إليك هذا الحوار الذي يتحدث عن الصراحة القاسية تحديداً. أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع كيم سكوت، أحد مؤسسي شركة تدريب التنفيذيين "راديكال كاندور" (Radical Candor)، ولقد ألَّفت سكوت كتاب "الصراحة القاسية: كن مديراً قوياً دون أن تفقد إنسانيتك" (Radical Candor: Be a Kick-Ass Boss Without Losing Your Humanity).
قالت كيم سكوت، إن عدداً كبيراً جداً من المدراء يقدمون ملاحظات إيجابية جوفاء، بينما يميل آخرون كثيرون إلى النقد المبالغ فيه دون إبداء أي قدر من التفاهم والتعاطف. وتضيف سكوت التي عملت لدى شركة "جوجل" في السابق، وقدّمت استشاراتها إلى شركتي "تويتر" و"دروب بوكس"، أن القادة ينبغي لهم أن يتعلموا تقديم ملاحظات صادقة أمينة بشكل آني، على أن يقيموا في الوقت ذاته علاقةً تُظْهر كيف أن الملاحظات القاسية تنبع من اهتمام ورعاية. وتشرح سكوت الخطوات التي يستطيع المدراء اتخاذها لكي يتحدوا موظفيهم بشكل مباشر أكثر، وفي نفس الوقت يبدون لهم تعاطفهم.
وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:
النص:
كيرت نيكيش: مرحباً بكم في برنامج "آيديا كاست" الذي تقدمه "هارفارد بزنس ريفيو". معكم كيرت نيكيش.
مَن هو المدير المثالي؟ يسعى البعض إلى أن يكونوا قادة ذوي قبضة حديدية، وأن يتصرفوا بحزم وعزم ويحددوا معايير عالية. ولو لم يتسم العاملون بالقدرات الضرورية للتكيف معهم، فهم ببساطة غير مؤهلين للعمل. أو لعلك تميل إلى الاتجاه الآخر. فتقود بالحب وتدعم فريقك وتتأكد من شعور الموظفين بالرضا والرعاية، ربما حتى بشكل مبالغ فيه، حتى لو لم يستحقوا هذه المعاملة.
تريد ضيفتنا اليوم أن يكون المدراء متطلبين ومتعاطفين في آن واحد. فينبغي لهم أن يهتموا بموظفيهم على المستوى الشخصي ويتحدوهم بشكل مباشر. وهي تؤمن بأن القادة الفعالين يمكنهم تحقيق التوازن بين الملاحظات البنّاءة والتعاطف بطريقة تساعد العاملين على التحسُّن وتُعين المؤسسات على النجاح.
ضيفتنا اليوم هي كيم سكوت. وهي مؤسِّسة مشاركة لشركة تعليم المهارات التنفيذية "راديكال كاندور"، وقدمت خدماتها التدريبية للرؤساء التنفيذيين في شركتيْ "دروب بوكس" و"تويتر" وغيرهما من الشركات. ولقد ألَّفت سكوت كتاب "الصراحة القاسية: كن مديراً قوياً دون أن تفقد إنسانيتك". شكراً لانضمامكِ إلينا يا كيم.
كيم سكوت: شكراً لك على استضافتي. يسعدني أن أكون معكم.
كيرت نيكيش: لقد أمضيتِ قسماً كبيراً من مسيرتك المهنية في شركات تكنولوجية ناشئة. فسبق لك العمل في شركة "جوجل"، حيث كانت شيريل ساندبيرغ مديرتك. ولعلكِ عملتِ تحت إمرة عدد كبير من المدراء خلال تلك الفترة. وكنتِ مديرة أنتِ أيضاً. فمتى أدركتِ أن السواد الأعظم من المدراء ينتمون لمعسكر واحد من اثنين لا ثالث لهما؟
كيم سكوت: الأمر مثير للاهتمام حقاً. فقد اكتشفت خلال مسيرتي المهنية في مجال الإدارة، وخلال تعاملاتي مع مدرائي، أن المسألة لا تنحصر في أن الناس ينتمون إلى أحد المعسكرين، لكننا غالباً ما ننتقل ما بين جميع المعسكرات، وكثيراً ما يحدث ذلك بشكل يومي. دعني أشرح ما أعنيه بما يخص الصراحة القاسية في عجالة. إنها الاهتمام على المستوى الشخصي والتحدي بشكل مباشر.
عندما تتذكر أن تتحدى بشكل مباشر، وتنسى أن تبدي اهتمامك على المستوى الشخصي، فأنا أطلق على هذه الظاهرة "التعسف البغيض". وهذا وصف ينطبق على المدير ذي القبضة الحديدية الذي سبق أن وصفته في مقدمتك. ولكن، في حالات أخرى، نتذكر نوعاً ما أن نبدي اهتمامنا على المستوى الشخصي، ولكننا ننسى أن نتحدى بشكل مباشر. وأطلق على هذه الظاهرة اسم "التعاطف المدمر". وبطبيعة الحال، فإن أسوأ وضع على الإطلاق هو الذي لا تبدي فيه اهتمامك ولا تتحدي فيه موظفيك، وهو ما أطلق عليها اسم "الرياء المضلل". وحقيقة الأمر أننا جميعاً نتذبذب ما بين تلك الأخطاء الثلاثة كلها يومياً.
كيرت نيكيش: هل سبق لكِ العمل تحت إمرة أولئك المدراء، سواء كانوا يتذبذبون ما بين تلك الاستراتيجيات أو يتبنون استراتيجية أو أخرى أثارت حفيظتكِ؟ ما الذي جعلك تصلين إلى هذه الحالة؟
كيم سكوت: أجل. بالتأكيد. حسناً، سأبدأ بقصة عن الصراحة القاسية تحديداً. في بداية مسيرتي المهنية، وبعد أن التحقت بالعمل في شركة "جوجل" مباشرة، كان عليّ أن أقدم عرضاً تقديمياً للمؤسسين والرئيس التنفيذي بخصوص أداء برنامج "أدسنس" (AdSense) آنذاك. دخلت الغرفة، وإذا بسيرجي برين واقفاً في إحدى زواياها على جهاز للتمارين الرياضية يرتدي حذاء منفصلَ الأصابع، وكان على وشك مغادرة الغرفة. و في الزاوية الأخرى للغرفة، كان إريك شميت، الذي كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي آنذاك، مستغرقاً تماماً في رسائل بريده الإلكتروني وكأن دماغه التصقت بالجهاز.
وباغتني شعور بالتوتر نوعاً ما. كيف بالله يُفترض أن ألفت انتباه هذيْن الشخصين؟ ومن حسن حظي أن الأعمال كانت مزدهرة جداً، وعندما ذكرت عدد الزبائن الجدد الذين التحقوا بالبرنامج، كاد إيريك يسقط من على كرسيه، وتساءل قائلاً: "ماذا قلتِ؟" ما الذي تحتاجين إليه؟ كيف يمكننا مساعدتكِ؟ هل تحتاجين إلى المزيد من الأموال لأغراض التسويق؟ هل تحتاجين إلى المزيد من الموارد الهندسية؟
وبالتالي، خالجني شعور بأن الاجتماع يسير على ما يرام. وعندما خرجت من الغرفة، ومررت إلى جوار مديرتي التي كانت شيريل ساندبيرغ، توقعت أن تشد على يدي بحرارة أو تربت على ظهري. وبدلاً من ذلك، قالت لي: "لِمَ لا ترافقينني إلى مكتبي؟" ولوهلة حدثّت نفسي أن "يا للهول!. لا بد أنني أفسدت شيئاً ما، وأنا متأكدة من أنني سأعرف ما هو عمّا قريب".
كيرت نيكيش: ما الذي حملك على التفكير بهذه الطريقة؟
كيم سكوت: كان هناك طابع مميز للطريقة التي طلبت بها مني أن أرافقها إلى مكتبها، وكنت أعلم أنها أرادت أن تتحدث معي. بدأت شيريل حديثها بأن أطلعتني على الجوانب التي سارت على خير ما يُرام من وجهة نظرها، ولكن لم تتخذ تعليقاتها شكل الملاحظات بالمعنى الحرفي للكلمة. فكانت بمثابة الصفعة التي تتبعها قبلة فصفعة. لكنها لم تكن تعني ما قالته حقاً.
وفي النهاية، قالت لي شيريل: "لقد أكثرتِ من التوقف الدال على التردد والشك أثناء كلامك في الاجتماع. هل كنتِ على دراية بذلك؟" وعندئذ، تنفست الصعداء وتنهدت بارتياح شديد. لأنه، على حد علمي، لو كان هذا هو الخطأ الوحيد الذي اقترفته، فمَن ذا الذي اهتم حقاً؟ لقد كنت في موقف كانت السيطرة عليه أصعب مما توقعت. وبالتالي، بادرتها بإشارة متجاهلة بيدي دلالة على الرفض، وقلت لها إن: "هذه لازمة لفظية. وهي حقاً ليست بالخطب الجلل". وبعدها قالت: "إنني أعرف مدرب بارع بحق في الإلقاء، وأنا واثقة بأنني أستطيع أن أقنع شركة جوجل بتحمل تكاليفه. أتحبين أن أعرفكِ به؟" ومرة أخرى، أشرت إليها بيدي بالرفض، وقلت لها: "لا، فأنا مشغولة".
ثم توقفت شيريل عن الكلام. وتطلعت إلى عيني مباشرة وقالت: "عندما تشيرين هذه الإشارة بيدك أستطيع التنبؤ بأنني سأضطر للتعامل معكِ بشكل مباشر أكثر. عندما تقولين "مم" بعد كل ثلاث كلمات، فإنك تبدين ساذجة". حينئذ لفتت انتباهي بالكامل إليها. وربما قال بعض الناس إن شيريل كانت لئيمة إذ قالت إنني أبدو ساذجة، لكن في حقيقة الأمر كانت مقولتها هذه أرق شيء كان يمكنها أن تفعله لأجلي في هذه المرحلة من مسيرتي المهنية.
لأنها لو لم تبادرني بكلماتها هذه تحديداً، لما كنت قد ذهبت قط لزيارة مدرب الإلقاء. وما كنت عرفت أنها لم تكن تبالغ في الأمر. فقد كنت أتوقف أثناء كلامي كل ثلاث كلمات حرفياً. وكانت هذه معلومة جديدة بالنسبة لي لأنني كنت أقدم عروضاً تقديمية طوال مسيرتي المهنية. وسبق أن جمعت مليوني دولار لصالح شركتين ناشئتين بسبب العروض التقديمية التي قدمتها. ولقد حسبت أنني بارعة جداً في هذا المضمار.
وبالتالي، شجعني هذا الموقف على أن أتساءل لماذا لم يطلعني أحد من قبل على هذه الحقيقة. كان الموقف تقريباً وكأنني كنت أخوض غمار مسيرتي المهنية كلها وثمة قطعة كبيرة من السبانخ مستقرة بين أسناني. وتساءلت: "لماذا لم يلفت أحد انتباهي؟ وما الذي ميّز شيريل فجعل من السهل عليها جداً في ظاهر الأمر أن تصارحني هكذا؟" وأدركت إذ فكرت في المسألة أنها مهما كانت تهتم لأمر مشاعري على المدى القصير، فهي لم تكن ستسمح لهذا الاضطراب اللحظي بأن يعترض طريق إطلاعي على شيء كنت بحاجة فعلاً إلى أن أعرفه. كان هذا هو الجزء المتعلق بالتحدي بشكل مباشر. إنها لم تتورع قط عن إطلاعك على شيء إذا كان من الأفضل لك أن تعرفه.
كيرت نيكيش: صحيح. لماذا لم يطلعك الآخرون طول تلك السنين على هذه المسألة في رأيك؟
كيم سكوت: صحيح. أعتقد أن جزءاً من السبب وراء صعوبة المسألة يبدأ قرابة سن الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة أو العشرين من العمر. آنذاك، نحصل على أول وظيفة لنا، ونكون في فترة من حياتنا تتسم فيها "الأنا" بأكبر قدر من الهشاشة، وتبدأ شخصياتنا تقوى وتشتد. وفي تلك اللحظة تحديداً، يأتي أحدهم ويطلب منا أن نكون "محترفين".
وأعتقد أن كثيراً من الناس يترجمون معنى هذا الطلب بأنه يقتضي منا التخلي عن مشاعرنا والتحلل من إنسانيتنا وترك كل شيء يمثلنا التمثيل الأفضل بالبيت، والقدوم إلى العمل وكأننا نوع من الروبوتات. وبالتالي، يستحيل أن تهتم لأمر أحد على المستوى الشخصي لو كنت تأتي إلى العمل وكأنك نوع من الروبوتات. هذا إذن جزء من المشكلة.
لكنني أعتقد أن المشكلة الأكبر حقاً تتعلق بالبعد المباشر للتحدي. وظني أن المشكلة هنا لا تبدأ في سِن الثامنة عشر عاماً، وإنما في سِن الثامنة عشر شهراً حينما يقول لك والداك كلمات على غرار: "إذا لم يكن لديك أي شيء طيب تنطق به، فاسكت عن الكلام تماماً". وفجأة، تجد نفسك قائداً. أو تجد نفسك زميلاً في العمل، ومهمتك أن تنطق بالحقيقة، ما يمثل مشقة كبيرة. من الصعب أن تتخلى عن التدريب الذي غُرس داخل عقلك منذ أن كنت تبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً وثمانية عشر شهراً.
وبوصفنا كائنات اجتماعية، فإنه يعيبنا التحيز السلبي الشديد. خاصة متى تعلق الأمر بالتفاعل الاجتماعي. لنفترض إذن أنه في كل 9 من بين 10 مرات، ستعزز الصراحة القاسية علاقتك بالفعل، وستجعل الأمور أفضل على الفور في حقيقة الأمر، حتى في اللحظة الراهنة. ولكن، في مرة واحدة من بين 10 مرات، ربما تعثرت إذ اعتمدت على الصراحة القاسية، أليس كذلك؟ ولكن، لماذا نرتقي بأدائنا إلى أعلى مستوى استعداداً لتلك المرة الواحدة من بين 10 مرات لا للتسع مرات من بين 10؟ أعتقد أن مرجع ذلك هو التحيز السلبي. أعني أنه خلال القسم الأكبر من تطور البشرية، إذا أُقصيت من قبيلتك، ففي ذلك هلاكك. ولذلك، فأنا أعتقد أننا متحفظون جداً، ربما حتى بشكل مفرط.
كيرت نيكيش: عندما طالعت كتابكِ، كثيراً ما استرجعت تجربتي الخاصة مع مدرائي أو المحررين الذين قدموا لي ملاحظات ناقدة وبنّاءة. وأعتقد أن ما قلته صحيح. فهناك فترات كثيرة تخطر على بالي صرّح لي فيها أحدهم بأشياء لا أنساها فعلاً وأرّقتني. ولكن، في مرات كثيرة تنشغلين بتفسير القرائن نوعاً ما، وتحاولين أن ترصدي الأشياء التي لا ينطق الناس بها كلياً، فتدركين لاحقاً وحسب أنكِ: "في ذاك الاجتماع، ربما كان ينبغي لي أن أعبر عن رأيي صراحة بقدر أكبر. أو ربما كان ينبغي لي أن أتحفظ أكثر في التعبير عن رأيي. وربما لذلك نقدّر ذكائنا العاطفي جداً اليوم لأنه ضروري لحل هذه المشكلة واستخلاص هذه الملاحظات لأجل أنفسنا.
كيم سكوت: صحيح. في الكتاب، أذكر أن هناك ترتيباً للعمليات يصل بنا إلى الصراحة القاسية. عليك أن تبدأ بالتماسها. فلا تود أن تبادر إلى انتقاد الآخرين قبل أن تثبت قدرتك على تقبل النقد الموجّه إليك. وعليك بعد ذلك أن تركز على الجوانب الإيجابية. عليك التركيز على الثناء والإشادة. وبعد أن تلتمس النقد لذاتك، عليك أن تثني على الآخرين. وبعد ذلك، ستجد نفسك في حالة نفسية أفضل بكثير تكفل لك إبداء نقدك لهم، وستكتشف أنهم في حالة نفسية أفضل هم أيضاً.
وفور أن تتلقى النقد أو الثناء، أو الإرشاد كما يطيب لي أن أسميه بدلاً من الملاحظات، أعتقد أنه من المهم للغاية تقييم وقعه عليك. فالصراحة القاسية لا تُقاس عندما أنطق به. وإنما تُقاس عندما يصل كلامي إلى مسامعك. ولكن، كيف لي أن أعرف ما يحدث عند مسامعك؟ الأمر يتعلق بالإصغاء أكثر بكثير مما يتعلق بالكلام في حقيقة الأمر. وأخيراً وليس آخراً، عليك أن تشجع الآخرين على تبني الصراحة القاسية. فلا ترغب في إثارة القلاقل السياسية وتتكلم بالسوء عن الآخرين من وراء ظهورهم.
أعتقد أنه لو أقدم المستمعون إليك على أمر واحد نتيجة إصغاءهم أثناء نقاشنا، فظني أن أهم ما يمكن أن يفعلوه هو التفكير في السؤال الذي سيطرحونه لالتماس ملاحظات الغير. على سبيل المثال، أوصاني فريد كوفمان الذي كان مدرباً لي خلال فترة عملي في شركة "جوجل" بأن استخدم السؤال التالي، وراق لي كثيراً. كان اقتراحه أن أسأل: "ما الذي أستطيع أن أفعله أو أكف عن فعله ويجعل من الأسهل على الآخرين العمل معي؟".
ومن المهم جداً أن ننحي التسلسل الهرمي جانباً إلى أقصى حد ممكن. فما من شيء أكثر ضرراً بأي علاقة من اختلال توازن القوى. وهكذا، فكلما تمكنت من تحقيق المساواة مع الآخرين بشكل أسرع، كان ذلك أفضل.
كيرت نيكيش: إلى أي حد يعول أسلوب القيادة هذا على التعاطف؟
كيم سكوت: الأمر مثير للاهتمام بالفعل. من واقع خبرتي، أعتقد أننا عندما نتكلم عن العمل، نميل إلى أن نحكي قصصاً عن التعسف البغيض والرياء المضلل. لكن الخطأ الأكثر شيوعاً والذي يرتكبه 85% منا في 90% من الوقت هو ما أطلق عليه اسم "التعاطف المدمر".
من الممكن أن يكون التعاطف ميزة عظيمة. ولا أزعم أنه ليس مهماً. لكنه يمكن أيضاً أن يشل حركتك عندما تنشغل بمشاعر الآخر لحظة أن تفشل في إطلاعه على شيء من الأفضل له على المدى البعيد أن يعرفه.
كيرت نيكيش: من الممكن أن يجد الناس مشقة كبيرة في تقبل الملاحظات السلبية. سواء صيغت في شكل جمالي أم لا، لأن كثيراً من الناس يحبون التركيز على الملاحظات الإيجابية فقط، أو مكافأة الآخرين على السلوك الذي يرونه حسناً دون أن يتعاطوا مع الجوانب السلبية.
كيم سكوت: لا شك أنني أوافقك على أنه ينبغي التركيز على الجوانب الإيجابية. من بين الأخطاء التي يقع فيها الناس في رأيي فيما يتعلق بالصراحة القاسية اعتقادهم أن الأمر يتعلق برمته بانتقاد المدير للموظف. لكن، هذه ليست صراحة مطلقة. إن الصراحة القاسية تتعلق بالتماس الملاحظات الناقدة تحديداً لأنك متردد في استقبالها، لكنها تتعلق أيضاً بالثناء، والحرص على الثناء حتى بأكثر من النقد.
هناك عدد كبير جداً من الأبحاث يثبت أن عليك الإشادة والثناء على الآخرين ثلاثة أضعاف وخمسة أضعاف وسبعة أضعاف النقد الذي تبديه. إن الخطر الكامن في محاولة إدارة حواراتك بنسبة ما على هذا النحو يتمثل في أنه يمكن أن ينتهي بك المطاف إلى الثناء بلا داع نوعاً ما، أو الثناء المرائي. وبالتالي، عليك أن تتأكد من أن إشادتك، شأنها شأن نقدك، تركز بشدة على بُعد الاهتمام على المستوى الشخصي، لكنها أيضاً قوية على بُعد التحدي بشكل مباشر. إن الثناء القوي حقاً يُعلم الناس ما ينبغي لهم الإكثار من عمله، بحيث يتحداهم لإنجاز المزيد مما يحسنون عمله.
كيرت نيكيش: ومن ناحية أخرى، فإنكِ لا تريدين المبالغة في تقديم الملاحظات الإيجابية أيضاً، أليس كذلك؟
كيم سكوت: لا يوجد شيء اسمه ملاحظات إيجابية مبالغ فيها، ولكن هناك شيء اسمه ملاحظات ناقدة محدودة جداً. على سبيل المثال، سأقص عليك قصة لشرح ما أعنيه بالتعاطف المدمر. ربما كانت هذه أسوأ لحظة في مسيرتي المهنية. كنت قد عيّنت ذاك الشخص، وسأطلق عليه مجازاً اسم بوب. وكان بوب ذكياً. وكان آسراً. وكان مرحاً. وكانت هناك مشكلة واحدة تعيب بوب. ألا وهي أنه كان يؤدي عملاً بشعاً. وأعني عملاً بشعاً للغاية. فكان يسلمني أعماله وفي عينيه نظرة خزي وخجل.
علمت بعد فترة طويلة في الحقيقة أن المشكلة أن بوب كان يدخن الحشيش في الحمّام ثلاث مرات يومياً. ولم أكن أعلم شيئاً عن تلك المشكلة آنذاك. كل ما علمته أن بوب كان يؤدي عملاً بشعاً. وكنت أبادر بوب بتعليقات بينما كان يسلمني عمله والخزي في عينيه. كنت أقول له أشياء على غرار: "يا لها من بداية رائعة، يا بوب!". "إنك ذكي". "إنك رائع جداً". "الجميع يحبون العمل معك". "ربما بوسعك الارتقاء بعملك قليلاً". وبالطبع، لم يفعل قط.
وفي نهاية المطاف، وقع المحتوم وأدركت أنني لو لم أسرّح بوب من العمل، فسأخسر أفضل الموظفين لدي جميعاً. وبالتالي، اجتمعت به وأجريت معه حواراً كان ينبغي لي أن أبدأه منذ 10 أشهر في حقيقة الأمر. وعندما فرغت من شرح الموقف له، دفع كرسيه إلى الوراء بعيداً عن الطاولة. وتطلع إليّ مباشرةً قائلاً: "لماذا لم تصاريحنني؟" سؤال مؤلم. وبينما دار سؤاله في رأسي بلا إجابة سديدة، قال لي: "لماذا لا يخبرني أحد قط؟ ظننت أن الجميع يهتمون لأمري".
والآن، أدركت أنني خيبت آمال بوب من عدة أوجه مهمة ومختلفة. فقد فشلت في التماس ملاحظات بوب. ولم أسأله قط عن الأمور التي تسير على ما يرام من وجهة نظره. والأدهى من ذلك أنني لم أسأله قط عما قد أفعله ويساهم في مشكلاته. فربما أنني أفعل شيئاً ما يحبط بوب بشدة لدرجة أنه يضطر إلى تدخين الحشيش في الحمّام ثلاث مرات يومياً. لست على يقين من ذلك لأنني لم أسأله من قبل قط. ولم ألتمس انتقادات بوب قط.
وأخفقت في أن أشيد ببوب أيضاً إشادة هادفة وذات مغزى حقيقي. فالثناء الذي أغدقته عليه كان لوناً من الإيماءات الزائفة أو شكلاً من أشكال إرضاء الغرور لا أكثر. لم يكن له أي معنى. وفشلت في إخبار بوب أن عمله لم يكن حتى مُرضياً بالقدر الكافي. وربما الأدهى من ذلك كله أنني فشلت في خلق البيئة التي يمكن أن يُطلع فيها الجميع بوب على الجوانب العظيمة حقاً في عمله والعمل معه، والجوانب التي يمكن أن يصارحوه فيها أيضاً متى انحرف أداؤه عن مساره السليم.
كيرت نيكيش: أريد أن أسألكِ عن الاجتماعات المنفردة وجهاً لوجه لأن منظورك مختلف اختلافاً طفيفاً بخصوص كيفية إدارة هذه الاجتماعات إذا كنتِ تحاولين أن تكوني مديرة تتحدى مرؤوسيها وتهتم لأمرهم في الوقت ذاته؟
كيم سكوت: أجل. أعتقد أن الاجتماعات المنفردة وقت مناسب لك للإصغاء إلى مرؤوسك المباشر. وينبغي له أن يحدد هو جدول الأعمال. إنها الوقت الملائم لك لمساعدته على استيضاح الأفكار الجديدة. وهو وقت مناسب لك لمساعدته على أن يصبح شريكاً في الأفكار. إنها لفكرة رائعة أن تخصص خمس دقائق في نهاية الاجتماع المنفرد. انتظر حتى يجمع الشخص الآخر أغراضه بحيث تتأكد من أنه طرح كل ما لديه على جدول الأعمال للنقاش. وبعدها التمس ملاحظاته. اطرح سؤالك. وبعد أن تطرح سؤالك، أياً ما كان: "ما الذي أستطيع أن أفعله"، أو "التوقف عن ذلك الأمر سيجعل من الأسهل علي أن أعمل معك"، أو "قل لي لماذا أدخن المخدرات"، أياً ما كان. أو "ما الذي كان يمكن أن أفعله في ذاك الاجتماع؟" أعتقد في كثير من الأحيان أنه من الأسهل على الناس لو تحريت الدقة والتحديد حيال عما تبحث عن ملاحظات بشأنه.
ها أنت الآن استدرجت ذلك المسكين إلى حوار لم يكن يود الخوض فيه قط. من الضروري أن تصغي إلى ما يقوله أياً كان بهدف الفهم والاستيعاب دون أي استجابة. لا تجيبه. وهذا أمر شاق. من الممكن أن يكون الأمر صعباً لأنك غالباً ما تتبنى موقفاً دفاعياً أو أنك تتعجل في استنتاجاتك. وستفترض أنك تعرف مقصده.
وبالتالي، عليك أن تتأكد من طرح الأسئلة الاستيضاحية بالفعل، وأن تفهم ما يطلعك عليه الآخر تمام الفهم. وأخيراً وليس آخراً، عليك أن تكافئه على صراحته. عندما يقدم لك شخص بعض التقييمات النقدية، وبخاصة الشخص الذي يعمل تحت إمرتك، فاعلم أنه يُقدم على مخاطرة. وإذا لم تكافئه على مخاطرته، فلن يُقدم عليها مجدداً على الإطلاق. وشكرك إياه على التقييم ليس نوعاً من المكافآت. فالشكر بالنسبة لكثيرين يبدو أشبه باللامبالاة أو شيء أقل تهذيباً.
كيف تكافئ على التقييم إذن؟ أعتقد أنك لو وافقت على التقييم، ولو وافقت على النقد الموجه إليك، فما تود القيام به هو أن تصلح المشكلة. وسوف تتبنى طابعاً استعراضياً حيال حقيقة أنك أصلحت المشكلة. سوف ترغب في إخبار الآخرين أن هذا الشخص أطلعك على هذا الشيء، وأنك عالجته وتود أن تسأل ما إذا كنت أصلحت المشكلة كما ينبغي. هل أفرطت في حلها؟ عليك أن تتأكد من أن حلك للمشكلة سليم.
كيرت نيكيش: وهل هناك أوجه اختلاف بين النحو الذي يستجيب به الرجال أو النساء أو يتكيفون به مع أسلوب القيادة هذا؟
كيم سكوت: أجل، بالتأكيد. لدي الكثير من الأفكار المتعلقة بالنوع الاجتماعي واتباع الصراحة القاسية. الواقع أن من بين الأشياء التي كثيراً ما تحدث أنه عندما تكون هناك امرأة ضمن فريق يقوده رجل، فهذا يعني أن ثمة امرأة ضمن مرؤوسيه المباشرين. وغالباً ما يكبح جماح نقده عندما يتقدم إليها بتقييمه. ولن يخبرها أنها أخفقت بشكل مباشر كما يفعل مع أعضاء فريقه الرجال.
تذكر أنك تدين بهذا النوع من التقييم. تدين به للجميع. فقط تذكر أن النساء قويات. وأعني أن هذا قد يشي عني بأكثر مما يشي عن الرجال، لكنني اكتشفت أثناء مسيرتي المهنية على أي حال أن الرجال يبكون بقدر ما تبكي النساء. وبالتالي، لا تخاف من أن الشخص الذي تخاطبه سيبكي لمجرد أنه امرأة.
ولذلك، أعتقد أن هذا جزء من التجربة، وأعتقد أنك لو كنت امرأة تعمل لصالح رجل، وشعرت بأنه يتردد أو يهاب الإفصاح عن تقييمه، فمهمتك انتزاع التقييم منه انتزاعاً. عليك أن تفعل ذلك حقاً. وأحياناً يخيل إليك أنك ستستطيع التماس التقييم بحرصك على أن تجعل الناس أكثر ارتياحاً، ولكن عليك عادة أن تتقبل الشعور بعدم الارتياح. عليك فعلاً انتزاعها من الناس.
والآن، عندما تتحرى امرأة الصراحة القاسية بشكل مطلق في كثير من الأحيان، فإنها تُوصم ظلماً بالقسوة والفظاظة أو بوصف آخر أقل تهذيباً خلاف "التعسف البغيض". ما الذي تستطيع المرأة أن تفعله في ذاك الموقف؟ أعتقد أن أسوأ ما تستطيع المرأة أن تفعله في ذاك الموقف هو أن تتحرك في الاتجاه الخاطئ نحو بُعد التحدي بشكل مباشر. لأنك إذا تراجعت عن التحدي المباشر، فسينتهى بك المطاف إلى مربع أقل فعالية حتى من "التعسف البغيض". سينتهي بكل المطاف إما في مربع "الرياء المضلل" وإما "التعاطف المدمر". وبالتالي، عليك ألا تتراجع عن تحديك. وبدلاً من ذلك، عليك أن تتمهل للحظة لتتحرك إلى أعلى وصولاً إلى بُعد الاهتمام على المستوى الشخصي.
لكنك لا ترغب في الانجرار بشكل غير منصف عالياً إلى بُعد الاهتمام على المستوى الشخصي. كما لا تريد أن تتعثر في إنجاز كل العمل العاطفي في المكتب.
كيرت نيكيش: حسناً، قد يقتنع شخص ما بهذه الحجة، غير أنه قد لا يكون طبيعياً له أن يتحرى الصدق أو يتقدم بملاحظات مباشرة. ما هي بعض الخطوات الأولى التي ربما يستطيع أن يخطوها؟ كيف يمكنك البدء في تغيير سلوكك بصفتك مديرة دون أن يبدو الأمر بمثابة صدمة كبيرة لك؟
كيم سكوت: أعتقد أن من بين أهم الأشياء التي يمكنك أن تفعلها هي أن تقص على نفسك بعض القصص، ثم تقص على فريقك القصص نفسها وتضعها في سياق محدد. إذاً، ما الذي أقصده بذلك؟ على سبيل المثال، استرجع تلك اللحظة في مسيرتك المهنية والتي أخبرك فيها أحدهم شيئاً تألمت له قليلاً في وقتها، لكنه عاد عليك بالنفع والفائدة خلال العشر أو العشرين عاماً التالية.
إذا استطاع كل إنسان مصغ أن يُعمل عقله في السؤال التالي: "ما هي القصة التي أحدثت تحولاً في حياتك؟" "ما هي القصة التي صرّح لك فيها أحدهم بشيء عاد عليك بالنفع العظيم؟" وبعد ذلك أخبرها لفريقك. حينئذ، ستكون قد أنجزت مهمتين. الأولى أنك ستجعل نفسك غير محصن. والثانية سوف تثبت معرفتك بأنك لا تحيط بكل شيء علماً. والأهم من ذلك، سوف تظهر السبب في اعتبار هذا النوع من الملاحظات الناقدة موهبة في حقيقة الأمر. وهذا ليس فشلاً مدمراً.
كيرت نيكيش: ماذا عن شخص ما يعاني من المشكلة الأخرى؟ أعني أنه متشدد وصريح جداً مع الناس، وبحاجة إلى أن يتعلم...
كيم سكوت: أن يكون ألطف نوعاً ما؟
كيرت نيكيش: صحيح. أن يكون ألطف نوعاً ما، وكيف يعبر عن اهتمامه أيضاً؟
كيم سكوت: صحيح. إن التعبير عن الاهتمام بالآخرين أمر صعب، لأنني أعتقد أن الناس كثيراً ما يعتقدون أن الأمر يجب أن يستغرق وقتاً طويلاً للغاية لإظهار الاهتمام بأمر الآخرين. والحقيقة أن الأمر غالباً ما يكون لحظياً، كأن ترى الآخر شريكاً لك في الإنسانية في اللحظة الراهنة.
وبالتالي، أعتقد أنه من المهم فعلاً أن تتذكر أن الاهتمام يمكن أن يكون سريعاً سرعة قراءة جملة ما. وأعتقد أيضاً أن الناس الذين يميل الآخرون إلى اتهامهم بالتعسف البغيض ربما كانوا في حقيقة الأمر عدوانيين على نحو كريه، ولكن بشكل موضوعي أحياناً. ما من أحد يتصف بتلك الصفة دائماً وأبداً. وظني أنهم كثيراً جداً ما يعتقدون أن التركيز على الجوانب الإيجابية مضيعة للوقت نوعاً ما. وبالتالي، الأمر الآخر الذي أعتقد أنه قد يساعدك على أن تتذكر سبب إظهار اهتمامك على المستوى الشخصي، ولماذا ينبغي عليك التركيز على الجوانب الإيجابية هو أن تدرك أن وظيفتك كقائد هي أن ترسم صورة لما يبدو عليه النجاح. عليك أن تُظهر قدر الإمكانات.
وعندما تدرك، أعني عندما تفكر في الأمر، ستجد أن الثناء أداة أفضل بكثير وأكثر فعالية من النقد في إظهار طبيعة الإمكانات. إن النقد يُظهر الجوانب التي لا تميزها الإمكانات. وبالتالي، إذا أدركت أن الثناء ليس ضرباً من الغرور وحسب، وإنما أداة للإنتاج في حقيقة الأمر، فظني أن المطاف سينتهي بك إلى المبادرة إلى الثناء الأكثر فعالية بكثير.
عندما تُظهر للناس أثر شيء فعلوه، لا على مستوى عملهم وحسب، ولكن على مستوى عمل الفريق كله، فإنك لا تُشعره بالسعادة وحسب، وإنما تُظهر للفريق برمته كيف يبدو النجاح، وما الذي ينبغي لهم إنجازه بقدر أكبر منه. وبالتالي، فهو أداة مهمة فعلاً للإنتاجية. وأعتقد أن هذا يمكن أن يكون مفيداً جداً للذين يجدوا أنفسهم في مربع "التعسف البغيض". اعلم أنك عندما تقول شيئاً ما لأحدهم، وتبدر منه استجابة انفعالية، لنفترض أن الحزن يغمره أو يبدو وكأنه سيجهش بالبكاء أو سيستشيط غضباً ويبدأ في الصياح والصراخ في وجهك، هذه هي اللحظات التي يميل فيها كثيرون إلى الرغبة في الفرار.
كثير منا ينغلق على ذاته عندما يصطدم بمشاعر جياشة عاطفية من الآخرين. وأعتقد أنه لو كان بوسعك فهم الاحتياجات الإنسانية في تلك اللحظات، والتخلص من عبارة "لا تتعامل مع المسألة بشكل شخصي" من قاموسك، يمكنك في تلك اللحظات أن تتعلم الوقوف للحظة كي تبدي اهتمامك بالآخرين. ولا أعني أن تتخلى عن تحديك، ولكن تمهل للحظة وفكر في المشاعر الجياشة في الغرفة ولا ترفضها. هل يبدو تفسيري منطقياً؟
كيرت نيكيش: شكراً جزيلاً لحضورك إلى البرنامج والتحدث عن هذا الموضوع.
كيم سكوت: شكراً لك على استضافتي.
كيرت نيكيش: كانت معنا كيم سكوت. وهي مدربة تنفيذية ومؤلفة كتاب "الصراحة القاسية: كن مديراً قوياً دون أن تفقد إنسانيتك".
هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي. ويقدم لنا روب إيكارت الدعم التقني. وآدم باكولتز هو مدير الإنتاج السمعي في البرنامج. شكراً لكم على الاستماع إلى برنامج "آيديا كاست". معكم كيرت نيِكيش.
اقرأ أيضاً: