كيف تعزز طاقتك الإيجابية لتزدهر داخل العمل وخارجه؟

5 دقائق
الطاقة الإيجابية
shutterstock.com/Anton Vierietin
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الرفاهية أمر معقد: انتبه للإشارات في وقت مبكر.

أضرت جائحة “كوفيد-19” على مستوى العالم برفاهية الكثير من الناس واستنزفت طاقتهم الجسدية والعاطفية والذهنية. يبدو أننا متجهون الآن نحو أزمة أخرى متعلقة بطاقة العلاقات البشرية. نشعر بالإنهاك والضغط لدرجة أننا على وشك الإصابة أحياناً بالإنهاك التام. إن طبيعة الرفاهية معقدة للغاية في بيئة العمل، إذ تختلف التجربة الصحية لكل فرد عن الآخر، كما أنه من الصعب ملاحظة إن كان أحدهم يعاني من الضغط أو العصبية أو الاكتئاب. إذاً كيف يمكننا الحد من هذه المشكلة؟

علينا أولاً أن نرصد المشكلة، لذلك يجب الانتباه مبكراً لبعض الإشارات التي تستلزم اهتماماً خاصاً وحتى تدخلاً طبياً إذا لزم الأمر على غرار:

  • الإشارات الجسدية مثل الصداع المستمر، والأرق، والإرهاق.
  • الإشارات العاطفية مثل تقلب المزاج، والغضب أو عدم الارتياح، وتغييرات في طريقة تواصلك مع الآخرين، وعدم الاستمتاع بصحبة الآخرين أو تفاديها، والمغالاة في العاطفية.
  • الإشارات السلوكية مثل ضعف الأداء، والمعاناة من حجم العمل، وإيجاد صعوبة في ترتيب الأولويات وإدارة الوقت، وانخفاض التركيز، وضعف الإنتاجية، وتلاشي الدافع.

حين لا نكون في أفضل حال لنا، لا تكون إنتاجيتنا مرتفعة، وعلى الرغم أن العديد من القادة والمؤسسات يدركون الحاجة لإعادة ابتكار أساليبهم وتغييرها، فإن الكثير من الناس يرون التغيير الإيجابي كمرادف للفشل. لذلك، لتعزيز طاقتنا نحتاج إلى الدعم من الآخرين كالأصدقاء المقربين والعائلة والزملاء والمدراء والقادة إذ يستطيع هؤلاء تقديم مساعدة احترافية ومباشرة.

تعزيز الطاقة الإيجابية للمؤسسات والقادة

جميعنا نحتاج إلى مساعدة الآخرين لنبقى بحالة جيدة ونزدهر. في الواقع، يكون العاملون أكثر إنتاجية إن كانوا سعداء. يتمتع الموظفون المتعطشون للنجاح بطاقة عالية، لكنهم يعرفون كيفية إدارة الإجهاد والإرهاق، فالإجهاد تهديد خطير، إن لم تتحكم به فسيتحكم بك. لجعل مكان العمل أكثر إيجابية وإبداعاً، علينا أن نصبح أكثر وعياً للأثر الذي تخلفه طاقة الفرد وصحته على بيئة المؤسسة، وعلى التعلم التنظيمي والأداء المستدام.

لذلك، بما أن القادة هم “محفزو الطاقة الإيجابية” فإن تعزيز طاقتهم أولاً من أهم الأولويات حالياً. جميعنا نعرف قادةً من هذا النمط، إنهم مثل الشمس. حين يقترب هؤلاء من غرفة الاجتماعات تشعر بأنك شخصٌ قيّم. سيساعدونك على أن تلمع بأقصى بريق لديك سواء كنت متألقاً بالفعل في عملك وتطمح لتحقيق المزيد أو لم تكن في أفضل حالة ولا تقدم أفضل أداء لديك، سيساعدونك على تقديم أفضل ما لديك، ويطلقون مخيلتك في العمل، كما أنهم يقوّون العلاقات بين أعضاء الفريق.

الطاقة الإيجابية في العلاقات هي الطاقة المتبادلة بين الموظفين التي تعزز أداءهم وتحفزهم وتنشطُّهم، وتستطيع تحويل المؤسسة إلى “شركة إبداعية معرفية”. هذه شركة من نوع مختلف، إذ أنها تعج بالطاقة الإيجابية والتحسين المستمر للعمليات على أساس المعلومات. في هذا النوع من المؤسسات، الجميع موهوبون، والتعلم ثقافة راسخة فيها ويشعر الجميع بالطاقة والتواصل والدفع باتجاه النجاح.

لكن يبقى قلة قليلة خارج طيف الطاقة المؤسساتي وهم “مثبطو الطاقة”، أي الأشخاص الذين يمتصون طاقتك الإيجابية ويجعلونك محبطاً، لذا فإن أحد أدوار القائد المهمة هو أن يرسخ الثقافة المؤسساتية للاستفادة منها إلى أقصى حد. في هذا السياق، فإن تتبع الطاقة المؤسساتية هو على درجة عالية من الأهمية. الآن فكر بالطاقة المؤسساتية التي تتسم بها شركتك. إن كانت الطاقة المؤسساتية الإيجابية منخفضة لديك، فأنت تبقي نفسك داخل “منطقة راحتك”. احترس! إذا كانت الطاقة المؤسساتية في أخفض مستوياتها دائماً وتميل إلى السلبية فأنت باستمرار في “منطقة التقاعس”، والأسوأ، إن كانت الطاقة السلبية منخفضة، فإن شركتك تتجه إلى “منطقة العدوانية”. الآن فكر بالاتجاه المعاكس. إن كانت الطاقة الإيجابية مرتفعة، فأنت تعمل في “منطقة الشغف أو التعاطف”، وهذا ما يجب أن تسعى إليه، فالناس يزدهرون في هذه المنطقة وكذلك المؤسسات. ففي النهاية، الطاقة الإيجابية هي الوقود الذي تعمل عليه الشركات العظيمة.

الموارد الإيجابية داخل بيئة العمل خارجها

كي تكون منتجاً وتظل كذلك، كما توضح الأبحاث التي أجريت مؤخراً بخصوص عائد العمل المستدام، يجب أن تكون الموارد المتوفرة مدمجة على مستويات متعددة وفي نطاق العمل وخارجه، فالموارد القابلة للتجديد ضرورية.

تشمل هذه الموارد التي تبقي الموظفين مشحونين بالطاقة ما يلي:

  • الموارد على مستوى الفرد: التطور المهني المستمر مثل التعلم المهني وخطط التطوير، التقييم الذاتي القائم على نقاط القوة؛ والانتباه إلى الأوقات التي تشعر فيها أنك في أفضل حالاتك خلال اليوم وأنك تقوم بأهم أعمالك حينها؛ وإيجاد المعنى الإيجابي حتى في بيئة عمل معادية؛ وإنشاء خطة ليوم العمل للمساعدة في الحفاظ على التركيز مثل تقسيم المهام الكبيرة إلى مهام أصغر؛ وتدوين فحوى الاجتماعات والتحكم في سير المهام عن طريق الاستعانة بـ “صياغة الوظائف” (تساعدك هذه الأداة على النظر إلى عملك على أنه مجموعة مرنة من المهمات الأساسية بدلاً من قائمة واجبات ثابتة، وإنشاء خطة مرئية لإعادة هيكلة عملك ليناسب دوافعك وقوتك وشغفك على نحو أفضل).
  • الموارد على مستوى القادة: التواصل اللطيف الودود وجهاً لوجه مع مديرك المباشر وطلب رأي مشرفك بالعمل الذي تقوم به، وطلب المساعدة في المهام الصعبة التي تعاني فيها، ومساعدة الزملاء في التحضير للمقابلات، وتحفيز الزملاء؛ والتحرك في الأرجاء (إجراء “اجتماعات أثناء المشي” تكون ذات مغزى).
  • الموارد على مستوى المجموعة: إنشاء “قنوات اتصال فعالة” والحرص على رضا أعضاء فريق العمل، والتواصل المفتوح والحوار، وتوجيه فريق العمل، والتركيز على نقاط قوتك من خلال إجراء تمرين “إظهار أفضل نسخة منك” (وهو تمرين يقوم على البحث عن التقييمات لمساعدتك على فهم مكامن قوتك ومواهبك من خلال جمع آراء أناس مهمين في حياتك وتحليل المعلومات حول أفضل نسخة منك وتحديد الأنماط لتكوين “صورتك الذاتية” لتقوم بإعادة تصميم عملك بناءً على ما تجيده حقاً).
  • الموارد على مستوى المؤسسة: أسلوب الإدارة والعمل المستند إلى القيم، ووضوح هدف المؤسسة ووحدته، وخلق مساحات في بيئة العمل تحفز الطاقة الإيجابية لدى الموظفين (تواصل مع الطبيعة، و”أرضيات على شكل حدائق” في الهواء الطلق، وجدران من “نباتات حية” أي جدران تحتوي على تراب مع نباتات تنمو عليها، وورق جدران أو لوحات جدارية تصور عناصر طبيعية، وأحواض أسماك كبيرة الحجم)؛ وقاعات للرياضة والتدليك داخل الشركة، وقائمة طعام صحية في مطعم الموظفين، وتأمين صحي خاص، وتحديد “محفزي الطاقة الإيجابية” والاستفادة منهم، وتقييم خطر الإجهاد، والسعي للتكامل بين العمل والحياة، وتوفير سياسات الموارد البشرية المرنة (مثل المرونة في وقت العمل، والمشاركة في العمل، والأسبوع المضغوط)، ورواية قصص مقنعة تشجع الآخرين على العمل، وتوفير خدمات الاستشارة والصحة المهنية في العمل.
  • الموارد على مستوى البلد: خدمات صحية وطنية فعالة وتشريعات وطنية ملائمة فيما يتعلق بالعمل والرعاية الاجتماعية.

أما العناصر التي تقع خارج مجال العمل وتساعد في جعل الموظف منتجاً فهي:

  • على مستوى الفرد: الاحتفاظ بـ “صحيفة امتنان” يومية لذكر النعم كل يوم، وكتابة ثلاثة أمور إيجابية، كبيرة كانت أو صغيرة، حدثت معك في اليوم، وشرح سبب إيجابيتها، مثلاً “فاجأني زوجي بقهوتي المفضلة مع كعكة الجبن” أو “تمت ترقيتي إلى عضو إداري”، والرعاية الذاتية، وتطوير موقف ذهني إيجابي يمكنِّك من كسب احترام الذات وأن تكون مرناً عاطفياً، والصلاة، وتمارين التأمل واليقظة الذهنية، وخلق حدود واضحة بين العمل والحياة، وبناء صورتك الذاتية الإيجابية، وتخصيص بعض “وقت التفكير” الخالي من تصفح التواصل الاجتماعي ورسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية، والرسائل الفورية، ومراقبة ما تأكله (بالإضافة إلى تناول مكملات غذائية تشمل الفيتامينات والأحماض الدهنية أوميغا 3) وممارسة الرياضة بانتظام والحصول على قسط كافٍ من النوم (الذهاب إلى الفراش مبكراً والاستيقاظ مبكراً).
  • اتصالات بخدمات احترافية: الوصول إلى العلاج النفسي.
  • على مستوى المجموعة: عدم القلق وحيداً والشعور بأن عائلتك وأصدقاءك يفهمونك ويسمعونك من دون إطلاق الأحكام عليك، وامتلاك شبكة علاقات داعمة وراعية، واكتشاف من أنت في أحسن حالاتك من خلال إجراء تمرين ” إظهار أفضل نسخة منك”.
  • على مستوى المؤسسة: الوصول إلى خدمات دعم طوعية وخيرية.
  • على مستوى السياق الوطني: اهتمام إعلامي إيجابي بالصحة الذهنية يشجع على طلب العون.

بصورة أساسية سيؤدي التطرق إلى الموارد المذكورة أعلاه إلى تعزيز احتياطات الطاقة لدى الموظفين بطرق متنوعة: روحياً وذهنياً وعاطفياً واجتماعياً ونفسياً. جميعها مطلوبة لتطوير ثقافة الحيوية والتعلم المستمر بالقدوة والتعلم بالبصيرة الذاتية. وهذا بالمقابل سيحسن مزاجك وقوتك الذهنية ومنظورك وإبداعك وتواصلك وثقتك وامتنانك وذاكرتك وانخراطك في العمل وإنتاجيتك. في النهاية، ليست قيمة السعادة رمزية وحسب، بل تنمّي مكان العمل الذي يدعم الناس، وتنمي المجتمع والكوكب أيضاً، على الرغم من أن المال ليس كل شيء، إلا أن رفاهية الموظفين تؤدي إلى تحقيق الأرباح.

للأسف، هذه الأيام تروج للسلبية إذ أن الأخبار السلبية تبيع الصحف وتولد ردود فعل أكثر من الأخبار الإيجابية (فكر في: الحروب، والأوبئة، وهجمات القرصنة، وفشل المصارف، والتضخم، وارتفاع أسعار الطاقة المفاجئ). إلا أن الاستفادة من الديناميكيات الإيجابية مثل الطاقة المتعلقة بالعلاقات ونقاط القوة والثقة والتسامح والتعافي المؤسساتي والتفاؤل والفضيلة يؤدي تأثيرات إيجابية أكبر في الأفراد والفِرق والمجموعات والمؤسسات مثل تحسين الأداء والإنتاجية والابتكار أو ثقة المستثمر أو مشاركة العميل أو التعلم التنظيمي المستمر. لذلك، حتى لو كانت وظيفتك كقائد تصبح أصعب وأصعب بلا هوادة، فإن مسؤوليتك الأساسية، خاصة في عالم اليوم الذي يتسم بالتنافس المتزايد والضغوط المالية، هي كيفية تعزيز طاقة عملك ومؤسستك لتحقيق أهدافها. في الواقع، تعد الطاقة الإيجابية في العلاقات مورداً أساسياً جديداً لجميع القادة الذين يرغبون في إلهام التميز والازدهار في مؤسساتهم. وخلاصة القول: هذا النوع من أماكن العمل أكثر ذكاءً وسعادة واندفاعاً على جميع المستويات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .