ما يعنيه تعلم الآلة لشركات إدارة الأصول

7 دقائق

يزعم بعض خبراء الصناعة بأن تعلم الآلة سيقلِب الاتجاه المتصاعد نحو صناديق الاستثمار السلبي رأساً على عقب. ولكن على الرغم من أن تعلم الآلة يقدم أدوات جديدة يمكن أن تساعد المستثمرين النشطين على التفوق على المؤشرات، من غير الواضح أنه سيقدم نموذج عمل مستدام لشركات إدارة الأصول النشطة.

لنبدأ بالإيجابيات.

يساعد تعلم الآلة الذي يعتبر شكلاً من أشكال الذكاء الاصطناعي على صنع خوارزميات قوية لتحليل مجموعات البيانات الضخمة بهدف استخلاص توقعات بناء على أهداف محددة. وبدلاً من اتباع التعليمات التي يشفرها البشر بمنتهى الدقة، تعدل تلك الخوارزميات نفسها بنفسها عبر عملية التجربة والتعلم من الأخطاء بغية إنتاج وصفات أدق بشكل متزايد بينما تُضخ بيانات أكثر.

وتعلم الآلة متوائم تحديداً مع الاستثمار في الأوراق المالية لأن الرؤى الثاقبة التي يجمعها يمكن التصرف استناداً إليها بسرعة وبكفاءة. وفي المقابل، عندما يخلق تعلم الآلة رؤى ثاقبة جديدة في قطاعات أخرى، يتعين على الشركات التغلب على قيود كبيرة قبل أن تضع تلك الرؤى موضع التنفيذ. على سبيل المثال، عندما تطور شركة "جوجل" سيارة ذاتية القيادة تعمل بنظام تعلم الآلة، فلا بد أن تحصل على موافقة من مجموعة كبيرة من أصحاب المصلحة قبل أن يُسمح لسيارتها بأن تجوب الشوارع. ومن بين أصحاب المصلحة هؤلاء الجهات التنظيمية الفيدرالية وشركات التأمين على السيارات والحكومات المحلية في الأماكن التي ستعمل فيها تلك السيارات ذاتية القيادة. ولا يحتاج مدراء المحافظ مصادقة تنظيمية لترجمة الرؤى الثاقبة لتعلم الآلة إلى قرارات استثمارية. وفي سياق إدارة الاستثمارات، يعزز تعلم الآلة الأعمال الكمية التي ينجزها بالفعل محللو الأوراق المالية بثلاث طرق:

تعلم الآلة بوسعه تحديد الأسهم المتفوقة بإيجاد أنماط جديدة في مجموعات البيانات الحالية.

على سبيل المثال، يمكن أن يفحص تعلم الآلة محتوى جميع ردود أفعال الرؤساء التنفيذيين وأسلوبهم في مكالمات الأرباح الفصلية للشركات المدرجة ضمن مؤشر "ستاندر آند بورز 500" (S&P 500) خلال العشرين عاماً الماضية. وبتحليل تاريخ تلك المكالمات بالنسبة إلى أداء الأسهم الجيد أو المتدني، يجوز أن يفرز تعلم الآلة رؤى ثاقبةً تنطبق على تصريحات الرؤساء التنفيذيين الحاليين. وتتراوح هذه الرؤى الثاقبة ما بين تقييم لجدارة الثقة بالتوقعات الصادرة من قادة شركات محددين وعلاقات ترابطية في أداء الشركات العاملة في القطاع نفسه أو العاملة في مناطق جغرافية شبيهة.

وبعض هذه التقنيات الجديدة تحقق تحسينات كبيرة مقارنة بالتقنيات التقليدية. في تقييم احتمالية حالات تعثر سداد السندات مثلاً، طبّق المحللون عادة نماذج إحصائية متطورة طورها في الستينيات والثمانينيات على الترتيب الأستاذان إدوارد ألتمان وجيمس أولسون (وخاصة النقاط Z وO).  ولقد اكتشف الباحثون أن تقنيات تعلم الآلة أدق بنسبة 10% تقريباً من تلك النماذج السابقة فيما يختص بالتنبؤ بحالات تعثر سداد السندات.

تعلم الآلة بوسعه أن يجعل أشكالاً جديدة من البيانات قابلة للتحليل.

في الماضي، كان فهم العديد من أشكال المعلومات كالصور والأصوات حكراً على البشر وحسب، حيث كان من الصعب أصلاً على شركات إدارة الاستثمارات استغلال تلك الأشكال على هيئة مدخلات حاسوبية. والآن، تستطيع خوارزميات تعلم الآلة المُدربة تحديد عناصر معينة داخل الصور بشكل أسرع وأفضل من البشر. على سبيل المثال، بفحص ملايين صور الأقمار الصناعية في الوقت الفعلي تقريباً، تستطيع خوارزميات تعلم الآلة التنبؤ بإنتاجية المحاصيل الزراعية الصينية وهي في الحقول، أو التنبؤ بعدد السيارات المنتظرة في أماكن انتظار السيارات في مراكز التسوق الأميركية أثناء عطلات نهاية الأسبوع.

لقد نشأت سوق مزدهرة للأشكال الجديدة لمجموعات البيانات البديلة تلك. وقد يستخدم المحللون أماكن نظام تحديد المواقع على الأرض من الهواتف المحمولة لفهم كثافة حركة المشاة في متاجر محددة للبيع بالتجزئة أو بيانات نقاط البيع للتنبؤ بإيرادات المتاجر نفسها في مقابل الفترات السابقة. وبوسع برامج الحاسوب جمع إيصالات المبيعات المرسلة إلى الزبائن كمنتج ثانوي للعديد من التطبيقات التي يستخدمها الزبائن على هيئة إضافات لنظام البريد الإلكتروني الخاص بهم. وعندما يستنطق المحللون مجموعات البيانات هذه على نطاق واسع، سيستطيعون رصد اتجاهات مفيدة في التنبؤ بأداء الشركة.

تعلم الآلة بوسعه تقليص الآثار السلبية للتحيزات البشرية على قرارات الاستثمار.

في السنوات الأخيرة، ألقى خبراء علم الاقتصاد السلوكي واختصاصيو علم النفس المعرفي الضوء على نطاق واسع من القرارات غير المنطقية التي يتخذها أغلب الناس. ويتجلى لدى المستثمرين الكثير من هذه التحيزات، كتفادي الخسارة (تفضيل تجنب الخسائر على تحقيق مكاسب مكافئة) أو التحيز التأكيدي (النزوع إلى تفسير الأدلة الجديدة لتأكيد معتقدات موجودة مسبقاً).

ويمكن توظيف تعلم الآلة لاستنطاق السجل التجاري التاريخي لمدراء المحافظ الاستثمارية وفِرق المحللين بغية البحث عن أنماط تُظهر هذه التحيزات. ويمكن للأفراد بعد ذلك التحقق من قرارات الاستثمار الملائمة لهذه الأنماط غير المفيدة. ولضمان أكبر قدر من الفعالية، ينبغي على الأفراد استخدام تعلم الآلة لرصد التحيز في كل مستوى من مستويات عملية الاستثمار، بما في ذلك انتقاء السندات وتكوين المحفظة الاستثمارية وتنفيذ عمليات التداول.

ولكن، على الرغم من هذه التحسينات الكبيرة الطارئة على قرارات الاستثمار، نجد أن هناك قيوداً كثيرة للغاية على تعلم الآلة تقوّض إلى حد كبير وعودها الواضحة.

في البداية، قد تَظهر على خوارزميات تعلم الآلة نفسها تحيزات جسيمة مستخلصة من مصادر البيانات المستخدمة في عملية التدريب أو من أوجه قصور الخوارزميات نفسها. وعلى الرغم من أن تعلم الآلة سيقلص من التحيزات البشرية في الاستثمار، ستكون الشركات بحاجة إلى أن يختار علماء بياناتها المصادر السليمة للبيانات البديلة، ومعالجة تلك البيانات ودمجها بالمعارف الموجودة داخل الشركة للحيلولة دون تسلل تحيزات جديدة. وهذه عملية مستمرة تتطلب كفاءات لا تمتلكها حالياً كثير من شركات إدارة الأصول.

ثانياً، على الرغم من أن تعلم الآلة يمكن أن يكون فعالاً جداً في فحص كميات هائلة من البيانات السابقة من مجال واحد محدد والعثور على أنماط جديدة فيما يتعلق بهدف واضح، فهو لا يتكيف ببراعة مع المواقف النادرة كالانقلابات السياسية أو الكوارث الطبيعية. ولا يمكن لتعلم الآلة أيضاً التنبؤ بالأحداث المستقبلية لو لم تكن مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باتجاهات سابقة، كالأزمة المالية التي وقعت عام 2008. في هذه الحالات، يتعين على خبراء الاستثمار إصدار أحكام حول الوجهات التي تقصدها الاتجاهات المستقبلية استناداً، بشكل جزئي، إلى حدسهم ومعرفتهم العامة.

