قبل ألفين وخمسئة عام قال الفيلسوف اليوناني الشهير سقراط "لا شيء صعب بالنسبة للشباب"، وفي عصر النهضة الحديث قال الأديب الروسي الشهير فيساريون بلنسكي "الشباب يمتلك قابلية أكثر من أي فترة أخرى من العمر على فهم كل ما هو رائع وسام".
ولما يزيد عن ثلاثة عقود أسس وطبق المغفور له الشيخ زايد – الوالد المؤسس لدولة الإمارات – نهجاً فكرياً وعملياً يقوم على مقولته "أقول دائماً إنني أؤمن بالشباب، ولابد أن يتولى المسؤولية الشباب المثقف من أبناء البلاد، فالشباب لا ينقصه الحماس، وما دام متحمساً ومؤمناً بوطنه، فإنه قادر على استيعاب كل جديد".
كل هذه المقولات والتي تمتد على مدار أحقاب وعصور مختلفة تؤكد على أن الشباب هم العنصر الفعال والرهان الرابح في نهوض أي أمة وتطورها وقدرتها على مواجهة تحدياتها كافة، وبناء مستقبل أفضل لأجيالها المعاصرة والمقبلة.
سارت دولة الإمارات على نهج الشيخ زايد في منح الثقة للشباب وتشجيعهم على الإبداع والتطوير الدائم، حيث أطلقت خططاً ومبادرات وبرامج عدة عززت من تمكين الشباب وإشراكهم في صناعة القرار ورسم مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة، ومنها برنامج خبراء الإمارات.
هذا البرنامج الطموح من دوره خلق جيل من الخبراء والمتخصصين الشباب في 20 مجالاً وقطاعاً حيوياً ومنها التغير المناخي والعمل من أجل البيئة، وسيشكل هؤلاء الخبراء عنصراً فاعلاً ورئيسياً في تحقيق مستهدفات رؤية الإمارات 2021 لتحقيق الاستدامة في كافة القطاعات، ووضع الإمارات على صدارة قائمة الدول الأفضل عالمياً في كافة القطاعات بما يواكب مستهدفات مئوية الإمارات 2071.
يمثل البرنامج أهمية كبرى لكافة القطاعات وبالأخص التغير المناخي، والذي يتصف بحداثته نوعاً ما - كمفهوم وعلم - على مجتمعنا ومنطقتنا، في وقت تتفاقم تأثيراته السلبية بشكل متسارع على كافة القطاعات، فبحسب تقييم أجرته وزارة التغير المناخي والبيئة لتأثيرات تداعيات التغير المناخي على القطاعات الرئيسة في الدولة، خلصنا إلى أن عدم الإسراع في التعامل مع هذه التداعيات بخفض مسبباتها والتكيف معها، سيكبد قطاعات الصحة والطاقة والبنية التحتية والبيئة خسائر عدة ومنها زيادة الإنفاق على علاج العديد من الأمراض التي سيتسبب في تفاقمها هذا التغير، وتضرر البنى التحتية لمشاريع عدة والحاجة لمزيد من الإنفاق على مشاريع إنتاج الطاقة وتحلية المياه.
وهنا تظهر أهمية برنامج خبراء الإمارات الذي عبره سيتم تجهيز وإعداد خبراء ومختصين من أبناء الإمارات في هذا المجال، وبدورهم ومن خلال وجودهم وعملهم في القطاعات الحيوية في الدولة، سيتم العمل على تنفيذ خطط واستراتيجيات الدولة لخفض مسببات التغير المناخي والتكيف مع تداعياته، وتحويل تحدياته إلى فرص اقتصادية واعدة بما يضمن فعليا إيجاد مستقبل أفضل. ذلك، أن إمكانية تحقيق منظومة الاقتصاد الأخضر التي ستوفر العديد من الفرص الاقتصادية الواعدة والوظائف، ستكون أسهل وأسرع في ظل وجود مزيج من الشباب المختصين ذوي القدرات العالية، والأجيال الأكبر سناً ذوي الخبرة العالية.
إن تحقيق مستهدفات العمل في قطاع التغير المناخي وتحويل تحدياته إلى فرص يتطلب عمل مجتمعي متكامل، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال وجود مختصين وخبراء من مكونات المجتمع كافة وفي كل قطاعات ومجالات المجتمع، فنحن في حاجة لخبراء شباب في قطاع الطاقة لتسريع وتيرة التحول لمزيد من الاعتماد على المصادر النظيفة والمتجددة، وآخرين في قطاع البنية التحتية للعمل على خطط التكيف مع تداعياته وتوسيع قاعدة تطبيق المعايير الخضراء في البناء والتشييد، وكذلك في مجال الوعي المجتمعي لضمان رفع وعي الأفراد بسلوكيات الإنتاج والاستهلاك المستدامين.
ودعماً لمستهدفات البرنامج تعمل الجهات الحكومية كافة في الدولة على مشاريع ومبادرات من دورها تعزيز دور الشباب وزيادة وعيهم بمتطلبات تحقيق الاستدامة والمستقبل الأفضل، فخلال الفترة الماضية أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة استراتيجية شباب الإمارات للمناخ والتي تستهدف تعزيز دور الشباب ومشاركتهم في مواجهة تداعيات التغير المناخي، وخلق حلول فعالة للتحديات الحالية والمستقبلية، كما حرصت الوزارة على وجود مشاركة واسعة للشباب ضمن وفودها المشاركة في الفعاليات العالمية للعمل من أجل المناخ لإيجاد خبراء مفاوضين ذوي معرفة ووعي عال بهذا القطاع في الأحداث العالمية.
إن شباب الإمارات يتمتعون بقدرات عالية على التعلم والاستيعاب والإبداع والابتكار، وتجربتي معهم من خلال برنامج خبراء الإمارات، أكدت لي أننا قادرون على تصدر قائمة الدول الأفضل عالمياً في كافة القطاعات بشكل فعلي.
وبفضل كل هذا الدعم والرؤى الطموحة لدولة الإمارات وقيادتها الرشيدة، فكلي ثقة أن السنوات المقبلة ستشهد وجود خبراء إماراتيين يقودون حركة العمل من أجل المناخ إقليمياً وعالمياً.