كيف تُسخّر غاية الشركة لتعزيز الابتكار في بيئة العمل؟

5 دقيقة
أفضل الابتكارات
shutterstock.com/HAKINMHAN

ملخص: تركز جهود الابتكار التي تبذلها الشركات في كثير من الأحيان على فئة أو اثنتين من أصحاب المصالح وتتجاهل الفئات الأخرى، فتكون النتيجة هي الفشل. أفضل الابتكارات هي التي تخلق قيمة متبادلة لفائدة المكونات الرئيسية كافة، من عملاء وموظفين ومورّدين ومجتمعات ومستثمرين لديهم جميعاً "حصة" مادية مشتركة في نتائج الابتكار. يقدم هذا المقال 4 نصائح تساعدك على تسخير غاية شركتك لتحسين معدل نجاح الابتكار.

يضع المسؤولون التنفيذيون باستمرار الابتكار على رأس أولوياتهم، بيد أنه أبرز سبب لخيبات آمالهم أيضاً؛ إذ يقدّر الباحثون أن ما بين 70% و90% من عمليات الابتكار تُمنى بالفشل، ولا دليل على أن هذه الأرقام تتحسّن على الرغم من البنى التنظيمية الجديدة وحاضنات الأعمال الداخلية والبيانات الضخمة وأنظمة الذكاء الاصطناعي.

درسنا مئاتٍ من نماذج الابتكار الناجحة والفاشلة، واتضح لنا نمط واحد سائد يفيد الآتي: تعزّز أفضل الابتكارات غاية الشركة وتخلق قيمة متبادلة لمكوناتها الرئيسية من عملاء وموظفين ومورّدين ومجتمعات ومستثمرين لديهم جميعاً "حصة" مادية مشتركة في نتائج الابتكار. وفي المقابل، تخيّب الابتكارات الفاشلة آمال فئة واحدة على الأقل من أصحاب المصالح، فتولّد خلافات يمكن أن تنتقل إلى فئات أصحاب المصالح والمنتجات الأخرى، الأمر الذي قد يعرّض الشركة بأكملها للخطر.

قد نظن أن إهمال فئة واحدة من أصحاب المصالح يعوق نجاح الابتكار أمر بديهي، إلا أن الإخفاقات الناجمة عن التركيز المفرط على فئة أو اثنتين فقط من أصحاب المصالح، مع غض الطرف عن الفئات الأخرى، ما زالت مستمرة.

تأمّل نظام الابتكار في شركتك: هل يدفع فرق الابتكار إلى إثراء حياة العملاء وتحسين رفاهة الموظفين وخلق القيمة للموردين وحلّ مشكلات تهم المجتمع وتحقيق النمو المربح؟ أم أنه يصادق على الابتكارات ويطورها بناءً على معيار فئة واحدة من أصحاب المصالح، مثل التوقعات المالية، دون قياس القيمة التي سوف يجنيها أصحاب المصالح الآخرين أو يخسرونها؟

إذا كانت نتائج نظام الابتكار في شركتك مخيبة للآمال فإليك 4 نصائح تعزّز معدل نجاحه.

1. ليكن هدفك من الابتكار هو تعزيز غاية الشركة

تحدّد غاية الشركة القيمة التي تعِد بخلقها لأصحاب المصالح. إذا كانت الغاية واضحة وذات قيمة حقيقية كافية فستخلق نظاماً متماسكاً مكوناً من أصحاب المصالح الملتزمين بالسعي لتحقيق طموحات الشركة في سبيل فائدة متبادلة بينهم.

تعزّز الابتكارات الناجحة غاية الشركة التي تتطلب عادة خلق القيمة لعدد من أصحاب المصالح، ولكن كثيراً من أنظمة الابتكار يغفل للأسف عن الغاية النهائية ويحوّل مقياساً واحداً من مقاييس أصحاب المصالح إلى الهدف الاستراتيجي الأساسي، ويركز هذا المقياس عادة على الأداء المالي وقيمة المستثمر فقط.

في عام 1976 كتب مايكل جينسن وويليام مكلينغ مقالاً أصبح أهم مقال إداري يستشهد به على الإطلاق، يناقشان فيه أن غاية الشركة هي تعظيم القيمة التي تقدمها للمستثمرين، وشكلت هذه الفلسفة صلب التفكير الإداري والتدريب في كليات إدارة الأعمال على مدى عقود من الزمن.

لكن جينسن شعر بعد مرور 40 عاماً بالحاجة إلى توضيح نظريته وتحديثها، يقول: "لن يذهب أحد إلى العمل صباحاً مفعماً بالحماس إن كان هدفه جني المال فقط". اعترف جينسن أن تعظيم القيمة لن يوضح المسألة الجوهرية الأهم المتمثلة في إثبات الفائدة التي سيجنيها كل طرف من أصحاب المصلحة من التعاون مع الآخرين، يقول: "أعتقد الآن أن جواب هذه المسألة بالنسبة إلى الشركات هو ضرورة التزامها بهدف أكبر منها وأكبر من تعظيم القيمة، فتعظيم القيمة أو توليدها أو خسارتها هي بطاقة الأداء التي تستخدمها لتقييم أدائك، ولكن إذا أردت أن تكون شركتك ناجحة ومذهلة فسيتعين عليك أن تلتزم بهدف أكبر منها".

ذلك "الهدف الأكبر" هو غاية شركتك؛ يجب أن يعزز الابتكار هذه الغاية، ولتحقيق ذلك يجب أن تتجاوز عمليات اقتراح الابتكارات حدود التوقعات المالية.

2. غيّر عمليات اقتراح الابتكارات والمصادقة عليها

عمل كورت كارلسون على مدى 16 عاماً رئيساً تنفيذياً لمركز الأبحاث الشهير الذي استقبل أول بث للإنترنت وقاد أفكاراً رائدة في مجال الروبوتات والحوسبة الشخصية، إس آر آي إنترناشونال (SRI International). عندما تقلد المنصب عام 1998 كانت الشركة على شفا الإفلاس، وخلال فترة إدارته استعادت مكانتها باعتبارها إحدى شركات الابتكار الرائدة في العالم حيث طورت تكنولوجيات مثل التلفزيون العالي الدقة "آتش دي تي في" (HDTV) وسيري (Siri) (المثبتة الآن على غالبية أجهزة آبل)، فازدادت معدلات نجاح الابتكار في شركة إس آر آي كثيراً وتضاعفت إيراداتها 3 أضعاف.

تابع كارلسون الآلاف من مقترحات الابتكار ووجد أن نسبة 95% منها تركز في البداية على القضايا الخاطئة وعادة ما تبالغ في تضخيم فكرة لامعة وفرص نجاحها المالي. كانت بضعة مقترحات فقط موجهة إلى احتياجات العملاء وأصحاب المصالح التي لم تلبَّ بعد أو تعتمد نموذج عمل يلبي هذه الاحتياجات بنجاح وعلى نحو مستدام.

اتّبع كارلسون نهجاً أسماه "توازن القيمة" من أجل خلق فوائد متبادلة بين أصحاب المصالح الأساسيين، واستخدمت شركة إس آر آي لاقتراح الابتكارات وتقييمها إطار عمل يسمى "إن أيه بي سي" (NABC) (تشير أحرفه الأولى إلى عناصر الحاجة، والنهج، والفوائد أو التكاليف، والمنافسة)، يساعد على تطوير مقترحات القيمة لمعالجة احتياجات العملاء (الخارجية أو الداخلية) التي لم تلبَّ واحتياجات أصحاب المصالح الآخرين.

يصف عنصر الحاجة الاحتياجات المهمة غير الملباة، بدءاً بالمستخدمين النهائيين وصولاً إلى العمل على فئات أصحاب المصالح الأخرى التي سيخدمها الابتكار، وهم الموظفون والمورّدون والمجتمعات والمستثمرون.

أما النهج فيصف الحلّ المميز ونموذج العمل الضروريين لتلبية احتياجات أصحاب المصالح.

تصف ثنائية الفوائد والتكاليف الفوائد المتعلقة بتكلفة الابتكار ونموذج عمله لتحديد قيمتهما الصافية المقدمة لنظام أصحاب المصالح.

أما المنافسة فتوضح سبب تفوق هذا الابتكار على المناهج المنافسة في توليد القيمة لأصحاب المصالح.

الهدف الأولي من عملية الاقتراح والمصادقة هذه هو مواءمة الابتكارات مع غاية الشركة واستراتيجية أصحاب المصالح، بمجرد أن تتخلص الشركة من عوامل التشتيت المكلفة وتوفر الدعم اللازم، يمكن لفرق الابتكار أن تتخذ الخطوة التالية وهي واثقة من أنها تعمل على ابتكارات ذات قيمة محتملة مع فرص نجاح مقبولة.

3. استخدم أساليب مرنة لتوجيه الابتكارات في الأنظمة المعقدة

يجب أن تنجح الابتكارات في الأنظمة المعقدة التي يتفاعل فيها عدد من أصحاب المصالح بطرق يكاد يكون التنبؤ بها بدقة مستحيلاً. وجدت فِرق العمل المرنة أن إجراء التجارب المضبوطة والاستجابة للنتائج غير المتوقعة فعّالان أكثر من الاعتماد على التنبؤات والإصدارات الثورية. وقاعدتنا المبدئية في هذا الإطار هي أنه في ثلثي الابتكارات الناجحة، يجب أن تخضع الخطط الأصلية إلى تغييرات عميقة كي تحقق أهدافها المرجوة. وكان خبير الابتكار الراحل كلايتون كريستنسن يعتقد أن النسبة الحقيقية أعلى من ذلك وتصل إلى 93% من الابتكارات. ومهما كانت النسبة الدقيقة فهي أعلى مما صُممت غالبية أنظمة إدارة الابتكار للتعامل معه.

جعل كبار المبتكرين وأهم فرق الابتكار المرنة الاختبار والتعلم والتكيف قواعد أساسية في عملياتهم التجارية؛ إذ يضعون أهدافاً ومقاييس واضحة لتقييم التقدم، ويجمعون خبراء من فئات أصحاب المصالح المختلفة لفهم احتياجاتهم واعتراضاتهم، ثم يصممون تجارب عملية واقتصادية. كما يوضحون افتراضاتهم وشكوكهم واحتمالات فشل الصفقات بشفافية تامة، ويتعاملون مع الفرضيات الأعلى خطورة أولاً تجنباً لإهدار المال وقضاء وقت طويل في تطوير منتجات سهلة تؤدي إلى نفاد الموارد والفشل في النهاية. ثم يبحثون عن حلول لتحويل التنازلات التقليدية ذات المحصلة الصفرية إلى عوامل تضاعف القيمة الكلية لأصحاب المصالح.

4. عالج باستمرار القيود الأساسية التي تواجه أصحاب المصالح

تعمل فرق الابتكار الفعالة على المنتجات وليس المشاريع؛ فالمشاريع لها مواعيد نهائية يستأنف الموظفون بعدها أنشطتهم المعتادة، في المقابل تستمر المنتجات وتتحسّن من خلال إزالة القيود التي تعوق الأداء الأفضل.

كتب مؤسس شركة أمازون ورئيسها التنفيذي جيف بيزوس في رسالة إلى المساهمين في الشركة عام 2016 قائلاً: "لا يشعر العملاء بالرضا إطلاقاً وعلى نحو جميل ومذهل، وحتى عندما يعبّرون عن سعادتهم وتزدهر أعمالنا، يريدون باستمرار منتجاً أفضل حتّى إن لم يدركوا ذلك، ورغبتكم في إسعادهم هي التي ستدفعكم إلى الابتكار نيابة عنهم".

ينطبق هذا الكلام على أصحاب المصالح كلّهم. يكمن الحلّ إذاً في تحديد احتياجاتهم التي تعوق الأداء وكيفية معالجتها، ويفضَّل أن يحدث ذلك في أثناء توليد الفوائد لأصحاب المصالح الآخرين أيضاً. فكلما زادت القيمة التي يخلقها الابتكار لأصحاب المصلحة زاد تماسك نظام الأعمال نتيجة نجاح هذا الابتكار.

مشكلة قابلة للحلّ

لرفع احتمالات نجاح ابتكاراتك احرص على مطالبتها بزيادة القيمة الإجمالية لمنظومة أصحاب المصالح الكاملة في الشركة؛ أي أكثر الفئات تأثراً بأنشطة الشركة وتأثيراً فيها. يفشل الابتكار عندما لا يراعي المبتكرون المنظومات المعقدة التي يشكلها أصحاب المصالح الذين يعتمد بعضهم على بعض، ويهملون نتيجة لذلك استخراج القيمة من فئة واحدة على الأقل من أصحاب المصالح بسبب التركيز المفرط على فئات أخرى. لكن هذه المشكلة قابلة للحلّ.

تتمثل الخطوة الأولى من الحلّ في مواءمة فرق الابتكار مع غاية الشركة؛ أي القيمة التي تهدف إلى خلقها لأصحاب المصالح. وتكمن الخطوة التالية في إنشاء عملية خاصة باقتراح الابتكارات والمصادقة عليها لتوجيهها نحو خلق القيمة لفئات أصحاب المصالح ذات الأولوية. ومع توافر الفرص المناسبة يمكن للفرق المتكيّفة مع أهداف الشركة البدء بتطوير حلول تعزّز منظومة أصحاب المصالح وتكافئهم على مشاركاتهم في تحقيق أهداف الشركة وزيادة ثقتهم الجماعية في النظام. إن تطوير المنتجات بدلاً من المشاريع يولّد فرصاً إضافية تحقق فوائد متبادلة، كما أن اعتماد الابتكار الشامل يحقق التقدم نحو أهداف الشركة ويضمن أن يولد القيمة لمنظومة أصحاب المصالح بأكملها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي