متى تخطئ الشركات في التعلم والتطوير؟

5 دقائق

أنفقت الشركات والمؤسسات 359 مليار دولار على مستوى العالم على التدريب في عام 2016، فهل كان الأمر يستحق ذلك؟

لا، ويتضح ذلك عندما نأخذ في الاعتبار ما يلي:

  • %75 من 1,500 مدير استطلعت آراؤهم ممن يعملون في 50 مؤسسة مختلفة عبروا عن عدم رضاهم عن نشاط التعلم والتطوير فيها.
  • أفاد 70% من الموظفين أنهم لا يتقنون المهارات اللازمة لأداء وظائفهم.
  • 12% فقط من الموظفين يطبقون المهارات الجديدة التي تعلموها ضمن برامج التعلم والتطوير في عملهم.
  • يعتقد 25% فقط من المشاركين في استطلاع أجرته شركة ماكنزي مؤخراً أن التدريب حسَن أداءهم بشكل ملموس.

لا يقتصر الأمر على أن غالبية التدريب الذي يجري في شركات اليوم غير فعال، ولكن تشوب النواقص الغرض من التدريب وتوقيته ومحتواه.

التعلم للأسباب الخطأ

يقول برايان كابلان، أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج ميسون (George Mason)، ومؤلف كتاب "مشكلات التعليم" (The Case Against Education)، في كتابه إن التعليم لا يتعلق في أكثر الأحيان بتعلم مهارات وظيفية مفيدة، بل بالتباهي بالأمر، أو "إعطاء إشارة" أن الموظفين يستحقون الترقية.

يستخدم موظفو اليوم في كثير من الأحيان أرصدة التعليم المهني المستمر لطلب الترقية الوظيفية. ويُظهر موظفو قسم التعلم والتطوير قيمتهم للشركة من خلال تحقيق مؤشرات الأداء الرئيسية KPIs المعيبة، مثل إجمالي أرصدة التعليم المهني المستمر التي يحصلون عليها، بدلاً من التركيز على تأثير ذاك التعليم على الأداء التجاري للشركة. وفي حين يسهُل قياس الأولى، إلا أنّ الحوافز المعيبة تجلب نتائج معيبة، كما يلي:

نحن نتعلم في الوقت الخطأ. يتعلم الناس أفضل عندما يجب أن يتعلموا. إذ إن تطبيق ما جرى تعلمه على مواقف حقيقية يعزز تركيز الفرد وتصميمه على التعلم. وبينما بين عالم النفس إدوين لوك تأثير حلقات التقييم القصيرة في عام 1968 من خلال نظريته عن التحفيز، لا تزال هذه المنهجية غير مطبقة على نطاق واسع عندما يتعلق الأمر بتدريب موظفي الشركات. يتعلم موظفو اليوم في كثير من الأحيان موضوعات موحدة، وفقاً لجدول التعلم والتطوير وفي وقت لا يكون للمحتوى التدريبي سوى القليل من الصلة المباشرة بدورهم في الشركة، وهذا يؤثر بدوره سلباً على تعلُّمهم.

نحن نتعلم الأشياء الخطأ. إن رغبت برؤية عينين تشيحان نظرهما عنك متبرمتين بسرعة كبيرة، اطلب من الموظفين المشغولين حضور دورة تدريبية حول "مهارات الكتابة التجارية" أو "حل النزاعات"، أو أي دورة أخرى من هذا القبيل قلما تلائم احتياجاتهم المهنية.

نحن ننسى بسرعة ما تعلمناه. مثلما ينسى طلاب السنة الجامعية الأولى 60% مما تعلموه في المدرسة الثانوية، توحي الدراسة لمجرد الحصول على أرصدة في التعليم المهني المستمر، أن الموظفين أيضاً سينسون بسرعة ما يتعلمونه. ابتكر عالم النفس الألماني هيرمان إبينغهاوس دراسات تجريبية لقياس الذاكرة في أواخر القرن التاسع عشر بلغت ذروتها باكتشاف "منحنى النسيان" (The Forgetting Curve). ووجد أنه في حال عدم استخدام المعلومات الجديدة، فسوف ننسى حوالي 75% منها بعد ستة أيام فقط .

استعمله وإلا خسرته

يمكننا إلقاء اللوم على تكويننا الحيوي وعلى رغبتنا الفطرية والتطورية للبقاء فيما يتعلق بحقيقة أن البشر ينسون بسرعة ما يتعلمونه. وكما قال ماتيو بوازغونتييه من مختبر السلوك الدماغي في جامعة بريتش كولومبيا: "الحفاظ على الطاقة كان ضرورياً لبقاء البشر لأنه سمح لنا أن نكون أكثر فاعلية في البحث عن الطعام والمأوى، والتنافس للحصول على شركاء من الجنس الآخر، وتجنب الحيوانات المفترسة". نتيجة لذلك، تنسى أدمغتنا بسرعة ما لا نستخدمه. ودمج التعلم الجديد في عملك هو إحدى طرق الاحتفاظ بالمعرفة. والطريقة الأخرى هي التكرار بين فترة وأخرى. هذه الطريقة التي اقترحها في الأصل عالم النفس سيسيل أليك ميس في عام 1932، تشير إلى أنه يجب نشر التعلم عبر فترة ممتدة من الوقت (يجب مراجعة المواد عبر فترات زمنية متزايدة تدريجياً مثلاً كل يوم، يومين، أربعة أيام، ثمانية أيام، وهكذا ). يستفيد هذا النهج من تأثير التباعد النفسي الذي يوضح وجود صلة قوية بين التعرض الدوري للمعلومات والاحتفاظ بها. تشير الدراسات إلى أنه باستخدام التكرار المتباعد، يمكننا أن نتذكر حوالي 80% مما نتعلمه بعد 60 يوماً، وهذا يُعد تحسناً كبيراً.

للأسف، تتجاهل معظم برامج التعلم والتطوير هذه الحقائق البيولوجية وتستثمر مليارات الدولارات فيما يوازي عمليات نقل للمعلومات سرعان ما تُنسى.

ما الذي يحتاج إلى تغيير؟

يتطلب عالم الأعمال سريع الحركة اليوم من المؤسسات والشركات وموظفيها التكيف مع الظروف المتغيرة بسرعة والتعلم الدائم. وكما قال المؤسس المشارك لشركة "وايرد" (Wired) كيفن كيلي، "تصرف كما لو كنت مبتدئاً، عبر طرح أسئلة غبية وارتكاب أخطاء غبية، وتعليم الآخرين ما تتعلمه".

التعلم الرشيق، الذي يشيد بنظام التصنيع الرشيق لدى تويوتا، يشدد على بذل الجهد فقط عند الحاجة إليه، لتحسين النتائج وخفض الهدر؛ إنه تعلم قصير الأجل وبسعر معقول ويوفر للموظفين والمؤسسات إنعاشاً فورياً للقدرات.

يدور التعلم الرشيق حول:

  1. تعلم جوهر ما تحتاج إلى تعلمه.
  2. تطبيقه على الفور على مواقف العالم الحقيقي.
  3.  تلقي الآراء التقييمية فوراً وصقل فهمك.
  4. تكرار دورة التعلم.

مثل التصنيع الرشيق والشركة الناشئة الرشيقة من قبله، يدعم التعلم الرشيق القدرة على التكيف التي تمنح المؤسسات ميزة تنافسية في سوق اليوم.

كيفية تطبيق التعلم الرشيق

فكر بطريقة 80/20. يدافع تيم فيريس، رائد الأعمال ومؤلف سلسلة كتب "الساعات الأربع" (The Four Hour)، عن أسلوب تعلّم رشيق يسميه "ديسكافيه" (DiSSSCaFE). إذ يقترح تحديد الوحدة الدنيا القابلة للتعلم (MLU)، وتطبيق مبدأ باريتو. إذا كنت ترغب في تعلم اللغة اليابانية، ركِز على تعلم 20% من الكلمات والعبارات التي تُستخدم في 80% من الوقت. ثم قم بتطبيق ما تتعلمه في المحادثات الفعلية مع متحدثي اللغة اليابانية قدر المستطاع.

تطبيق التعلم على مواقف في العالم الحقيقي. في شركة "كولكتيف كامبس" (Collective Campus)، لا نكتفي بتعليم المدراء التنفيذيين منهجية ابتكار محددة. نضمن أولاً أن بإمكانهم بالفعل تطبيق المنهجية داخلياً، ونطلب منهم إحضار مشاريع واقعية إلى ورشات العمل حتى نتمكن من تطبيق ما تعلموه في الوقت الفعلي، واختصار حلقة الآراء التقييمية، وتقديم نتائج الأعمال، وتشجيعهم ونحن نراهم يعبرون بدهشة وفرح عن نجاحهم.

الاستفادة من التعلم الموجه. بدلاً من إجراء التدريب على فترات زمنية محددة، يدمج التعليم الموجه بين التعلم المستمر والتطبيق المباشر. فكر في النوافذ المنبثقة التي تظهر على الشاشة للحظات وتدعم التعلم السريع مع مراعاة الاحتياجات الشخصية. ينطبق هذا بشكل خاص على كبار مدراء الإدارة بالشركات وعلى الموظفين الجدد الذين يخضعون لبرامج الدمج الوظيفي والفرق متعددة الوظائف وموظفي تكنولوجيا المعلومات وتدريب المستخدمين النهائيين.

إضفاء طابع شخصي على المحتوى. يمكن باستخدام التقنيات الحديثة إضفاء طابع شخصي على التدريب بحيث تتكيف مواد التدريب بناء على أداء الموظف، وتكييف المحتوى تبعاً لاحتياجات كل موظف وكذلك تكييف أسلوب التعلم وطريقة إيصال محتوى المادة التعليمية.

تقديم الدعم المستمر. تزويد الموظفين بمزيد من الدعم بعد جلسة التعلم من خلال مجموعة من الرسائل الفورية والرسائل الصوتية وروبوتات الدردشة، بما يضمن تمكينهم من تطبيق التعلم على تحديات محددة.

حفز التعلم من الأقران. عندما يرغب الموظفون في تعلم مهارة جديدة، فهم لا يرغبون عادة في استخدام جوجل ولا يكون خيارهم الأول العودة إلى نظام إدارة التعلم في الشركة؛ بل يسأل 55% منهم أحد زملائهم. عندما تضع في الحسبان حقيقة أن البشر يميلون إلى التعلم أثناء التعليم، ستجد أن التعلم من الأقران أو من زملاء العمل في هذه الحالة يوفر وسيلة لدعم التعلم السريع في الوقت الفعلي، مع تعزيز فهم موظفيك للمفاهيم التي تعلموها. قد يكون الأمر بسيطاً مثل إنشاء سوق عبر الإنترنت أو ورشات عمل دورية للتعلم من الأقران، لربط الموظفين الذين يرغبون في تدريس مهارات محددة بزملائهم الذين يرغبون في اكتساب هذه المهارات. إن تحفيز التعلم بين الزملاء من خلال دمجه في مراجعات الأداء يمكن أن يضمن استمرار الموظفين في استثمار الوقت في استخدام البرنامج.

توفير دورات تدريب قصيرة. امنح الموظفين فرصاً قصيرة ومختصرة للتعلم ربما على شكل دورات سريعة تستمر لمدة ساعة حول مواضيع ذات صلة بالتحديات المباشرة التي يمكن أن يواجهها الموظف أو الفرص الماثلة أمامه.

الانتقال من نقاط الاعتماد إلى النتائج

من أجل البدء في ممارسة التعلم الرشيق، تحتاج المؤسسات إلى الانتقال من قياس التعليم المهني المستمر المكتسب إلى قياس نتائج الأعمال التي بُنيت عليه. ويضمن التعلم الرشيق ليس فقط أن يتعلم الموظفون ما هو ملائم لهم وفي الوقت المناسب وللأسباب الصحيحة، ولكن أيضا أن يحتفظوا بما يتعلمونه.

وكما يقول إريك ريس، مؤلف كتاب "الشركة الناشئة الرشيقة" (The Lean Startup)، إن "الطريقة الوحيدة للفوز هي أن نتعلم أسرع من أي شخص آخر". لم يكن في أي وقت أصدق مما هو عليه اليوم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي