تعلم من الناس، وليس من المدارس فقط

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

خلال العقدين الماضيين، أعادت الإنترنت صياغة حياتنا اليومية وعالم الأعمال، لذا فإنه ليس مفاجئاً أنها تحول الكيفية التي تطور بها الشركات مواهب منتسبيها. إن ظهور “المنصة السحابية للتعلم الذاتي” يجعل من الحصول على طرق جديدة للتعلم أمراً يسيراً وفي متناول الناس، وهذا أمر ضروري. وينبغي على قادة الأعمال حتى يواكبوا التغيير ويتجنبوا التشويش، أن يصلوا إلى ما نطلق عليه المتعلمون بلا حدود – أي أولئك الذين لا يستمتعون بالتعلم فحسب، ولكنهم يشعرون بالحاجة المستمرة لاكتساب مهارات جديدة. ويتميز القادة والمجددون الذين نلتقيهم في وادي السليكون وفي جميع أنحاء العالم بالسرعة التي ترفع منحنى التعلم في حياتهم. وبغض النظر عن العمر أو الصناعة، فإن المتعلمين بلا حدود يختلفون عن أولئك الذين يصبحون مرعوبين عندما يطلب منهم فجأة تعلم شيء جديد – ذلك أنهم يجدون التحدي أمراً منعشاً.

غير أنه من بين التنفيذيين الذين نلتقيهم، هناك قدر قليل جداً من هذا التعلم يحدث في الفصول أو البرامج الدراسية الرسمية، بما في ذلك الدروس عبر الإنترنت. وحتى مع تحول الدورات الدراسية إلى دورات دراسية افتراضية، سيصبح من الصعوبة بمكان أن يواكب التعليم التنفيذي وتيرة التغير إذا كانت بيئة العمل في الشركة تتغير باستمرار. كما أن انتقاء دورات التعليم من الكتالوج لن يوفر الأدوات اللازمة للتكيف مع هذا التغيير المطرد. لقد أجرينا مقابلات مع عشرات من رجال الأعمال والتنفيذيين الناجحين على مر السنين، من أجل أن نبيع كتبنا وملفاتنا الصوتية، إلا أننا لا نتذكر أن أيأَ منهم قد صرح أن التعليم التنفيذي لعب دوراً حيوياً في نجاحه.

يتعلم القادة الأكثر نجاحاً الذين نعرفهم بطريقة مختلفة، وذلك من خلال استغلال ما نسميه الذكاء الشبكي.

فكّر في الكيفية التي تمكن بها “ريد” من حل مشكلة تجارية رئيسية في موقع “باي بال” (PayPal) بالاستفادة من معارف شبكة علاقاته. في ذلك الوقت، كان موقع باي بال يعاني من تأخيرات لا حد لها على ما يبدو في إطلاق باي بال اليابان. كان محامو الموقع يجدون مشاكل تنظيمية جديدة كل أسبوع تطيل أمد العملية. اتصل ريد بثمانية أصدقاء لديهم علاقات جيدة في اليابان وسألهم عن معارفهم القادرين على تقديم المساعدة. ذكر ثلاثة منهم نفس الاسم: جوي إيتو، وهو رأسمالي مغامر (جريء) ورجل أعمال. وبعد تقديمه إليه في وقت لاحق، تحدث ريد معه حول الوضع. وجد إيتو مستشاراً كان قد حصل على خطاب من هيئة الخدمات المالية اليابانية ينص على أنه ليس بإمكان باي بال إطلاق خدمته على الفور ما لم يكن الموقع باللغة اليابانية. من الناحية القانونية لا تعتبر مواقع الشبكة باللغة الإنجليزية مقبولة للعمل في اليابان. بدأت خدمات باي بال بالظهور بعد ذلك بوقت قصير، وارتبط ريد وجوي، الذي يدير الآن مختبر “إم آي تي ميديا لاب” (MIT Media Lab)، بصداقة وتعاون ما يزالان قويين.

اقرأ أيضا: ما هي أهمية التعلم مدى الحياة؟

المؤكد أنه من السهل عادة إنشاء شبكة تعلم إذا كنت موظفاً لدى شركة معروفة، أو لديك شبكة معارف واسعة، أو هناك شيء في خبرتك يحث الأشخاص على الاستجابة لطلبك. ولكنه أمر يستحق كل هذا الجهد، بالنظر إلى إمكانية التعلم من خلال المحادثة الثنائية. في هذا الإطار، غالباً ما يقدم الأشخاص ملاحظات قد لا يشاركونها في مجموعة كبيرة أو عبر الإنترنت أو بالكتابة. ولأن التعلم عبر المحادثة هو الدافع وراء أسئلتك، فإنك تتلقى الدروس حسب مستواك. وهذا يتطلب منك أيضاً القيام بواجبك المنزلي – حيث لا يوجد اختباء سلبي في الصفوف الخلفية (الحقيقية أو الافتراضية).

إليك مثال آخر لقوة التعلم الفردي. بينما كان برايان تشيسكي، وهو بحق متعلم بلا حدود، يقوم بتوسيع نشاط شركة “أير بي إن بي” (Airbnb)، فقد سعى للحصول على المشورة من الآخرين مثل وارن بافيت. قال تشيسكي للصف الذي ندرّس له في جامعة ستانفورد: “إذا وجدت المصدر الصحيح، فلا يجب عليك قراءة كل شيء. لقد اضطررت إلى تعلم البحث عن الخبراء. أردت أن أتعلم عن السلامة فذهبت إلى جورج تينيت، الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية”.

ومع ذلك، فإن العالم مليء بالخبراء الذين يفتقرون إلى أسماء بارزة. يقول أحد مؤسسي شركة “دروب بوكس” (Dropbox)، درو هوستون، لريد في مدونة صوتية “بودكاست” بعنوان “الأساتذة الكبار” (ماسترز أوف سكيل): “تحدث مع روّاد أعمال آخرين، ليس فقط أصحاب المشاريع المشهورين. ابحث عن الأشخاص الذين يسبقونك بسنة واحدة أو سنتين أو خمس سنوات. سوف تتعلم أشياء مختلفة ومهمة للغاية منهم”.

قد تكون الدورات التدريبية عبر الإنترنت مفيدة للغاية في بعض الحالات، خاصة لتعلم مهارة فنية معينة شائعة الانتشار (مثل كتابة الشفرة البرمجية) أو مهمة إدارية (مثل إجراء مراجعة لأداء الموظفين) ولا تتطلب تخصيص لاحتياجات كل متعلم إلا نادراً. يواصل ابن كريس (أحد مؤلفي هذا البحث) المراهق دوراته التدريبية عبر الإنترنت لتطوير مهاراته في تصميم الرسومات المتحركة وألعاب الفيديو، ويجدها مريحة للغاية وفعالة، حيث يمكنه التعلم عند الطلب دون مغادرة غرفة نومه. هذا النوع من التعلم عبر الإنترنت يندرج ضمن مجموعة أدوات أي قائد.

لكن من الذكاء بمكان اعتبار الصفوف الدراسية الرسمية أحد مصادر التعليم ولكن ليس المصدر الوحيد. فقبل عقدين من الزمن كتب بيل غيتس: “إن الطريقة المثلى لتمييز شركتك عن منافسيك، وأفضل طريقة لتوسيع المسافة بينك وبين الباقين، هي أن تجعل من المعلومات عملاً رائعاً. إن كيفية جمع المعلومات وإدارتها واستخدامها ستحدد ما إذا كنت ستفوز أو ستخسر”. لا يمكن أن يكون هذا الكلام أكثر واقعيةً اليوم من ذي قبل، لكن الطريقة التي تربينا عليها اجتماعياً فيما يتعلق بالتفكير في المعلومات والمعرفة غير كافية. ونظام التعليم الرسمي لدينا يعامل المعرفة كأصل ثابت يتم اكتسابه خلال مرحلة معينة من الحياة. في الواقع، إن المعرفة تتغير باستمرار، والقادة المتميزون لا يتوقفون أبداً عن اكتسابها واستيعابها.

في عصر الشبكات، كل يوم هو يوم امتحان – مليء بالتحديات الجديدة غير المتوقعة. وغالباً ما تكون أفضل طريقة لتعلم كيفية مواجهة هذه التحديات هي التحدث إلى الأشخاص الذين واجهوا مواقف مماثلة. كل ما عليك القيام به هو أن تسأل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .