يمكن أن يؤدي تعلم الآلة إلى تحفيز قيم الأعمال التجارية الملموسة لمجموعة كبيرة من الصناعات. ولكن هذا يحصل فقط في حال تم تطبيق عملية تعلّم الآلة فعلياً. على الرغم من العديد من الاكتشافات التي قام بها الأكاديميون بشأن تعلم الآلة، والأبحاث الجديدة التي تظهر ما يمكن تحقيقه، والكمية المتزايدة من البيانات المتاحة، تجاهد الشركات للاستفادة من تعلم الآلة من أجل حل مشاكل الأعمال الحقيقية. باختصار، لا تكمن الفجوة بالنسبة لمعظم الشركات في عدم نجاح تعلم الآلة، إنما في كفاحهم لاستخدام عملية التعلّم فعلياً.
كيف يمكن للشركات سد فجوة التنفيذ هذه؟ قمنا في مشروع حديث بتوضيح المبادئ التي يمكن اتباعها للقيام بذلك. استخدمنا تعلم الآلة لتعزيز قوة المهنيين الممرّسين (مدراء المشاريع في هذه الحالة) من خلال السماح لهم باتخاذ قرارات بصورة مسبقة بشأن الأعمال القائمة على البيانات. وبفعل ذلك، أظهرنا أنّ الحصول على القيمة من تعلم الآلة يتعلّق بتسهيل استخدام التعلّم أكثر مما يتعلّق بالنماذج المتطورة.
تعيين الذكاء الاصطناعي كمدير للمشروع
تعمل الشركات التي تقدّم خدمات التكنولوجيا، مثل شركة أكسنتشر (Accenture)، على مشاريع برمجة متعددة. ومن التحديات الشائعة التي يواجهونها في كثير من الأحيان أنّ الإشكاليات يتم اكتشافها بعد أن تصبح حدثاً حقيقياً، ما يدعو إلى إجراء تحقيقات ما بعد الحدث لتحديد السبب الجذري. إنها مهمة شاقة، ويمكن أن تصبح مهمة قاهرة عندما تنفّذ مئات المشاريع دفعة واحدة. يوفّر الحل الاستباقي الكثير من الوقت ويقلل من مخاطر حدوث المشكلات. قرر فريقنا معالجة هذه المشكلة عبر إيجاد نماذج من خلال مجموعة مركبة من البيانات، وبناء نماذج لتعلم الآلة، واستخدامها لترقب حدوث المشاكل الخطيرة. وقد قمنا بتسمية جهودنا "مدير المشروع الذكي اصطناعياً".
يعمل مدير المشروع الذكي اصطناعياً كأداة معززة لمدراء المشاريع البشريين. يقوم هذا المشروع بتمرين نموذج تعلم آلي على التنبؤ قبل أسابيع من حدوث المشكلة المحتمل حدوثها، وذلك باستخدام بيانات سابقة من المشاريع البرمجية. قررنا استخدام نموذج لتعلّم الآلة الذي قمنا بإنشائه كاختبار للتأكد من قدرة النموذج على التنبؤ بأداء المشاريع البرمجية تحت تأثير مجموعة من مقاييس التسليم.
تمرين النموذج
قمنا أولاً بجمع البيانات السابقة من آلاف المشاريع التي أُنجزت في السنوات الثلاث الماضية، والتي تتضمن الملايين من السجلات، وذلك من أجل تمرين النموذج. فأظهر النموذج علامات حمراء تشير إلى مشكلة يُتوقع حدوثها في أداء المشروع، متضمناً أيضاً زيادة في معدّل الوقت المستغرق في تصحيح الأخطاء، ومعالجة الأعمال المتراكمة وحل المشكلة. الأهم من ذلك، أنّ النموذج كان قادراً على التنبؤ بالمخاطر المحتمل حدوثها في وقت مبكر (قبل أربعة أسابيع في هذه الحالة المذكورة أعلاه). تتيح هذه المهلة فرصة القيام بتحديد طبيعة المشكلة القادمة من قِبل مقدّمي الخدمات، وتحديد المواضع التي ستتأثر بها، واتخاذ إجراءات لمنع حدوث المشكلة نهائياً. أساساً، يعمل مدير المشروع الذكي اصطناعياً كنظام إنذار مبكر يمكّن مدراء المشاريع البشريين من القيام بمهام أكثر أهمية.
وبمجرد تسليم النموذج، بدأ فريق العمل بتطبيقه على البيانات الواردة والتي لم تعرض النموذج من قبل. بعد مراقبة الأداء الثابت أثناء عرض بيانات لعدة أشهر، أصبحنا واثقين من إمكانية استخدام النموذج في العديد من المشاريع. في الوقت الحالي، يقدّم مدير المشروع الذكي اصطناعياً (الذي تم اختباره ودمجه في برنامج الأتمتة ماي ويزارد myWizard التابع لشركة أكسنتشر) تنبؤات أسبوعية، وتُمثّل هذه التنبؤات بعلامات حمراء صحيحة في 80 في المئة من المرات، ما يساعد على تحسين مؤشرات الأداء الرئيسية المتعلقة بتسليم المشروع.
ستكون الخطوة التالية للمشروع استخدام نفس البيانات لإنشاء نماذج يمكنها التنبؤ بتجاوز التكاليف، والتأخيرات في جدول التسليم، والجوانب الهامة الأخرى لتنفيذ المشروع، والتي تعتبر بالغة الأهمية بالنسبة لأداء المؤسسة في النشاط التجاري.
العمل المتمّم أفضل من العمل المثالي
مع بنائنا لنموذج لتعلّم الآلة، فوجئنا عندما وجدنا أنه لم يكن هناك حاجة إلى أي من أدوات علم البيانات الرائجة - مثل التعلم العميق، والتعلّم الذاتي للآلة، و"الذكاء الاصطناعي الذي يخلق الذكاء الاصطناعي" - من أجل جعل النموذج يعمل. في الواقع، هذه الأدوات لم تكن ستساعدنا في تحقيق أهدافنا الرئيسية. بدلاً من ذلك، كانت أكبر متطلباتنا هي ممارسة برمجية هندسية قوية، وأتمتة سمحت للخبراء في ذلك المجال بالوصول إلى المستوى الصحيح، والأدوات التي يمكن أن تدعم الاختبار الشامل للنموذج.
لأننا نترقب استفادة الشركات الأخرى من هذه الدروس، قمنا بتنظيمها في مثال نموذجي جديد للتعلم الآلي، والذي أسميناه أم أل 2.0 (ML 2.0). تم وصف الخطوات الرئيسية للمثال النموذجي هذا في ورقة بحثية، وتم دعمها بمجموعة من البرمجيات المفتوحة المصدر.
الجوانب الأربعة الأكثر أهمية للمثال النموذجي الجديد لتعلّم الآلة يمكن ترتيبها كما يلي:
عملية سريعة: يساعد المثال النموذجي (ML 2.0) المستخدمين على الانتقال من تمثيل للبيانات الأولية إلى نموذج من سبع خطوات دقيقة. ونتيجة لذلك، تمكن فريق مكون من أربعة أشخاص من تطوير عملية إثبات الفكرة ونشر النماذج اللازمة في غضون ثمانية أسابيع. لم يكن هذا ممكناً في ظل النموذج القديم، الذي يتطلب عمليات شراء مكلفة، مثل البرنامج الذي يستخدم لمرة واحدة، والمصمم للاكتشاف وللخوارزميات المعقدة التي لا يمكن قياس فوائدها كمياً.
مشاركة أكبر لخبراء المجال: حدد خبراء المجال المتغيرات الرئيسية -على سبيل المثال، ما هي الأحداث المحددة التي تشكل خطراً على أداء المشروع، ما هي المدة التي يجب قبلها أن يتنبأ النموذج لتكون المعلومات ذات قيمة؟ وما هي المشاريع السابقة التي علينا استخدامها لتدريب النموذج؟ قدم المثال النموذجي (ML 2.0) لخبراء المجال أداة تنبؤ هندسية، مكنتهم من وضع معايير رئيسية ومكنتهم التأكّد من أن النموذج سيخلق قيمة تجارية.
هندسة الخاصية المؤتمتة: تُعتبر عملية تعلم الآلة جزء أساسي من هندسة الخاصية، التي تتضمن استخدام المعرفة من أجل استخراج الأنماط، أو الخاصيات، من البيانات الأولية. غالباً ما يكون خبراء المجال أفضل من الآلات في عملية اقتراح الأنماط التي تملك الطاقة التنبؤية -على سبيل المثال، قد تؤدي الزيادة في متوسط وقت الاستجابة في النهاية إلى ضعف أداء المشروع؛ ولكننا نحتاج هنا إلى البرمجيات المؤتمتة لحساب هذه الخاصيات. استخدمنا برمجية فيتشرتولز (Featuretools)، وهي مكتبة ذات مصدر مفتوح ترعاها وكالة داربا (DARPA) للمشاريع البحثية المتطورة الدفاعية وتم إنشاؤها من قِبل مختبرات فيتشر لابز (Feature Labs)، حيث يعمل ثلاثة أشخاص منّا. عرضت هذه البرمجية 40,000 نمط، اختار منها خبراء المجال 100 نموذج كأكثر النماذج الواعدة.
اختبار النموذج الذكي: يحتاج مدراء مشاريع البرمجيات، مثل معظم خبراء المجال، إلى عرض نماذجهم الجديدة على جولات متعددة من عملية تثبيت صحة النموذج والاختبار الحقيقي في أرض الواقع وذلك قبل أن يصبحوا واثقين من فعالية نشر النماذج بين المستخدمين. وقد وفرت مجموعة الاختبارات المؤتمتة والمدمجة في (ML 2.0)، لفريق العمل، المرونة لمحاكاة الحالات السابقة من البيانات، وإضافة البيانات التي تم حجبها عن عملية التطوير، وإجراء اختبارات خاصة بهم على عدة نقاط وفي الوقت المناسب. كما تتضمّن العملية الاختبار في الوقت الفعلي، عندما يحين وقت نشر النموذج بين المستخدمين.
القدرة على التوقع هي ميزة تنافسية
إذا كانت الشركات ستحصل على قيمة حقيقية من تعلم الآلة، فإنها تحتاج إلى التركيز ليس فقط على التكنولوجيا، ولكن على العملية. ويحتاج خبراء تعلم الآلة إلى إدراك الفجوة بين العلم المتطور وقدرة المؤسسات على التنفيذ الفعلي لنماذج العمل التي تتوجه نحو المشكلات الحقيقية. سيتطلب سد فجوة التنفيذ اتباع نهج جديد لتعلم الآلة، مع الكثير من المشاكل الفنية المثيرة للاهتمام والتي تظهر من النهج نفسه.
يساعد نموذج (ML 2.0) على تحويل إمكانات تعلم الآلة إلى نتائج أعمال ملموسة، من خلال وضع برنامج تعلم الآلة في صلب وظائف الأعمال، بدلاً من التعامل معه كمبادرة منفصلة للبحث والتطوير. إنّ القيام بذلك له تأثير مباشر على كيفية إدارة المؤسسات لأعمالها، وكيف يمكن أن تقوم بإنشاء مصادر دخل جديدة، وكيف يمكنها إعادة تخيل منتجاتهم وخدماتهم بطريقة جديدة، وأيضاً كيف يمكنهم زيادة الكفاءات التنفيذية، وإعادة تعريف قوتهم العاملة، وأكثر من ذلك بكثير. واليوم، لا ترغب الشركات في الحصول على إجابات لأسئلة مثل: هل حققنا هدف المبيعات لهذا الموسم؟ هل وصل عملنا إلى جمهورنا المستهدف؟ هل حققت إعلاناتنا الأهداف التي نسعى إليها؟ يريدون بدلاً من ذلك أن يعرفوا ما الذي قد يحدث في المستقبل. يريدون اتخاذ قرارات تنبؤية مبنية على البيانات، بسرعة وسهولة، وهذا ما يعد به نموذج (ML 2.0).