نموذج مبتكر لتعزيز اندماج موظفيك في بيئة العمل

5 دقائق
shutterstock.com/N ON NE ON
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نحن على دراية بمفهوم البطالة من وجهة النظر الاقتصادية، ولكن ماذا عن البطالة داخل المؤسسة التي تؤدي إلى العمالة السلبية؟ تعمل إدارة الموارد البشرية في كل مؤسسة على وضع الموظف المناسب في المكان المناسب، لكن ما سنتحدث عنه في هذا المقال هو البطالة من منظور إدارة المواهب ورأس المال البشري. بمعنى؛ هل يعاني الموظف فجوةً بين مؤهلاته وكفاءته الوظيفية وأفكاره الابتكارية، وبين استغلال تلك القدرات في وظيفته؟

وجدت دراسة بريطانية أن 36% من حديثي التخرج لديهم مؤهلات أعلى من المهام الوظيفية المطلوبة منهم، وهذا ما يدفع الكثير منهم إلى ترك العمل والاتجاه إلى ريادة الأعمال، ومن ناحية أخرى أصبح كل من “الميزة التنافسية” و”ريادة الأعمال المؤسسية” من المعايير المهمة لاستدامة نجاح المؤسسة، وتناول العديد من الأبحاث المعاصرة دور دمج الموظفين والابتكار المؤسسي في خلق الميزة التنافسية والحفاظ عليها. لذلك أصبح الابتكار من أهم الكفاءات العصرية والمستقبلية، في ظل بحث الموظفين عن فرصة للخروج من دائرة الوصف الوظيفي للمشاركة في القرارات الاستراتيجية واقتراح الأفكار الجديدة، إذ أظهر استطلاع مؤسسة غالوب أن دمج الموظفين بشكل عام له تأثير مباشر على مؤشرات أداء المؤسسة، إذ زاد ولاء العميل بنسبة 10%، وارتفع معدل الأرباح بنسبة 23%.

على الرغم من أن عملية دمج الموظفين أصبحت من أحدث الممارسات في الإدارة، وتساعد الشركات على الصمود، وربما الازدهار، في أوقات الأزمات الاقتصادية، فإنها لا تُطبّق تطبيقاً كاملاً وصحيحاً، فغالبية الشركات والمؤسسات ترتكز على الجزء “العاطفي” من دمج الموظفين المتمثل في توفير بيئة العمل الآمنة والإيجابية، دون الاهتمام بالجانب الذهني الذي يقوم على مساهمة الموظفين في وضع الاستراتيجيات واتخاذ القرارات وتطوير المنتجات والخدمات.

تطرقتُ في كتابي الذي يحمل عنوان: “الحفاظ على مكان عمل مرن 360 درجة: منظور الألفية: الطريقة الثورية للموارد البشرية” إلى نموذج مبتكر يعتمد على أربع مراحل لمساعدة المؤسسات على الدمج الكلي للموظفين:

نموذج الدمج العاطفي والذهني للموظفين

المصدر: كتاب Sustaining a 360° Agile Workplace

المرحلة الأولى: دمج الموظفين تجاه تحقيق بيئة عمل إيجابية

إن البشر عاطفيين بطبعهم، لذا تعد بيئة العمل الإيجابية التي تعزز روح العمل الجماعي والأمان الوظيفي والصحة النفسية والعلاقات البنّاءة بين شتى أعضاء فريق العمل، عنصراً أساسياً لدمج الموظفين والحفاظ على ولائهم ورفع مستوى إنتاجيتهم.

المرحلة الثانية: دمج الموظفين تجاه بناء استراتيجية المؤسسة

عادةً، تعمل الإدارة العليا في المؤسسات على عملية دمج الموظفين من خلال عرض الاستراتيجية عليهم وشرح دورهم في تنفيذها، وهذا أسلوب رائج ومفيد، إذ توصّلت بعض الدراسات إلى أن 85% من الموظفين يشعرون بالتحفيز عندما يكونون مطلعين على التغييرات والتطورات الاستراتيجية من قِبل الإدارة العليا، فكيف ستكون معدلات التحفيز لديهم إذا كانت لهم يد في بناء تلك التطورات الاستراتيجية أو تطويرها؟

في هذا النموذج يجري دمج الموظف في “بناء” استراتيجية المؤسسة أو “تطويرها”، ومن ثم نترك مساحة للابتكار الاستراتيجي والأفكار الجديدة بالإضافة إلى تكوين استراتيجية “مشتركة” وشاملة مكونة من مدخلات مختلفة من جميع أصحاب المصلحة باختلاف مناصبهم الوظيفية. وقد جُرِّبَ هذا النموذج على عدة شركات من خلال تطبيق تحليل سوات على الإدارة العليا والموظفين، وكانت المخرجات متناغمة بين الطرفين بنسبة 60%، ما يعني أنه توجد فجوة بنسبة 40% في وجهات النظر وتحليل الوضع الراهن بين المدراء والموظفين، ولكن مع الدمج بين وجهات النظر المختلفة، ستحصل المؤسسة على تحليل متكامل ومبتكر. لذلك الموظف له ثقل استراتيجي إذا تم تمكينه ودعوته للمساهمة في تطوير الاستراتيجية المؤسسية عبر شتى الأدوات.

المرحلة الثالثة: دمج الموظفين تجاه اتخاذ القرارات المؤسسية

عادةً ما تؤول مسؤولية اتخاذ القرارات إلى رؤساء المؤسسة ويتحملون بالكامل نتائجها، دون أن يكون لدى الموظفين أي فكرة عن تلك القرارات الاستراتيجية والمصيرية. لذا، فإن نموذج الدمج الذهني للموظفين يحفّز على إشراك الموظفين في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وذلك من خلال تنظيم حلقات عصف ذهني عن القرار المختص بهدف تحليل الاختيارات المتاحة ودراستها واقتراح حلول واختيارات أخرى، وبالتالي سيكون جميع الموظفين على دراية كاملة بتحديات المؤسسة وسيُسهمون ولو جزئياً في تحديد مصيرها، إذ أكدت دراسة  من جامعة هارفارد أهمية عملية دمج الموظفين في عملية اتخاذ القرارات والاستماع إلى وجهات النظر المختلفة وغير التقليدية لأنها قد تكون آراءً أكثر قيمة وفعالة تجاه اتخاذ القرار الأفضل لنجاح المؤسسة.

المرحلة الرابعة: دمج الموظفين تجاه تطوير المنتج والخدمة

إن الموظف الذي يتم تمكينه معنوياً واستراتيجياً سيبقى دائم الاطلاع على السوق ووضع المؤسسة، وبالتالي يمتلك الوعي والقدرة على عرض الأفكار المتناغمة مع رؤية المؤسسة والخطط الفعالة لتطوير المنتجات والخدمات التي تقدّمها المؤسسة وبعائد قيّم على العميل؛ وهكذا يتم تحويل الموظف من شخص مسؤول عن مهام محدودة وبقدرات محدودة إلى رائد أعمال مؤسسي لا حدود لمهامه وقدراته. إذ أجمع 84% من رؤساء مجلس الإدارة المشاركين في دراسة نُشرت في هافينغتون بوست على أن “الابتكار” هو من أهم أولويات المؤسسة، وبحسب دراسة أخرى ذكر 75% من كبار المدراء أنهم لا يحصلون على أفكار مبتكرة وفعالة بشكل كافٍ، وأن غالبية الأفكار التي تُطرح تقليدية لأنها صادرة عن نفس الأشخاص، واستنتجت الدراسة أيضاً أن الحل الأفضل للابتكار في المنتجات هو إتاحة الفرص لمختلف الموظفين لاقتراح الأفكار بحيث لا تكون حصراً لقسم الابتكار والتطوير.

المخاطر المصاحبة للتمكين الكلي للموظفين وكيفية تفاديها

ترتبط عملية دمج الموظفين وتمكينهم ارتباطاً كلياً بالعديد من المخاطر، أبرزها:

1. سرقة الأفكار: يرفض الكثير من الموظفين التحدث عن أفكارهم بسبب الخوف من نسبها إلى شخص آخر مثلما يفعل بعض المدراء، لذلك يجب على المؤسسة وضع لوائح واضحة عن “حقوق الملكية الفكرية” لدى الموظف، وعمليات تدقيق دورية للحرص على تطبيق تلك اللوائح، ومن ضمن الممارسات المتعارف عليها في الإمارات، تنظيم العديد من المؤسسات مسابقاتٍ للابتكار لدعم أفكار الموظفين.

2. التعدّي على صلاحيات الآخرين: يفضّل أن تمنح الإدارة بعض المرونة في الصلاحيات من حيث المشاركة والتعاون، وأن تكون عملية دمج الموظفين وتمكينهم إما شاملة أو مقتصرة على بعض المهام والاستراتيجيات وليس جميعها، ويتحدد ذلك وفقاً للثقافة المؤسسية.

3. الاستغلال الوظيفي: ينظر الكثير من الموظفين إلى هذا النموذج على أنه أكبر مثل على الاستغلال الوظيفي إذ تستفاد المؤسسة بكل الطرق الممكنة من الموظفين تحت شعار “دمج الموظفين وتمكينهم”، لذلك يجب تعزيز هذا النموذج بنظام حوافز معنوي ومادي خاص بهذا النوع من العمل.

4. الاحتراق الوظيفي: مع تطبيق هذا النموذج سيُتوقع من كل موظف أن تكون له مخرجات فكرية وابتكارية واستراتيجية إلى جانب المخرجات اليومية والروتينية، فمع تنظيم العمل والأتمتة وإدارة الوقت يمكن تجنب هذا النوع من المخاطر.

5. تكرار الأفكار وإهدار وقت العمل: سلّط بعض المدراء الضوء على فكرة عدم استعداد الموظفين للمشاركة في الاستراتيجية واتخاذ القرارات لأن مستوى خبراتهم غير كافٍ، والأفكار التي يشاركون بها قد تكون غير مجدية، لذلك قبل عملية الدمج الذهني للموظفين يجب أن يمروا بمراحل تأهيلية تشمل التدريب والإرشاد.

6. سرية المعلومات: مع المشاركة المستمرة للموظفين في حلقات العصف الذهني والاجتماعات الاستراتيجية، قد تكون خطط المؤسسة معرضة للخطر بسبب معدل دوران العمالة. في هذه الحالة تتم مشاركة اتفاقية عدم إفصاح مع الموظفين، والمعلومات التي تُشارك تكون مدروسة الأبعاد.

نماذج من المؤسسات الإماراتية في الدمج الاستراتيجي للموظفين

حققت دولة الإمارات العربية المتحدة أعلى نسبة في دمج الموظفين بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحسب “استطلاع غالوب لحالة مكان العمل العالمي 2023″، وسنستعرض أفضل ممارسات دمج الموظفين في بعض المؤسسات الإماراتية:

  • تنظّم شرطة دبي الرحلات التراثية والثقافية للموظفين بهدف تنمية الترابط بين مختلف فِرق العمل، ما أدى إلى التواصل الفعال بينهم في الاجتماعات وبيئة العمل بشكل عام.
  • عملت هيئة الطرق والمواصلات على تطوير الاستراتيجية والخدمات خلال إجراء اجتماعات مع السائقين ومسؤولي الصيانة والتقنيين وغيرهم للاستماع إلى أفكارهم، ما أدى إلى تطوير الخطة وزيادة معدل الرضا الوظيفي.
  • نظّمت شركة أدنوك مسابقات داخلية للموظفين في الابتكار والتميز لتحفيزهم على تحقيق القيم والأهداف المؤسسية.
  • دشنت شركة إعمار عدة مبادرات تتمحور حول تنمية الصحة النفسية والصحة الجسدية، وتمكين الأمهات العاملات، وتشجيع الموظفين على المشاركة في الأعمال الخيرية، ما نتج عنه تعزيز الانتماء الوظيفي والإنتاجية.
  • تركّز مؤسسة الإمارات للاتصالات على الاستماع إلى آراء الموظفين من خلال تنظيم حلقات العصف الذهني، واستطلاعات الرأي، ما ساعد على التطوير المستمر للخطة المؤسسية.
  • أمدّت شركة طيران الإمارات موظفيها بمهام وظيفية مرنة لإعطائهم المساحة للتنمية والابتكار، بالإضافة إلى تعريف العاملين بأنظمة الجودة والإنتاج لتمكينهم من تطوير المنتجات والخدمات بطريقة أكثر عملية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .