"لماذا لا ينسب إلينا الفضل عن جميع الأمور الجيدة التي قمنا بها؟" هذا ما سألني إياه مؤخراً أحد الرؤساء التنفيذيين لشركة عالمية كبرى. من وجهة نظره، تمتلك شركته برامجاً مبتكرة ومؤثرة تضمن ظروف عمل آمنة؛ وتمتلك أيضاً برامج تدريب تساعد العمال ذوي الدخل الضعيف في مختلف مراحل سلسلة توريد الشركة على زيادة دخلهم؛ كما أنها تدير عدداً هائلاً من المبادرات البيئية الرامية إلى تقليل استخدام المياه والطاقة والمواد الخام؛ فضلاً عن برامج للتنوع والتطوع للموظفين؛ ومنظمة خيرية تقدم مساهمات سخية للمشاريع المحلية والعالمية على حد سواء. مع ذلك، يبدو أنه لا أحد يلاحظ هذه الجهود.
وهذا ليس مستغرباً، لأنه شكوى شائعة بين الشركات. تحاول الشركات باستمرار أن تظهر للعالم أنها واعية اجتماعياً ومع ذلك غالباً ما تفشل. وبهذا الصدد، قامت شركة هيونداي وشركة أنهايزر بوش بتخصيص إعلانات للمباراة النهائية في دوري كرة القدم الأميركية أو ما يعرف ببطولة سوبر بول (Super Bowl) لهذا العام للإشادة بجهودها الخيرية، الأمر الذي ترتب عنه ردود أفعال متفاوتة. شككت الآراء الناقدة في قرار شركة هيونداي بإنفاق 5 مليون دولار للإعلان عن تبرعها بمبلغ 15 مليون دولار لبرنامجها هَوب أون ويلز (Hope on Wheels) لعام 2017 (للأمانة العلمية، تبرعت الشركة بمبلغ 130 مليون دولار طوال تاريخ البرنامج ذي العشرين عاماً). في ما تسببت شركة بيبسي بفضيحة قبل بضعة أشهر عندما حاولت أن تظهر كشركة واعية سياسياً، حيث بدت عارضة الأزياء كيندال جينر في الإعلان تستغل حركة "حياة السود مهمة". إنّ السعي بقوة كبيرة لتحقيق أحد الأمور قد يكون له نتائج عكس المتوقع.
يتمثل أحد الأسباب الرئيسية في عدم نسب فضل الأعمال الخيرية للشركات في أنها تنفذ استراتيجية تتبع نمط "مقاس واحد مناسب للجميع" في ما يخص إشهار وإعلان جهودها الخيرية، في حين أنّ المطلوب هو رسائل إعلانية مخصصة ومركزة موجهة لكل فئة من الفئات الأربع لجمهور الشركة:
- تتمثل أول هذه الفئات المستهدفة في جهات مراقبة الشركات مثل نشطاء الإعلام الاجتماعي والمنظمات غير الحكومية والوكالات الحكومية المختلفة.
- والفئة الثانية هي الموظفين الذين يريدون أن يكونوا فخورين بالشركة التي يعملون فيها.
- والفئة الثالثة هي فئة المستثمرين الذين بيدهم تحديد قيمة الشركة الفعلية ومصيرها التجاري.
- والفئة الرابعة هي المستهلكين (إلى جانب الجمهور العام) الذين يوفرون الإيرادات للشركة ويحددون هويتها التجارية.
وبهذا الصدد، استطاعت العديد من الشركات بالفعل (وتستطيع مستقبلاً) خلق تأثير اجتماعي إيجابي هائل. وفي عالم اليوم، تقوم كل شركة كبرى تقريباً بإدارة مجموعة واسعة من الأنشطة الاجتماعية والبيئية التي تتماشى مع سلسلة القيمة التجارية الخاصة بها. ومع أنه قبل عقدين من الزمان، كانت هذه الأنشطة مسألة اختيارية، إلا أنها اليوم أنشطة لا غنى عنها للشركات. هكذا أصبحت فرص خلق قيمة مشتركة تنفع الشركة والمجتمع على حد سواء، بشكل متزايد، جزءاً أساسياً من استراتيجية الشركات التجارية. على الرغم من ذلك، لا تزال الشركات تبحث عن الطريقة الصحيحة لإيصال جهودها في مجال المسؤولية الاجتماعية والإعلان عنها.
وحتى الآن، لا تزال الطريقة الأكثر شيوعاً لفعل ذلك هي نشر تقارير استدامة برّاقة ولامعة. كشفت الاحصائيات أنّ 85% من شركات مؤشر إس وبي 500 (S&P 500) تنشر مثل هذه التقارير، حيث تأتي غالباً بحجم أطول من تقاريرها المالية السنوية. ويتم ذلك كما يلي، تقوم أقسام العلاقات العامة والتواصل الإعلامي المتطورة للغاية بهذه الشركات بإرسال هذه التقارير لوسائل الإعلام، والمنظمات غير الحكومية، وللوكالات الحكومية، والجامعات، ولكل جهة أخرى لديها علاقة بالقطاع الاجتماعي. لكني في الحقيقة أعرف أنه لا أحد يقرأ هذه التقارير عدا بضعة جهات تراقب الشركات.
في حين أنّ الذي ينبغي على الشركات فعله بدل ذلك هو تكييف قنوات تواصلها في ما يخص مبادراتها الاجتماعية بحيث تخصص قناة تواصل لكل فئة من فئات جمهورها الأربع التي ذكرناها آنفاً. والآن لنتأمل في ما يتطلبه الأمر لتحقيق تأثير طيّب وردود فعل ايجابية لكل فئة من هذه الفئات.
جهات مراقبة الشركات
يعتبر النشطاء الاجتماعيون نقاداً صارمين وواضحين، وهم يقظون ومنتبهون لالتقاط أي تأثير سلبي قد تقوم به الشركات. وهؤلاء النشطاء، سواء أكانوا أفراداً أو مؤسسات، مخلصون لعملهم وجادون فيه ويبحثون عن تقارير مفصلة في ما يخص النشاطات الاجتماعية والبيئية التي تقوم بها الشركة ومورديها. وهذه الفئة تقدّر حقاً البيانات التي توفرها تقارير الاستدامة الدورية التي تنشرها الشركات، لكنهم لا يكتفون بالصور الجميلة والغلاف الصقيل. من ناحية أخرى، تركز الجهات التنظيمية الحكومية على سلوكيات الشركة، وليس على أعمالها الخيرية المتنوعة.
تريد هذه الجهات التنظيمية الحكومية والمنظمات غير الحكومية أن يساهموا مع الشركة في حل المشاكل الاجتماعية والبيئية ذات الاهتمام المشترك. ولذلك، يعتبر خلق قناة تواصل مستمرة، وإطلاق مشاريع مشتركة، والسماح بانخراط الجهات المعنية في نشاطات الشركة أمراً ضرورياً لبناء علاقات عمل بنّاءة مع هذه المنظمات والجهات الحكومية. ومن هنا على الشركات أن تتعاون مع المنظمات غير الحكومية المناسبة ومع الجهات التنظيمية الحكومية المعنية لمعالجة أي أضرار قد تتسبب بها أعمال هذه الشركات التجارية.
وبما أنّ قناة التواصل مخصصة لكل فئة على حدة، فلن تعرف الفئات الأخرى أبداً أو تفهم هذه النشاطات وراء الكواليس أو التحديات المعقدة التي تواجه الشركة إثر التغيير الفعلي للظروف الاجتماعية والبيئية داخل الشركة وعملياتها التجارية أو داخل فروع تلك الشركة ومورديها في البلدان البعيدة. لأن مثل هذه القضايا غالباً ما تناقش بشكل خاص ولا تحتاج إلى الإعلان عنها لجمهور أوسع.
فئة الموظفين
تعتمد الكثير من الشركات على التطوع وبرامج المنح المختلفة لإشراك الموظفين في أنشطتها الخيرية ورفع معنوياتهم. ومع ذلك لا تؤدي معظم هذه الجهود إلى إحداث فارق كبير في حياة الموظفين وفي ذات الوقت لا تحقق أي تأثير اجتماعي هام. ومع أنّ للتطوع القائم على المهارات وتنفيذ استراتيجية جيدة للعمل الخيري طرق أفضل بكثير مما سبق، إلا أنها تظل هامشية ولا تُشرك إلا عدداً قليلاً جداً من الموظفين. وبهذا الصدد، ينبغي أن يكون الهدف النهائي موجهاً لجميع الموظفين بحيث يتيح لهم أن يجدوا معنى لعملهم اليومي في الشركة. وهذا ما يتطلب من الرئيس التنفيذي ومجلس إدارة الشركة صياغة هدف اجتماعي يتجاوز مجرد خلق القيمة الاقتصادية للمستثمرين في الشركة.
ومن هناك، على الشركة أن تعيش هذا الهدف وتنفذه، ولا تكتفي بمجرد الحديث عنه. ولإيضاح ذلك، سنتناول هنا ثلاثة أمثلة لشركات قامت بذلك وهي: شركة نستله وشركة نايكي وشركة آي بي أم. تعتزم شركة نستله التحول من مجرد كونها شركة للمأكولات والمشروبات إلى شركة تشمل قطاع الصحة والتغذية. أما شركة نايكي فتسعى إلى التوسع في قطاع اللياقة البدنية. في ما تهدف شركة آي بي أم إلى جعل الأرض كوكباً أكثر ذكاء. بهذا الشكل، يستطيع موظفو هذه الشركات عبر مختلف مستوياتهم المهنية رؤية هذه الأهداف والافتخار بالطريقة التي توفر بها منتجات الشركة الجديدة واستراتيجياتها وأعمالها التشغيلية هدفاً اجتماعياً واضحاً.
المستثمرون
لا يهتم المستثمرون كثيراً بالقضايا الاجتماعية والبيئية، والكثير منهم لا يزال كذلك. وسواء أكان ذلك استلهاماً من رسالة لاري فينك الأخيرة التي تصف توقعات شركة بلاك روك بأنه كلما استثمرت الشركات في تقديم قيمة اجتماعية، ازداد مستوى نمو استثمار التأثير والاستثمار المسؤول اجتماعياً، أو كان ذلك استلهاماً من عملي مع مايكل بورتر من كلية هارفارد للأعمال، حيث قدمنا القيمة المشتركة كميزة تنافسية للشركات، فالأمر المؤكد هو أنّ العوامل الاجتماعية تنتشر ويُعترف بها بشكل متزايد كمكوّن من مكونات الأداء.
مع ذلك لن يقرأ تقارير استدامة الشركات إلا عدد قليل من المستثمرين، ولن يقتنع إلا قلة منهم بإعلان الشركات عن أهدافها الاجتماعية. يحتاج المستثمرون قصة واضحة تشرح كيف يمكن لتأثير الشركة الاجتماعي والبيئي أن يقدم أداء اقتصادياً أفضل وميزة تنافسية أعلى. لا تزال معظم الشركات تمتنع عن الحديث عن كسب الأرباح من أنشطتها الاجتماعية، حيث تفضل أن تصف هذه الأنشطة بأنها غير ربحية وذات طابع خيري تماماً. مع ذلك نجد أنّ المشاكل الاجتماعية التي يتم معالجتها كفرص تجارية لزيادة المبيعات وتقليص التكاليف أو خلق ميزة تنافسية ذات مغزى، هي الأنشطة التي تتميز بأعظم تأثير اجتماعي. ومن هنا يعتبر فهم المنفعة الاقتصادية الناتجة عن الآثار الاجتماعية التي تقوم بها الشركة هي الرسالة التي يحتاج المستثمرون سماعها. بهذا الصدد، يمكن اقناع المستثمرين كما يلي: لا بدّ أن تُدرج قصة الهدف الاجتماعي والأدلة الداعمة التي تربط بين الأثر الاجتماعي والعوائد الاقتصادية في التقرير السنوي ورسالة الرئيس التنفيذي للمستثمرين، بما أنّ هذه الوثائق هي المستندات التي يقرأها المستثمرون بالفعل.
الجمهور العام والعملاء
كل ما سبق من الرسائل مهم بالفعل، لكن العملاء والجمهور العام لن يعرف بالكاد أي شيء عنها. وصحيح أنه مع إنفاق ما يكفي من الدولارات على الإعلانات، قد تصل بعض الأهداف الاجتماعية التي تحققها الشركة للعملاء، إلا أنّ معظمهم قد اعتادوا على شعارات الشركة التي تشيد بروعتها. بالنسبة للمستهلكين، قد تُحدِث رسالة إحدى نقاط البيع تحمل العبارة "صفقة تجارية عادلة" أو "منتج مصنوع 100% من مواد معاد تدويرها" بعض التأثير، لكنها لن تحدث بالضرورة تأثيراً واسع النطاق في هوية الشركة لدى عملائها. من ناحية أخرى، لن تغير سياسة تجنب الممارسات الضارة في سلسلة توريد الشركة أو تبرعها للحملات الخيرية تصورات العملاء عن هوية الشركة.
ومن أجل إقناع الجمهور بشكل فعلي، ينبغي على الشركات أن تتولى زمام المبادرة في حل المشكلة، لنأخذ شركة وول مارت وشركة كروغر آند دك (Kroger and Dick) على سبيل المثال وقرارهما بالامتناع عن بيع البنادق الهجومية؛ أو حديث بول بولمان الرئيس التنفيذي لشركة يونيليفر عن التغير المناخي. قامت وول مارت برفع أجور الآلاف من الموظفين، وهناك سلسلة صيدليات سي إف إس التي تخلت عن 2 مليار دولار من عائداتها بالتوقف عن بيع المنتجات التبغية. يتأثر الجمهور حقاً ويعجب بالشركات التي تثبت من خلال تصرفاتها (وتصرفات رؤسائها التنفيذيين أيضاً) أنها تدافع عن مبادئ مهمة وترغب في اتخاذ قرارات صعبة بناء على تلك المبادئ. وبهذا الصدد، نقول أنّ هذه الرسائل تصل إلى الجمهور من خلال وسائل الإعلام، وليس من خلال الإعلانات التجارية أو تقارير الاستدامة الدورية. وبالتالي، على الشركات التي ترغب في الحصول على إعجاب الجمهور أن تتخذ موقفاً صارماً وواضحاً وفي الوقت المناسب إزاء بعض القضايا الاجتماعية المهمة. وتذكّر أنّ أية طريقة أخرى، لن تجدي وسيضيع صداها وسط ضجيج الإعلام الذي لا يتوقف.
لقد ولّى الزمن الذي كانت الشركات تستطيع فيه تجاهل التداعيات الاجتماعية والبيئية لمنتجاتها وأنشطتها، أما بالنسبة للشركات التي حاولت ذلك فالعواقب كانت وخيمة عليها، مثلما حدث مع شركة فولكس فاغن التي حاولت التحايل على قواعد الشركات التجارية المعاصرة وتوقعات المستهلكين. وفي هذا الجانب، قامت معظم الشركات بالفعل بقطع أشواط كبيرة في سبيل تطهير أعمالها. ولكن فعل الأمر الصائب لا يعني بالضرورة أن ينسب الفضل لك.
بالتالي، نحّ عنك تقرير الاستدامة وقم بإرسال الرسالة المناسبة للفئة المناسبة من جمهورك، حسب ما فصلناه أعلاه. تعاون مع النشطاء الاجتماعيين والجهات التنظيمية، وأرشد الموظفين كيف يعثرون على معنى وهدف لعملهم معك، وقم بشرح الفوائد الاستراتيجية والمالية للمستثمرين وأصحاب الأسهم في التقرير المالي السنوي لشركتك، وتحلّ بالشجاعة لتأخذ شركتك موقفاً علنياً وواضحاً إزاء القضايا المتعلقة بنشاطك التجاري. عندئذ سيأتي الحب والتأييد والإعجاب من الجمهور.