وأخيراً، فكثير من الأنماط التي يحددها تعلم الآلة في مجموعات البيانات الكبيرة غالباً ما تكون علاقات ترابطية فقط لا تسلط الضوء على دوافعها الأساسية، ما يعني أن شركات الاستثمار ستحتاج على الرغم من ذلك إلى أن توظف خبراء مهرة ليقرروا ما إذا كانت تلك العلاقات الترابطية مؤشرات حقيقية أم تشويش لا معنى له. وبحسب ما جاء على لسان أحد خبراء تعلم الآلة في واحدة من شركات إدارة الاستثمارات الأميركية الكبرى، فإن فريقه يمضي أياماً في تحليل ما إذا كان أي نمط يرصده التعلم الآلي يفي بجميع الاختبارات الأربعة: المعقولية والقدرة على التنبؤ والانتظام والإضافة.

وحتى عندما يعثر تعلم الآلة على أنماط تفي بالاختبارات الأربعة كلها، ليس من السهل دوماً تحويل تلك الأنماط إلى قرارات استثمارية مربحة، الأمر الذي سيتطلب رغم ذلك حكم خبير. على سبيل المثال، بالتدقيق في المحتوى الهائل لوسائل الإعلام الاجتماعي، ربما كان تعلم الآلة قادراً على التنبؤ بأن دونالد ترامب سينتخب رئيساً عام 2016، على النقيض من غالبية استطلاعات الرأي. ومع ذلك، فإن اتخاذ قرار استثماري بناءً على هذا التوقع سيطرح سؤالاً إشكالياً. هل سيؤدي انتخاب ترامب إلى صعود سوق الأسهم أم هبوطها أم الانحراف بها عن مسارها؟

خلاصة القول إنه على الرغم من أن تعلم الآلة بوسعه تحسين جودة تحليل البيانات إلى حد كبير، فليس باستطاعته أن يحل محل الحكم البشري على الأمور. ولاستغلال هذه الأدوات الجديدة بفعالية، ستحتاج شركات إدارة الأصول إلى أن تؤدي أجهزة الحاسوب والبشر فيها أدواراً تكميلية. ونتيجة لذلك، سيتعين على الشركات أن تضخ استثمارات كبيرة من الآن فصاعداً في التقنية والبشر على حد سواء، ولو أن بعض تلك التكاليف سيعوضها تقليل عدد المحللين التقليديين.

وللأسف، فإن غالبية شركات إدارة الأصول الأخرى لم تتعمق بالقدر الكافي في طريق تطبيق تعلم الآلة. وفقاً لاستطلاع رأي أجراه معهد المحللين الماليين المعتمدين (CFA Institute) عام 2019 ، قليل من العاملين في مجال الاستثمار يستخدمون حالياً برامج الحاسوب المرتبطة عادة بتعلم الآلة. وبدلاً من ذلك، ما زال غالبية مدراء المحافظ الاستثمارية يعولون على جداول بيانات (Excel) وأدوات بيانات سطح المكتب. بالإضافة إلى ذلك، فقد استخدم 10% فقط من مدراء المحافظ الاستثمارية الذين استجابوا لاستطلاع آراء معهد المحللين الماليين المعتمدين تقنيات تعلم الآلة خلال السنة الماضية.

ربما كان من المتوقع أن أكبر شركات إدارة الأصول، كشركة "بلاك روك" (BlackRock) وشركة "فيديليتي" (Fidelity)، هي التي تقود المسيرة، وتعزز علاقاتها بموردي المعلومات ومزودي خدمات التقنية والخبراء الأكاديميين. لكن، من المستبعد أن تصنع تلك الشركات فجوة كبيرة تفصلها عن منافسيها، حيث إن الحجم ليس بالضرورة ميزة في الاستثمار النشط. على سبيل المثال، يمكن أن ينطوي التداول بأحجام كبيرة على تكاليف ضخمة، وقد تواجه الشركات قيوداً من حيث حجم المخاطر الإجمالية التي يمكن أن تتحملها في سهم بعينه.

وينبغي أن تكون شركات إدارة الأصول متوسطة الحجم قادرة أيضاً على الاستفادة، لأنها من الأرجح أن تستقطب وتحتفظ بعلماء بيانات رفيعي المستوى ممن قد يرون فيها فرصاً أكثر للتحسين من الشركات الكبرى. علاوة على ذلك، ستكون الشركات متوسطة الحجم قادرة على ضمان الوصول إلى بيانات بديلة عبر موردين آخرين، وخوارزميات عالية الجودة من مكتبات مفتوحة المصدر وأدوات متطورة من شركات التقنية (على سبيل المثال، شركتي أمازون وجوجل) والتي تقدم بالفعل خدمات سحابية للعديد من الصناعات.

ومن الأرجح أن تكون الشركات الصغيرة هي الخاسرة في هذا المضمار (حيث تضطلع بإدارة أصول تقل قيمتها عن مليار دولار). فمن الأرجح أن تواجه صعوبة في جذب القدر الكافي من المواهب، واستيعاب تكلفة تطوير التقنية إذا ما نظرنا إلى الضغوط المفضية إلى خفض رسوم المدراء النشطين. فقد تراجعت رسوم الإدارة لشركات إدارة الأسهم النشطة بنسبة 20% تقريباً عام 2018 مقارنة بما كانت عليه عام 2008، ويرجع ذلك نوعاً ما إلى أن صناديق الاستثمار السلبي أمست رخيصة للغاية. وتتعرض شركات إدارة الأصول أيضاً إلى ضغوط تنظيمية تفرض عليها سداد تكلفة أبحاث السندات الخارجية نقداً، بدلاً من السداد باستخدام "دولارات الشروط السهلة" بواسطة تخصيص عمولات الوساطة لشركات الأبحاث القوية. ولذلك، فالاستثمارات التي يتطلبها تعلم الآلة تأتي في وقت عصيب عموماً في صناعة إدارة الأصول، وسيمثل ذلك تحدياً للشركات الصغيرة تحديداً.

علاوة على ذلك، من غير الواضح ما إذا كانت الاستثمارات الضخمة في مجال تعلم الآلة ستفضي في واقع الأمر إلى نموذج عمل مستدام على المدى البعيد لشركات إدارة الأصول النشطة. إذا أنتج تعلم الآلة مقياساً فريداً للأداء على أساس المخاطر لشركة استثمار ما، فلا تستطيع الشركة الاعتماد على أمجادها لفترة طويلة، لأن الشركات الأخرى من الأرجح أن تحاكي أساليبها الاستثمارية. وإذا استمدت شركات إدارة الأصول الأخرى رؤى ثاقبة مثيلة من تقنيات تعلم الآلة الشبيهة، فستبيع أو ستشتري السندات ذاتها في الوقت نفسه، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى القضاء على أي مكاسب يمكن أن تتمخض عنها الرؤى الثاقبة. ولقد حدث ذلك بالفعل في عدد من المناسبات. على مدار ثلاثة أيام عام 2007 مثلاً، أقدمت العديد من صناديق التحوط على تصفية مراكزها في آن واحد باستخدام نماذج كمية تستند إلى العوامل ذاتها، وتكبدت خسائر فادحة نتيجة لذلك.

وخلاصة القول أن تعلم الآلة ربما يُنظر إليه في بداية الأمر على أنه حبل نجاة الاستثمار النشط. ومن المؤكد أنه يتمتع بإمكانية السماح للمتبنين الأوائل له بالعثور على مصادر جديدة لقياس الأداء على أساس المخاطر والتفوق على المؤشرات. ومع ذلك، إذا حاكت شركات إدارة أصول أخرى الرؤى الثاقبة المستخلصة من تعلم الآلة بينما تعكف على تطوير قدرات تعلم الآلة لديها، فقد يصبح من الأصعب حتى العثور على أسهم وسندات مطروحة للتداول العام تتفوق على مقاييسها المعيارية. وبمرور الوقت، هل سيزيد الاستثمار المباشر الذي يعززه تعلم الآلة من كفاءة تسعير الأوراق المالية ومن ثم يدعم التحول الحالي إلى الاستثمار السلبي؟ وإذا تحقق ذلك، ستتحمل شركات إدارة الأصول النشطة تكاليف تنفيذ تعلم الآلة، غير أن قسماً كبيراً من الفائدة سيعود على الصناديق المرتبطة بمؤشرات الأسهم باعتبارها منتفعة بالمجان.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي