هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجعل القادة أكثر تعاطفاً؟

10 دقائق
القيادة المتعاطفة
كاريتوريا/ غيتي إميدجيز

على مدى السنوات القليلة الماضية، حقق الذكاء الاصطناعي تقدماً كبيراً في محاكاة التعاطف البشري. تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي فهم الإشارات العاطفية والتفاعل معها ومحاكاة التعاطف والتنبؤ حتى بردود الفعل العاطفية البشرية بدقة متزايدة، وذلك من خلال معالجة اللغة الطبيعية وتعلم الآلة. في دراسة جديدة نشرتها مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (Proceedings of the National Academy of Sciences)، توصّل الباحثون إلى أن الرسائل التي يولّدها الذكاء الاصطناعي تسهم في شعور المتلقين بمزيد من الاهتمام والتقدير مقارنة بالرسائل البشرية، وذلك من خلال تقديم الدعم العاطفي وتجنب الاقتراحات العملية المفرطة.

مع ذلك، لا تزال أنظمة الذكاء الاصطناعي تفتقر إلى قدرة الفهم البشري الحقيقي، الذي يمثّل عنصراً أساسياً في القيادة المتعاطفة. وعلى الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على تعلم مهارات جديدة، فإنه غير قادر على ممارسة التأمل الذاتي أو تحقيق النمو الشخصي؛ إذ إنه يعجز عن فهم تأثير أفعاله أو استيعاب الجوانب العاطفية المعقدة المرتبطة بالقيادة. في الدراسة السابقة، عندما اكتشف المتلقون أن الرسائل كانت من إنشاء الذكاء الاصطناعي، شعروا بأن مشاعرهم وأفكارهم لم تحظَ بالاحترام والتقدير. تختلف محاكاة ردود الفعل المتعاطفة جذرياً عن القيادة القائمة على التعاطف، التي تتطلب فهماً حقيقياً وتواصلاً عميقاً مع الآخرين.

لكن  الذكاء الاصطناعي والقيادة المتعاطفة ليسا خيارين  متناقضين يجب المفاضلة بينهما. على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل دور التعاطف في القيادة، فإنه من الممكن أن يساعد القادة على القيادة بمزيد من التعاطف والإنسانية في حال تطبيقه واستخدامه بطريقة أخلاقية ومدروسة.

درسنا أثر الذكاء الاصطناعي في القيادة خلال العامين الماضيين، ومن الواضح أن الذكاء الاصطناعي يمكنه إمّا تحويل أماكن العمل إلى بيئات أكثر رسمية واعتماداً على العمليات والإجراءات الآلية وإمّا أن يسهم في تعزيز التواصل والمشاركة. يكمن السر في طريقة استخدام القادة للذكاء الاصطناعي؛ ولا سيما كيفية الاستفادة منه لتعزيز قدرتهم على التعاطف بحيث يصبحون أكثر إنسانية في تعاملهم مع الآخرين.

تتمثل الخطوة الأولى لأي قائد يرغب في تعزيز قدرته على التعاطف في إدراك أن التعاطف هو جزء من طبيعتنا البشرية. تشير الأبحاث إلى أن أدمغتنا تستجيب بطريقة إيجابية  أكثر بمرتين عندما نتخذ سلوكيات اجتماعية إيجابية أو مدفوعة بالتعاطف مقارنة بالسلوكيات المدفوعة بالأنانية. بمجرد أن يدرك القادة طبيعتهم المتعاطفة، يستطيعون الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدرتهم على التعبير عن التعاطف من خلال مجموعة من التطبيقات.

تكييف أساليب القيادة لمراعاة تنوع الموظفين

يتمثل أحد أركان القيادة المتعاطفة في فهم التركيبة العصبية والعاطفية المتنوعة للموظفين الذين تشرف عليهم. يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي القادة على تعزيز هذا الفهم وتوجيه تفاعلهم مع الموظفين.

على سبيل المثال، يمكنك استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتزويدك برؤى حول تصوّر الآخرين لرسائلك أو قراراتك. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي لن يقدم لك إجابة قاطعة حول كيفية تفاعل شخص ما بناءً على عمره أو نوعه الاجتماعي أو جنسيته أو غيرها من العوامل، فإنه يمكن أن يزودك برؤى جديدة قد تغفل عنها. تحدثت قائدة نعمل معها عن واحدة من أفراد فريقها تعاني "اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط" (ADHD) وتواجه صعوبات في جلسات العصف الذهني. أخبرتها هذه الموظفة سراً بأنها عندما تجد نفسها أمام ورقة فارغة، يتدفق عدد هائل من الأفكار العشوائية في رأسها دفعة واحدة، وقالت إنها وجدت أن الذكاء الاصطناعي يساعدها على إنشاء قائمة أولية من الأفكار لتركيز انتباهها.

لذلك، استفسرت عن إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في أثناء جلسات العصف الذهني حتى تتمكن من المشاركة بفعالية أكبر. لم يخطر ببال القائدة إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة من قبل، ولكنها ردت على الفور قائلة: "نعم، بالطبع!" وقررت إتاحة هذا الخيار للموظفين جميعهم.

تعزيز التواصل وزيادة المشاركة

يمكن لأدوات تحليل المشاعر القائمة على الذكاء الاصطناعي تحليل الرسائل الإلكترونية والنصوص والتفاعلات الرقمية الأخرى للكشف عن رؤى الموظفين وأفكارهم التي قد يكون من الصعب ملاحظتها بطرق أخرى. يمكن أن يشمل ذلك مخاوف الموظفين أو شعورهم بالاستياء في بعض الجوانب أو تقييم مستويات التوتر أو غيرها من المشكلات المتعلقة بالرفاهة.

يستطيع القادة الاستفادة من هذه الرؤى لحل المشكلات الأساسية والتعامل مع التغيير وتنظيم التواصل لمعالجة المشكلات مسبقاً قبل تفاقمها. لدى الذكاء الاصطناعي قدرة على تحويل الأفكار التي لا يعبّر عنها الموظفون مباشرة إلى رؤى قابلة للتنفيذ، ما يساعد القادة على التعامل مع مخاوف الموظفين بطريقة استباقية وبدقة وعناية.

راجعت إحدى القائدات التي نعرفها ملخصاً أنشأه الذكاء الاصطناعي حول اجتماع فريقها الذي جرى مؤخراً. وقد تفاجأت عندما لاحظت أن الملخص أشار إلى نشوب خلاف بين أعضاء الفريق. استخدمت أداة ذكاء اصطناعي لتحليل نص الاجتماع وطرحت بعض الأسئلة حول أسلوب قيادتها وطرق تفاعلها مع الفريق. أشار التحليل إلى أنها تقاطع الآخرين باستمرار وتتجاهل آراءهم أو تستخف بها، فشعرت بالصدمة بسبب هذه النتائج، ولكنها تابعت الأمر، وسألت فريقها عن مدى دقة هذا التحليل وعن الإجراءات التي يمكنها اتخاذها لتحسين أسلوب تفاعلها معهم.

التدريب والتطوير الشخصي

تقدم منصات التدريب التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي للقادة ملاحظات فورية وتدريبات قائمة على سيناريوهات مصممة خصوصاً لتلبية احتياجاتهم الفريدة المتعلقة بالذكاء العاطفي، ما يسهم في تعزيز التعاطف وتحسين فعالية القيادة في مكان العمل. تعتمد هذه الأدوات على دراسة الأنماط السلوكية للقائد، بحيث تتمكن من تقديم تمارين مصممة خصوصاً لتعزيز القدرة على التعاطف وتحسين مهارات التعامل مع الآخرين. يمكن للقادة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحسين ردود فعلهم المتعاطفة في بيئة آمنة وخاضعة للرقابة قبل تطبيق هذه المهارات في التفاعلات الواقعية. أخبرنا أحد كبار القادة مؤخراً بأنه يستخدم أداة مدعومة بالذكاء الاصطناعي للتدرب على المحادثات الصعبة.

اضطر هذا الشخص مؤخراً إلى تسريح أحد الموظفين، وقد شرح الظروف المحيطة بهذا القرار، مثل تاريخ الموظف وحساسية الموقف وآثاره والاعتبارات القانونية المرتبطة بذلك. أوضح أيضاً هدفه من المحادثة، وهو أنه أراد أن يبذل قصارى جهده لإظهار التعاطف. لذلك، انخرط في محادثات افتراضية مع الذكاء الاصطناعي يتقمص فيها أدواراً مختلفة وتدرب على الاستجابة لردود فعل الموظف ومشاعره المختلفة، كما أدى دور الموظف نفسه الذي سيتلقى خبر تسريحه. من خلال هذه العملية، اكتسب رؤى حول كيفية إضفاء الوضوح والتعاطف على المحادثة.

استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز التعاطف من أجل الصالح العام

في ظل التغيرات المستمرة التي يشهدها العالم حالياً، أصبحت المؤسسات بحاجة إلى قادة يظهرون التعاطف أكثر من أي وقت مضى. يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز فهم القادة للتفاعلات البشرية في مكان العمل، لكن ذلك لا يمثّل سوى عامل واحد من مجموعة العوامل التي يجب أن تسهم في تعزيز التعاطف لدى القادة. يشعر الموظفون بالتعاطف عندما يُظهر القادة القدرة الفريدة للبشر على القيادة بطريقة إنسانية؛ أي عندما يُظهرون رغبة حقيقية في تقديم الدعم والتوجيه والمساهمة في إحداث تغييرات إيجابية في حياة الموظفين والعملاء والمجتمع ككل.

على الرغم من تقدم الذكاء الاصطناعي وإمكاناته المذهلة، فإنه لن يحل أبداً محل القدرة البشرية على إظهار التعاطف الحقيقي. وعلى الرغم من تصميمه وبرمجته لمحاكاة البشر، فإن البشر الحقيقيين يتفوقون في هذا الجانب. من المثير للدهشة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز إنسانيتنا، لكن ذلك يتحقق فقط عندما نتحكم في استخدامه ولا ننظر إليه بوصفه أداة تكنولوجية فحسب، بل وسيلة تساعدنا على اكتشاف جوانبنا الإنسانية وقدراتنا القيادية وتجسيدها.

هذا المقال مقتبس من كتاب "قيادة إنسانية أكثر: كيف يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تغيير طريقة القيادة" (More Human: How the Power of AI Can Transform the Way You Lead) للمؤلفَين راسموس هوغارد وجاكلين كارتر، الذي ستنشره هارفارد بزنس ريفيو برس في شهر مارس/آذار عام 2025.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي