حين لا تنفع المساعدة: لماذا تحتاج ثقافة الدعم في العمل إلى مراجعة؟

6 دقيقة
تعزيز الإبداع لدى الموظفين
نك دولدينغ/غيتي إميدجيز

شغلت إيمي منصب كبيرة المصممين في شركة غلو ديزاين، وهو اسم مستعار لشركة استشارية عالمية مرموقة تشتهر بثقافة العمل التعاوني الراسخة. عندما التقينا إيمي أول مرة، كانت من أشد المؤيدين لثقافة المساعدة في الشركة، لكن في لقائنا التالي بعد مرور سنة ونصف، كانت تبكي لأنها تشعر بالإرهاق وتعاني غياب الدعم وتفكر في الاستقالة. ما الذي حدث؟

سبب ذلك هو أنها تلقت المساعدة غير المفيدة.

كانت سلوكيات تقديم المساعدة وتلقيها راسخة في ثقافة شركة غلو ديزاين لدرجة أنها كانت موصوفة في كتيب الموظفين بأنها "أم القيم في الشركة". بسبب هذه الثقافة، تواصلنا مع الشركة لإجراء دراسة متعمقة في موضوع المساعدة في العمل. أمضينا سنوات في دراسة الطرق التي يقدم فيها موظفو الشركة المساعدة ويحصلون عليها؛ إذ أجرينا 69 مقابلة شخصية وحللنا 401 من مدخلات المذكرات اليومية لأعضاء الفرق حول المساعدة التي قدموها وتلقوها. مع ذلك، وعلى الرغم من أن هذه الثقافة راسخة، اكتشفنا ما لم نتوقعه من البيانات التي جمعناها؛ إذ قيم المشاركون في الدراسة المساعدة التي حصلوا عليها بأنها غير مفيدة في 25% من حالات طلب المساعدة التي أبلغوا عنها في المذكرات.

يعني ذلك أن المساعدة لم تكن مفيدة في حالة من أصل كل 4 حالات.

بينت الأبحاث على مدى عقود أن تقديم المساعدة في العمل نادر جداً على الرغم من أهميته. لا يحصل الموظفون غالباً على المساعدة التي يحتاجون إليها، ويعود ذلك عموماً إلى أنهم لا يطلبونها. لكن في السنوات الأخيرة، أشارت بعض الأبحاث، ومنها بحثنا، إلى بعض المؤسسات ذات النظرة المستقبلية التي تمكنت من خلق ثقافة المساعدة وتحديد طرق يستطيع المدراء تطبيقها لتقديم المساعدة دون ممارسة الإدارة التفصيلية. وهذا يزيد من شيوع طلب المساعدة وتقديمها.

لكن انتشار هذه الثقافة له مخاطره؛ إذ إن نسبة المساعدة غير المفيدة مفاجئة حتى في المؤسسات التي تشتهر بالعمل التعاوني. لذلك، إذا أردت خلق ثقافة مساعدة مثمرة في فريقك أو مؤسستك، فعليك التمييز بين المساعدة المفيدة والمساعدة غير المفيدة.

ما هي المساعدة غير المفيدة؟

تحدث المساعدة غير المفيدة عندما يقدم الأشخاص مساعدة لا تحقق هدفها، لأنهم لا ينفذونها جيداً أو لأنها لا تتوافق مع ما وعدوا به أو لأنها لا تتوافق مع ما يحتاج إليه من طلبها. لا تكون هذه المحاولات الفاشلة خبيثة عادة؛ بل تنبع في الواقع من نوايا حسنة، ولكنها تستنزف الطاقة وتبطئ العمل وتؤدي إلى تراجع الثقة.

اكتشفنا خلال السنوات التي قضيناها في دراسة عملية المساعدة مفارقة في سلوك طلب المساعدة وتقديمها في العمل؛ فثمة جوانب من الهيكل التنظيمي تجعل المساعدة شائعة بما يكفي لتعزيز الإبداع والتعلم لكنها تزيد في الواقع احتمالية حدوث المساعدة غير المفيدة. هذه الجوانب هي قواعد المساعدة الراسخة والتراتبية المسطحة والأدوار المرنة.

يزيد وجود قواعد المساعدة الراسخة احتمال أن يطلب الموظفون المساعدة عندما يحتاجون إليها، ويوافق الآخرون على تقديمها في هذه الحالة. أما التراتبية المسطحة فتدفع الموظفين إلى عدم التردد في طلب المساعدة من الآخرين، حتى من الخبراء الذين قد يكون طلب المساعدة منهم صعباً في المؤسسات التي تقوم على تراتبية أوضح. أخيراً، عندما تكون الأدوار مرنة ويشعر الجميع بالمسؤولية، يصعب الفصل بين مسؤوليات الموظفين.

لماذا تحدث المساعدة غير المفيدة؟

حددنا في بحثنا 3 عوامل تسهم في تقديم المساعدة غير المفيدة، وهي:

1. الطلبات غير الواضحة وتشوش الفهم

في الثقافة التي يكون فيها طلب المساعدة والحصول عليها متوقعاً، يطلب الموظفون المساعدة في الكثير من الأحيان، ولكنهم لا يفعلون ذلك بوضوح. كان هذا العامل هو أكبر عامل مؤثر في حالة شركة غلو ديزاين؛ إذ شجعت قواعد المساعدة الراسخة الموظفين على طلب المساعدة، لكنهم لم يعرفوا كيف يطلبونها بفعالية. على وجه التحديد، تجنب الموظفون صياغة طلباتهم بطريقة تمنح الآخرين انطباعاً بأنهم متطلبون جداً، ما دفعهم لتقديم طلبات ندعوها "الطلبات الغامضة"، وهي طلبات مبهمة وغير دقيقة مثل: "أريد رأيك فقط في المهمة الفلانية".

قال أحد المصممين المشاركين في دراستنا: "مساعدة شخص ما على مساعدتك صعبة جداً غالباً عندما تكون مربكاً بسبب كمية المعلومات وعندما تفشل في تقديم طلب دقيق".

في المقابل، شعر مقدمو المساعدة بالحيرة؛ إذ قال أحدهم: "لم يكن ما أراده أعضاء الفريق مني واضحاً، وكان الأمر أشبه بأنهم يريدون مني المشاركة في نقاشهم فقطـ". بالنتيجة، لم يتوصل مقدمو الخدمة إلى فهم سليم للمطلوب، ما أدى بدوره إلى تقديم مساعدة لا تتوافق مع احتياجات المتلقين.

2. التوقعات المتفائلة وغياب المساءلة

دفعت الطلبات الغامضة غالباً طالبي المساعدة للاعتقاد بأن احتياجاتهم مفهومة وستلبى. أدى ذلك إلى ما وصفناه بالتوقعات المتفائلة؛ أي الاعتقاد بأن مقدمي المساعدة قادرون على حل المشكلة.

شعر مقدمو المساعدة غالباً بالضغط للموافقة على تقديم المساعدة، ولكنهم لم يقدموها دائماً. وافق الكثيرون على مساعدة إيمي، فأملت أن يحلوا مشكلاتها، ما دفعها إلى الامتناع عن البحث عن حلول أخرى. لكن عندما لم تحصل على المساعدة ازدادت المشكلة صعوبة وإلحاحاً.

3. عواقب تسودها العواطف المشحونة

لا تؤدي المساعدة غير المفيدة إلى تأخير المشروعات فحسب، بل تضر بالعلاقات وتخفض المعنويات. شعر المتلقون بالتضليل وبغياب الدعم غالباً. شعرت إيمي بأن الآخرين يقللون قيمتها لأنهم لم يقدموا المساعدة؛ إذ قالت: "إذا كان قادة الشركة يرون أن قيمتي تكمن في محاولتي فهم الأمور غير المنطقية والحفاظ على سير الأمور وسط الفوضى، فأنا لا أريد هذه الوظيفة. ليس من المفترض أن تتجلى قيمتي في ذلك".

لم تكن حال مقدمي المساعدة أفضل بكثير؛ إذ شعر البعض يأن متلقي المساعدة يتجاهلون إسهاماتهم أو يسيئون التعامل معهم؛ فمن دون الحصول على الملاحظات، لم يعرف هؤلاء إن كانت مساعدتهم مفيدة، كما أنهم لم يتمكنوا من تحديد طرق لتحسين أدائهم في المرات التالية.

كيف نجعل المساعدة أكثر فائدة؟

كيف تستطيع المؤسسات تحسين جودة المساعدة في العمل؟ تقدم النتائج التي توصلنا إليها 3 دروس ملموسة:

1. توضيح المشكلة

يتطلب طلب المساعدة الاعتراف بوجود مشكلة ما. لكن الانتقال من حالة القلق بشأن المشكلة إلى تحديد الشخص المناسب لتقديم المساعدة وما تريده منه ليس سهلاً. بالنسبة لمعظم الناس، يتطلب فهم كل ذلك بوضوح التحدث عن المشكلة.

لا تبدو المشكلات واضحة ومفهومة عندما نواجهها، خاصة في العمل الإبداعي. لذلك، يجب على القائد أن يشجع مرؤوسيه على أن يتحدثوا صراحة عن المشكلات التي يواجهونها، ثم أن ينصت لهم بتمعن، ويستطيع التركيز في هذه المحادثات على طرح أسئلة مثل: "ما هي العقبات التي قد تمنعك من إنجاز مهمة ما في الوقت المحدد؟"، أو "ما هي المنجزات المتوقعة من زميل قد تضمه إلى هذا المشروع؟" عندما تتطلب مشروعات المؤسسة الإبداع والتعلم، لا يدرك العديد من الموظفين ما يحتاجون إليه، لذا فصياغة المشكلة وتوضيح المساعدة المطلوبة أمر بالغ الأهمية.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على قادة المؤسسات إدراك أن توضيح المشكلة هو بمثابة إحراز تقدم في العمل. يجب الثناء على كل من مقدمي المساعدة ومتلقيها الذين يوضحون المشكلة وتقديرهم. كما يحصل الأطباء على التقدير عندما يشخصون حالة ما بوضوح ودقة، يجب أن يقدر القادة ومقدمو المساعدة الآخرون هذا الوضوح. أحياناً يكون فهم مشكلات الموظفين هو أهم ما يمكن فعله.

2. تجنب فخ التهذيب

لاحظنا في بحثنا أن التهذيب سبب خفي لتقديم المساعدة غير المفيدة. يشبه طلب المساعدة طلب خدمة، ما يعني أن الجميع يحاول تقديم الخدمة بلباقة. لكن أحياناً، يكون طالبو المساعدة مهذبين لدرجة أنهم يجعلون طلباتهم غامضة؛ أي أنهم يطلبون "رأياً" عاماً أو "ملاحظات" غير محددة. تبدو هذه الطلبات الغامضة مهذبة ومحترمة، بينما توحي الطلبات المحددة بالتسلط.

لكن مقدمي المساعدة غير قادرين على قراءة الأفكار. هناك العديد من الطرق التي يمكن تقديم المساعدة وفقها لحل أي مشكلة. هل تريد الحصول على أفكار جديدة قد تدفعك إلى العمل على الحل من الصفر، أم أنك تبحث عن ملاحظات بسيطة تفيدك بسرعة؟ لا شك في أنك تستطيع طلب ذلك بأدب، وسيقدر من تطلب منهم المساعدة ذلك وسيكونون صادقين معك حول قدرتهم على تقديم المساعدة من عدمها.

يؤدي كبار القادة دوراً مهماً في حماية موظفيهم من الوقوع في فخ التهذيب من خلال تعزيز ثقافة الأمان النفسي؛ أي حين يعلم الموظفون أن المخاطرة عند التفاعل مع الآخرين ممكنة (مثل طلب المساعدة عند الحاجة). يستطيع القادة تعزيز الأمان النفسي بعدة طرق. أولاً، يمكنهم تشجيع الموظفين على مناقشة المشكلات والمجالات التي يحتاجون فيها إلى المساعدة، والثناء على من يفعل ذلك. ثانياً، يمكنهم الاعتراف بأخطائهم والمشكلات التي يواجهونها. ثالثاً، يمكنهم تأطير العمل بدقة؛ أي إعلام الموظفين بالحالات التي يتوقعون فيها أن تتطلب المهام مشاركة الآخرين. عندما يظهر القادة سلوك طلب المساعدة بطرق واضحة وملموسة، ويشجعون الآخرين على فعل ذلك، فقد يحدث تغيير في الثقافة، ما يجعل الطلبات الصريحة تبدو أقل فظاظة وطبيعية أكثر.

3. إظهار الامتنان

فوجئنا في بحثنا بأن مقدمي المساعدة لم يعرفوا في الكثير من الأحيان إن كان ما قدموه مفيداً. أسهم هؤلاء في المشروعات ولكنهم لم يعرفوا كيف أثرت إسهاماتهم في النتيجة النهائية.

يقول معظم الناس "شكراً" عندما يتلقون المساعدة، وهذا جيد؛ إذ يجب أن نشعر بالامتنان ونعبر عن امتناننا لمن يساعدنا. لكن مقدمي المساعدة لا يكتفون غالباً بالامتنان اللحظي؛ إذ إنهم يريدون رؤية تأثير عملهم؛ أي كيف أثر في الناتج النهائي.

إلى جانب الرغبة الصادقة في تقديم مساعدة قيمة، يساعد الناس بعضهم بعضاً على أمل بناء العلاقات. لهذا السبب، يجب على القادة والمدراء وقادة المشروعات وأي شخص يطلب المساعدة أن يعلموا من ساعدهم بتأثير إسهامه. من المهم تذكر الأشخاص الذين قدموا المساعدة في مختلف المشروعات، وخصوصاً المشروعات الكبيرة. إحدى الطرق المؤثرة لفعل ذلك هي إرسال المنتج النهائي للمسهمين والإشارة إلى إسهامهم القيم بدقة.

بالنسبة للقادة، فإن إبراز إسهامات موظفيهم المختلفة على نحو هادف، وطلب ذلك من المدراء أيضاً، سيشعر الموظفين بالتقدير وبأن المساعدة التي قدموها مفيدة، كما يرجح أن يمنح ذلك قادة الفرق رؤى ثاقبة حول المهارات الفريدة التي يتمتع بها كل عضو من أعضاء فرقهم، وكيف يمكنهم الاستفادة من هذه المهارات بفعالية في المستقبل.

المساعدة جزء أساسي من العمل؛ لكنها، مثل أشكال العمل التعاوني جميعها، مهارة تتطلب الممارسة والحصول على الملاحظات والدعم. عندما يتعلق الأمر بالمساعدة، فالنية وحدها ليست كافية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي