كيف يمكن تعزيز العافية النفسية للموظفين في السعودية؟

6 دقائق
العافية النفسية في مكان العمل
shutterstock.com/Reda.G
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اكتسب موضوع العافية النفسية في مكان العمل زخماً كبيراً مؤخراً، إذ تعمل الشركات على تعزيز ثقافة العمل الصحية لزيادة الإنتاجية والرضا الوظيفي والاحتفاظ بالموظفين. عالمياً، يُهدر نحو 12 مليار يوم عمل كل عام بسبب الاكتئاب والقلق، مكلفاً الاقتصاد العالمي تريليون دولار أميركي سنوياً بسبب قلة الإنتاجية.

أما في المملكة العربية السعودية، فأشار تقرير العافية النفسية في مكان العمل في المملكة العربية السعودية 2022، وهو أول تقرير سنوي عن حالة العافية النفسية في مكان العمل في السعودية صادر عن منصة تهون، إلى أن 4 من 5 موظفين واجهوا عارضاً على الأقل مرتبطاً بالصحة النفسية في عام 2022. كما أشار التقرير إلى أن 81% من المشاركين تعرضوا لشكل من أشكال اعتلالات الصحة النفسية خلال الاثني عشر شهراً الماضية.

الأعراض الأكثر شيوعاً هي: الاحتراق الوظيفي (52%)، والقلق (46%)، والضغط العصبي (38%). من هنا تبرز ضرورة التعاطي مع اعتلالات الصحة النفسية كمشكلة عامة، لا سيما في ظل غياب المراقبة النفسية داخل المؤسسات وعدم تخصيص الميزانيات لمعالجة مشاكل الصحة النفسية.

ثمة العديد من الأسباب التي تؤدي إلى تدهور الحالة النفسية في مكان بيئة العمل، أبرزها تراكم الضغوط، طول ساعات العمل، ضعف التواصل بين الموظفين والإدارة، محدودية المشاركة في اتخاذ القرار، انعدام الأمان الوظيفي، عدم وضوح الأدوار والمسؤوليات، الافتقار إلى تجانس الفريق، العلاقات المهنية السامة، غياب ثقافة الشكر والامتنان.

لعل الممارسات الإدارية المجحفة في المجتمعات الوظيفية هي أكثر ما تضر بالصحة النفسية للموظف، أبرزها الفساد الإداري، السياسات الداخلية والتحزبات، غياب العدل مع عدم وجود جهة منصفة يلجأ لها الموظف فتجعل منه إنساناً متمرداً فاقد الشغف والطموح بسبب شعوره بالإجحاف والظلم فيبدأ بالقيام بممارسات غير صحية ضد نفسه أولاً وضد مصلحة المؤسسة وبالتالي تعيق أهداف الفرد والمؤسسة وتحقيق مستهدفات الرؤية المنشودة لا سيما أننا في مرحلة تحول جوهري، لذلك تبرز أهمية السلامة النفسية لرأس المال البشري الذي يعتبر المحرك الأساسي لكل تغيير نحو الأفضل.

إن إهمال إجراءات الصحة النفسية في مكان العمل لها نتائج وخيمة، فمن المرجح أن يتعرض الموظف الذي يعاني الاكتئاب والإجهاد والقلق وعدم التقدير للإصابة بالمرض، وبالتالي سيأخذ إجازة حتى لو لم يكن مريضاً بدنياً. أما من وجهة نظر صاحب العمل، فيؤدي هذا إلى ارتفاع معدل التغيب والحضور المُقنّع (الحضور إلى العمل من دون إنتاجية) وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية. ومن المرجح أيضاً أن يغادر الموظف المؤسسة حيث سيبدأ في البحث عن بيئة عمل تركز أكثر على العافية.

يؤيد استطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب هذا الأمر، إذ كشف أن الإجهاد الزائد في العمل يؤدي إلى زيادة احتمال ترك العمال لوظائفهم بثلاث مرات تقريباً. وبينت دراسة بحثية أجراها معهد ماكنزي الصحي على أكثر من 4 آلاف موظف في دول مجلس التعاون الخليجي، أن المشاركين الذي تعرضوا للإجهاد يعتزمون ترك عملهم خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة.

عرّفت جمعية إدارة الموارد البشرية (SHRM) العافية في مكان العمل على أنها مزيج من الخصائص الشاملة التي تدعم السلوك الصحي في مكان العمل، وتقلل المخاطر الصحية، وتعزز الإنتاجية، وتعمل على تحسين نوعية حياة الموظفين ومستويات السعادة بما يعود بالنفع على الفرد والمؤسسة على حد سواء، وهي تعتبر من أهم عناصر نجاح المنظمة.

هناك ثلاثة عوامل لها بالغ الأثر في تحقيق الصحة النفسية في مكان العمل، وهي: عوامل متعلقة بالفرد نفسه، بيئة العمل، الأفراد المحيطين.

أولاً، عوامل متعلقة بالفرد نفسه

تسهم السمات الفردية التي تتباين من فرد إلى آخر بدور حاسم في موضوع الصحة النفسية في مكان العمل. للتوضيح أكثر، يعاني بعض الأشخاص صعوبة في التوافق في بيئة العمل نتيجة بعض السمات الشخصية السلبية كعدم القدرة على تحمل المسؤولية، أو فقدان روح الجماعة أو عدم احترام المواعيد. يتسبب وجود هذه السمات الشخصية في إخفاق الفرد، ما يترتب عليه شعوره بالفشل وهو ما يؤدي إلى إصابته بالاكتئاب. ولعلاج هذا الجانب، ينبغي مراقبة تصرفاته وتقويم سلوكياته الخاطئة التي تعد سبباً في فشله، ومساعدته على اكتساب سمات إيجابية ترفع أدائه الوظيفي وبالتالي تحسن من صحته النفسية.

ثانياً، بيئة العمل

يقضي الفرد العادي ما متوسطه 90 ألف ساعة عمل على مدار حياته؛ أي ما يعادل ثلث حياته. وعليه، إذا لم تكن بيئة العمل آمنة وصحية فستنعكس بالسلب على الصحة العقلية للموظف.

ثالثاً، الأفراد المحيطين

لا يقل هذا العامل أهمية عن العاملين السابقين، فوجود أفراد سامين لديهم طباع سيئة كالتنمر والتحرش والتمييز يفاقم المشكلة ويؤثر على السلامة النفسية في بيئة العمل. كشف تقرير جديد صادر عن معهد ماكنزي الصحي أن أكثر من نصف الموظفين (55.7%) في دول مجلس التعاون الخليجي قد أبلغوا عن تعرضهم لمستويات عالية من السلوكيات السامة في أماكن عملهم. كما أشار تقرير منصة تهون إلى أن 36% تعرضوا لشكل واحد على الأقل من أشكال التنمر في مكان العمل، في حين تعرض 27% منهم للتحرش الجسدي أو اللفظي. وما يزيد الطين بلة أن ثمة دراسة بحثية أجريت على 250 ألف موظف على مدار 12 عاماً أكدت أن مشكلات الصحة النفسية قد تكون بمثابة عدوى قابلة للانتشار.

لصياغة خطة استراتيجية للعافية النفسية في مكان العمل، أسأل نفسك: “هل تمتلك مؤسستي سياسات واضحة بشأن الوقاية من اعتلالات الصحة النفسية في بيئة العمل؟” هل هذه السياسات معممة على مستوى المؤسسة؟ هل شارك جميع أصحاب القرار وخبراء الصحة العقلية في وضع تلك السياسات؟ كما يحب أن تضع في عين الاعتبار ضرورة ارتباطها بالسياسات الرئيسية للمنظمة مثل سياسات الموارد البشرية، تكافؤ الفرص، حل النزاعات، والصحة والسلامة. لتطوير خطة استراتيجية تناسب منظمتك هناك ثلاث خطوات يجب أخدها بعين الاعتبار:

  1. تقييم حالة الصحة العقلية في المؤسسة، تحديد مسببات الإجهاد، تقييم مؤشرات الصحة العقلية للموظفين، ومن ثم تحديد احتياجات المؤسسة.
  2. توفير الموارد اللازمة لتمكين الموظفين من تنفيذ الاستراتيجية، والتحقق من توافر المهارات والوعي الكافي لتنفيذ المسؤوليات المنوطة بهم، كالتمويل والتدريب.
  3. إشراك أصحاب الخبرة من شركات ومستشارين خارجيين عندما تفتقر الشركة إلى الخبرة اللازمة لتطوير استراتيجية تعزيز الصحة العقلية في بيئة العمل.

تؤدي الثقافة المؤسسية دوراً جوهرياً في الحفاظ على مكان عمل صحي على المستوى النفسي. وأظهر عدد لا بأس به من الأبحاث أن تبنّي ثقافة مؤسسية داعمة لبيئة عمل صحية يحقق نتائج أفضل من إنفاق المزيد على علاج الرعاية النفسية. كما أن خلق ثقافة عمل إيجابية تدعم العافية النفسية يعود بالنفع على الموظفين وأصحاب العمل على حد سواء.

إن تبنّي ثقافة عمل صحية تقوم على التشجيع، ومكافأة التفاني والالتزام، ودعم الصحة النفسية والتوازن بين العمل والحياة الشخصية، ومراقبة التنمر والتحرش في مكان العمل، وتسهيل الوصول إلى برامج الصحة النفسية من شأنه تقليل معدل دوران الموظفين، وتعزيز رضا الموظفين، وزيادة الأداء الوظيفي، وخفض حالات الغياب، وتعزيز ولاء الموظفين تجاه المؤسسة، وزيادة فرص توظيف أفضل الكفاءات.

بناءً على الدراسة التي أجرتها منصة تَهون، يوصي القائمون على الدراسة بضرورة الانتقال إلى ثقافة عمل تقوم على اعتبارين أساسيين؛ الأول اعتبار الصحة النفسية أولوية جماعية وليس مسألة فردية، الأمر الذي يتطلب توعية كل موظف وقائد بدوره في إحياء تلك الثقافة التي تؤثر على الفرد والمؤسسة ككل. والاعتبار الثاني يركز على تحويل تلك السياسات إلى إجراءات فعالة يشعر بها كل أفراد المؤسسة في كافة المستويات. وهي تتضمن استراتيجيات سيأتي الحديث عنها في النقطة التالية.

للوقاية من الأمراض النفسية في مكان العمل، هناك مسؤولية مشتركة تقع على الموظف نفسه وعلى المؤسسة. من ناحية الموظف، بالإضافة إلى الإجراءات التي تتخذها المؤسسة لصيانة العافية النفسية للموظفين، ينبغي على الموظفين تحمل المسؤولية تجاه عافيتهم النفسية. هناك خمس طرق للرفاهية والصحة النفسية تم تطويرها من خلال بحث أجراه أكثر من 400 خبير في علم النفس والطب النفسي وعلم الأعصاب والتعليم والاقتصاد من جميع أنحاء العالم. هذه الطرق الخمس مجموعة من الإجراءات القائمة على الأدلة التي تعزز رفاهية الناس وصحتهم النفسية. الطرق الخمس هي: الاتصال، الاستمرار في التعلم، النشاط البدني، الملاحظة والوعي، العطاء.

الطريقة الأولى: الاتصال

العلاقات الجيدة مهمة لصحتك العقلية، لأنها: تساعدك على بناء شعور بالانتماء وتقدير الذات، تمنحك فرصة لتبادل الخبرات الإيجابية، تقديم الدعم العاطفي والسماح لك بدعم الآخرين.

الطريقة الثانية: الاستمرار في التعلم

تُظهر الأبحاث أن تعلم مهارات جديدة يمكن أيضاً أن يحسن صحتك العقلية من خلال: تعزيز الثقة بالنفس ورفع تقدير الذات، مساعدتك على بناء إحساس بالهدف، مساعدتك على التواصل مع الآخرين.

الطريقة الثالثة: النشاط البدني

أن تكون نشيطاً ليس فقط أمراً رائعاً لصحتك البدنية ولياقتك. تُظهر الأدلة أيضاً أن النشاط البدني يحسّن صحتك العقلية من خلال: رفع احترامك لذاتك، مساعدتك على تحديد الأهداف وتحقيقها، يسبب تغيرات كيميائية في عقلك يمكنها أن تساعد في تغيير مزاجك بشكل إيجابي.

الطريقة الرابعة: الملاحظة والوعي

يمكن أن يؤدي إيلاء المزيد من الاهتمام للحظة الحالية إلى تحسين صحتك العقلية. يتضمن ذلك أفكارك ومشاعرك وجسمك والعالم من حولك. يسمي بعض الناس هذا الوعي “اليقظة الذهنية”. يمكن أن تساعدك اليقظة على الاستمتاع بالحياة أكثر وفهم نفسك بشكل أفضل. يمكن أن تغير بشكل إيجابي الطريقة التي تشعر بها حيال الحياة وكيف تتعامل مع التحديات.

الطريقة الخامسة: العطاء

تشير الأبحاث إلى أن أعمال العطاء واللطف يمكن أن تساعد في تحسين صحتك العقلية من خلال: خلق مشاعر إيجابية وإحساس بالمكافأة، منح الشعور بالهدف وتقدير الذات، المساعدة على التواصل مع الآخرين، ويمكن أن تكون أعمالاً طيبة صغيرة تجاه أشخاص آخرين، أو أعمالاً أكبر مثل التطوع في مجتمعك المحلي. أسأل نفسك:

أما فيما يتعلق بدور المؤسسة في تعزيز الصحة النفسية للموظفين، فهناك جملة من الاستراتيجيات التي يمكن لأصحاب العمل استخدامها لإدارة العافية النفسية في بيئة العمل:

  • توفير جداول عمل مرنة تضمن تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والعمل.
  • التأكد من توافق عبء العمل مع قدرة الموظفين على الإنجاز.
  • توفير ممارسات عمل مرنة كالعمل عن بُعد وساعات عمل مرنة.
  • تثقيف المدراء والموظفين حول الصحة النفسية في بيئة العمل.
  • إنشاء قنوات رسمية كالخط الساخن لتمكين الموظفين من الحديث عن مشاكلهم بكل سرية.
  • تشجيع الموظفين على أخذ إجازاتهم المدفوعة من أجل شحن طاقاتهم.
  • تقييم مؤشرات العافية النفسية في مكان العمل.
  • تسليم “سفراء الصحة النفسية” في مكان العمل مسؤولية بناء ثقافة عمل صحية.
  • تعزيز ثقافة الامتنان في مكان العمل.
  • استثمار الأموال والموارد الكافية من أجل تحسين الصحة النفسية في مكان العمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .