يتمحور الكثير من التركيز الاستراتيجي في الاقتصاد الرقمي حتى الآن حول الحصول على رؤى أفضل للعملاء. ولطالما كانت الشركات التي تبيع العملاء مباشرة تحتل الدور الريادي في المبادرات التي تعمل على تحليل المستهلكين. ومكّنت التجارة الإلكترونية، والتجارة المتنقلة، ومنصات وسائل الإعلام الاجتماعية الشركات من تحسين صياغة المبادرات التي تُعنى بالتسويق ودعم وخدمات العملاء. كما مكّنت البيانات الموسّعة والتحليلات المتقدمة التي تعتمدها الشركات التي تبيع العملاء مباشرة الاستراتيجيين من تحسين فهمهم لسلوك المستهلك والميول المنسجمة مع ذلك السلوك، طالما أنّ الزائرين والمشترين يقومون بأنشطة يومية إلكترونياً.
في المقابل، تتنامى إمكانية الحصول على رؤى عملاء الشركات التي تروج وتبيع منتجاتها وعروض خدماتها لشركات أخرى، وتشهد تركيزاً مكثفاً، مع زيادة توافر البيانات الرقمية الجديدة التي تصف الشركات. وتشتمل أنشطة الرؤى التقليدية للشركات التي تبيع شركات أخرى على بيانات محدودة، مثل حجم الشركات مقاسة بالإيرادات، ورأس المال أو عدد الموظفين، ونوع الصناعة المصنفة رسمياً من قبل نظام الحكومة الأميركية الرباعي لتصنيف الأنشطة التجارية.
توفر شبكة الإنترنت مستوى أكثر تفصيلاً من البيانات، إذ يغوص بالفعل إلى ما هو أبعد من التصنيف القياسي للصناعة، حيث يقدم محتوى الويب، الذي يوفر وصفاً دقيقاً ومفصلاً للشركات، معلومات وصفية قيّمة. ومع ذلك، فإنّ هذه الموارد الرقمية لا تعطي قيمة تذكر ما لم يتم تحديد العملاء الفرديين، حيث يتم تحليل خلفياتهم واهتماماتهم التفصيلية لتقديم رؤى استراتيجية للموردين. وهنا نشعر بفائدة توفير تقنيات الذكاء الاصطناعي.
يمكن القول أنّ الشبكات العصبية وخوارزميات "التعلّم العميق"، إضافة إلى غيرها من أساليب التعلم الآلي، تمكّن علماء البيانات من تحصيل الهدف الثمين على شكل صيغ رقمية. وتشمل هذه الأساليب المستندة إلى الذكاء الاصطناعي تقنيات بحث متقدمة تحدد وتصنف وتجمع عناصر البيانات المحددة من قبل المستخدم المتوافقة مع معايير البحث. على سبيل المثال، توجد معلومات مهمة عن وصف النشاط التجاري على موقع لينكدإن (LinkedIn). ولكن كيف يمكن للشركات تحليل كل ملف شخصي على الشبكة؟ تشكل خوارزميات الذكاء الاصطناعي المصممة تصميماً جيداً المفتاح الأساسي لاستخراج المعلومات من لينكدإن. ومن ثم توفر هذه الموارد من البيانات الأكثر تنظيماً وسيلة لتطبيق آخر للخوارزميات القائمة على الذكاء الاصطناعي، حيث ينصبّ التركيز على تحديد الأنماط الموجودة في هذه البيانات التي توفر في نهاية المطاف الأساس للنماذج التنبؤية للمبيعات والتسويق. ويمكن استخدام هذه النماذج في إمكانيات التقدير، والتنبؤ، والتصنيف. ومن خلال مساعدة الشركات التي تبيع منتجاتها إلى شركات أخرى على جمع بيانات أفضل عن العملاء، سيساعد الذكاء الاصطناعي في لحاق الشركة بأقرانها من الشركات التي تبيع العملاء مباشرة.
واعتمدت إحدى الشركات التي تركز على تحليلات الذكاء الاصطناعي لتطبيق التعاون مع شركات أخرى، طريقة فريدة للاستفادة من البصمات الرقمية واسعة النطاق، التي توفر سمات وصفية لجميع أنواع الشركات. ويمكن الاستفادة من هذا النهج في جمع أصول البيانات والدمج بين فن وعلم إنتاج الحلول التحليلية. وفي هذا السياق، تأخذ تقنية إيفرسترينغ (EverString) بعين اعتبارها القطاعات المتنوعة للويب، التي تحتوي على معلومات وصفية للشركات (على سبيل المثال، مجالات الموقع والبصمات الرقمية للموظفين) وتدمج المدخلات من الممارسين الخبراء في فضاء الشركات التي تبيع منتجاتها لشركات أخرى للمساعدة في تقديم وصف أكثر دقة لشركات بحد ذاتها. وتنشر إيفرسترينغ التعلّم الآلي لتحديد واستخراج ونمذجة نظام تصنيف للشركات بحيث يمكن للمستخدمين في فضاء الشركات التي تبيع منتجاتها إلى شركات أخرى تحديد الفرص بشكل أكثر دقة.
تحتاج الشركات التي تبيع منتجاتها إلى شركات أخرى أن تعرف، على سبيل المثال، كم عدد الشركات الموجودة في مساحة سوق معين. ولكن كيف يمكنها تحديد جميع الشركات التي تقع في السوق والمتعلقة بمنتجها أو خدمتها والوصول إليها؟ وأي مشترين محددين يجب أن تستهدفهم في تلك الشركات؟ من خلال خلق نظام التصنيف الدقيق وتطبيق الذكاء الاصطناعي الموجه لمختلف القطاعات على شبكة الإنترنت، تستطيع شركة إيفرسترينغ إنتاج الآلاف من رؤى العملاء في فترة قصيرة لعملائها المصنفين على أنهم شركات تبيع منتجاتها إلى شركات أخرى. وأنشأت الشركة نظاماً ذكياً لزيادة بيانات العملاء في فضاء شركات تبيع منتجاتها إلى شركات أخرى.
تُعد شركة أوتوديسك (Autodesk) إحدى الشركات التي تبيع منتجاتها إلى الشركات، والتي تستخدم منصة إيفرسترينغ. وهي شركة برمجيات متعددة الجنسيات توفر البرمجيات للهندسة المعمارية والبناء والتصنيع والإعلام والصناعات الترفيهية. وكان التركيز الرئيسي في نهج أوتوديسك لمبيعات الشركات إلى شركات أخرى في السنوات الماضية، ينصب على استخدام المزيد من البيانات لاختيار الحساب والتفاهم. ولكن في الشركات الكبيرة ذات الاتجاه التصميمي، غالباً ما يكون من الصعب فهم أي من الأفراد قد يكون لديهم اهتمام في برامج التصميم بمساعدة الكمبيوتر.
قبل العمل مع إيفرسترينغ، اعتمدت أوتوديسك على الخبرة الميدانية وتاريخ شراء العملاء. أما الآن فهي تعتمد بشكل متزايد على التحليلات التنبؤية من إيفرسترينغ لتحديد العملاء المحتملين. وتُعد إحدى الأدوات الرئيسية في ذلك، نموذج ميل المؤسسات لعقد اتفاقيات الأعمال التجارية، ما يشير إلى نوعية المدراء التنفيذيين في شركة العملاء الكبيرة الأكثر احتمالاً للانخراط في اتفاق على مستوى المؤسسة مع أوتوديسك. وتحتفظ الشركة أيضاً بنموذج الحساب المحتمل الكلي، الذي يستفيد من بيانات وتنبؤات إيفرسترينغ.
يمكن القول أنّ المستخدمين الأساسيين للبيانات والنماذج هم، بطبيعة الحال، فريق المبيعات في أوتوديسك. ويتم منحهم توصيات مبوبة حسب الأهمية والمصادر الخام التي تم إنشاؤها من قبل نماذج إيفرسترينغ. وتدير شركة استراتيجية المبيعات العالمية في أوتوديسك العملية وتحاول التأكد من البيانات والنماذج.
ما يزال استخدام هذه القدرات في أوتوديسك في أيامه الأولى، ولكن حتى الآن يشعر كل من فرق المبيعات ومجموعة استراتيجية المبيعات العالمية أنّ ما تقدمه إيفرسترينغ مفيد جداً لعملية البيع. وكما أخبرنا ماثيو ستيفنز، مدير رؤى المبيعات في أوتوديسك ضمن استراتيجية المبيعات العالمية: "توفر إيفرسترينغ المدخلات الرئيسية للتحليلات، والتي نحولها إلى فرص مبيعات محتملة. ما يزال الوقت باكراً لنحكم على العائد بشكل محدد، ولكن من الصعب تخيل تقديم توصية دون هذه الأفكار. نحن نواجه تحدياً للرد على جميع الأسئلة حول الحسابات والإنجازات، ولكن على الأقل لدينا بيانات لدعم توصياتنا الآن".
وأشار ستيفنز أيضاً إلى وجود العديد من الأنشطة التي يجب متابعتها في المستقبل مع هذا النهج من المبيعات القائم على البيانات: "يُعتبر العثور على بيانات عن الشركات الأوروبية والآسيوية تحدياً بسبب لوائح الخصوصية والاختلافات اللغوية. نحن نعمل مع إيفرسترينغ لفهم هذه الفرص بشكل أفضل. لا ترتبط تحليلات وبيانات إيفرسترينغ لدينا حالياً بفرق البيع التي تمثل نظام إدارة علاقات العملاء لدينا. ولكننا في المرحلة الأولى من رحلة متعددة المراحل لفهم التحليلات والرؤى في المبيعات. ونحن بكل تأكيد نتحرك في الاتجاه الصحيح".
هناك أدوات جديدة تقدمها شركات مثل إيفرسترينغ. تمكّن هذه الأدوات الشركات المتجهة نحو بيع المنتجات لشركات أخرى مثل أوتوديسك من تطوير أساليب المبيعات والتسويق الذي يعتمد بشكل أكثر بكثير على البيانات. ربما يكون مقدار ونوعية البيانات المتوفرة لدينا حتى الآن حول الأعمال التجارية أقل بكثير مما يتوفر لدينا من بيانات حول المستهلكين، ولكن يتم إحراز تقدم كبير في تحقيق التكافؤ في هذا المجال.