لكن تحقيق مثل هذا النجاح يفرض علينا الإجابة عن العديد من الأسئلة المهمة المتعلقة بالقيادة، أياً كان المستوى الذي بلغناه في مسيرتنا المهنية. ما تعريفك الشخصي للنجاح؟ وماذا يعني تحقيق أمر ذي قيمة وإحداث تأثير؟ وما أفضل طريقة لحثّ الزملاء على مناصرة قضيتنا، أو معالجة المشكلات والعقبات الحتمية، أو مراجعة الخطط للتصدي للنكسات أو الصمود أياً كانت الصعوبات؟ وما مدى اعتمادنا على أفكارنا وخبراتنا، وهل نطلب المشورة والدعم ممن حولنا؟ إذا كنا نأمل في تحقيق النجاح، فعلينا فهم أسلوبنا في القيادة.

قضيت وقتاً على مدار العقود الثلاثة الماضية مع قادة في مجموعة واسعة من المجالات بصفتي محرراً شاباً أولاً في هارفارد بزنس ريفيو، ومن ثم مؤسساً مشاركاً لمجلة فاست كومباني (Fast Company)، والآن بصفتي كاتباً؛ ولاحظت أن كل قائد منهم حقق نجاحاً وتأثيراً هائلين بطرق مختلفة تماماً، لكني تمكنت من تحديد 4 أنماط توضح أساليبهم المتّبعة في القيادة وسبب اختيارهم لها، وتوصلت إلى مجموعة من 16 سؤالاً لمساعدتك في تحديد أسلوب القيادة الأنسب لك. لا توجد إجابات صحيحة عن هذه الأسئلة بالطبع، إذ إن أساليب القيادة كثيرة وليست مقتصرة على أسلوب واحد فقط، لكن على كل منا معرفة أسلوب القيادة الذي يناسب هويته وما يأمل تحقيقه.

ما الأساليب الأربعة للقيادة؟

رائد الأعمال الكلاسيكي

يُعرّف المستثمر الأسطوري جون دوير رائد الأعمال الكلاسيكي بأنه “شخص “يصنع من أقل الأشياء ما يفوق توقعات الآخرين”؛ فالقيادة بالنسبة لهذا القائد تدور حول التشويق المتولّد من المنافسة والسعي إلى تحقيق النجاح. والمقاييس المهمة بالنسبة له هي تلك المتغيرات الواضحة، كالتكاليف والجودة وهوامش الربح والصفقات الذكية. قد يهتم بالقيم التي تمثّلها شركته بالطبع، لكن عرض القيمة المالي هو الأكثر أهمية. كما أنه يحب صنع منتجات مُبتكرة وتأسيس شركات مؤثرة. وهو بحسب دوير، شخص “انتهازي”، ولا يقصد بذلك انتقاده، بل يقصد أنه يستمتع بـ “استكشاف الفرص” و”إبرام الصفقات”. وعندما يواجه قرارات تتعلق بطرح منتج جديد، أو التعامل مع زبون غير راضٍ، أو بيع الشركة إلى مشترٍ متحمس، فهو يركز على وضع حسابات صارمة وعوائد مالية واضحة.

صاحب الرسالة العصري

يسعى إلى تحقيق نجاح يتجاوز النجاح التجاري؛ فهو يطمح إلى الفلاح والتميّز. ولا يرتبط الفوز بالنسبة له بالتغلب على المنافسين بقدر ما يرتبط بالتوصل إلى ابتكارات أصلية وهادفة، ولا يرتبط النجاح بجني الأموال بقدر ما يرتبط بتحقيق أمر ذي قيمة وإحداث تأثير. قد تكون القيمة الاقتصادية مهمة بالطبع، لكن القيم الإنسانية هي التي تقود شغفه إلى تحقيق النجاح، وهو ما يجعله يتحمّل مخاطر لا يتحمّلها رواد الأعمال الكلاسيكيون، حتى لو لم تكن العوائد القصيرة الأجل واضحة، أو يرفض الصفقات التي يقبلها الآخرون، لأن تركيزه منحصر على تحقيق تأثير واسع النطاق وليس على كسب عوائد مالية. ولا ينطوي هدف هذا القائد على إدارة الشركة فحسب، بل على تحويلها إلى شركة ذات هدف.

حلّال المشكلات

لا يهتم هذا القائد بإحداث تأثير كبير بقدر اهتمامه بالنتائج الملموسة، فهو يؤمن بقوة الخبرة وقيمة التجربة. قد تغيّر التكنولوجيا المزعزعة ونماذج الأعمال الجديدة الأسواق والقطاعات بالفعل، لكن النجاح الماضي بالنسبة له يُعد مؤشراً جيداً على التأثير المستقبلي. وعندما يحصل حلال المشكلات على ترقية أو يدير المؤسسة التي أسسها، تتمثل أول خطوة له في مواجهة الصعوبات وتحديد مكامن الفرص الجديدة.  قد يعتمد على نصائح زملائه بالفعل، لكنه يركن في النهاية إلى خبراته لتوجيه المؤسسة صوب تحقيق النجاح في المستقبل. ولعل هذا المسؤول التنفيذي، الذي يمارس سلطته من القمة إلى القاعدة ويمسك زمام المسؤولية، هو الأشهر بين أنواع القادة الأخرى لأنه يفعل المستحيل لتحقيق أهدافه.

الباحث عن الحلول

يرتبط أسلوب هذا القائد بتحقيق نتائج تدريجية والتوصل إلى حلول ملموسة، لكنه يؤمن بأن الإسهامات الأعلى قيمة تأتي من أشخاص غير متوقعين، كالعبقرية الخفية لزملائهم، والعبقرية المجتمعة للعاملين في مؤسساتهم؛ ويحرص على ألا تحدّ معارفه أحلامه، كما يلتزم تحقيق نتائج الأعمال، لكنه يعتقد أن الجميع يحملون مسؤولية تحقيقها. قد لا يتصدّر هذا القائد المتواضع والبسيط عناوين أخبار وسائل الإعلام، لكن ذلك لا يعني افتقاره إلى الطموح، بل يؤمن بالفعل أن التواضع في أثناء السعي هو العقلية الصحيحة لتحقيق إنجازات كبيرة في عالم يكتنفه الغموض.

ما أهمية فهم أسلوب القيادة الذي يناسب كلاً منا؟ إذا فهمنا أنفسنا وعرفنا ماهية اهتماماتنا وكيفية اتخاذنا القرارات وسبب اتخاذنا لها فسننجح في كسب دعم الآخرين لما نأمل تحقيقه. ففي زمن الاضطرابات الشديدة والتطورات المُبهجة والتغييرات المتواصلة والوعود المُطلقة، أصبحت سُبل النجاح كثيرة تماماً مثل فرص الفشل.