القائد الجيد هو من يتقبل الخسارة بعزّة نفس

5 دقائق
تعلم القادة كيفية تقبُّل الخسارة

ملخص: يحتاج القادة إلى تعلم كيفية تقبُّل الخسارة، فالإصرار يعد أمراً جديراً بالثناء ولكن إلى حد معين فقط. وفي المجتمع، وخاصة في مجال الأعمال، ليس علينا تحمُّل الخسارة فحسب بل يجب أن نتقبلها أيضاً بوصفها تجارب يمكن أن تدفع عجلة التغيير والنمو. فنحن بحاجة إلى بناء أماكن عمل يمكن أن تخسر فيها دون أن تعتبر "خاسراً". يمكن تعلم القادة كيفية تقبُّل الخسارة بشكل جيد بأربع طرق. أولاً، عندما تواجه هزيمة في أحد الميادين، فكر في الانتقال إلى ميدان منافسة جديد. ثانياً، ركز على المهمة والفريق والعب من أجل الاستمتاع باللعب وليس الفوز فقط. وتعلم كيفية الفشل بسرعة وببطء وخصص وقتاً لدراسة ما حدث في كل حالة. وأخيراً، اعرف متى ينبغي لك أن تستلم عندما تجد أنك لا تسعى إلى تحقيق هدف سام أو أن الظروف خارجة عن نطاق سيطرتك.

 

يركز القادة، سواء في مجال السياسة أو الأعمال، على الفوز لأسباب مفهومة. الوصول إلى القمة هو رغبة بشرية متأصلة؛ فهو يدل على أن لدينا تأثيراً ويعود علينا بمكاسب مالية ونفسية. تناول عدد لا يحصى من كتب الإدارة كيفية الفوز بالعملاء وتكوين الفِرق الفائزة والفوز بالمنافسة. ولكن لا يزال يُنظر إلى فقدان السيطرة أو السمعة أو المنزلة أو الوظيفة أو السلطة أو الثروة على أنه شيء مكروه أو من المحرمات.

ومع ذلك، وكما أظهرت لنا دورة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، يحتاج القادة إلى تعلم كيفية تقبُّل الخسارة. فالإصرار يعد أمراً جديراً بالثناء ولكن إلى حد معين فقط. وفي المجتمع، وخاصة في مجال الأعمال، ليس علينا تحمُّل الخسارة فحسب بل يجب أن نتقبلها أيضاً بوصفها تجارب يمكن أن تدفع عجلة التغيير والنمو. فنحن بحاجة إلى بناء أماكن عمل يمكن أن تخسر فيها دون أن تعتبر "خاسراً".

طرق تقبُّل الخسارة بشكل جيد

فيما يلي 4 طرق يمكن للقادة من خلالها إظهار كيفية الخسارة بشكل جيد:

غيِّر ميدان المنافسة

لنأخذ على سبيل المثال السياسية والمحامية والناشطة في مجال حقوق التصويت ستايسي أبرامز. بعد هزيمتها في انتخابات منصب الحاكم بولاية جورجيا عام 2018، كان من الممكن أن تحاول الترشح مرة أخرى. ولكنها بدلاً من ذلك، قررت مضاعفة ما تبذله من جهود في تسجيل الناخبين لمساعدة الديمقراطيين الآخرين، بما في ذلك جو بايدن وجون أوسوف ورافاييل وورنوك، على الفوز بسباقاتهم، ما سيعيد تشكيل توازن القوى في السياسة الأميركية بشكل جذري. ظلت أبرامز وفية لرسالتها بدلاً من السعي إلى الحصول على تقدير شخصي، وأعادت توجيه جهودها، وانتصرت ولكن كان الانتصار في وقت لاحق وفي ميدان مختلف.

وفي مجال الأعمال تُعد شركة "سلاك" (Slack) مثالاً رائعاً. شرع مؤسسها ستيوارت بترفيلد وفريقه في البداية في بناء لعبة فيديو ضخمة متعددة اللاعبين تسمى "غليتش" (Glitch). عندما فشل المشروع في اكتساب زخم، أعادوا التمحور من خلال تحويل أداة الاتصالات الداخلية التي بنوها إلى منتج. وهذا المنتج هو شركة "سلاك" التي استحوذت عليها شركة "سيلز فورس" (Salesforce) عام 2020 بقيمة 27.7 مليار دولار.

العب من أجل الاستمتاع باللعب لا الفوز

إذا كنت تستمتع بما تفعله وتعمل لتحقيق هدف ما، فلن تهتم كثيراً بمن "يفوز" و"يخسر". لفهم هذه الفكرة، من المفيد استعراض تعريف جيمس كارس لـ "الألعاب المحدودة واللانهائية". تنتهي الألعاب المحدودة عندما يفوز شخص ما، بينما تستمر الألعاب اللانهائية إلى الأبد لأنها تُلعب من أجل الاستمتاع باللعب.

القادة الذين يلعبون الألعاب اللانهائية، التي تنطوي على الشعور بأداء رسالة وخلق ثقافة فريدة وبناء فريق متماسك، هم القادة الملهمون حقاً. لنأخذ على سبيل المثال، إغناسيو غالان، الرئيس التنفيذي لشركة الخدمات العامة الإسبانية "إيبردرولا" (Iberdrola) التي اتخذت خطوة مبكرة صوب الطاقة المتجددة وتريد من الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه.  يريد غالان بالطبع أن تنمو شركته بشكل أسرع من منافسيها، لكنه أيضاً لا يمانع أن يقلدوا استراتيجية "إيبردرولا" لأنه يرى أن ذلك سيعود بالنفع على المجتمع. فبالنسبة إليه، حماية البيئة هي لعبة لانهائية. وكما كتب في إحدى مقالات هارفارد بزنس ريفيو، "أصبح التغير المناخي حالة طوارئ مناخية ويجب أن يشارك الجميع في مكافحته".

كن مستعداً للفشل بسرعة أو ببطء

ثقافة الشركات الناشئة جعلتنا ندرك قيمة الفشل "السريع" أو "البنّاء" تحت مسمى المخاطرة وريادة الأعمال. فقد أصبح الآن هناك لقاءات عامة يشارك الأشخاص خلالها قصص الإخفاقات المهنية.

لكن دعونا لا ننسى أن الخسارة يمكن أن تكون بطيئة بشكل مؤلم، ومسببة لبعض الحسرة، مع تزايد تكاليف الفرصة الضائعة. وعندما يحدث ذلك لفرد أو فريق أو مؤسسة، سنحتاج إلى إفساح المجال للمشاعر المرتبطة به، بما في ذلك الإحباط والحزن. فهذا يضمن قدراً أكبر من الأمان النفسي، ما يعزز التعاون والابتكار والإنتاجية ويمهد الطريق إلى حدوث انتعاش قوي. علاوة على ذلك، أظهرت دراسة أن القادة المحزونين غالباً ما يحققون نتائج أفضل من القادة الغاضبين. يمكن أن يؤدي الاعتراف بالمشاعر السلبية أيضاً إلى إجراء المزيد من مراجعات الأداء المثمرة؛ ففي جو يشعر فيه الأشخاص بأنه ليس من الواجب عليهم التفوق والتميز في كل الأوقات وفي كل المهام، قد يجري الأشخاص في الواقع محادثات هادفة بشكل أكبر، ما يعمل على تعزيز التطور الشخصي والمهني.

اعرف متى ينبغي لك الاستسلام

الهزيمة فرصة لإظهار الضعف والتواضع. وكما تشير المؤرخة الرئاسية دوريس كيرنز غودوين، فإن النجم الخفي في عشية أي انتخابات هو الخاسر الذي يلقي خطاباً لبقاً للاعتراف بالهزيمة يتذكره الجميع إلى الأبد، مثل الراحل جون ماكين عام 2008.

يحتاج القادة إلى معرفة متى تكون أفعالهم مدفوعة برغبتهم في الحفاظ على السلطة أكثر من رغبتهم في إحداث تأثير إيجابي. إذ يجب أن يفهموا متى يُعد "انتصارهم" أجوفاً أو قصير الأجل أو متى يتحقق بتكلفة باهظة للغاية. تُظهر فضائح الشركات التي لا حصر لها، مثل فضيحة شركة "إنرون" (Enron) وفضيحة بنك "ويلز فارغو" (Wells Fargo)، مخاطر محاولة الفوز (أي تحقيق أقصى قدر من الإيرادات) بأي ثمن. على النقيض من ذلك ما فعلته شركة مثل "ديكس سبورتنغ غودز" (Dick’s Sporting Goods) التي قدرت أن قرارها بسحب الأسلحة من متاجرها قد يؤدي إلى انخفاض الإيرادات بقيمة 150 مليون دولار، لكنها فعلت ذلك على أي حال.

من المهم أيضاً أن تفهم متى تخرج الأمور عن سيطرة أي فرد أو فريق أو مؤسسة. يدير القادة ما يمكن إدارته، ويجب أن يعرفوا متى يجب أن يستسلموا عند مواجهة أمور لا يمكنهم إدارتها. اضطرت العديد من شركات البيع بالتجزئة والمطاعم إلى إعلان إفلاسها نتيجة لجائحة "كوفيد-19"، ومع ذلك فإن العديد منها تفعل ذلك مع العلم بأن ذلك قد يسمح لموظفيها ومسؤوليها التنفيذيين وحتى علاماتها التجارية بالاستمرار. عندما أعلنت شركة "فريندليز" (Friendly’s) أنها ستجري عملية إعادة هيكلة مع الإبقاء على فروعها البالغ عددها 130 فرعاً مفتوحة والحفاظ على الوظائف، قال الرئيس التنفيذي جورج ميشيل: "نعتقد أن إعلان الإفلاس الطوعي والبيع المقرَّر لمجموعة مطاعم جديدة ذات خبرة عميقة سيمكّن 'فريندليز' من التعافي من آثار الجائحة وأن تصبح شركة أقوى". من المتوقع أن تظل جميع الفروع المملوكة للشركة البالغ عددها 130 فرعاً مفتوحة وسيتم الحفاظ على الوظائف.

تنطوي جميع هذه الاقتراحات على فكرة أخلاقية رئيسية: أي نوع من الخاسرين أريد أن أكون؟

خلال السنوات القليلة المقبلة سيفقد الكثيرون منا في مختلف المؤسسات ما كنا نؤكد به على أنفسنا أننا كنا فائزين يوماً ما. ستكون أماكن العمل الهجينة والمؤسسات ذات الهياكل التنظيمية المسطحة والمترابطة شبكياً قاسية على الأنا بداخلنا. وستكون العواقب ملموسة أيضاً؛ إذ إننا سنشهد اختفاء العديد من الوظائف وسيتم تقصير دورات التوظيف. وسيجد الكثيرون منا أنفسهم في موقف ضعف عند التنافس مع آلات أكثر ذكاءً من أي وقت مضى لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة. لست متشائماً؛ بل أعرض فقط حقائق حول مستقبل العمل في عالم متقلب يسوده عدم التيقن.

لكن إذا تعلمنا كيفية تقبُّل الخسارة وفكرنا بشكل مختلف في الفوز والخسارة، من خلال تغيير ميدان المنافسة وتبنّي اللعبة اللانهائية وإتاحة الوقت لأنفسنا للتعافي من الهزيمة والاستسلام أحياناً عندما نجد أننا لم نعد نحقق أهدافاً سامية أو نواجه ظروفاً خارجة عن نطاق سيطرتنا، سنصبح أكثر رضا في حياتنا العملية، وسنمضي قدماً سواء لتحقيق الفوز أو لتقبُّل الخسارة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي