تعلّم مهارة التفويض في 4 خطوات لتُصبح قائداً عظيماً

6 دقائق
التفويض
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من أصعب التحولات التي يتعين على القادة إجراؤها الانتقال من العمل إلى القيادة. قد تكون من القادة الذين يفضلون إنجاز العمل بأنفسهم، ما قد يثير إعجاب زملائك ورؤسائك ويجعلهم يرونك محباً للعمل وراغباً في أداء المهام التكتيكية بنفسك. لكن مع زيادة تعقيد مسؤولياتك وحجمها، سيتجلى الفرق بين القائد الفعال والمسهم الفردي الذي يحمل لقب القائد ولا يملك مهاراته، وسيوقع أثراً مدوياً.

قد تكون قادراً على المدى القصير على القدوم إلى العمل كأول واحد، ومغادرته كآخر واحد، ومواجهة المشاكل التي قد تطرأ بنفسك. لكن سيمر الوقت، وستبدأ بالمعاناة من ضيق الوقت وكثرة الطلبات. هنا، ستحدد آلية إشراكك الآخرين في المسؤولية توقعات الناس لنمط قيادتك، وستزيد القدرة على إنجاز الكثير في حال تمكنت من تفويض الشخص المناسب وتزويده بالصلاحيات اللازمة لتحقيق الأهداف المشتركة. في نفس الوقت، إن اخترت عدم التفويض، ستؤدي كثرة المهام المنوط بها إلى عدم تمكنك من إنجازها في الوقت المناسب وبالتالي ستنخفض قوتك وقوة الفريق.

يواجه كل القادة تقريباً، في فترة من الفترات، متناقضة لا بد منها وهي: الحاجة إلى أن تكون الشخص الأكثر أهمية لفريقك مع قلة انخراطك في العمل معه. يخلط الكثير من القادرة بين أن يكون مشاركاً للفريق وبين أن يكون جوهرياً له. قد يتشابه الاثنان بالمعنى، إلا أنهما أمران مختلفان، تماماً كما الفرق بين أن تكون “مشغولاً” وبين أن تكون “منتجاً”. إن مشاركتك للفريق هي مزيج من الفرص التي تستكشفها والخيارات التي تقوم بها وعمليات التفويض التي تنجزها خلال رحلتك في المشروع. ستعتمد أهميتك أو جوهريتك على مدى قدرتك وحكمتك في تنشيط من هم حولك.

يعني هذا أن عليك القيام بتشكيل الأفكار والرؤى لدى الآخرين بدلاً من إملاء الخطط عليهم، وامتلاك منظور لسعي الفريق إليه لكن دون إلزام الآخرين بالتقيد بمنهج معين، ورؤية أولوياتك تتحول واقعاً من خلال المنجزات التي يحققها الآخرون.

ربما يعتبر ما سبق أمراً بديهياً وما يجب على القادة المحفّزون القيام به، إلا أن كثيرين يقومون بالعكس وينفذون كل شيء بأنفسهم من دون تفويض أي شيء للآخرين ويتصرفون بشكل غريزي لـ”حماية” العمل، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى عدم تحقيق القادة للأثر المنشود وعدم الوصول إلى الأهداف المرجوة.

لمعرفة ما إذا كنت فعلاً ممن يقومون بالقيام بالكثير من المهام من دون تفويض أحد، قم بالإجابة على هذا السؤال البسيط: إذا كنت بحاجة لأخذ عطلة لأسبوع من عملك لسبب طارئ، هل يمكن متابعة مبادراتك وأولوياتك في غيابك؟

في حال لم يكن لديك إجابة، أو لم تكن متأكداً، فقد يعني هذا أنك منخرط في العمل أكثر مما ينبغي. عليك هنا أن تزيد من صلاحيات الآخرين وأن تتفرغ كقائد للإدارة الشاملة للعمل. سنقدم لك فيما يلي أربع استراتيجيات مناسبة للتفويض يستخدمها قادة أعرفهم على كافة المستويات. يمكنك اختيار إحداها أو العمل بمنهجيتك الخاصة إن أردت.

ابدأ بأسبابك

عندما لا يفهم الناس لم عليهم اعتبار هذا الأمر مهماً، ومدى ارتباطه بهم، يقل اهتمامهم به. لكن إذا تمكنت من شرح تلك الأسباب، وأهمية مساهمتهم في تحقيق الصورة الكبيرة، واختلاف هذه الفرصة عن مثيلاتها، ستتمكن وقتها من إنشاء رابط شخصي بينهم وبين المهمة المنوطة بهم، وسيزيد هذا من احتمالات عملهم عليها بتفانٍ أكثر. عليك بدلاً من قول، “إنها لصالح الشركة”، شرح أسبابك الخاصة، إذ أنه لا يمكنك تحفيز شخص ما للاهتمام عندما لا تكون قادراً على تفسير سبب أهمية هذا المشروع لك؛ بالتالي عليك النظر في أن هذا الخطوة هي حجر الأساس لإنشاء شراكة فعالة مع الآخر. في حال لم تقم بذلك، سيؤدي ذلك إلى ترك الآخرين يتوصلون إلى استنتاجاتهم الخاصة حول ما تطلب منهم القيام به وسبب ذلك، والتي قد تكون مختلفة عما تريد، وسيزيد ذلك من مخاطر اختلافهم معك. بالتالي عليك توضيح الأسباب لهم من البداية.

ألهم الآخرين للالتزام

يشعر الناس بالحماس تجاه ما هو ممكن، لكنهم يلتزمون فقط عندما يفهمون دورهم في تحقيق ذلك. عليك القيام بتحديد دور الشخص ونطاق مساهمته والتأكد من توافق ذلك مع قدرته. كما أن عليك التواصل وذكر كل التوقعات الإضافية المرجوة منه ليفهم ما عليه القيام به بشكل كامل. يعتبر ما سبق أمراً بالغ الأهمية عندما تكون بحاجة إلى الحصول على نتيجة دقيقة أو منهجية محددة. لا يمكن للآخرين معرفة ما يدور في عقلك، بالتالي، إذا كنت بحاجة إلى الحصول على حصيلة نهائية محددة بدقة، على شرحك أن يكون دقيقاً جداً تجاه ما تتوقع تحقيقه. حالما تشرح ما تريد بالكامل، تأكد من فهمهم لما قلته (والأفضل أن يكون ذلك وجهاً لوجه أو عبر الهاتف على الأقل تفادياً لأي سوء تفسير قد يحدث ضمن الرسائل الإلكترونية). لن يكون إخبارك لما تريد كافٍ لقيامهم بذلك، بل عليك التأكد من إدراكهم لذلك وتكرارهم له بالشكل الذي يتفق مع النتائج التي تتوقعها.

اضبط درجة انخراطك وإسهامك

من الضروري أن تبقى مشاركاً، لكن ليكن ذلك إلى درجة معينة. يجب عليك الحفاظ على مستويات مشاركة كافية لك لتقديم المزيج المتفق عليه من الدعم والمساءلة من دون المبالغة في واحدة على حساب أخرى. بمعنى آخر، تؤدي المشاركة المفرطة إلى تدخلك في كل شاردة وواردة بقصد أو من دون قصد. أما قلة المشاركة فقد تؤدي إلى تفويتك لحظات حرجة كان فريقك يحتاجك فيها جداً للحصول على دعم أو ملاحظة أو رأي. لكي تعرف تماماً مقدار التدخل الصحيح، عليك ببساطة سؤال الآخرين عن مستوى التدخل المناسب لهم. سيعطيك هذا من ناحية نسبة مشاركتك المثالية، ومن ناحية أخرى سيقدم لهم الاستقلالية الكافية لأداء العمل الذي فوضتهم للقيام به.

تعلم قول “نعم”، “لا”، و “نعم، إذا”

يعتبر هذا أمراً مهماً بحد ذاته. لا يضع المستثمرون الناجحون أموالهم في كل فرصة تأتي في طريقهم، بل يميزون بين تلك الجيدة والسيئة. عليك بدورك إجراء تقييم كافٍ لكل طلب يأتيك، ومعرفة إن كنت قادراً على تقديم أفضل مساهمة ممكنة لك فيه. في حال توافق الطلب مع قدراتك، يمكنك قول “نعم” وتوفير الوقت للمشاركة وتقديم مساهمتك. أما بالنسبة للطلبات التي لا تتفق مع قدراتك، عليك هنا قول “نعم، إذا…” وعلى الفور تحديد أشخاص آخرين ممكن هم قادرين على تحقيق تلك النتيجة بشكل أفضل. عليك أن تكون هنا عامل تحفيز، لا الشخص المنفّذ. يعني هذا تفويضك بعض المهام للآخرين، والتفاوض على خفض مساهمتك المباشرة، أو مجرد قول “لا” مع شرح كافٍ حول لمَ سيكون لجهدك واهتمامك أثر أكبر في أماكن أخرى.

لتوضيح هذه الاستراتيجيات بشكل عملي، لنأخذ حالة أمنية. لم تكن أمنية ترفض أي طلب وكانت تشارك بنفسها في كل مهمة مع فريقها. ومع زيادة الطلب عليها، لم تعد أمنية قادرة على المشاركة بشكل الأمثل في كل المهام، وقررت وضع سقف لما يمكنها المشاركة فيه، الأمر الذي أدى إلى بطء سير عدة مبادرات كانت تشرف عليها. في نفس الوقت، كان إحباط أعضاء فريقها يزداد بينما هم واقفون مكتوفي الأيدي في انتظار تواجدها للتشاور أو المراجعة أو الموافقة على بعض البنود. وجدت أمنية نفسها على حافة الإرهاق، في الوقت الذي باتت تواجه فيه فقدان محتمل لمصداقيتها أمام فريقها.

تمثلت الخطوة الأولى لأمنية في تعريف نطاق مسؤوليتها القيادية والذي عبّرت عنه في قولها لنفسها: “أنا المسؤولة عن إنجاز كامل المهمة”. عندما تأملت تلك العبارة، أدركت أن سبب انخفاض تأثيرها يعود بالضرورة إلى قيامها بتنفيذ كل شيء بنفسها بدلاً من الإشراف عليه. كان الدليل على ذلك أنه في الأشهر القليلة الماضية، قام قادتها بإعطاء زملائها فرص الانخراط في مختلف المحادثات الاستراتيجية وتطوير الأعمال على عكسها حيث لم تمتلك الطاقة ولا الوقت الكافيين للاستفادة من تلك الفرص، ما أدى إلى خسارتها الكثير.

أقرت أمنية بأن تركيزها على تنفيذ العمل يمنعها من إدراك الصورة الأكبر للقيادة من ناحية، ومن ناحية أخرى يمثل مصدر إحباط لدى مرؤوسيها. بالتالي قررت منحهم المزيد من الصلاحيات برغم عدم ارتياحها للأمر. قررت أمنية أيضاً أن عليها العمل على تطوير الآخرين؛ بمعنى آخر، رفع مستوى المهارات لديهم وتزويدهم بخبرة قيادية ملموسة وباقي المهارات. كما قامت بإعادة تحديد ولايتها القيادية لتجنب المشاركة الزائدة والقيام بكل شيء بنفسها حيث قررت أن مهمتها هي: “قيادة الناس والأولويات والمشاريع وفق هذا الترتيب، وسيتم إنجاز العمل لأن الأشخاص المناسبين يركزون على المهام الصحيحة”.

مع تغييرها نظرتها القيادية، تمثلت خطوتها التالية في إعادة تقييم ما لديها من مهام. نظرت أمنية إلى جدول أعمالها قبل أسبوعين وبعد أسبوعين، ثم قامت بحساب الساعات المخصصة لكل عمل (على سبيل المثال، الاجتماعات وجلسات العمل والمكالمات الجماعية). حالما انتهت من جرد الوقت، قامت بتنصيف كل بند على مقياس من 10 نقاط لتقييم مدى أهميته لإنجاح الفريق بشكل عام.

كشفت هذه العملية عن حالات كانت فيها أمنية تكرس الكثير من الوقت والطاقة لأمور لم تكن ضمن أعلى خمس أولويات لديها. بالتالي كان يمكن تفويض آخرين للقيام بها. كانت المرحلة التالية متمثلة في رؤية أمنية ما يتميز به كل عضو من أعضاء فريقها من مهارات فضلاً عن نقاط الضعف التي يحتاج إلى العمل عليها وتطويرها. أرادت عبر القيام بذلك القيام بمطابقة ذكية بين الأولوية والأشخاص المناسبين للقيام بها. كان هناك بعض المبادرات التي يمكن نقلها بالكامل، في حين كانت هناك بعض المبادرات يمكن نقلها بعد تقسيمها إلى أجزاء أصغر لتسهيل مسؤولية نقلها للآخرين دون إرهاقهم.

مع وضعها لما سبق بعين الاعتبار، بدأت التدرّب على المحادثات الفردية مع أعضاء فريقها وذلك بتخصيص 15 – 20 دقيقة لكل محادثة. كما حاولت التفكير بطرق تشارك فيها أسبابها معهم للتغيير إضافة إلى كيفية إلهام مرؤوسيها لضمان التزامهم. كان عدد أعضاء فريقها ثمانية أشخاص، وهو ما أدى إلى إنفاقها الكثير من الوقت (فضلاً عن جدولها الزمني المثقل بالفعل). رأيت أمنية أن هذا الوقت الإضافي هو بمثابة استثمار ضروري لخلق فوائد طويلة الأجل.

في غضون فترة زمنية قصيرة، أصبحت أمنية أقل مشاركة في التفاصيل، ولكنها ظلت جوهرية للغرض والزخم لكل مبادرة حاسمة، حيث أصبح لها تأثير أكثر من أي وقت مضى إنما من دون يكون على حسابها أو حساب مرؤوسيها.

كانت أمنية قلقة أنه مع الوقت الإضافي الذي بات متاحاً لها بسبب التفويض، قد تؤدي نزعتها للموافقة السريعة على كل شيء إلى إزالة هذا الوقت. بالتالي عملت على تطبيق استراتيجية تقول فيها “نعم”، “لا”، و “نعم، إذا” للطلبات جديدة من أجل المحافظة على وقتها والمشاركة في المجالات التي يمكنها فقط تقديم خبرتها المفيدة. من أجل ضمان منظور موضوعي، طلبت أمنية من زميل لها العمل كناصح لها في الحالات التي تكون العوامل غامضة ولا توجد إجابة صحيحة واضحة.

يمكنك في حال التزمت بالاستراتيجيات الأربعة المذكورة أعلاه تحقيق النجاح ذاته الذي حققته أمنية وامتلاك الكفاءة في إدارة الوقت وتمكين الآخرين لإنجاز أفضل النتائج بمساهمتهم ومساهمة الآخرين. مع هذا الزخم ستكون قادراً على التركيز على الإمكانيات الثانوية للتعاون المتعمد الخاص بك: للاستفادة من كل مهمة مفوضة كفرصة لتطوير الآخرين والذين سيتحولون بدورهم لأن يكونوا أكثر جوهرية وأقل اشتراكاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .