الاختلافات الثقافية أكثر تعقيداً من مجرد السؤال عن موطن المرء

3 دقائق
تعقيدات الاختلافات الثقافية

إننا غالباً ما نود التنبؤ بالكيفية التي سيتصرف بها الآخرون كجزء من ممارسة الأعمال التجارية على نطاق عالمي والتفاعل بين الثقافات، وبالتالي من البديهي أن تكون ثقافة البلد هي مرشدنا النموذجي بسبب تعقيدات الاختلافات الثقافية. فنقرأ كتاباً أو مقالة أو تدوينة حول الاختلافات الثقافية، وندرك كيف تختلف الشعوب الألمانية أو الصينية أو الإيطالية عنا - إذ يفكرون ويتصرفون ويعبرون عن مشاعرهم بطريقة مختلفة - فنعتقد أننا بذلك قد أدينا دورنا كاملاً، ونشعر أننا على أهبة الاستعداد للتفاعل مع ثقافة مختلفة.

لكننا غالباً ما نصاب بالدهشة حينما نكتشف أن الشخص الذي نتفاعل معه يتصرف بطريقة مختلفة تماماً عما كنا نتوقع. فزميلنا القادم من آسيا نجده في الواقع مزعجاً ومثيراً للمشكلات بعض الشيء، بدلاً من أن يكون هادئاً. ومورّدنا يتسم بهدوء الطباع، بدلاً من أن يتصرف بشراسة. وكلما صادفنا أشخاصاً آخرين متنوعين يدحضون توقعاتنا حيال الاختلافات الثقافية، نتساءل عن مكمن الخطأ.

ينبع أساس المشكلة من الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا. ولعل أكثرها وضوحاً هو: "إلى أي ثقافة ينتمي هذا الشخص؟". لا يمكن اعتبار هذا السؤال عديم الصلة. فالاختلافات الثقافية الوطنية ذات أهمية فعلية. فالطريقة التي تتفاعل بها في الهند مختلفة عن طريقة تفاعلك في الولايات المتحدة، والطريقة التي تحفز بها الموظفين في اليابان تختلف عنها بعض الشيء في كندا.

الأسئلة الهامة المتعلقة بالاختلافات الثقافية

لكن الاعتقاد بأن الاختلافات الثقافية الوطنية هي كل ما يهم يمثل خطأً فادحاً، فالثقافة ليست كل شيء. اتضح أننا إذا طرحنا على أنفسنا أسئلة أفضل وأكثر تركيزاً، فسنحقق نجاحاً أكبر في توقع الكيفية التي سيتصرف بها الآخرون وإعداد أنفسنا للتعامل مع هذه الاختلافات.

السؤال الأول: ما الذي تعرفه عن المنطقة؟

مثلما أن هناك فائدة من معرفة نبذة عن المعايير الثقافية عند تحليل موقفك، فإن معرفة نبذة عن معايير المنطقة تعد من الممارسات الجيدة أيضاً. على سبيل المثال: إذا كنت تمارس نشاطاً تجارياً في الولايات المتحدة وافترضت أن سكان منطقة الشمال الشرقي سيكونون مشابهين لسكان منطقة الجنوب أو الغرب الأوسط، فربما تدهشك الاختلافات. وبالمثل، ستكون مخطئاً لو افترضت أن جنوب وشمال إيطاليا متماثلان أو أن سكان المناطق الريفية والحضرية في الصين يتصرفون بطريقة متشابهة.

السؤال الثاني: ما الذي تعرفه عن الشركة أو القطاع؟

مثلما هو الحال مع الدول والمناطق الجغرافية، تتمتع الشركات والقطاعات الصناعية أيضاً بثقافات مختلفة. فالكيفية التي تتفاعل بها مع أحد مدراء شركة "جوجل" تختلف بعض الشيء عن كيفية تفاعلك مع أحد مدراء شركة "مايكروسوفت" أو "إنتل". والاجتماعات داخل الشركات التقليدية البيروقراطية غالباً ما تُدار بطريقة مختلفة قليلاً عن اجتماعات الشركات الصغيرة الناشئة. كما تختلف المعايير السلوكية في مجال الدعاية عن المعايير السلوكية في مجال الزراعة، إلى آخر هذه الأمثلة.

بالطبع قد تعكس ثقافة المؤسسة في بعض الأحيان ثقافة منطقة أو دولة ما. فمثلاً: قد تتحلى شركة سعودية تقليدية تعمل في مجال الصلب في الرياض بمعايير ثقافية سعودية، كارتفاع مستوى فارق القوى بنسبة ما. لكن تخيل المعايير الثقافية لشركة استشارية عالمية مثل "ماكنزي" يُصادف أنها توجد أيضاً في الرياض. نظراً لأن الشركة الاستشارية هي مؤسسة عالمية ذات معايير متأثرة بالثقافة المحلية من ناحية وببصمتها الغربية من ناحية أخرى، فغالباً ما ستسود الشركة معايير مختلفة بعض الشيء عن المعايير السعودية.

السؤال الثالث: ما الذي تعرفه عن الأفراد؟

في النهاية، اسأل نفسك عما تعرفه أو ما قد يمكنك اكتشافه عن الأشخاص الذين تتفاعل معهم. هل تتواصل مع مسؤول تنفيذي بارز في الستينيات من عمره أم مع مدير يافع في العشرينيات؟ الأشخاص الأكبر عمراً غالباً ما يكونون أكثر قدرة على التعبير عن معايير المجتمع ككل. سيكون من المفيد أيضاً أن تعرف ما إذا كان الأشخاص الذين تتفاعل معهم من السكان المحليين، أي وُلدوا وترعرعوا في تلك البيئة تحديداً دون أي خبرة في السفر، أو إذا كانوا مواطنين عالميين يتمتعون بخبرة عريضة في السفر. السكان المحليون أقدر على التعبير عن معايير المنطقة الحالية التي توجد فيها، في حين يبدي المواطنون العالميون مجموعة أكثر تنوعاً من السلوكيات المحتملة.

الدور الذي تؤديه في علاقة معينة له أيضاً أهمية كبرى. على سبيل المثال: عديد من ثقافات شرق آسيا وجنوب شرق آسيا مثل الهند والصين وكوريا تتسم بمعايير تواصل غير مباشرة نسبياً، لاسيما من المرؤوس إلى رئيسه، في حين أن الرؤساء في هذه الثقافات غالباً ما يكونون مباشرين مع مرؤوسيهم. لذا من الضروري أن تفهم الدور الذي تمارسه في موقف معين كي تحدد النمط الثقافي المناسب.

التوصل إلى إجابات عن هذه الأسئلة قبل أن تتفاعل مع الثقافات الأخرى يمكن أن يكون أمراً محفوفاً بالصعوبات، لكنه ممكن. غالباً ما ستعطيك الكتب والمقالات فكرة عن هذه الاختلافات الدقيقة، لكن إحدى أفضل الطرق كي تتوقع ما ستصادفه هي بالحديث مع الوافدين، أي الأشخاص الذين درسوا أو عاشوا أو عملوا في الدولة التي تقصدها. يتمتع هؤلاء الأفراد بمنظور دقيق للتحديات التي ستواجهها وما ستتعرض له في مواقف محددة قد تجد نفسها فيها، علاوة على فهمهم للأشخاص الذين ستعمل معهم.

الاستعداد لما ستلاقيه قبل اقتحام ثقافة جديدة هو أحد مفاتيح النجاح من أجل التغلب على تعقيدات الاختلافات الثقافية. لكن ما لم تطرح الأسئلة الصحيحة، فقد ينتهي بك المطاف بأن تغفل دون قصد الاختلافات الحقيقية ذات الأهمية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي