هناك تمرين اعتدت على إعطائه لطلابي في مقرر مهارات ريادة الأعمال، وهو أن أسلّم كل فريق من الطلاب ظرفاً يحتوي بداخله على 5 دولارات، وأخبرهم أن هذا المال هو بمثابة "تمويلهم الأولي"، أي يمكنهم استخدامه كرأسمال أولي للبدء بأي نوع من المشاريع المدرّة للربح التي يريدونها. وبعد انقضاء أسبوع واحد، يقدمون مشاريعهم إلى بقية الطلاب ويكشفون عن الأرباح التي حققوها.
كان الهدف من هذا التمرين، صقل موهبة الطلاب في مجال ريادة الأعمال من خلال محاولة اكتشاف الفرص المحدودة بمبلغ الدولارات الخمسة التي حصلوا عليها، ولقد كان لديهم في الحقيقة الكثير من مهارات ريادة الأعمال. بعض من تلك الأفكار التي طرحوها على مدى سنوات هي تقديم خدمة غسيل السيارات بحيث استخدموا الخمسة دولارات تلك في استثمارها بشراء الإسفنج والصابون وشمع السيارات، واستثمر آخرون في أسواق السلع المستعملة في المجتمع المحلي وملصقات المبيعات بحيث أنفقوا المبلغ على الإعلان مقابل "جداول التسعير" المصرفية من كل مورّد، كما باع منهم المعجنات التي صُنعت من المكونات التي يمكن شراؤها بـ 5 دولارات. وقد عملت جميع تلك الفرق على نحو جيد نسبياً للاستفادة من الدولارات الخمسة لتحقيق أرباح جيدة.
لكن أي من تلك الفرق حققت أفضل ربح؟ تلك التي لم تستخدم الدولارات الخمسة على الإطلاق.
لقد شعر جميع الطلاب بالدهشة بعد تلقيهم هذا الدرس، فالفرق التي حققت أعلى ربح، وهناك فريق حقق أكثر من 4,000 دولار في إحدى السنوات، هي التي لم تستخدم التمويل الأولي على الإطلاق، والتي نظرت إلى الموارد المتاحة أمامها من خلال منظور مختلف تماماً. إذ جسدت تلك الفرق ذهنية أرلان هاملتون، وهي صاحبة رأسمال مغامر (جريء) انتقلت من مرحلة العيش في سيارتها إلى جمع مبلغ 10 ملايين دولار لاستثمارها الأخير. قالت أرلان ذات مرة: "إذا أخذت مني كل شيء، فلا حدود لما يمكنني تحقيقه".
بسبب طبيعتنا البشرية، فإننا نميل إلى التركيز على العقبات والتفكير فيها على أنها نوع من الشدائد، لكن العقبات في واقع الأمر قد تمثل فرصاً. عندما نواجه عقبات، يمكن أن تحدث أمور أشبه بالسحر، إذ يمكن أن تصبح تلك العقبات بمثابة أدوات لدفعنا قدماً. وهذه فكرة واحدة من الأفكار التي يناقشها كتابي الجديد "الحافة" (Edge).
إن العقبة المالية المتمثلة في الخمسة دولارات في التمرين الذي أعطيه لطلابي يمكن أن توضح ذلك، إذ يتمعن بعض الطلاب في البيئة من حولهم بحثاً عن طرق تمكنهم من إضافة قيمة، ويحددون الفرص الواضحة وجميع الطرق التي يمكنهم استخدام تلك الدولارات من خلالها. وينتهي الأمر باستبعاد مجموعة كبيرة من الفرص، أي تلك التي يمكنهم الخوض فيها بالاستناد إلى 3 أو 4 دولارات أو حتى لا شيء. والأكثر إثارة للاهتمام من ذلك، أن هذه الطريقة تستبعد الفرص التي تحتاج إلى آلاف الدولارات لإتمامها. إذاً، فالتركيز على الدولارات الخمسة يحد من الأفكار الممكن أخذها بعين الاعتبار، بحيث يرى الطلاب فقط الفرص الأصغر، وينتهي بهم الأمر بأفكار مثل غسيل السيارات وبيع عصير الليمون والمعجنات، وهذا ما يفكر فيه معظم الناس.
ما نوع المشاريع التي بدأت فيها الفرق التي تجاهلت الدولارات الخمسة ورأت نفسها على أنها "غير مقيدة"؟
بعد أن تنبه أعضاء أحد الفرق أن الأصل الأكثر قيمة لديهم لم يكن في الواقع هو الدولارات الخمسة التي بين أيديهم، بل هو المدة الزمنية التي سيقدمون خلالها عرضهم التقديمي في الفصل، قرروا بيع هذا الوقت لإحدى الشركات التي كانت مهتمة بتوظيف الطلاب للعمل الموسمي. ساعد ذلك الفريق الشركة على إنشاء إعلان تجاري قصير عُرض على الطلاب الآخرين في الفصل خلال وقت العرض التقديمي، وتلقوا من الشركة مبلغ 5,000 دولار مقابل تلك الخدمة.
كما فكر فريق آخر في الأصول التي كانت لديه غير الدولارات الخمسة، ووضع أولاً قائمة بجميع المواهب التي لدى كل عضو في الفريق، وتشاركها الأعضاء فيما بينهم، وقد شعروا بالدهشة من مدى تنوعها وتميزها عندما نُظر إليها مجتمعة. ثم صوروا، من خلال أجهزة الآيفون الخاصة بهم، سلسلة من الإعلانات التي شكلت مخططاً مترابطاً من العروض التي أبرزت مواهب كل عضو من أعضاء الفريق. وأرسلوا مقاطع الفيديو إلى جميع الأشخاص الذين يعرفونهم وطلبوا منهم نشرها أيضاً، معلنين بذلك عن ورشة عمل لتعليم المواهب التي يمتلكونها للآخرين، وقد حضر ورشة العمل أكثر من 200 شخص، وتقاضى الفريق 20 دولاراً مقابل كل فرد.
كان الفريق المفضل لدي هو الذي استضاف "عشاء متنقلاً" بحيث يُقدم كل طبق، المقبلات والطبق الرئيسي والحلوى، في موقع مختلف ومع مجموعة مختلفة من الأشخاص. تلقى الضيوف عند الساعة الخامسة والنصف مساء رسالة نصية تضمنت مكان تناول المقبلات، وقد حضروا والتقوا بأربعة أو خمسة أشخاص جدد. ووصلتهم رسالة أخرى عند الساعة السادسة والنصف مساء تضمنت الموقع الذي انتقلوا إليه لتناول الطبق الرئيسي مع أشخاص جدد أيضاً، وعند الساعة الثامنة مساء انتقلوا إلى الموقع الذي تناولوا فيه الحلوى. في نهاية المساء، أرسل أعضاء الفريق رسالة نصية تحمل اسم أحد المقاهي المحلية وعنوانه، حيث التقى جميع المشاركين البالغ عددهم 50 مشتركاً. دفع المشاركون رسماً ثابتاً مقدماً، الذي غطى قوائم الطعام المعدّة مسبقاً والتي رتبها طلابي بالتعاون مع المطاعم والمقاهي التي زاروها. لقد احتفظ الطلاب بالأرباح التي حققوها، وكانت المشكلة التي حددوها وهدفوا إلى حلها متمثلة في أن التعارف ليس ممتعاً دائماً، وأن مقابلة الأشخاص الجدد ليس أمراً سهلاً في العادة.
لا ينبغي للعقبات أن تكون مقيّدة، وأولئك الذين افترضوا أنهم لا يملكون شيئاً كرأسمال أولي قد حققوا نتائج أفضل. إذ إنهم لم يعتبروا الدولارات الخمسة كدعامة، وركزوا بالتالي على الفرصة بدلاً من العقبة. وأدى ذلك إلى إطلاق عنان تفكيرهم في الأصول الأخرى التي لديهم، ودفعهم لتجاوز مشكلة الدولارات الخمسة والنظر في الفرص الأكثر قيمة. يمكننا هنا استخلاص الدرس التالي: إذا سمحنا للآخرين بفرض القيود علينا، فلن نتمكن من استغلال الفرص التي أمامنا.
صحيح أن وجود العقبات أمر حتمي، لكن عوضاً عن قبولها، يمكننا اكتشافها، والتنبه إليها، والتعرف على قيمتها. نحن بحاجة إلى تلك العقبات من نواحٍ عديدة، وعندما نلاحظ وجودها ولا نسمح لها بتحديد إمكاناتنا، يمكننا حينها استغلالها حقاً وخلق فرص من خلالها.
بعد أسابيع قليلة من انتهاء المقرر الدراسي، تلقيت دعوة من أحد طلابي إلى العشاء المتنقل الذي حقق نجاحاً رائعاً، الأمر الذي دفع الطلاب إلى جعله حدثاً شهرياً. كانوا في طور تنسيق العشاء الثاني، وطلبوا مني الحضور، وقد قدموا لي سعراً مخفضاً يساوي 5 دولارات، ولا شك أنني قضيت وقتاً ممتعاً بالفعل.