تعرض دراسات الحالة التي تصيغها هارفارد بزنس ريفيو على هيئة قصص خيالية لمشاكل يواجهها القادة في الشركات الحقيقية وتقدّم الحلول التي يراها الخبراء. تستند هذه الحالة إلى دراسة حالة في كلية آيفي للأعمال (Ivey Business School) بعنوان: "شركة ذا تشيلدرنز بليس إنك (The Children's Place, Inc.): التحديات في عالم ما بعد حادثة رانا بلازا" من تأليف رام سوبرامانيان.
احتست لورا كورنبرغ، الرئيسة التنفيذية لشركة "توتس & تينز" كوباً من الشاي الأسود بينما كانت جالسة في قاعة الانتظار في مطار شاه جلال الدولي محاولةً الاختلاء بنفسها لبعض الوقت لكي تستجمع قواها قبل حلول موعد مغادرة طائرتها. فالأيام القليلة الماضية كانت عاصفة، وكانت لورا ما تزال تحاول أن تستوعب كيف انقلبت حياتها المهنية بهذه السرعة من حالة فرح إلى أزمة.
فيوم الاثنين الفائت، كانت تهنئ موظفي شركتها "توتس & تينز" تقديراً لهم على الأداء المالي السنوي الممتاز لشركة التجزئة المتخصصة بالثياب الولادية (ملابس الأطفال) التي تعمل انطلاقاً من نيوجرسي، حيث كانت أرباحها قد ارتفعت بنسبة 5%. كانت لورا قد جمعت الموظفين كلهم في مقر الشركة للاحتفاء بهذا الحدث العظيم. لكن الرئيس التنفيذي للعمليات في "توتس & تينز" جيم زابا كان قد انفرد بها جانباً وزف إليها الخبر الصادم، المتمثل في انهيار مصنع للأقمشة في بنغلادش كان متخصصاً بإنتاج الملابس وتجهيزها لصالح "توتس & تينز" وغيرها من شركات التجزئة في منتصف نهار عمل. فما كان منها إلا أن حجزت هي وجيم تذكرتين على أول طائرة، وهبطت في العاصمة دكا صباح اليوم التالي، مستقلة سيارة إلى موقع الكارثة.
كان المشهد مريعاً، إذ كانت الجرافات تزيل الأنقاض من الموقع، وكان عمّال الإنقاذ يبحثون عن ناجين وسط الركام، بينما راحت مجموعة من الأمهات تنتحب وترفع صور المفقودين من أبنائها وبناتها. بدت المنطقة وكأن زلزالاً قد ضربها. وبحسب التقارير الإخبارية، فإن البناء كان قد شيّد على عجل بتكلفة زهيدة وبمواد بناء سيئة الجودة فوق بحيرة مردومة. كان أكثر من 2000 عاملة وعامل قد قضوا نحبهم في الحادث، فيما أصيب عدد أكبر من ذلك بكثير بجراح.
وبينما كانت لورا تتفقد الركام، شعرت بالغثيان. فالخسائر في الأرواح كانت كارثية، وبما أنها كانت أمّاً فقد تخيّلت ما يدور في أذهان أهالي العمال القتلى والمصابين. لكنها كانت مضطرة إلى المحافظة على رباطة جأشها، فلديها وظيفة تؤديها. فقد كانت الشركة بحاجة إلى العثور على طريقة لدعم الضحايا وعائلاتهم وتشديد الإشراف على سلسلة التوريد. وكانت هناك مهمة أكثر إلحاحاً تتمثل في العثور على منشأة بديلة. فالعمل في خط الملابس الخريفية، الذي يمثل عادة 80% من إيرادات "توتس & تينز" كان يُفترضُ به أن ينطلق بعد أسبوعين. كان على لورا أن تقرر بسرعة ما إذا كان هناك متعهد بنغالي يستطيع إنجاز المهمة أم أنها يجب أن تنقل نشاطها إلى مصنع كانوا يتعاملون معه أصلاً في الصين.
الإيجابيات والسلبيات
أمضت هي وجيم بقية اليوم متفقدين المنشآت الأخرى، وفي صباح اليوم التالي عادا إلى مطار شاه جلال في طريقهما إلى شنزن لزيارة أحد المتعاقدين الصينيين الذين كانوا يتعاملون معهم. في تلك اللحظة، انضم جيم إلى لورا في صالة الانتظار حاملاً معه زجاجتي مياه وكوباً كبيراً من القهوة. كان الإنهاك بادياً عليه تماماً كما بدا عليها.
"كان يوم أمس قاسياً جداً"، قالت لورا. "لا أستطيع نسيان منظر الركام وأصوات العويل".
"نعم"، أجابها جيم هازّاً رأسه وهو القادم من ولاية تكساس وسبق له أن خدم في فرقة مشاة البحرية الأميركية لذلك كان شخصاً كتوماً بطبعه.
"ما رأيك بإبقاء عملياتنا في بنغلادش؟ هل نستطيع ضمان عدم تكرار ما حصل؟"
"لست واثقاً من ذلك"، قال جيم مضيفاً: "بالطبع هناك إيجابيات وهناك سلبيات. فعندما قررنا قبل بضع سنوات التوقف عن بيع منتجات العلامات التجارية للآخرين وإنشاء علامتنا التجارية الخاصة بنا، اخترنا التصنيع في بنغلادش بسبب انخفاض التكلفة فيها وسهولة الإنتاج هناك. فاليد العاملة وتكاليف النقل هناك رخيصة، وجودة البضائع مقبولة نسبياً، وجميع المصانع متركزة في منطقة صغيرة. وثمة إيجابية أخرى ألا وهي أن بنغلادش تستطيع تصدير بضائعها إلى الاتحاد الأوروبي دون رسوم جمركية، وهي ميزة لا تتمتع بها الصين أو الدول الإفريقية".
أومأت لورا برأسها في إشارة منها إلى موافقتها. فالخطة الاستراتيجية الخمسية لشركة "توتس & تينز" كانت قد دعت إلى التوسع نحو ألمانيا، وفرنسا، وإسبانيا، وسيكون وجود إعفاءات جمركية أمراً مفيداً. "وما هي السلبيات؟".
"رغم أن بنغلادش أصدرت قوانين ومعايير وأنظمة واضحة لحماية سلامة العمال، إلا أن هذه الأشياء غالباً ما تحظى بالتجاهل أو التهميش. لم نكن نعلم أن المصنع كان بهذه الحالة المزرية، لكن الواضح هو أن الملّاك لم يأبهوا لذلك، وأن المفتشين غضّوا الطرف لفترة أطول من اللزوم. بالنسبة للمنشآت التي رأيناها اليوم، هي على ما يبدو تفي بالمعايير المطلوبة، لكن ليست هناك ضمانات، وتحديداً عندما تتزايد الضغوط منا نحن وتجار التجزئة الآخرين لتسريع عمليات تسليم المنتجات. هناك الكثير من الفساد والفوضى".
"هل بمقدورنا تحسين الأوضاع؟ وماذا عن الجهود المبذولة لتشكيل ائتلاف في هذا القطاع يهدف إلى توفير الحماية للعمال؟"
"لن تكون هذه المهمة سهلة ولا يمكن إنجازها بسرعة"، قال جيم. "وسيكون نقل جميع العمليات إلى الصين أسرع وأقل خطورة. لكن الذي يقلقني هو ما الذي سيحصل عندما نجمع أمتعتنا ونغادر. أعتقد ...."
لحظتها قطع حديثهما الإعلان عن اقتراب موعد مغادرة الطائرة وضرورة صعود الركاب إليها. "إنهم ينادون على طائرتنا"، قال جيم وهو يهم بجمع أمتعته استعداداً لركوب الطائرة.
لكن لورا كانت تعلم بالضبط ما الذي يعنيه. فإذا ما غادرت "توتس & تينز" وتبعها الآخرون، فماذا سيحل ببنغلادش وعمالها؟ لقد سبق وأن اطلعت على الإحصائيات، وكانت تعرف حجم الدعم الذي وفّرته أنشطة قطاع الأزياء ومساهمته في خفض نسب الفقر في البلاد بمقدار الثلث، وهو بات الآن يشكّل ثلث الناتج المحلي الإجمالي. وبالتالي فإن الخروج الجماعي لهذه الشركات سيدمّر اقتصاد البلاد. ولكن ماذا أيضاً لو بقيت "توتس & تينز"، ولم يحدث تغيّر جوهري؟ ساعتها ربما يضطرون إلى مواجهة كارثة أخرى.
عندما كانت لورا قد قررت أن على "توتس & تينز" إنشاء خط الملابس الخاص بها والتفاعل بشكل أكبر مع سلسلة توريدها، لم يكن يخطر في بالها أن شيئاً من هذا القبيل قد يحدث. أما الآن، وبينما كانت تدلف مع جيم عبر المقصورة التي تقود إلى الطائرة انتابها شعور بالضياع. فخلال السنوات الخمس التي أمضتها كرئيسة تنفيذية للشركة، نجحت في النجاة من الانهيارات التي طالت أسواق الأسهم، وعمليات تسريح العمال، وحالة ركود، والإضرابات، وتقليص أحجام الشركات، لكنها لم تكن مستعدة لمواجهة هذا السيناريو.
التكاليف والمخاطر
"بمقدورنا توسيع العمليات دون مشاكل"، قال لهما كيفين تشين، مالك مصنع شنزن.
كان كيفين الذي تخرّج في كلية وارتون ويتحدث الإنجليزية بطلاقة مُضيفاً كريماً واجتماعياً. كما كان شريكاً عظيماً أيضاً. كانت "توتس & تينز" تنتج في الوقت الحاضر 36% من بضائعها في الصين ولم يسبق لها أن واجهت مشكلة فيها قط. كان المصنع الذي يشبه العنبر والمليء بآلات الخياطة والعمال الذين يضعون على وجوههم كمامات نظيفاً ويعمل بمنتهى الكفاءة. ومع ذلك، فإن لورا تساءلت ما إذا كان بوسع كيفين الإيفاء بالوعود التي يقطعها أمامها الآن.
وبينما كانت هي وجيم يستقلان سيارة يقودهما سائق وضع تحت تصرّفهما باتجاه فندقهما الواقع وسط شنزن، عادت لتستشيره من جديد. "كيفين يقول إنهم يستطيعون زيادة حجم عملياتهم، فهل تعتقد أنهم قادرون على إنجاز المهمة المطلوبة بالسرعة التي يقولونها؟"
"ليس لدي من سبب يقنعني بخلاف ذلك"، أجاب جيم. "لكنني أفترض أيضاً أن ما من ضمانات على ذلك".
لم يعجب هذا الجواب لورا. "أحتاج أكثر من هذا الكلام".
"نحن ننتج أصلاً نسبة مئوية كبيرة من بضائعنا في الصين، وحتى الآن كنا سعداء بالوضع"، قال جيم. "هم يفعلون هذا الشيء منذ فترة طويلة جداً، ويبرعون فيه".
"ولكن مع تزايد عبء الإنتاج، هل سيكونون قادرين على تسليم الطلبيات بسرعة؟"
كانت هذه مشكلة كبيرة بالنسبة للشركة. ففي السابق، كانت "توتس & تينز" تحتاج إلى ستة أشهر لتصميم قطعة ملابس، وإرسالها إلى الإنتاج، وطرحها في الأسواق. أما الآن، وبسبب المنافسة من متاجر التجزئة التي تبيع ملابس الموضة السريعة ومطالب المشترين المتقلبة، فإن العديد من خطوط الإنتاج لدى "توتس & تينز" كانت تشهد تبديلات في موضة ملابسها كل أربعة أسابيع. وكان مصنع دكّا يصنّع تلك المنتجات.
"أعتقد ذلك"، قال جيم، لكن نبرته كانت تخلو من الثقة المعتادة.
أصدر هاتف لورا تنبيهات تشير إلى ورود رسائل إلكترونية. رأت مذكرة واردة من كبير المستشارين في الشركة الذي كان يعكف على صياغة مسودة قانونية للائتلاف الخاص بالسلامة العمالية، ومذكرة أخرى من مدير الاتصالات في الشركة ينبّه فيها الإدارة إلى أن إحدى المجموعات الاحتجاجية قد أعلنت عن خطط للتجمع خارج المكتب الرئيس للشركة بعد ظهر اليوم التالي.
تنهدت لورا، فقد كان بوسعها الرد على هذه الرسائل عندما تعود إلى غرفتها في الفندق. التفتت من جديد إلى جيم وسألته: "ما هي الأمور الأخرى التي يجب أن نأخذها بحسباننا؟"
"تكلفة اليد العاملة في الصين أعلى بكثير وهي إلى ارتفاع، لكن أكثر ما يقلقني هو الخطر. ففي الوقت الحاضر، نحن منتشرون في الصين وبنغلادش، وإلى حد أقل في فيتنام وكمبوديا وبضع دول أخرى. فإذا ما نقلنا جزءاً أكبر من إنتاجنا إلى الصين، فإن 50% من إنتاجنا سيتركز هناك، وسنكون..."
"معرّضين للخطر"، قالت لورا مُكملة الجملة نيابة عنه.
أومأ جيم برأسه موافقاً. "أنا قلق مما سيحدث إذا حصل ارتفاع إضافي في التكاليف. لا نستطيع تحمّل تراجع هوامش أرباحنا من نصف منتجاتنا. لا بل الأسوأ من ذلك هو أننا قد نواجه إضراباً عمالياً أو كارثة طبيعية، ما سيعني أن نصف بضائعنا سيتأخر أو سيتعرض للتدمير". كان السيناريو ذاته قد خطر في بال لورا أيضاً.
دخلت السيارة من بوابة الفندق ونزلت منها لورا التي استلمت مفتاح غرفتها من موظف الاستقبال، وودعت جيم متجهة إلى غرفتها، وراحت ترد على الرسائل الإلكترونية الواردة، ثم طلبت لنفسها شطيرة هامبرغر من خدمة الغرف في الفندق. وما أن وصلت الشطيرة حتى كانت لورا قد فقدت شهيتها. كان كل ما تريده لحظتها هو أن تستلقي في السرير وأن تغمض عينيها.
سؤال الابن
لم يسبق للورا أن شعرت بهذا القدر من السعادة لدى وصولها إلى مطار نيوورك (Newark). لم يستغرق وصولها إلى منزلها في منطقة "ساميت" بسيارة الأجرة أكثر من ربع ساعة وقد فوجئت بابنها ديفون الذي كان في عامه الدراسي الثاني في جامعة كولومبيا جالساً إلى مائدة المطبخ يتناول رقائق البطاطا والصلصة الحارّة. "جئت بالقطار إلى هنا. أخبرني أبي أنني سأمضي وقتاً لطيفاً معكم. وأنا سئمت بصراحة من تناول الطعام في مطعم الجامعة ومن طلبات التوصيل"، قال ابنها مبتسماً.
سألته لورا عن دروسه الجامعية، حيث كان ديفون طالباً في قسم العلوم السياسية يتخصص في العلاقات الدولية. وسرعان ما انتقلا للحديث عن الكارثة الحاصلة في بنغلادش.
"الوضع كله فوضوي"، قال ديفون. "أستاذي في الجامعة يقول إن الشركات الأميركية استغلالية ولا تهتم إلا بنفسها. ويقول إنها تحاول التنصل من مسؤولياتها. هل هذا صحيح؟ لا أصدق أن "توتس & تينز" منخرطة في هذا الوضع".
أصابتها كلماته اللاذعة في الصميم. لكن لورا فهمت قصده. فقد ذكّرها ديفون بشبابها عندما كانت طالبة في الجامعة، صبية شغوفة وصاحبة مثل عليا واثقة من نفسها، وساذجة نوعاً ما. آخ لو كانت الحياة بهذه البساطة...
"آسف يا أمي"، قال ديفون بسرعة. "لم أكن أرغب في إرعابك. أعلم أن الأمر ليس سهلاً بالنسبة لك. وإذا كان كلامي يواسيك، فأنا واثق من أنك ستتخذين القرار الصائب. فلطالما تتخذين القرارات الصائبة".
ابتسمت لورا. فللأسف لم يسبق أن كان "القرار الصائب" بهذا القدر من الضبابية. ما الذي تقتضيه مصلحة الشركة؟ وما الذي تقتضيه مصلحة موظفي الشركة وزبائنها؟ وماذا عن مصلحة العمال الذين يصنعون ملابسها، وقمصانها، وبدلاتها في جميع أنحاء العالم؟
ملاحظات على دراسة الحالة
يدرّس رام سوبرامانيان هذه الحالة الدراسية التي تستند إليها هذه القصة في مادته "استراتيجيات الشركات".
ما الذي شدّك إلى هذه القصة؟
بالنسبة لمعظم طلابي الأميركيين، تبدو الأحداث الواقعة في بنغلادش بعيدة جداً وغير ذات صلة بحياتهم اليومية. لذلك ظننت أن تعرّفهم على كارثة "رانا بلازا" سوف يساعد في جسر هذه الهوة المعرفية. كما تشجّع هذه الحالة على الحوار عن موضوع الأخلاق في عالم الأعمال، واستراتيجيات سلاسل التوريد، والتكلفة البشرية لقميص يبلغ ثمنه خمسة دولارات.
كيف يتفاعل الطلاب عادة مع دراسة الحالة هذه؟
يحاجج معظم الطلاب قائلين إن على الشركة التوقف عن استقدام بضائعها من بنغلادش، فيما يوصي البعض ببقائها هناك والمساعدة في تحسين الوضع.
ما الذي تأمل أن يتعلمه الطلاب من هذا النقاش؟
أريدهم أن يتعرّفوا على التبعات الواسعة النطاق لأي قرار استراتيجي وأن يروا أن "التسابق نحو القاع" – الذي يميّز العديد من القطاعات والصناعات العالمية – يؤثر على حياة أناس حقيقيين. وواضعو الاستراتيجيات الذين يتجاهلون تلك التكلفة يعرّضون أنفسهم للخطر.
رأي الخبراء
هل يجب على "توتس & تينز" أن تنقل عملياتها الإنتاجية من بنغلادش إلى الصين؟
جون مانرز – بيل (John Manners-Bell): الرئيس التنفيذي لشركة "ترانسبورت إنتليجنس" (Transport Intelligence)، المتخصصة ببحوث السوق العالمية، والاستشاري لدى المنتدى الاقتصادي العالمي، والأستاذ الزائر في جامعة متروبوليتان لندن (London Metropolitan University).
يجب على لورا إبقاء شركتها "توتس & تينز" في بنغلادش، فهي ملزمة أخلاقياً بدعم عمّال المصنع، ومنحهم أماكن عمل أكثر أماناً، وتقديم الإسهامات إلى المجتمع المحلي. وسيكون من غير الأخلاقي الانسحاب في أعقاب انهيار المبنى.
السؤال المطروح هو: من أين يجب البدء. يُعتبرُ إنشاء تحالف من الشركات الأخرى خطوة أولى جيدة. وهذا بالضبط ما فعلته شركات التجزئة الأميركية والأوروبية بعد كارثة "رانا بلازا" في عام 2013 الذي بُنيت دراسة الحالة هذه على معطياتها إلى حد ما. وقد شكّلت هذه الشركات مجموعتين لمساعدة الضحايا وتحسين شروط السلامة.
ولكن إذا أرادت "توتس & تينز" إدخال تغييرات حقيقية في بنغلادش، فإنها يجب أن تبذل جهداً أكبر، على أن تكون البداية من خلال ضمان حصول العمال على أجور لائقة. فالرواتب الأعلى ستسهم في رفع مستويات المعيشة، وهذا سيؤدي بدوره إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي. وعندما يحصل ذلك، ستصبح لدى الحكومة الأموال اللازمة لتحسين البنية التحتية في البلاد، ما يعني مكسباً لطرفي المعادلة بنغلادش والشركات التي تزاول الأنشطة التجارية فيها.
كما يجب على "توتس & تينز" أيضاً أن تحسّن العلاقات مع المتعاقدين الذين تعمل معهم. وأفضل طريقة لفعل ذلك هي التوقف عن القفز من متعاقد إلى آخر في مسعى لتقليل التكاليف وإدارة الطلب. كما يجب عليها العمل عوضاً عن ذلك على إرساء علاقات مفيدة وتتمتع بالديمومة. فهذا الشيء سيقود إلى تواصل أفضل وسيثني المصانع عن الاستعانة بالمتعاقدين من الباطن الذين يعملون خارج نطاق دائرة "توتس & تينز".
لن يكون أي من هذه الأشياء سهلاً، لكن شركات عديدة مثل "ماركس آند سبنسر" (Marks and Spencer)، و"تيسكو" (Tesco)، و"وول مارت" (Walmart) يمكن أن تشكّل نماذج لشركة "توتس & تينز". وكانت "سويتشر" (Switcher) شركة تجارة التجزئة في الملابس التي تعمل انطلاقاً من سويسرا قد بدأت تجربة في 2014 تبرعت بموجبها بما نسبته 1% من جميع مشترياتها من مورّد صيني إلى عمال المصانع مباشرة. وبوسع "توتس & تينز" فعل شيء مشابه في بنغلادش.
قد تواجه لورا عوائق كبيرة في تطبيق هذه التوصيات. فبالنسبة لمجلس إدارة "توتس & تينز"، قد تبدو الصين خياراً جاذباً، وتحديداً بما أن الشركة تحتاج إلى حل مشاكلها في أسرع وقت ممكن. لذلك يجب على لورا طرح حججها من الزاويتين الاقتصادية والأخلاقية. فبقاء "توتس & تينز" في بنغلادش انطلاقاً من موقف أخلاقي مسؤول مع إدارة سلاسل توريدها بأخلاقية قد يسمح لها باكتساب ميزة تنافسية على حساب شركات تجارة التجزئة الأخرى. وستكون في موضع أفضل يسمح لها بتحديد المخاطر وتجنّبها، لتوفّر بذلك على نفسها مواجهة عدم اليقين، والمفاجآت، والتكاليف غير المتوقعة. وسيسهم ذلك في زيادة قيمة علامتها التجارية في أعين زبائنها من أصحاب الوعي الاجتماعي، وهذا بدوره سيعزز مبيعاتها، لا بل قد تكون قادرة حتى على البدء ببيع ملابسها بأسعار أعلى واستخدام جزء من أرباحها لتحسين سلاسل توريدها، ما يؤدي إلى حلقة قوية ودورة فعالة.
خلاصة القول هي أن على "توتس & تينز" المحافظة على التزامها بالعمل في بنغلادش. فهذا هو الشيء الأخلاقي الواجب فعله، وهو الذي يخدم المصلحة الفضلى للشركة.
أدم كانزر (Adam M. Kanzer): العضو المنتدب ومدير التعاون مع الشركات والسياسات العامة في "دوميني سوشيال انفستمنتس" (Domini Social Investments).
هل يجب على "توتس & تينز" البقاء في بنغلادش أم مغادرتها؟ تتسم الإجابة عن هذا السؤال بتعقيد شديد. فمزاولة الأنشطة التجارية في أي بلد ناشئ هو عملية محفوفة بالصعوبات. وبالتالي مهما كان قرار "توتس & تينز"، فإنها بحاجة إلى تحسين إدارتها لسلسلة توريدها.
الخيار الأكثر إثارة للجدل بطبيعة الحال هو مغادرة بنغلادش. لكن ثمة سابقة لذلك. ففي عام 2013، قررت ديزني الانسحاب من عدد من الدول المحفوفة بمخاطر عالية، بما فيها بنغلادش، بعد سلسلة من الحرائق وتفاقم مشاكل السلامة. لكن خروج ديزني بهذه الطريقة العلنية، والتوصية بتطبيق "برنامج العمل الأفضل" التابع لمنظمة العمل الدولية بعثا بإشارة قوية مفادها أن على المسؤولين الحكوميين الاضطلاع بمسؤولياتهم. وبما أنني تعاملت مع ديزني لسنوات فيما يخص سلاسل توريدها من موقعي في شركة "دوميني"، اعتقدت أن قرارها بمغادرة بنغلادش كان قراراً صائباً. ويمكن لشركة "توتس & تينز" أن تحذو حذوها.
لكن "توتس & تينز" لا يجب أن تأخذ القرار باستخفاف. فحضورها في بنغلادش أكبر بكثير مما كان عليه حضور ديزني، لذلك فإن مسؤوليتها تجاه المجتمع المحلي أعظم بأشواط. ففي أحسن الأحوال، يجب عليها أن تمنح المال والدعم لضحايا انهيار المبنى. فحزم الأمتعة والهروب بسرعة ليس خياراً.
أما إذا لم يكن مالكو المصانع في بنغلادش جادّين في إدخال التغييرات المطلوبة، وإذا لم يسن المسؤولون الحكوميون تشريعات حمائية للعمال ولم يسهروا على تطبيقها، فساعتها سيكون لدى "توتس & تينز" كامل الحق في ترك البلاد. لا بد من اتخاذ موقف حاسم، وهذا أقصى ما يمكن لشركة واحدة فعله. فإذا ما كانت "توتس & تينز" تشك في قدرتها، في نهاية المطاف، على العمل في بنغلادش دون تعريض العمال لمخاطر غير مقبولة، فإنها لا يجب أن تزاول أنشطتها هناك.
الخيار الأكثر موثوقية هو البقاء في بنغلادش. وإذا ما قررت "توتس & تينز" المضي في هذا الطريق، فإنها مضطرة إلى إجراء مراجعة لسلسلة توريدها من ألفها إلى يائها واختيار المصانع الآمنة، والملتزمة بالقوانين، والخاضعة للمساءلة.
كما يجب عليها أيضاً المناداة بحقوق العمال في المصانع، وهذه نقطة في غاية الأهمية. ففي أعقاب كارثة "رانا بلازا"، عملنا أن وزملائي في المركز المشترك للأديان المتخصص بمسؤوليات الشركات (Interfaith Center on Corporate Responsibility) على تشكيل ائتلاف من المستثمرين الذي يمثّلون شركات تبلغ قيمتها 3 ترليونات دولار بهدف حث شركات الملابس على توقيع الاتفاق الخاص بالحرائق وسلامة المباني في بنغلادش، وهو اتفاق مُلزِم قانوناً يجعل الشركات مسؤولة عن تحسين شروط السلامة، والأهم من ذلك هو أنه يقوّي النقابات العمالية. ففي "رانا بلازا"، كان عمّال المصنع قد شاهدوا شقوقاً في الجدار لكنهم لم يرفضوا العمل خشية خسارتهم لوظائفهم. وهو وضع كان يمكن لنقابة عمالية قوية أن تغيّره. لسوء الحظ، كان ثمة شركات كثيرة تعمل انطلاقاً من أميركا، وخلافاً لنظيراتها الأوروبية، فقد ترددت في توقع الاتفاق خشية احتمال تعرّضها للمساءلة جزئياً، ونتيجة لحالة من عدم الارتياح العام لفكرة العمل جنباً إلى جنب مع النقابات العمالية.
يجب على "توتس & تينز" إصلاح ممارساتها المتعلقة بملابس الموضة السريعة، وإن كان ذلك الأمر يتسم بصعوبة شديدة. فأذواق الزبائن لا يمكن تغييرها بين عشية وضحاها. غير أن شركات الملابس بحاجة إلى إجراء مراجعة معمقة لتأثير أنشطتها التجارية وقراراتها التصميمية على عمّال المصانع. فليس سرّاً أن الأسعار الزهيدة وطلبات تسليم المنتجات بسرعة يفرضان ضغوطاً هائلاً على المصانع، وهذا يعني اضطرار العمال للعمل لساعات إضافية أو الاستعانة بمتعاقدين من الباطن لتلبية الطلبيات. وغالباً ما يبدأ التفكير في تقليص نفقات المحافظة على صحة العمال وسلامتهم عند قمة الهرم الإداري، وهذا وضع يجب أن يتغير.
من الأهمية بمكان أن أذكر أن الأوليات التي بيّنتها أعلاه لا تخصّ بلداً واحداً بعينه. وبغضّ النظر عن الدولة التي تزاول فيها "توتس & تينز" أنشطتها التجارية، فإنها يجب أن تعمل على تطبيق هذه التغييرات. فليس من المقبول رؤية كوارث مثل كارثة "رانا بلازا" تتكرر. ولم يعد بوسع الشركات التغاضي عن مسائل السلامة بحثاً عن اليد العاملة الرخيصة. وهي بحاجة إلى الالتزام بمعايير أفضل.