سيحسن تعلم الآلة مجال الرعاية الصحية بقدر هائل. هناك بالفعل عدد لا يحصى من تطبيقات الرعاية الصحية المؤثرة التي تعمل بتعلم الآلة بداية من التصوير التشخيصي إلى التنبؤ بإعادة الإيداع في المستشفيات إلى مكتب الدعم الإداري. ولكن هناك أيضاً جهوداً عالية المستوى ومكلفة لم تحقق أهدافها.
من واقع أدوارنا الجماعية التي تتراوح ما بين رئيس تنفيذي لشركة متخصصة في تحليلات تقديم الرعاية الصحية وأطباء إكلينيكيين حافزهم التقنية ورئيس لقسم الابتكار التقني في منظومة صحية كبرى، طورنا واستخدمنا عشرات التطبيقات لتعلم الآلة. وكثير من تلك التطبيقات كُلل بالنجاح، غير أن هناك تطبيقات أخرى باءت بالفشل. ولقد حددنا من واقع هذه التجارب ثلاث خرافات شائعة تكتنف تعلم الآلة في مجال الرعاية الصحية.
خرافات تعلم الآلة في مجال الرعاية الصحية
الخرافة الأولى: تعلم الآلة يمكن أن ينجز الكثير مما يفعله الأطباء
والحقيقة هي أن تطبيقات تعلم الآلة يمكن أن تؤدي بعض ما ينجزه الأطباء اليوم، لكنها لن تحل محل معظم ما ينجزه الأطباء في المستقبل القريب (حتى أطباء الأشعة). يقوم الأطباء بثلاثة واجبات رئيسية: (1) المساعدة في الحيلولة دون إصابة الناس بالأمراض، (2) وتشخيص الحالات المرضية عند إصابة الناس بالأمراض، (3) وتوفير الرعاية والعلاج. ويسهم تعلم الآلة إسهاماً هاماً في الوظيفتين الأولى والثانية. على سبيل المثال، أثبتت خوارزميات تعلم الآلة أنها مفيدة بشكل خاص في التنبؤ بخصائص السرطان من التصوير التشخيصي أو في تشخيص الكسور استناداً إلى صور الأشعة السينية. وأثبتت خوارزميات التعلم غير الخاضعة للإشراف إمكانية ربط مخاطر الأمراض بالمؤشرات الحيوية الجينية.
ومع ذلك، حتى مع التطوير الإضافي لهذه التطبيقات، فإنها لن تحاكي قدرة الطبيب على توفير الرعاية والعلاج. وما زال يتعين تحليل مخرجات تعلم الآلة بمعرفة شخص لديه دراية بالمجال، وإلا قد تُفسر البيانات التافهة على أنها ضرورية والضرورية على أنها تافهة. ويجب ترجمة هذه العلاقات إلى إدارة إكلينيكية عملية.
اقرأ أيضاً: 10 استخدامات واعدة للذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية
وهناك أيضاً عنصر بشري يدخل في مساعدة المرضى على تحديد ما إذا كان يتعين عليهم تلقي العلاج، وبأي طريقة يتعين عليهم تلقيه. وكثيراً ما يكون لدى المرضى مخاوف أو هواجس بشأن الخضوع للعلاج. إن الأطباء بحاجة إلى أن يحسبوا حساب الحالة المزاجية للمريض وتوقعاته وتاريخه والعوامل الثقافية في صنع القرار المشترك مع المريض وأسرته. ويقدّر المرضى هذا التفاعل البشري، وغيابه في الأوقات الحساسة قد يكون مزعجاً.
وأخيراً، فور انتهاء العلاج، تتطلب عملية التعافي نفسها مراقبة ورعاية عن كثب. وغالباً ما تُكتشف المضاعفات عن طريق المشاهدة السريرية، لا عن طريق الاختبارات المعتمدة على بروتوكولات محددة أو الإجراءات التشخيصية.
الخرافة الثانية: دائماً ما تكون "البيانات الضخمة" + علماء البيانات اللامعون وصفة مؤكدة للنجاح
الواقع أن البيانات ضرورية، لكنها ليست كافية وحدها. والمزيد من البيانات أفضل، ولكن شريطة أن تكون البيانات السليمة، وأن نفهمها فهماً تاماً. لذا نجد أنه من المفيد أن نطرح الأسئلة التالية:
كيف جُمعت البيانات؟ فكر في الطريقة التي يمكن أن يؤدي بها اعتماد السجلات الصحية الإلكترونية (EHRs) إلى رصد جميع التشخيصات والأدوية الموصوفة من قبل مختلف الأطباء في سجل واحد، سجل سيكون أكثر شمولاً من السجلات الورقية للأطباء كلٍ على حدة. من دون أن نأخذ بعين الاعتبار هذا التغير - الذي قد يحد من ضياع المعلومات، إن لم يقضِ عليه تماماً - قد يستنتج المرء مخطئاً أن المرضى ازدادت حالتهم المرضية تفاقماً فجأة.
لأي غرض جُمعت المعلومات؟ لننظر إلى بيانات المختبرات التي تجمعها المستشفى. نظراً لأن المستشفى تجمع بيانات المرضى الجاري علاجهم فيها، لن تمثل تلك البيانات الشريحة السكانية طالما أن المرضى من الأرجح بكثير أن تُسحب عينات من دمائهم في المستشفى.
اقرأ أيضاً: تحسين الرعاية الصحية باستعمال أساليب تشبه الألعاب
ما هي المشكلات المحتملة أو القيود التي تشوب البيانات؟ لننظر إلى بيانات السجلات الصحية الإلكترونية التي تُجمع عبر العديد من المؤسسات التي تستعين بخدمات المورّد نفسه. على الرغم من أن المؤسسات ربما تستعين كلها بمورّد السجلات الصحية الإلكترونية نفسه، من الأرجح أن يختلف هيكل البيانات والمعاني في كل مجال ومدى تنقية البيانات عبر المؤسسات المختلفة.
هل تغيرت الظروف؟ هل ما زالت البيانات التي استخدمناها لبناء نموذج تعلم الآلة صالحة؟ على سبيل المثال، تم تصنيف جنس المريض تاريخياً على أنه ذكر وأنثى. واليوم، تُصنف الهوية الجنسية على أنها ذكر وأنثى وأخرى ومجهول. وفي المستقبل القريب، من المحتمل أن تُحدد بإجابات عن مجموعة من الأسئلة التي تمكّن الأطباء السريريين من علاج المريض واحترامه على أفضل نحو ممكن.
إن علماء البيانات البارعين على قدر بالغ من الأهمية لبناء نماذج تعلم الآلة المتطورة، ولكن من الأهمية بمكان أيضاً أن يكون لدينا خبراء بالمجال يدركون كيف يفكرون في النماذج والنتائج. تخيل استخدام مجموعة بيانات كبيرة لتطوير خوارزمية للتنبؤ بمعدل نجاة المرضى المصابين بالسرطان. يحدد النموذج العديد من العوامل المرتبطة بأقل معدل نجاة. ولقد تبين أن أحد العوامل يتمثل في عدد الزيارات التي يقوم بها المريض للعيادة الخارجية. وبالطبع، فالمرضى الذين ماتوا قاموا بزيارات للعيادات الخارجية، وكذلك أجروا تصويراً تشخيصياً وفحوصاً في الأسابيع أو الأشهر السابقة لوفاتهم أكثر من المرضى الذين تمتعوا بصحة أفضل منهم. ومع ذلك، فمن الخطأ تحديد هذه العوامل بوصفها عامل خطر مفضي إلى الوفاة في شريحة المرضى هذه.
وفي بعض الحالات، يحقق أسلوب تعلم الآلة الممزوج بالعامل البشري النتائج الأمثل. وغالباً لا تكون نتائج نموذج تعلم الآلة حاسمة، لكن ثمة احتمالية ترتبط بها. على سبيل المثال، تستخدم شركة "أفانت جارد هيلث" (Avant-garde Health) تعلم الآلة لوضع مئات الآلاف من المستلزمات الطبية والأدوية المُستخدمة في المستشفيات داخل نظام تصنيف منتجاتها كي تيسر على المدراء والأطباء تفسيرها. ويصنف نموذج تعلم الآلة كثيراً من المنتجات بمستوى ثقة يقترب من 100%، ولكن هناك أيضاً العديد من المنتجات التي ربما تكون صحيحة بنسبة 80% أو أقل. ووفقاً لمزيج من القيمة الدولارية للمنتجات واحتمالية صحة نموذج تعلم الآلة، سيكون لدى شركة "أفانت جارد هيلث" خبير يراجع مخرجات تعلم الآلة ويصححها متى اقتضت الحاجة.
الخرافة الثالثة: الخوارزميات الناجحة سوف تُعتمد وتُستغل
من سوء الحظ أن كثيراً من الخوارزميات القوية لم تُعتمد أو تُستغل لأنها لم تُدمج في سير عمل المستخدمين المحتملين. أنشأت إحدى المستشفيات التي نتعامل معها تطبيقاً لمساعدة الأطباء على تحديد الأخصائي المناسب الذي ينبغي على المستشفى إحالة المريض الذي يعاني مشكلة بعينها إليه. ولم يستخدمه أحد. فقد انشغل الأطباء أكثر من اللازم بالخروج من السجلات الصحية الإلكترونية، وفتح التطبيق، وإدراج المعلومات فيه، ثم العودة إلى استخدام السجلات الصحية الإلكترونية مجدداً. ولاحظت سوزان ديفور، الرئيسة التنفيذية لشركة "بريميير" (Premier) المتخصصة في التحليلات المحوسبة والتي تقدم خدماتها لمقدمي خدمات الرعاية الصحية، أن "الفجوة الأكبر في أدوات دعم القرار تكمن في دمج تلك الأدوات في سير عمل السجلات الصحية الإلكترونية".
اقرأ أيضاً: 11 إجراءاً يتعين على قطاع الرعاية الصحية اتخاذها لتحسين أمنه السيبراني
وهناك عدة طرق لاستخدام دعم القرار المستخلص من تعلم الآلة تشمل المواد المرجعية ومجموعات الطلبيات وخطط الرعاية وإعداد التقارير بعد وقوع الأحداث والتنبيهات. ومن بين ما سبق، تعتبر التنبيهات عند مرحلة صناعة القرار الطريقة الأكثر فعالية. لننظر إلى تطبيق ناجح من صنع "مركز بيث ديكونيس الطبي" (BDMC) في بوسطن. تصل الموافقات على إجراء العمليات الجراحية بعدة طرق - على الورق بالبريد، وعن طريق الفاكس والبث الإلكتروني. والعثور عليها يمكن أن يمثل تحدياً. أنشا "مركز بيث ديكونيس الطبي" تطبيقاً يعمل بتعلم الآلة باستطاعته "قراءة" الفاكسات القادمة تلقائياً، وحفظها في السجل الطبي المناسب، وإضافة تنبيه إلى قائمة التدقيق السابقة للعملية الجراحية. ويوفر هذا التطبيق 120 ساعة من وقت الموظفين شهرياً. وهناك مثال آخر يتعلق بإخراج المرضى من المستشفيات في الوقت المناسب، وهو أمر ضروري لتحسين سير العمل وإدارة الأسرّة والإيرادات. فقد ابتكر "مركز بيث ديكونيس الطبي" تطبيقاً يتنبأ بتاريخ الخروج من المستشفى يتمتع بدرجة عالية من الدقة. ويساعد توفير هذه المعلومات للأطباء ومديري الحالات على إيصال المرضى إلى بيوتهم في الوقت المناسب، ما يقلص من أيام الإيداع بالمستشفى التي ليس لها داعي.
وهذه الأمثلة الناجحة، والآلاف غيرها داخل قطاع الرعاية الصحية، تعطينا ثقة عظيمة في قدرة تعلم الآلة على الارتقاء بالرعاية الصحية وخفض التكاليف بشكل كبير. ويكمن السر في أن تراعي أنوع المشكلات التي يعتبر تعلم الآلة متأهباً لحلها، والأشخاص الذين يجب أن يشاركوا في تطوير النموذج وتفسير المخرجات، وكيف يمكن أن تسهل على الناس استغلال الرؤى الثاقبة والتصرف بناءً على قواعد تعلم الآلة في مجال الرعاية الصحية.
اقرأ أيضاً: