا – أي ما نعرفه وما لا نعرفه، والمهارات الموجودة لدينا والمهارات غير الموجودة لدينا – لايزال إلى حدّ كبير وبشكل مفجع غير دقيق. فقد توصّلت دراسة أجراها ‬ديفيد‭ ‬دنينغ عالم النفس في جامعة كورنيل، إلى أنّ 94% من أساتذة الجامعات كانوا قد أشاروا إلى أنّ "أداءهم لعملهم يُعتبر أحسن من المعدّل الوسطي العام". ومن الواضح بأنّ نصفهم تقريباً كان مخطئاً – والعديد منهم كان مخطئاً جدّاً. وبالتالي، فإن خداع الذات الذي مارسوه قضى بالتأكيد على أيّ شهيّة لديهم لتطوير أنفسهم. ولم يرَ إلا 6% من المشاركين في الدراسة فقط بأنّ هناك أشياء كثيرة يجب عليهم تعلّمها لكي يكونوا مدرّسين فعّالين.

لقد اكتشفت من خلال ممارستي لعملي بأنّ الناس الذين يعطون لأنفسهم أدقّ تقويم ممكن يبدؤون هذه العملية داخل رؤوسهم: فهم يتقبّلون فكرة أنّ نظرتهم إلى الأمور غالباً ما تكون منحازة أو تعاني من خلل، وبالتالي يسعون نحو أكبر قدر ممكن من الموضوعية، ممّا يجعلهم أكثر انفتاحاً تجاه سماع آراء الآخرين، والتصرّف بناءً على هذه الآراء. ويكمن السرّ هنا في الانتباه إلى الطريقة التي تتحدّث بها إلى نفسك عن نفسك، ومن ثمّ التثبّت من مدى سلامة هذا "الحوار مع الذات".

لنفترض جدلاً بأنّ مديرتك قد أخبرتك بأنّ فريقك لا يتمتّع بالقوّة الكافية، وبأنّك يجب أن تحسّن من قدراتك في مجال تقويم المواهب وتطويرها. قد يكون ردّ فعلك الأوّلي على النحو التالي: "ما هذا الكلام؟ إنّها مخطئة بالتأكيد. ففريقي أنا قوي". يتّخذ معظمنا موقفاً دفاعياً إذا ما تعرّض لهذا النوع من النقد. ولكن حالما تدرك ما يدور في رأسك، اطرح على نفسك السؤال التالي: "هل هذا الكلام دقيق؟ وما هي الحقائق الموجودة بحوزتي ويمكن أن تدعم وجهة نظري؟" فخلال عملية التأمّل والتدبّر هذه، قد تكتشف بأنّك مخطئ، وبأنّ مديرتك على حق، أو أن الحقيقة تكمن في مكان ما بين رأيك ورأيها – فأنت تتستّر على عيوب بعض مرؤوسيك من خلال إنجاز العمل الموكل إليهم بنفسك نيابة عنهم، وأحد أعضاء فريقك يماطل دائماً ولا ينجز عمله في الوقت المطلوب؛ ولكن من جهة أخرى، هناك عضوان في فريقك يُعتبران من النجوم ومن أفضل الموظفين أداء في الشركة. إنّ "لسان حالك" يكون في أقصى درجات الفائدة عندما يورد لك الحقائق المتعلّقة بوضع معيّن بهذه الطريقة المتوازنة. وهو يجب أن يكون بمثابة "الشاهد المُنصف" بحيث تكون منفتحاً على رؤية المجالات التي يمكنك أن تحسّن نفسك فيها وكيف يمكنك إنجاز ذلك.

لقد كان أحد الرؤساء التنفيذيين الذين أعرفهم مقتنعاً بأنّه مدير وقائد عظيم. فقد كان يتمتّع بمعرفة واسعة في مجال عمله، وكان يعرف بغريزته القوية ما الذي يجب فعله لتنمية شركته، الأمر الذي دفع أعضاء مجلس إدارة الشركة إلى الإقرار بنقاط قوّته تلك. لكنّه لم يكن يصغي إلا إلى الناس الذين كانوا يوافقونه رأيه بنفسه، وكان يتجاهل أي تعليقات تخصّ العيوب الموجودة لديه؛ ولم يكن فريقه يشعر بالحماس، ولم يكن متفاعلاً معه. وعندما بدأ أخيراً يشكّك في الافتراضات التي كان يؤمن بها ("هل كلّ أعضاء فريقي منتجون ويركّزون في عملهم؟ وإذا لم يكونوا كذلك، فهل هناك ما يمكنني أن أفعله بصورة مختلفة؟")، أصبح أكثر إدراكاً لحاجته إلى التطوير، وأكثر انفتاحاً على سماع آراء الآخرين وتقبّلها. فقد أدرك أخيراً بأنّه لم يكن من الكافي أن تكون لديه آراء استراتيجية ثاقبة؛ بل كان يتوجّب عليه طرح هذه الآراء على مرؤوسيه، وتشجيعهم على مناقشتها، وبعد ذلك كان يجب أن يضع أولويات واضحة – مدعومة بأهداف فصلية (ربعية) على مستوى الفريق وعلى المستوى الفردي، إضافة إلى مقاييس دورية لمعرفة مدى حجم التقدّم المُحرز، وجلسات لتحديد المشاكل المحتملة.

الفضول المعرفي

يُعتبرُ الأطفال نموذجاً للمثابرة على التعلّم وإتقان الأشياء. وكما يقول جون ميدينا (John Medina) في كتابه "قواعد الدماغ" (Brain Rules): "هذه الحاجة إلى التفسير محفورة بعمق ضمن وجدان الأطفال وتجربتهم، إلى حدّ أنّ بعض العلماء يعتبرونها بمثابة غريزية أساسية متأصّلة مثلها مثل غرائز الجوع والعطش والجنس". فالفضول المعرفي هو ما يجعلنا نجرّب شيئاً ما حتى نستطيع فعله، أو نفكّر في شيء ما حتّى نفهمه. والقادة العظام يحتفظون بهذه القوّة الدافعة الموجودة لدى الأطفال، أو يستعيدونها من خلال استعمال فكرة "مناجاة الذات" بطريقة مختلفة. فعلى سبيل المثال، إذا كانوا في حالة من عدم الاهتمام المبدئي بموضوع جديد، فإنّهم لا يركّزون على هذه الحالة ويضخّمونها، بل يتعلّمون طرح "أسئلة تتّسم بالفضول المعرفي" على أنفسهم بخصوص الموضوع الجديد، ومن ثمّ يُتبِعون هذه الأسئلة باتخاذ إجراءات معيّنة. فقد اكتشفت كارول سانسون (Carol Sansone) الباحثة في مجال علم النفس، على سبيل المثال، بأنّ الناس يستطيعون زيادة استعدادهم للتعامل مع المهام الضرورية عبر التفكير بأسلوب يساعدهم على إنجاز العمل بطريقة مختلفة لجعله أكثر إمتاعاً. بعبارة أخرى، هؤلاء الناس يغيّرون حوارهم مع ذاتهم من "هذه المهمّة مملّة" إلى "هل يا ترى إذا فعلت كذا سأحصل على نتيجة مختلفة؟"

وبوسعك أن تطبّق هذه الاستراتيجية ذاتها في حياتك العملية من خلال مراقبة اللغة التي تستعملها عندما تفكّر في الأشياء التي تثير اهتمامك – كيف..؟ لماذا...؟ هل يا ترى إذا...؟ - والاعتماد عليها عندما تحتاج إلى أن تكون شخصاً يمتلك الفضول المعرفي. بعد ذلك تقدّم خطوة إضافية إلى الأمام للإجابة عن سؤال طرحته على نفسك: اقرأ مقالاً، أو اطرح سؤالاً على أحد الخبراء، أو ابحث عن معلّم، أو انضمّ إلى إحدى المجموعات – وكل ما عليك فعله هو أن تختار الخطوة التي تشعر بأنّها الأسهل بالنسبة لك من بين هذه الخطوات.

عملت مؤخراً مع محامية في شركة كبرى كانت إدارتها قد عرضت عليها وظيفة أكبر تحتاج إلى إلمام بقوانين العمل، وهو مجال كان بنظرها "أكثر جانب يبعث على الملل في مهنة المحاماة". وعوضاً عن محاولة إقناعها بعكس ذلك، سألتها عن الأشياء التي تثير فضولها المعرفي ولماذا، فقالت لي: "أنا أحبّ الرقص الإيقاعي الذي يعتمد على تمايل الجسد. وأنا أعشق تاريخ هذا النوع من الرقصات. ولطالما تساءلت بيني وبين نفسي كيف تطوّر، وما إذا كان استجابة للاكتئاب، حيثّ أنّه فنّ يبعث على السعادة في النفس. أنا أراقب الراقصين الكبار وأفكّر بيني وبين نفسي وأتساءل لماذا يقومون بأشياء معيّنة".

وقد شرحت لها بأن "لغتها المفعمة بالفضول المعرفي" يمكن أن تنطبق على قانون العمل. فقالت لي ممازحة: "أتعجّب كيف يمكن لأيّ إنسان أن يرى في قانون العمل أي شيء يثير الاهتمام". فقلتُ لها بأنّ ذلك السؤال يُعتبر بداية مناسبة لها. فبدأت تفكّر بصوت عالٍ بالإجابات المحتملة "ربما ينظر بعض المحامين إليه بوصفه طريقة لحماية موظفيهم وشركاتهم..." ومن ثمّ طرحت عدداً من الأسئلة الإضافية التي لا تخلو من الفضول: "كيف يمكن لي إذا تعرّفت على المزيد من تفاصيل هذا القانون أن أصبح محامية أفضل؟".

وسرعان ما أصبحت مهتمّة بما يكفي بهذا الموضوع إلى درجة أنّها لجأت إلى التواصل مع زميل لها كان من الضليعين بقانون العمل. وقد سألته عن الجوانب التي تثير اهتمامه في هذا القانون، وعن الطريقة التي اكتسب بها معارفه. وقد حفّزتها إجاباته على طرح المزيد من الأسئلة. وخلال الأشهر التالية، تعلّمت كلّ ما كانت بحاجة إلى معرفته لتكون قادرة على الاضطلاع بدورها الجديد.

في المرّة القادمة التي يُطلب منك فيها تعلّم شيء جديد في المكتب، أو عندما تشعر بأنّك يجب أن تتعلّم هذا الشيء الجديد لأنّ زملاءك يفعلون ذلك، شجّع نفسك على طرح عدد من الأسئلة المفعمة بالفضول المعرفي وحاول الإجابة عنها، من قبيل: "لماذا يهتمّ الآخرون إلى هذه الدرجة بذلك الأمر؟ كيف يمكن لذلك أن يجعل وظيفتي أسهل؟" ثم حاول البحث عن إجابات. وأنت لن تحتاج إلا إلى العثور على شيء واحد يثير فضولك في موضوع تجده "مُملاً".

القبول بارتكاب الأخطاء

عندما نصبح بارعين أو ممتازين في أداء بعض الأشياء، فإنّنا نادراً ما نرغب بالعودة إلى حالة نجد أنفسنا فيها "غير بارعين" في أشياء أخرى. نعم، لقد تعلّمنا الآن بأنّ علينا اعتناق فلسفة التجريب و"الفشل السريع" في العمل. لكنّنا تعلّمنا أيضاً بأنّنا يجب أن نستفيد من نقاط قوّتنا. وبالتالي فإنّ فكرة أن نكون سيئين في شيء ما لأسابيع أو أشهر؛ وأن نشعر بأننا في وضع غريب وبطيؤون؛ وأننا مضطرون إلى طرح "أسئلة غبية" أو الشعور بأننّا لا نفهم ما يُقال أمامنا؛ والحاجة إلى تلقّي التوجيهات بخصوص كيفية التعامل مع كلّ خطوة في العمل مراراً وتكراراً، هي فكرة مرعبة للغاية. لكنّ المتعلّمين البارعين يسمحون لأنفسهم بأن يكونوا في حالة من الضعف الكافي لهم لكي يقبلوا هذه الحالة التي يجدون أنفسهم فيها كأشخاص مبتدئين. لا بل يمكن القول بأنّهم يمكن أن يشعروا بقدر معقول من الارتياح وهم في هذه الحالة، من خلال التحكّم بحوارهم مع ذاتهم والذي يدور بينهم وبين أنفسهم.

إذا كنّا عموماً نحاول تجريب شيء جديد، وكنّا غير بارعين في أدائه، فإنّ أفكاراً مريعة تخطر لنا: "أنا أكره هذا. آه كم أنا شخص غبي، ولن أتمكّن من إنجاز المهمّة بشكل صحيح في حياتي. يا له من أمر محبط للغاية!" لكنّ هذا الجمود في أدمغتنا لا يترك لنا مجالاً كبيراً كي نتعلّم. غير أنّ الذهنية المثالية بالنسبة لأيّ شخص مبتدئ هي أن يشعر بشيء من القبول بالأخطاء والتوازن في آن معاً: "لن أكون بارعاً في إنجاز هذه المهمّة في بادئ الأمر، لأنّه لم يسبق لي أن أنجزتها من قبل. وأنا أعلم بأنني قادر على تعلّم كيفية إنجازها مع مرور الوقت". في الواقع، اكتشف الباحثان روبيرت وود (Robert Wood) وألبرت باندورا (Albert Bandura) في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي بأنّك عندما تشجّع الناس على توقّع حصول أخطاء، وعلى التعلّم منها في مرحلة مبكّرة من عملية اكتساب مهارة جديدة، فإنّ النتيجة هي "تزايد مستوى الاهتمام والمثابرة لدى الشخص المعني، وتحسّن أدائه".

أعرف أحد كبار مدراء المبيعات في الولايات المتّحدة الأمريكية والذي رُقّي مؤخراً ليدير فرع شركته في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقد واجه صعوبة كبيرة في التأقلم مع الحياة في الخارج، وفي العمل مع زملاء ينتمون إلى ثقافات أخرى. وقد تجاوب مع هذه الحالة بالاتكاء على خبرته في مجال المبيعات، عوضاً عن الإقرار بوضعيته الجديدة كمبتدئ يعمل ضمن بيئة جديدة. وقد ساعدته أنا على إدراك حالة المقاومة الموجودة لديه تجاه وضعه كشخص مبتدئ موجود في ثقافة جديدة، وتمكّن من تغيير حواره الداخلي مع ذاته من "هذا وضع غير مريح على الإطلاق، وأنا سوف أركّز فقط على ما أعرفه أصلاً" إلى "لديّ الكثير لأتعلّمه عن الثقافات الآسيوية. سوف أجري دراسة سريعة للأمر لكي أتمكّن من فهم هذه الثقافات". وقد أخبرني بأنّه شعر بارتياح فوري إثر ذلك. فإقراره ببساطة بوضعيته كشخص مبتدئ جعله يشعر بأنّه أقلّ حماقة، وساعده على الاسترخاء أكثر. وقد بدأ بطرح الأسئلة الضرورية، وسرعان ما بدأ الناس ينظرون إليه بوصفه شخصاً منفتحاً ومهتمّاً بدأ يتّفهم بيئته الجديدة.

تُعتبرُ القدرة على اكتساب مهارات ومعارف جديدة بسرعة وبصورة متواصلة شرطاً أساسياً للنجاح في عالم يشهد تغيّرات سريعة. فإذا لم يكن لديك حالياً الطموح، والوعي الذاتي، والفضول المعرفي، والقبول بارتكاب الأخطاء لكي تكون شخصاً يتعلّم بفعالية، فإنّ هذه الأدوات البسيطة يمكن أن تساعدك في الوصول إلى ذلك الهدف.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي