3 عادات تُنمي حسّ تحمّل المسؤولية لديك

6 دقيقة
تحمّل المسؤولية
ديفيد ماديسون/غيتي إميدجيز

ملخص: لماذا تنجح بعض الفِرق أكثر من غيرها في الوفاء بالمواعيد النهائية وتحقيق الأهداف وزيادة الإيرادات؟ أجرى باحثون في معهد نيرو ليدرشيب دراسة على العمليات المعرفية المرتبطة بالقادة الذين يرسّخون ثقافة تحمّل المسؤولية في فرقهم، وتوصلوا إلى 3 عادات مميزة لديهم وهي التفكير المسبّق والتفاني في الالتزامات والتركيز على الحلول.

لطالما حرص القادة على تحقيق توازن بين إبداء التعاطف وترسيخ ثقافة تحمّل المسؤولية بين موظفيهم، لكننا شهدنا في السنوات الأخيرة تقلباً كبيراً في هذا التوازن. أبدت عدة مؤسسات اهتماماً بالغاً بموظفيها خلال السنوات الأولى من الجائحة، فأتاحت لهم المرونة في العمل وقدمت لهم مزايا لدعم الصحة النفسية وساعدتهم على تجاوز فترة صعبة. ومع ارتفاع أسعار الفائدة ومعدلات التضخم في الآونة الأخيرة، لاحظنا تغيّراً في نهج القادة تمثّل في التقليل من بعض المزايا المقدمة للموظفين وحثّهم على العودة إلى العمل من المقر المكتبي والتركيز على تقديم النتائج، مثل الوفاء بالمواعيد النهائية وتحقيق الأهداف وزيادة الإيرادات.

خلق هذا الوضع تساؤلات عدة بين الموظفين والمدراء والمسؤولين التنفيذيين: هل يمكن ترسيخ ثقافة تحمّل المسؤولية بين الموظفين دون معاقبتهم أو لومهم، وبطريقة تجعلهم يشعرون بأن احتياجاتهم ما تزال مهمة؟ هل من الضروري أن تكون الخيارات محصورة بين الاهتمام بالموظفين من جهة وتحقيق النتائج والأهداف من الجهة الأخرى؟ وما هي الأساليب الفعالة لبناء ثقافة تحمّل المسؤولية في جميع مستويات المؤسسة؟

نعتقد في معهد نيرو ليدرشيب (NeuroLeadership Institute) أن الإجابات عن هذه الأسئلة تكمن في فهم العمليات المعرفية المتعلقة بتحمّل المسؤولية، وأجرينا عدة بحوث خلال السنة الماضية لفهم ما يحدث في دماغ الشخص الذي يتحمّل مسؤولية الأهداف التي يلتزم بتحقيقها.

ومن خلال دراسة العادات المعرفية المرتبطة بالنهج الصحي لتحمّل المسؤولية، يمكننا تطوير استراتيجيات فعالة لتعزيز هذه العادات تكون مستندة إلى الأدلة وموجّهة ومركّزة بدرجة أكبر، ما يساعدنا على جعل تحمّل المسؤولية عنصراً متأصلاً في ثقافة المؤسسة لا مجرد هدف نظري يكثر الحديث عنه.

تحمّل المسؤولية

يفسّر الموظفون تحمّل المسؤولية بإحدى طريقتين، والطريقة التي يتبناها القادة هي التي ستحدد كيفية أداء فرقهم.

  • التهديد: تتمثّل الطريقة الأولى التي يتبناها معظم القادة في تحمّل المسؤولية العقابية، وهي تتضمن توجيه انتقادات للموظفين عند ارتكابهم الأخطاء أو فشلهم، ما يخلق ثقافة قائمة على التهديد واللوم داخل المؤسسة.
  • التحدي الجدير بالتجربة: قد تفسر ثقافة العمل تحمّل المسؤولية بأنه تحدٍّ جدير بالتجربة، إذ تعتبر مسؤولية أداء مهمة ما فرصة للنمو وتنظر إلى الأخطاء على أنها فرصة للتحسين والتطوير.

ينبغي للقادة أن يسعوا إلى تبنّي النهج الثاني من تحمّل المسؤولية، إذ تشير البحوث إلى أن تعزيز عقلية النمو يحسّن الأداء الفردي للموظف ويطور قدرته على التعلم والتكيف، ويعزز رفاهته العامة. بمعنى آخر، يكافئ نهج تحمّل المسؤولية الذي يركز على النمو الموظفين عند تحملهم المخاطر ويشجعهم على تبنّي عقلية النمو، كما أنه يعود بفوائد إضافية على ثقافة الفريق أهمها أنه يوجه الأفراد نحو إيجاد حلول للأخطاء التي يرتكبها زملاؤهم بدلاً من إلقاء اللوم عليهم أو إحراجهم.

كما أن وصف تحمّل المسؤولية بأنه تحدٍّ جدير بالتجربة يعزز شعور الموظفين بالتمكين لأنه يعتمد على مبدأ الاختيار؛ إذ يمنحهم الحق في اتخاذ قرار شخصي بتحمل مسؤولية مهامهم على عكس تحمّل المسؤولية العقابية التي تفرض عليهم تحمّل المسؤولية، وعندما يدرك الموظفون أن تحمّل المسؤولية يُسهم بالفعل في تعلمهم ونموهم، يتولّد لديهم التزام أعمق بقبول التحديات المهمة.

العادات الثلاث التي تعزز تحمّل المسؤولية

يركز بحثنا على تحديد العمليات الذهنية التي يمارسها الموظفون عندما يتبنّون نهج تحمّل المسؤولية غير العقابية، تنطوي هذه العمليات على 3 عادات متميزة لكنها مترابطة، وهي التفكير المسبّق والتفاني في الالتزامات والتركيز على الحلول.

إذا مارس أي شخص هذه العادات فسينجح في تحقيق نتائج أفضل، وإذا مارسها القادة فسيستطيعون وضع توقعات واضحة للموظفين وتوقع مجموعة متنوعة من النتائج المحتملة والحفاظ على العقلية المناسبة التي تتيح لأعضاء الفريق التركيز على التحسين المستمر بدلاً من السعي إلى الكمال.

التفكير المسبّق

يحدث تحمّل المسؤولية عندما يمتلك القائد القدرة على التفكير في النتائج المحتملة لإسناد مهمة محددة أو توجيهات معينة إلى شخص ما، بمعنى أنه يتخيّل المهمة المطلوبة في عقله ويشاركها بطريقة تضمن تحقيق الفهم المشترك، وإذا وضّح القائد الطريقة التي يفضلها لإنجاز المهمة والتحديات التي قد يواجهها الموظف المكلّف بها فسيصبح نقل رؤيته إلى الموظف أسهل.

على سبيل المثال، قد يخبر نائب رئيس المبيعات مندوب المبيعات الجديد قبل اجتماع طرح الأفكار المهم بأن العميل يميل إلى مقاطعة أحاديث الآخرين وطرح العديد من الأسئلة ويطلب منه الاستعداد للتعامل مع أي سؤال قد يطرحه العميل، ويمكنهما حتى محاكاة السيناريو المتوقع لكي يتسنى لنائب الرئيس أن يقدم النصائح لمندوب المبيعات حول كيفية العودة إلى النقاش الرئيسي عندما يتعرض لأي ضغط.

وعلى الجانب الآخر، يتبنّى القائد الذي لا يولي اهتماماً كبيراً بالنتائج نهجاً أقل تدخلاً، على أمل أن تُسهم مواهب الموظف وقدراته في إتمام الصفقة بنجاح؛ لكن التفكير المسبّق يتيح له تصور كيفية تطور السيناريوهات وتوقّع العقبات المحتملة وزيادة فرص نجاح موظفيه وفقاً لاستراتيجية محددة مقدماً.

يتيح هذا التمرين للقائد مساعدة موظفيه على تكوين صورة ذهنية عما يعنيه النجاح، ما يُسهم في تعزيز نشاط قشرة الجبهة الأمامية لديهم، وهو الجزء الكبير من الدماغ الموجود خلف الجبهة والمسؤول عن الوظائف التنفيذية الرئيسية، إضافة إلى مناطق أخرى في الدماغ تعالج الحواس والعواطف والذكريات. وكلما وضّح القائد الأهداف أكثر، سهُل على الموظفين تحويل النوايا إلى إجراءات مناسبة.

يكمن التحدي في القدرة على فهم وجهة نظر الشخص الآخر، بما فيها الأسئلة التي قد يطرحها والعقبات التي قد يواجهها ومواطن قوته وضعفه الفريدة. لكن تبين أن هناك العديد من المزالق في تبنّي وجهات النظر الأخرى، منها أننا قد نفهم وجهة نظر الشخص الآخر بناءً على تجاربنا ومعتقداتنا الشخصية. ومع ذلك، نعتقد أن التأطير الذهني الصحيح والقليل من التدريب يحسّنان قدرة الأفراد على التفكير المسبّق بدرجة كبيرة، سواء كانوا قادة يخططون لتوزيع المهام أو موظفين يتولون أداء تلك المهام.

الحفاظ على الالتزامات

تتمثّل العادة الثانية لتحمّل المسؤولية في الوفاء بالالتزامات، ونعتقد أنها مهارة نكتسبها بالتعلم المباشر والتعلم اللاواعي من الآخرين. وبما أننا نراقب سلوكيات جميع الأشخاص من حولنا دون وعي، سواء الذين يلتزمون بوعودهم أو الذين لا يلتزمون بها، فسينال من ينفذ وعوده الكبيرة أو الصغيرة بدقة ثقة الآخرين التامة؛ وقد تترك هذه الثقة الكبيرة بدورها أثراً هائلاً في قدرة الجميع على التعاون بفعالية.

لكن عندما يشعر الموظف بتناقض بين ما يطالبه به قادته وما يمارسونه فعلاً فسيشعر بالتهديد بسبب فجوة التوقعات ويتضاءل حماسه للعمل بسبب انخفاض مستويات الدوبامين لديه؛ إذ سيستخدم دماغه طاقته الثمينة حينها لمعالجة الخطأ الذي خالف التوقعات بدلاً من التركيز على المهام الرئيسية، ويؤدي عدم وفاء القادة بالالتزامات عادة إلى تدني توقعات موظفيهم منهم في المستقبل.

لنفترض أن القائد حدد موعداً نهائياً صارماً للفريق لإنهاء مشروع كبير يشمل القسم كله، لكنه فشل في الوفاء بالموعد النهائي لإنهاء العمل المطلوب منه، تؤدي هذه النتيجة إلى خفض توقعات القائد لنفسه حول ما يمكنه تحقيقه، وخلق شعور بعدم العدالة بين الموظفين، ما يسفر عن تقليل التزامهم بالمواعيد النهائية في المستقبل وإضعاف مشاركتهم في المشاريع المهمة. ولو أن القائد تحمّل مسؤولية التزاماته لتمكن من تحديد الأولويات مسبّقاً والوفاء بالمواعيد النهائية المحددة، ما يؤكد بدوره أهمية تحمّل مسؤولية الالتزامات بين أفراد الفريق.

التركيز على الحلول

يعزز تحمّل المسؤولية النمو. في الواقع، الفشل طبيعي عندما تكون المخاطر عالية، لكن المهم هو أن يستجيب القادة لهذا الفشل بتحفيز الرغبة في التعلم، بدلاً من التركيز على العقاب. وهذا النهج يشكل ركيزة من ركائز عقلية النمو ويتطلب بيئة تمتاز بالأمان النفسي وتمكّن الموظفين من الاعتراف بأخطائهم.

لنفترض أن شخصاً ما ارتكب خطأ أدى إلى تسجيل أرقام مبيعات غير صحيحة، قد يلوم القائد الذي يتّبع نهج تحمّل المسؤولية العقابية الموظف الذي ارتكب الخطأ ويجبره على العمل طوال الليل لإصلاحه؛ وقد يدفع ذلك بدوره أعضاء الفريق إلى اتهام بعضهم لبعض خشية توجيه اللوم إليهم ومطالبتهم بـ "تحمل مسؤولية" الخطأ.

من جهة أخرى، يهدف تحمّل المسؤولية غير العقابية إلى تشجيع بيئة يسودها الفهم والتعاطف عند حدوث الأخطاء؛ فلا أحد معصوم من الخطأ، بل يتحمّل كل فرد مسؤولية المشاركة في إصلاح الأخطاء، ومن ثم السعي إلى تحسين الأداء في المرة القادمة. في المثال أعلاه، يمكن للقائد الذي يمارس هذا النوع من تحمّل المسؤولية أن يجمع أعضاء الفريق معاً ويسألهم: ما هي الإجراءات التي ستسهم في تقدم المشروع؟ وقد يتطوع الآخرون للعمل ساعة إضافية لمساعدة أعضاء الفريق على الوفاء بالموعد النهائي.

إن التركيز على الحلول يعني التخلي عن عقلية اللوم، والسعي إلى التحسين المستمر؛ كما يعني إجراء تقييم شامل على حالات النجاح والفشل، والبحث المستمر عن حلول إبداعية للمشكلات بدلاً من التركيز على الأسباب التي أدت إلى الفشل. والتركيز على الحلول مهارة يمكن تعلمها، مثل تحمّل الالتزامات، وهو يتأثر بسلوكيات الآخرين من حولنا بشدة، لذا يجب أن يتعمّد القادة التركيز على مواصلة التقدم بدلاً من تحديد مَن تسبب في الخطأ.

تعزيز النمو في أثناء أداء المهام

قد يفترض البعض أن تحمّل المسؤولية يتعارض مع العلاقات الجيدة مع الزملاء، كما لو أن تحقيق النتائج والعمل بروح الزمالة لا يجتمعان؛ لكن الثقافة الصحية حقاً تحتاج إلى قائد يوضح توقعاته من أعضاء فريقه ويحدد دورهم في تحقيق هذه التوقعات، ويفكر مسبّقاً في السيناريوهات السلبية المحتملة ويتخذ إجراءات استباقية للتعامل مع أي عقبات، ويحافظ على تركيز الفريق على النتائج لا على العقوبات عند حدوث الأخطاء.

إن الفِرق التي تتبع هذه العادات تكون أكثر قدرة على التعامل بحزم وصراحة فيما بينها لشعور كل عضو في الفريق بالأمان والثقة بمكانته ضمن المجموعة. بعبارة أخرى، عندما يثق كل عضو في الفريق بقيمته الشخصية تقل الحاجة إلى إظهار اللطف الزائد والتملق للحفاظ على العلاقات الجيدة بين الأعضاء.

باختصار، عندما يبني القادة العادات الصحيحة، مثل التفكير المسبّق والوفاء بالالتزامات والتركيز على الحلول، فسينجحون في ترسيخ بيئة تحمّل المسؤولية المتوازنة التي تراعي احتياجات كل فرد وتضمن أداء الأعمال بفعالية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .