تعتبر القدرة على تعزيز الابتكار في الشركة وتحديد الشركاء المناسبين والعمل معهم ميزة تنافسية، وخصوصاً فيما يتعلق بإنشاء منتجات وحلول ونماذج عمل جديدة للنمو.
ويمكنك عن طريق العثور على الشريك المناسب مد شركتك بشحنة عالية من الابتكار. قدّرت شركة "سوبرا ستيريا" (Sopra Steria) لاستشارات تقنية المعلومات المتخصصة في التحول الرقمي في باريس، فرنسا، أن مبادرتها القائمة على بيئة العمل بعنوان "مشروع سوبرا ستيريا للتنمية" (Sopra Steria Scale-up)، أنتجت ابتكاراً أكبر مما طورته الشركة داخلياً في أحد الأعوام بثلاث مرات، والجدير بالذكر أن زميلنا في تأليف هذه المقالة، توباياس ستيودر أندرسن، يترأس هذه المبادرة.
لكن، كيف تحدد الشريك المناسب؟ وكيف تجعل هذه الشراكة ناجحة؟ قمنا بدراسة عمل الشركات في بيئات العمل التي تشمل الشركاء المألوفين والجدد من أجل التشارك في خلق القيمة. ساعدتنا هذه التجربة على تحديد بعض أفضل الممارسات، وخصوصاً حول طريقة العثور على الشركاء الجدد وإعدادهم للعمل المشترك والاستمرار به. أجرينا دراساتنا على عشرات الأمثلة، ولنأخذ مثالاً عنها يوضح بعضاً من هذه الممارسات، وهو مشروع جديد لشركة "سوبرا ستيريا" لتقييم مخاطر المعدات الطبية في مستشفى "سونوس" لإعادة التأهيل (Sunnaas Rehabilitation Hospital) في النرويج.
كيفية تعزيز الابتكار في الشركة
إن مستشفى "سونوس" هو أحد عملاء شركتنا منذ عدة أعوام، وطلبت قيادته منا مساعدتها في ضبط تقييم أمان المعدات الطبية الجديدة، ومنها أجهزة التصوير ومنصات الاختبار وأجهزة التنفس الآلية وغيرها. عندما يصل هذا النوع من المعدات إلى المستشفى، يجب على مستشاري الأمان فيها تقييم مخاطر استخدامها، وهي تشمل الأمن السيبراني والامتثال لقوانين الخصوصية بحسب اللائحة العامة لحماية البيانات، وتلاؤم المعدات مع البنية التحتية الحالية لتقنية المعلومات. عادة، تستغرق عملية التقييم الواحدة 100 ساعة من العمل باتباع إجراءات يدوية غير منظمة.
لم تملك شركة "سوبرا ستيريا" الإمكانات اللازمة لإجراء هذه التقييمات بنفسها، فاتفقت مع المستشفى على توظيف طرف ثالث من أجل التعاون معهما. وفيما يلي الخطوات التي اتبعها "مشروع سوبرا ستيريا للتنمية" من أجل إنشاء هذه الشراكة ثلاثية الأطراف.
- الخطوة الأولى: حدد المشكلة ذات القيمة الأكبر كي تعمل على حلها.
تُبنى شراكات بيئة العمل الناجحة على فهم عميق لمشكلة العميل أو الشريك التي تحتاج إلى حل، وليس على محض افتراضات أو استنتاجات لاحقة للوقائع.
حدد مستشفى "سونوس" تقييم الأمان على أنه مجال يهدر موارد قيّمة. ونظراً لمعايير الرعاية الصحية ذات المستوى الرفيع في النرويج، والوصول المتوقع لدفعة من المعدات الطبية الجديدة إلى مستشفيات "سونوس"، رأت قيادته أن أدوات التقييم الجاهزة في السوق ليست مناسبة.
واستجابة لحاجة العميل، أطلقت شركتنا "سوبرا ستيريا" تمريناً للتصميم من أجل مساعدتها على فهم الاحتياجات الحقيقية لدى المستشفى. فقسّم المستشفى عمليته الحالية لتقييم المخاطر إلى سلسلة من 40 نشاطاً مختلفاً وسلط الضوء على مواطن الضعف التي تحتاج إلى حل، ثم عملت المؤسستان على تحديد أهم مواطن الضعف التي يولد حلها أكبر قيمة ممكنة. وبالنتيجة، توصلت المؤسستان إلى أن المستشفى بحاجة إلى برنامج لعملية التقييم يقلص الوقت الذي تستغرقه ويمكّن التعاون بين عدة مستشفيات.
- الخطوة الثانية: عرّف الشريك المحتمل على المشكلة.
إن الاعتماد الدائم على الشريك المعتاد لن يولد النتائج المثلى، لأن هذا الشريك لن يقدم سوى الإمكانات المعتادة، وذلك يؤدي إلى تضييق نطاق البحث وإعاقة العثور على الحلول غير الواضحة مهما بدا الاعتماد على الإمكانات المعتادة مطمئناً.
بينما تؤدي إضافة "الشركاء الجدد" إلى إحضار إمكانات لم تكن تعلم أنك بحاجة إليها. تكمن المشكلة في احتمال ألا يدرك الشركاء الجدد ما تحتاج إليهم فيه. لذا، إذا أردت أن تضم بيئة العمل مزيجاً من الشركاء المعتادين والشركاء الجدد، فيجب أن تسمح للشركاء الجدد بالعثور عليك.
على سبيل المثال، لم تملك شركة "سوبرا ستيريا" الإمكانات الداخلية لحل مشكلة مستشفى "سونوس" بنفسها، وكي تتمكن من العثور على شريك يملك هذه الإمكانات، أنشأت فعالية بعنوان "تحدي سوبرا ستيريا للتنمية" جمعت 30 شركة ناشئة.
استجابت هذه الشركات الناشئة لدعوة مفتوحة أطلقتها "سوبرا" للمساعدة في حل مشكلة مستشفى "سونوس" لإعادة التأهيل. كانت العبارة الأساسية في الدعوة تقول: "يعاني مستشفى ’سونوس‘ من مشكلة في تقييم المخاطر؛ إذا كنت ترى أنك تملك حلاً، أو جزءاً من حل لضبط عملية تقييم المخاطر، فبرجاء الحضور. حتى وإن لم تكن قد عملت في قطاع الرعاية الصحية قط". أطلقت شركة "سوبرا ستيريا" الدعوة من خلال عدة قنوات، تراوحت ما بين إرسالها مباشرة إلى الشركات الناشئة التي تعرفها، وطرق غير مباشرة تمثلت في الاستعانة بالرسائل الإخبارية التي يرسلها عدد من مسرعات الأعمال وحاضناتها، بالإضافة إلى نشر فيلم لا تتجاوز مدته 45 ثانية يشرح مشكلة مستشفى "سونوس" على قنوات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالشركة.
وكانت القناة الرابعة التي استعانت بها الشركة لنشر الخبر هي بيئة العمل نفسها. فشجعت الشركات الناشئة شركات ناشئة أخرى ضمن شبكاتها الخاصة على المشاركة في فعالية تحدي التنمية.
وفي الفعالية، استمعت الشركات الناشئة لعرض مستشفى "سونوس" التقديمي الذي وصف بالتفصيل مواطن ضعف عملية تقييم المخاطر. ثم كانت لديها مهلة بلغت 10 أيام لتقدم نموذجاً مختصراً يصف إمكاناتها ومشاريعها السابقة وما ستحتاج إليه من شركة "سوبرا ستيريا" من أجل مساعدة العميل. قدمت ثماني شركات ناشئة نماذجها، واختارت شركة "سوبرا" منها ثلاث شركات تابعت إلى المرحلة النهائية.
- الخطوة الثالثة: احرص على التطابق مع الشركاء المستعدين لتجاوز الانقسامات.
أحد الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الشركاء هو افتراض أنهم سيتمكنون من العمل معاً بناء على أوجه التعاون المتوقعة، ومن دون التفكير جيداً بالانقسامات الثقافية والتشغيلية والمعرفية بينهم والتي قد تكون عميقة بحق. فالشراكات الناجحة تهتم بالإمكانات اللازمة وجسر الثغرات فيما بين الشركاء.
في بحث شركة "سوبرا ستيريا" عن الشركة الناشئة الرابحة من بين الشركات الثلاث التي وصلت إلى المرحلة النهائية، قيمت إدارة "برنامج سوبرا ستيريا للتنمية" الحلول التقنية التي قدمتها الشركات الناشئة وتلاؤمها المحتمل مع المستشفى، وهو عامل مهم نظراً للاختلافات الحتمية في الثقافة وممارسات مكان العمل. وتم تقييم ثقافة المستشفى وبيئة العمل فيه من خلال استبانة حول "جاهزية الشركة الناشئة"، كما قيمت "سوبرا ستيريا" جاهزية الشركة لدى الشركات الناشئة المتقدمة من خلال الاستبانات والمقابلات.
وتميزت الشركة الرابحة، وهي شركة "نورديك أنالايسس" (Nordic Analysis)، لسببين اثنين. أولاً، كانت تتمتع بالخبرات اللازمة، فقد طورت بالفعل حلاً مبنياً على السحابة الإلكترونية من أجل إدارة المعلومات المنظمة من مصادر غير منظمة. ثانياً، أعطت انطباعاً أنها أكثر استعداداً للتكيف مع احتياجات العميل المنتمي إلى القطاع العام وجَسر الثغرات التنظيمية والثقافية بينهما.
- الخطوة الرابعة: التعاقد من أجل النجاح.
عادة، يقضي الشركاء وقتاً طويلاً في إعداد عقود معقدة تمد جهود التعاون بالإرشاد والتوجيه. وإذا اختلفوا فيما بينهم حول تقسيم القيمة التي لم تخلق بعد، فهم يخاطرون بتدمير الثقة وتقويض المشروع.
وفي حالتنا، تم تطوير العقد على مرحلتين. في المرحلة الأولى، طور الشريكان "عقداً أولياً بسيطاً" بهدف التوصل إلى منتج الحد الأدنى وتحقيقه. حدد العقد الأدوار ومساهمات الشركاء وأحداث المشروع الرئيسية، وأكد أن القرار بشأن نموذج العمل ومشاركة العائدات المستقبلية سيتخذ لاحقاً. ساعد العقد الشركاء على بناء الثقة لأنه وصف شراكة ثلاثية متساوية وافق كل طرف من أطرافها الثلاثة على المساهمة بثلث الوقت والتكلفة.
وما أن تم صنع منتج الحد الأدنى، وسع الشركاء العقد الأولي البسيط من خلال الاتفاق على نموذج العمل، واتفقوا على استرداد المبالغ المستثمرة من خلال بيع التراخيص لمستشفيات أخرى.
كان الحل الناتج عن هذا التعاون عبارة عن عملية منظمة لتقييم مخاطر المعدات الطبية قائمة على السحابة الإلكترونية وقادرة على الاتصال بالعمليات الجارية في مراكز الرعاية الصحية الأخرى. وهذا يعني أنه إذا أراد مستشار الأمان في أحد مستشفيات "سونوس" إجراء تقييم لجهاز تنفس قيّمه مستشار آخر من قبل في أحد المستشفيات الأخرى في المجموعة، فيمكن للمستشار الأول استخدام التقييم الذي أجري في المستشفى الآخر. أدى التنظيم المحسّن لعملية تقييم المخاطر، إلى جانب الفرصة المتاحة لمشاركة التقييم، إلى تسريع الوقت اللازم للموافقة على استخدام المعدات الجديدة بنسبة 20 إلى 30%، ما يعني أنه أصبح بالإمكان استخدام الأجهزة بصورة أسرع.
يمكن تطبيق هذه الخطة ذات المراحل الأربع التي وصفناها على كثير من المشاريع المختلفة من أجل تعزيز الابتكار في الشركة بنجاح، وستؤدي إلى توسيع بيئة العمل في الشركة التي تطبقها وتقويتها أكثر مرة بعد مرة.