ما أكثر المواضع في شركتك عرضة للزلات التي تمس نزاهتها؟

7 دقائق

تتضمن كل مؤسسة كبيرة الحجم بعض الفجوات التي تمس نزاهتها – وهي المجالات التي يحيد فيها ما يعتبر سلوكاً مناسباً عن المعايير التي يضعها قادتها. وضمن هذه الجيوب، يحصل بعض التغاضي عن استعمال أشياء مثل اللغة المهينة، أو ممارسات المبيعات المفرطة في اندفاعها، أو تضارب المصالح، بل وقد يكون هناك قبول ضمني لها. لكن هذه الزلات لا تعرّض سمعة الشركة فحسب للخطر، وإنما تتسبب بمخاطر تتعلق بالجوانب التشريعية والمسؤولية القانونية.

لا يكتشف العديد من قادة الشركات حجم الفجوات التي تمس النزاهة حتى تكون مشكلة ما قد استفحلت وتحولت إلى أزمة، ويكون قد لاح في الأفق خطر اتخاذ إجراء حكومي أو قضائي بحقها. غالباً ما يُفاجأ أعضاء مجلس الإدارة ويطرحون السؤال التالي: "لماذا لم نلحظ هذا الأمر من قبل؟" "ألم يكن يجدر بنا أن نعرف مواطن الهشاشة لدينا وماهيتها؟" يفترض ببرامج الامتثال والبرامج الأخلاقية أن تحول دون اندلاع هذه الأزمات، لكن من يديرونها غالباً ما يتبنّون مقاربة دفاعية عوضاً عن اقتلاع المشكلة بطريقة استراتيجية من جذورها قبل أن تنمو وتنتشر. ولكن لحسن الحظ، يمكن للقادة أن يستبقوا وقوع هذه المخاطر من خلال وضع أنظمة للكشف المبكر عبر الجمع الروتيني للبيانات.

تظهر الفجوات التي تمس النزاهة لعدة أسباب. ففي مؤسسة تنتشر على نطاق جغرافي واسع، يمكن للمعايير والثقافات المحلية أن تتباين تبايناً واسعاً، ما يجعل عملية وضع معايير وتوقعات موحدة عملية مفعمة بالتحديات. ففي استبيان عالمي شامل غطى الممارسات التجارية الاحتيالية، على سبيل المثال، وجدت شركة "إرنست آند يونغ" (EY) أن أياً من كبار المدراء في سويسرا لم يوافق على التلاعب في عرض الأداء المالي. لكن الاستبيان ذاته توصّل إلى أن أكثر من ربع المدراء في فيتنام وإندونيسيا كانوا مستعدين للانخراط في هذا النوع من الخداع. ويمكن للمواقف والأخلاقيات أن تختلف بحسب الفئة العمرية. فقد كشف استبيان "إي واي" أن واحداً من كل خمسة موظفين دون سن 35 عاماً يمكن أن يبرّر دفع رشوة نقدية لمساعدة شركة على البقاء على قيد الحياة خلال فترة الهبوط الاقتصادي، لكن بين صفوف الموظفين الذين يزيد عمرهم على 35 عاماً، لم يزد العدد على واحد من أصل ثمانية.

قبل أن تكون شركتك قادرة على وضع خطة لتحديد الفجوات التي تمس النزاهة في ثقافتها، هي بحاجة إلى قبول شيئين:

أولاً، هناك بعض حالات سوء السلوك التي تحصل في شركتك. عندما راجعت البيانات الواردة من مجموعة من مصادر التقارير الداخلية في ثلاثة شركات مدرجة على قائمة "فورتشن 100" – لم تكن أي منها قد واجهت تهمة قانونية مدنية أو جنائية في الآونة الأخيرة – وجدت أن كل شركة وسطياً قد واجهت مخالفة يمكن أن تقود إلى عقوبات من الجهات الناظمة (مثل تقديم رشوة أو احتيال مالي) مرّة كل ثلاثة أيام. ورغم أن الأقسام التابعة لهذه الشركات تواجه مشاكل بوتيرة أكبر بسبب حجمها، إلا أنها تضم بعضاً من أقوى ما وقعت عيني عليه من ضوابط ومن أكثرها فاعلية. كانت الخروقات أصغر بكثير من النوع الذي تراه في الأخبار، لكنها توضح أنه حتى الشركات التي تستثمر استثماراً هائلاً في دعم الامتثال سوف تتضمّن بين صفوفها من يرتكب المحظورات.

ثانياً، كم كبير من سوء السلوك لن يُبلّغ عنه داخلياً. فالمخالفات التي يعلم بها قادة الشركة عبر الأقنية التقليدية قد لا تكون أكثر من مجرد قمة جبل الجليد – وهذا أمر يجب أن يقلق القادة. رغم أن بعض المحامين يرون أن الشركة لا يجب أن تسعى بطريقة استباقية إلى تحديد سوء السلوك لأن ذلك يمكن أن يتحوّل إلى برهان قابل للاكتشاف ويمكن أن يستعمل ضد الشركة، إلا أن مقولة "الجهل نعمة" ليست طريقة مستدامة لإدارة أي شركة. إن السماح للفجوات التي تمس النزاهة أن تكبر هو خطوة تتصف بعدم الحكمة ولاسيما في عصر يزداد فيه احتمال لجوء الموظفين إلى طرح مزاعمهم مباشرة على وسائل الإعلام أو الجهات الناظمة إذا شعروا أن قيادتهم تتجاهلهم.

جمع البيانات لتحديد الفجوات

بعد أن تكون قد أقريت بوجود فجوات تمس النزاهة في قسمك، كيف بوسعك تحديد موطنها؟ اطرح الأسئلة فحسب.

يمكن لاستعمال استبيان بسيط يعطى إلى الموظفين أن يمنح نظرة أساسية على الممارسات التي ربما تفوت القيادة العليا – وهو يساعدك في تحديد مكمن المشكلة. يتضمن الاستبيان ثلاثة أسئلة:

رغم أن أنواع سوء السلوك التي يجب على الشركات أن تسأل عنها تتفاوت بحسب نموذجها التجاري والمخاطر التي تتعرض لها، إلا أن الأسئلة المطروحة أعلاه تشمل أمثلة عن أكثر المجالات الإشكالية انتشاراً. وسوف تحصل الأقسام المختلفة والمجموعات الفرعية ضمنها على إجابات عن هذا الجزء من الاستبيان. فقد رأيت بعض الشركات التي أفاد فيها أقل من 0.5% من الموظفين عن ملاحظة بعض أنواع السلوكيات التي تعتبر مريبة. لكن الرقم يمكن أن يصل إلى 10% أو أكثر في بعض المجموعات الفرعية ضمن فئات عمرية أو أقسام وظيفية معينة في بعض الشركات.

عند تحليل بيانات الاستبيان، يجب عليك أن تركز على البحث عن المشاكل التي تمس النزاهة عوضاً عن المخالفات القانونية البحتة. على سبيل المثال، قد يدأب أحد كبار المدراء على التفوّه بأشياء قد لا ترقى قانونياً إلى مستوى التصرف غير الأخلاقي لكنها مع ذلك قد تبعث على حالة من عدم الارتياح العميق لدى الموظفين. وقد يعتقد موظف أنه شهد دفع أموال تشكل خرقاً لقانون الممارسات الأجنبية الفاسدة في أميركا بينما تكون الدفعة من الناحية التقنية دفعة تسهيل جائزة بموجب القانون. تظل هذه القضايا من النوع الذي يستحق التحديد لأن أي شيء ينظر إليه الموظفون على أنه مخالفة يمكن أن يؤثر على المعنويات في مكان العمل. وعلاوة على ما سبق، هي غالباً ما تكون مؤشرات بدائية على سوء سلوك أخطر سيتطور إلى خطر انكشاف قانوني أو تنظيمي.

في بعض الأحيان، يرتاح القادة، ولاسيما من يركزون على احترام القانون، ارتياحاً مزيفاً إلى حقيقة امتلاكهم مدونة سلوك تشترط على الموظفين الإبلاغ عن أي مخالفة يرونها. أما في واقع الأمر، فإن الأمر لا يعدو أن يكون شكليات ورقية بالنسبة للعديد من الموظفين. وغالباً ما تسلط الإجابات عن السؤال الثاني الضوء على الفجوات الموجودة بين مدونة السلوك والسلوك الفعلي.

"تحديد الفجوات ليس مجرّد تمرين يؤديه قسم الموارد البشرية لمرّة واحدة".

لاحظت شركة "غارتنر" (Gartner) التي يُطلب منها بانتظام استطلاع آراء موظفي الشركات حول ثقافة مؤسساتهم، أن معدلات الإبلاغ تتفاوت تفاوتاً كبيراً بحسب الأنواع المختلفة للمخالفات. فالعمال ميالون على الأغلب إلى الإبلاغ عن سرقة ممتلكات الشركة أو المخالفات المحاسبية؛ 46% ممن لاحظوا عملية سرقة أبلغوا عنها، و41% ممن شهدوا ممارسات محاسبية احتيالية أبلغوا عنها أيضاً. لكن معدل الإبلاغ ينخفض انخفاضاً كبيراً في حالات أخرى، بما في ذلك إعطاء الهدايا غير المناسب (27%) وتضارب المصالح (34%). اللافت في الأمر هو أن بيانات "غارتنر" تظهر أن المعدل الوسطي للإبلاغ أقل من 50% بالنسبة لجميع أنواع المخالفات، سواء أكانت ذات صلة بالموارد البشرية، أو المبيعات، أو المسائل التنظيمية.

هناك أسباب محتملة كثيرة جداً لإحجام الموظفين عن الإبلاغ عن المخالفات. فقد يخشون الرد الانتقامي، أو يترددون في الانخراط في الأمر، أو يشعرون بصراع داخلي لأن الحادثة تخص صديقاً، أو يخشون من أن يتسبب كشف سوء السلوك في تقويض أهداف الشركة أو أدائها المالي. عادة ما يكون الخوف من الرد الانتقامي هو الأكثر شيوعاً؛ في الاستبيانات التي أجريت داخل الشركات، قال 10% إلى 30% من الموظفين أن ذلك هو أكثر شيء يشغل بالهم.

العديد من العوائق التي تحول دون الإبلاغ هي مشاكل مؤسسية تستدعي فهم مصدر قلق الموظفين. أما غير ذلك من العوائق، مثل عدم الرغبة في الانخراط، فتشير إلى أن عملية الإبلاغ بحد ذاتها هي عملية مضنية جداً، أو على الأقل هذا ما تقوله الشائعات. يمكن للشركات التي تعمل على التقليل من هذا التصوّر أن تزيد من معدلات الإبلاغ. في تجربة داخلية جرت مؤخراً وكانت ذات طابع تجريبي، عاد مدراء الامتثال في شركة كيمبرلي – كلارك (Kimberly-Clark) إلى الموظفين الذين أبلغوا عن قضايا تخص النزاهة (دون إغفال أسمائهم) وسألوهم عما إذا كانوا قد شعروا أن عملية الإبلاغ كانت عادلة وعما إذا كانوا سيوصون أحد الزملاء باتباعها. اللافت في الأمر هو أن هؤلاء المدراء التنفيذيين المسؤولين عن الامتثال لم يسألوا ما إذا كان المُبلغون عن المشاكل قد قبلوا نتيجة التحقيقات؛ عوضاً عن ذلك شددوا على الهدف المتمثل في تحسين العملية لضمان إشعار الموظفين أن مبادرتهم مقدرة ومحترمة في المؤسسة. وبناء على الرأي التقويمي، تعمد شركة كيمبرلي – كلارك الآن إلى تعديل أسلوبها في التواصل مع الموظفين بخصوص عملية الإبلاغ وطريقة تدريبهم عليها.

إذا ما أرادت المؤسسات الحصول على إجابات عن هذه الأسئلة الثلاثة، بوسعها وبكل بساطة إرسال استبيان قصير إلى الموظفين "على سبيل جس النبض" أو إدراج استبيان ضمن إطار التدريب الروتيني الخاص بالامتثال. الأمر المهم هو أن جمع البيانات يجب أن يكون مبنياً على أساس إغفال أسماء المشاركين أو هوياتهم لتشجيع الناس على أن يكونوا صريحين تماماً. ويمكن الحفاظ على إغفال الأسماء أثناء جمع الشركة لهذه البيانات بطريقة لا تحدد أسماء مقدميها، بما في ذلك بيانات أماكن الموظفين ومراتبهم الوظيفية (على افتراض وجود أكثر من بضع عشرات من الموظفين في كل مجموعة فرعية). سوف تكشف هذه المعلومات للمدراء أي أجزاء من المؤسسة تستحق اهتماماً أكبر. ولضمان السرية بالنسبة للموظفين، تستعين شركات عديدة باستشاريين خارجيين لإجراء الاستبيانات وتحصر إمكانية الوصول إلى البيانات بفرق الامتثال والشؤون القانونية والتدقيق داخل المؤسسة.

التعلم من البيانات

يمكن للبيانات المأخوذة من هذا الاستبيان البسيط أن تفضي إلى ثلاثة أنواع من الاستنتاجات:

أين يجب التركيز. يمكن لتحديد موقع الفجوات التي تمس النزاهة – بحسب الوظيفة والموقع الجغرافي معاً – أن يكون مفيداً للغاية. ويمكن للشركات إذا ما حللت البيانات الخاصة بالمخالفات في هذه المجالات أن تكشف النقاب عن أسباب سوء السلوك وأن تصيغ استراتيجية لمعالجتها – ربما من خلال إعادة تصميم الحوافز، أو إيجاد ضوابط جديدة، أو إجراء التدريبات.

تحديد الفجوات ليس مجرّد تمرين يؤديه قسم الموارد البشرية لمرّة واحدة بهدف العثور على "التفاح المعطوب" وفصله عن التفاح الجيد. فالمخالفات غالباً ما تحصل في أوساط أكثر الموظفين تفانياً ونجاحاً. لا بل قد يكون هؤلاء الناس تحديداً عرضة لأنواع معينة من سوء السلوك. فعلى سبيل المثال، قد يشعر مندوبو المبيعات ذوو الأداء الرفيع بضغط أكبر لإتمام عمليات بيع غير مناسبة إذا كانوا متأخرين في تحقيق مستهدفات الموازنة في نهاية الربع المالي. لذلك فإن عملية جمع البيانات يجب أن تجرى دورياً وضمن فئات مختلفة من الموظفين على مدار العام. تقتضي الحالة المثالية أن يشهد كل ربع مالي إجراء استبيان على مجموعة فرعية منتقاة عشوائياً من الموظفين.

الطرق الأفضل التي تتيح للموظفين التعبير عن مخاوفهم. رغم وضوح فكرة اختلاف المعايير بين البلدان والمكاتب، بل وحتى الفرق، إلا أن كشف أوجه الاختلاف بينها وكيفية التعامل معها هو أمر محفوف بالتحديات. لقد ساعدت الإجابات التي قدمها الموظفون على استبيان أجري في شركة كبيرة لصناعة المنتجات الاستهلاكية في معالجة هذه المسألة. فمن هذه الإجابات عرفت الشركة أن عمالها في أحد البلدان الذي كان مواطنوه يخشون من المراقبة والانتقام من الحكومة الاستبدادية كانوا مترددين في الاتصال بالخط الساخن المحلي المخصص للإبلاغ عن القضايا التي تمس النزاهة. وفي بادرة من الشركة لإراحتهم أكثر في موضوع الإبلاغ عما يشغل بالهم، استحدثت الشركة لهم رقماً مجانياً موجوداً في المملكة المتحدة.

الحجم الحقيقي لجبل الجليد. للحيلولة دون وقوع المخالفات، أنت بحاجة إلى فهم القضايا التي ربما تعتمل تحت السطح. ومع ذلك فمن الصعب غالباً معرفة أنواع المشاكل التي تتسلل من بين ثنايا عمليات الامتثال (مثل الخطوط الساخنة) وغيرها من الضوابط الداخلية. يمكن لبيانات الاستبيان أن تساعد الشركات في وضع تقدير أفضل للحجم الفعلي لسوء السلوك ضمن المؤسسة وحجم سوء السلوك غير المبلغ عنه. في نهاية المطاف، سوف يساعد هذا النوع من النمذجة كبار القادة في رسم صورة أوضح عن المسائل والمخالفات التي تمس النزاهة والتي ربما لن تجد طريقة غير تلك لتنال اهتمامهم.

يتحدث العديد من القادة علناً عن التزام شركاتهم بالنزاهة ويقولون إن موظفيهم يجب أن يشعروا بما يكفي من القدرة والقوة لرفع صوتهم إذا ما رأوا شيئاً ما محط تشكيك. ومع ذلك، فإن أفضل القادة لا يعتمدون على هذه البيانات فقط. عوضاً عن ذلك، هم يجمعون البيانات لرصد ما إذا كانت مؤسساتهم تلتزم بمعاييرهم الأخلاقية أم لا وتقويم وضعها. تحتاج ثقافة المحافظة على النزاهة في أي شركة إلى يقظة دائمة، وقياس التقدم المحرز هو الطريقة الفضلى لإدارتها بفاعلية. وتعتبر البيانات التي تسمح للقادة بتحديد الفجوات الناشئة بطريقة احترازية أداة أساسية لاستباق المشاكل التي قد تدفع شركاتهم إلى الظهور في عناوين الأخبار في اليوم التالي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي