قطار الرياض: تخفيف الازدحام المروري لتعزيز إنتاجية الموظفين

4 دقيقة
الازدحام المروري
shutterstock.com/Mohammed younos

سواء بالسيارة أو الحافلة أو القطار أو مترو الأنفاق، فإن التنقلات اليومية هي الجزء الأصعب من حياة الموظفين، حيث يقضي الموظف العادي 25.4 دقيقة في الذهاب إلى العمل بحسب مكتب الإحصاء الأميركي، ثم يستغرق المدة نفسها في طريق العودة إلى المنزل. وإذا كنت تعيش في إحدى المدن المعروفة بالازدحام المروري الشديد مثل الرياض، فقد يكون الوقت الذي تقضيه على الطريق أطول.

تحتل مدينة الرياض المرتبة 14 عالمياً من حيث شدة الازدحام المروري وفقاً لتقرير ترافيك إندكس (Traffic Index)، حيث يستغرق قطع مسافة 10 كلم داخل المدينة نحو 17 دقيقة و40 ثانية، ولجعل الصورة تبدو أوضح، تخيل أن مقر عملك يبعد 15 كلم فقط عن سكنك، فهذا يعني أنك ستقضي أقل من ساعة بقليل يومياً في التنقل ذهاباً وإياباً للعمل، وهو ما يعادل نحو 6 ساعات أسبوعياً و24 ساعة شهرياً.

ربط شمال المدينة بجنوبها في زمن قياسي

يبرز مشروع قطار الرياض الذي جرى افتتاحه رسمياً في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بوصفه نموذجاً عملياً لحل مشكلة الازدحام المروري في المدينة، إذ يقلص المسافة التي يقطعها الفرد بسيارته من ساعتين إلى نصف ساعة، وبحسب أحد المواطنين، فإن القطار خلق تجربة استثنائية ستغيّر معالم المدينة إذ "يمكن المرور من أقصى شمال الرياض إلى أقصى جنوبها خلال 20 دقيقة تقريباً"، ويقول آخر: "إن الرحلة من الشمال إلى المربّع عبر قطار الرياض استغرقت 22 دقيقة، في حين أنها كانت تستغرق بالسيارة ساعة وخمس عشرة دقيقة على أقل تقدير بسبب حركة المرور".

يشكّل قطار الرياض الذي بدأت السعودية تنفيذه رسمياً عام 2014، أحد أهم المشاريع الطموحة التي تهدف إلى تطوير شبكة النقل في العاصمة السعودية والتخفيف من شدة الازدحام المروري بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030، وعملت عليه تحالفات عالمية ضمت 19 شركة من 13 دولة حول العالم، ويضم القطار 6 مسارات و85 محطة، ويعمل بنظام قيادة آلي، ويمتد على مسافة 176 كلم، ويصل أطراف الرياض بقلبها، وتصل سرعته إلى 80 كلم في الساعة، وبطاقة استيعابية تبلغ 3.6 ملايين راكب يومياً.

جرى تصميم القطار بحيث تكون فترات الانتظار قصيرة لتلبية احتياجات الركاب بكفاءة وفعالية، إذ تبلغ فترة الانتظار بين القطارات في الأوقات العادية 7 دقائق و20 ثانية، أما في أوقات الذروة التي تشمل الانتقال إلى مقر العمل في الصباح والعودة منه في المساء، فتنخفض فترات الانتظار إلى 3 دقائق و40 ثانية فقط.

تجدر الإشارة إلى أن مشاريع النقل الحضري الناجحة لا تركز فقط على السياق التصميمي أو الهندسي المرتبط بسعة المحطات وعدد الركاب المتوقع واتجاهات مسارات القطار وغيرها، بل تركز على النظر إلى المدن على أنها مكونات مترابطة ومتفاعلة معاً، وأن التخطيط العمراني فيها يجب أن يستند إلى تحليل معدل النمو السكاني وحجم الموارد المتاحة في المدينة ليصبح متوافقاً مع الأهداف الاستراتيجية العليا بما يخدم المجتمع ويتماشى مع إطار الاستدامة.

ومنذ بدء فكرة مشروع الرياض عام 2009، كان الرهان على فعاليته في تلبية احتياجات سكان المدينة ليوفر بديلاً أكثر عملية من المركبات الخاصة؛ أي أن يكون الوقت المستغرق للوصول إلى الوجهة النهائية عبر القطار أقل من استخدام المركبات الخاصة وأوفر اقتصادياً، بما يعزز الاعتماد على وسائل النقل العامة، ويقلل الانبعاثات الكربونية، ويحسّن جودة الحياة.

يمثّل مشروع قطار الرياض محطة مهمة في رحلة التحول الحضري للمدينة، وأساس الرؤية المستقبلية لجعل العاصمة السعودية مدينة نموذجية وتحويلها إلى نقطة جذب لخدمات النقل العام المحلي من خلال سهولة الوصول إلى الأعمال، وضمان دقة المواعيد.

كيف يؤثر التنقل لمسافات طويلة في إنتاجيتك؟

تعمل المشاريع الاستراتيجية الكبرى مثل قطار الرياض على حل مشكلة مهمة تواجه قطاع الأعمال، ألا وهي رحلات التنقل اليومية الطويلة التي تستنزف طاقة الموظفين وتؤثر في إنتاجيتهم، كما يمكن أن يتجاوز تأثير التنقل لمسافات طويلة على الموظفين الإحباط والضغط اليومي. بحسب استطلاع أجرته شركة الاستشارات العالمية روبرت هاف، فإن الموظفين الذين يتنقلون لمسافات طويلة ومرهقة هم أكثر عرضة لمغادرة الشركة، وبحسب دراسة منشورة في مجلة جغرافية النقل (Journal of Transport Geography)، فإن مسافة التنقل تؤثر في الأداء الوظيفي وزيادة معدلات التغيب عن العمل.

وفيما يلي 5 طرق تؤدي بها تنقلاتك لمسافات طويلة إلى تقليل فعاليتك وإنتاجيتك:

  1. استنزاف طاقتك: قد تقضي يوم عمل سيئاً لا تسير فيه الأمور على ما يرام، كأن يعارضك مديرك في كل ما تفعله، وتتعطل آلة التصوير في أثناء استعدادك لعرض تقديمي مهم، وتحدث مشكلة مع أحد العملاء ويهدد بوقف التعامل مع الشركة.

يمكن أن يشبه التنقل لمسافات طويلة هذا اليوم السيئ الذي تمر به، سواء كنت تحاول العثور على مقعد في الحافلة أو كنت عالقاً في الازدحام المروري وتفكر في مئات الأشياء المثمرة التي كان يمكنك القيام بها، هنا تبدأ طاقتك الإيجابية تتلاشى ببطء وتحل محلها مشاعر الانزعاج والتوتر والإرهاق والإحباط، وبعد عناء تصل إلى مقر العمل وأنت غير قادر على أداء المهام المطلوبة منك.

  1. العمل لساعات أقل: تسهم التنقلات الطويلة في تقليل ساعات العمل بعدة طرق، وأبرزها زيادة معدل التغيّب عن العمل. فقد توصلت دراسة من جامعة فرييه (Vrije Universiteit) الهولندية إلى أن التنقل لفترة أطول يزيد من معدل التغيب عن العمل بنسبة 16% تقريباً، كما أن الموظفين أكثر عرضة للوصول متأخراً والمغادرة مبكراً، ما يقلل إنتاجيتهم على نحو كبير.
  2. التسبب بمشاكل صحية: يتسبب التنقل لمسافات طويلة في زيادة المشكلات الصحية الجسدية والعقلية. وتُظهِر الدراسات أن المسافات الطويلة ترتبط بالسمنة وارتفاع ضغط الدم والتعب والإرهاق، وهذه الآثار الصحية غير المباشرة للتنقل هي مؤشرات على الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري وبعض أشكال السرطان، التي يمكن أن تدمر طاقتك وتحد كثيراً من إنتاجيتك.
  3. قد تتأثر أنماط نومك: تكشف الدراسات أن أوقات التنقل الطويلة ترتبط بانخفاض مدة النوم بنسبة تتراوح بين 28% و35%، وأن النوم أقل من 6 ساعات في الليلة الواحدة يؤدي إلى عجز في الأداء يعادل 48 ساعة دون نوم. ويتسبب الأرق الشديد في تغيب الموظفين عن العمل بمعدل ضعف عدد الأشخاص الذين ينامون جيداً. وفي السياق نفسه، تقدّر خسائر الشركات الأميركية بسبب انخفاض الإنتاجية الناجم عن قلة النوم بنحو 60 مليار دولار.
  4. قد تواجه مستويات أقل من السعادة والرضا عن الحياة: يؤثر وقت التنقل تأثيراً مباشراً على مستويات السعادة والرضا عن الحياة، وفقاً لمؤشر غالوب هيلثوايز للرفاهية (Gallup Healthways well-being index)، هناك علاقة واضحة بين سعادة الموظف وأدائه، فإذا كنت غير سعيد، فمن المرجح أن تفقد الشغف ويتراجع مستوى إنتاجيتك إلى أكثر من 7 أضعاف.

يشكّل الإجهاد المرتبط بالتنقل جزءاً من الحياة العملية اليومية، لكن تغيير عقليتك وسلوكك يمكن أن يسهم في التخفيف منه، يقدم مقال منشور في هارفارد بزنس ريفيو العربية بعنوان: "كيف تستغل وقت الازدحام المروري لتحسين حياتك المهنية؟" أفكاراً مبتكرة تساعدك على تطوير ذاتك بما يعزز نموك الشخصي وكذلك نموك المهني.

وفيما يلي 5 فوائد يمكن أن تحققها من استغلال القطار بدلاً من السيارة خلال التنقل إلى العمل:

  1. تعزيز صحتك الجسدية وكذلك صحتك النفسية من خلال التخلص من ضغوط قيادة السيارة لمسافات طويلة، ما يساعدك على أداء مهامك بذهن صافٍ وجسد صحي.
  2. سيكون لديك الوقت لتعزيز قدراتك واكتساب مهارات جديدة من شأنها تحفيز نموك وتطورك المهنيين.
  3. ستصبح قادراً على تحقيق توازن أفضل بين الحياة والعمل ما يزيد من معدل سعادتك ورضاك.
  4. تقليل الاعتماد على السيارة يجعلك تسهم بفعّالية في الحفاظ على البيئة عبر الحد من الانبعاثات السامة.
  5. اعتمادك على وسائل النقل العام سيعزز إنتاجيتك في العمل، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى خلق قيمة اقتصادية مضافة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي