لماذا تتعثر الشركات الناشئة مثل أوبر في مشكلات كان يمكنها تجنبها؟

6 دقائق
أسباب تعثر الشركات

إليكم هذه القصة التي تتحدث عن أسباب تعثر الشركات. لم يكن خبر استقالة الرئيس التنفيذي لشركة "أوبر" (Uber)، ترافيس كالانيك، منذ نحو عامين مفاجئاً بالنسبة لمن يتابعون أخبار الشركة في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى.

مصطلح "اليونيكورن"

فخلال عملنا على مدار سنوات عديدة، أصبحنا على علم بأنه يجب أن تكون داخل أي شركة لتحصل على الصورة الكاملة بشأن الأمور التي جرت على نحو خاطئ وسبب حدوثها. ولكننا نعلم من خلال أبحاثنا أن الشركات سريعة النمو -وخاصةً شركات "اليونيكورن" (شركة ناشئة تتجاوز قيمتها مليار دولار أميركي) مثل أوبر- تواجه مخاطر التعثر بشكل كبير.

اقرأ أيضاً: أخطاء رواد الأعمال: 10 مقالات عن تجارب عملية ونصائح علمية 

وظهر مصطلح "يونيكورن" كمصطلح في مجال الأعمال يُطلق على نوع نادر من الشركات: ففي عام 2011 كانت هناك 28 شركة ناشئة فقط ذات ملكية خاصة وتبلغ قيمة استثماراتها مليار دولار أو أكثر. واليوم، توجد أكثر من 200 شركة يونيكورن، بقيمة إجمالية قدَّرتها شركة "سي بي إنسايتس" (CB Insights) الأميركية بنحو 700 مليار دولار. تُعد أوبر إحدى هذه الشركات، إذ ارتفعت قيمتها إلى 68 مليار دولار بعد سبع سنوات فقط من تأسيسها، رغم تعرضها لخسائر تجاوزت 700 مليون دولار في الربع الأول من عام 2017.

ولكن عندما تتبعنا هذه الشركات الثمانية والعشرين (بجانب 11 شركة مماثلة بقيمة 600 مليون دولار أو أكثر) خلال الفترة من عام 2011 حتى عام 2017، وجدنا أن 33% منها فشلت في النمو بشكل كامل، وأن 28% منها نمت بشكل أقل من المتوقع، بينما فشل أو تعثر نحو ثلثي هذه الشركات. في الواقع، تُعد الشركات اليونيكورن والشركات القريبة منها أكثر عرضة للانهيار الداخلي الذاتي من تعرضها لخطر الأحداث السلبية التي تشهدها السوق.

وهذه الشركات ليست وحدها عرضة لهذا الخطر. إذ أن أحد أصعب الخطوات التي تقوم بها الشركات هي توسيع نطاق العمل بسرعة وبشكل مربح. وخلصت أبحاث شركة "باين آند كومباني" الأميركية (Bain & Company) إلى أنه من بين جميع الشركات الجديدة المسجلة في الولايات المتحدة، ستصل شركة واحدة من كل 500 شركة إلى قيمة 100 مليون دولار، وستصل بالكاد شركة واحدة من كل 17 ألف شركة إلى قيمة 500 مليون دولار، وتحافظ أيضاً على عقدِ كامل من النمو المربح.

اقرا أيضاً: نعم لقد كان كريستوفر كولومبوس رائد أعمال

في كثير من الأحيان، تتعثر هذه الشركات من تلقاء نفسها. إذ توصلت الأبحاث الخاصة بكتابنا "عقلية المؤسس" (The Founder’s Mentality) أنه في 85% من الحالات، تكون عوائق النمو التي يشير إليها المسؤولون التنفيذيون في الشركات سريعة النمو داخلية، وليست تهديدات خارجية مثل العملاء المعترضين، أو فرصة تجارية خاطئة، أو تحركات منافس قوي.

ويحتفي عنوان كتابنا بالطاقة الداخلية وشعور التمرد الذي يقود الشركات سريعة النمو، لكن يحذر الكتاب أيضاً من أربعة عوائق داخلية للنمو يمكن التنبؤ بها. وغالباً ما تؤدي إلى تعثر هذه الشركات في أثناء سعيها لتوسيع نطاق عملها.

أحد هذه العوائق هو ما أطلقنا عليه تسمية "المؤسس غير القابل للتغيير". نعتقد أن عقلية المؤسس تعد من الأصول الاستراتيجية، إذ يمكنها -إذا جرت تغذيتها بشكل صحيح- مساعدة أي شركة على تحقيق ما يطلق عليه (Scale Insurgency)- أي شركة تجمع بين مزايا الحجم والمرونة. لكن العديد من المؤسسين الفرديين لا يتمتعون بهذه العقلية. يمكن أن يصبح المؤسسون الفرديون عائقاً أمام النمو إذا كانوا غير قادرين على التخلي عن التفاصيل والجزئيات البسيطة في الإدارة، أو إذا كانوا يفشلون في بناء فريق متماسك من حولهم، أو يسمحون للغطرسة بالوقوف في طريقهم. وجدنا أن 37% من المسؤولين التنفيذيين في الشركات النامية وصفوا المؤسسين غير القابلين للتغيير بأنهم عائق رئيسي أمام نجاحهم.

يتطلب توسيع نطاق عمل أي شركة إرادة هائلة، إنه أمر يكاد يكون مستحيلاً.

اقرا أيضاً: لماذا يتعين على الشركات الناشئة ألا تهتم بالصخب الإعلامي؟

عادةً ما يكتشف المؤسسون نموذجاً مميزاً من النجاح قابلاً للتكرار، ويجنون ثمار تجاهلهم للمشتتات والتركيز بشدة على مهمة توسيع حجم الشركة والنموذج القابل للتكرار الذي يحققها. لكن مع مرور الوقت تتغير السوق، وتحتاج الشركة إلى تغيير نموذجها. وفي كثير من الأحيان يكون المؤسس نفسه الذي جنى ثمار تجاهله للمشتتات سابقاً هو آخر من يتأقلم مع الوضع الجديد.

كذلك، تتعارض المهارات التي ساعدت المؤسسين على إنجاح شركاتهم مع المهارات اللازمة للحفاظ على نمو جديد. يركز المؤسسون على السرعة، ويتجاهلون الممارسة الجيدة، ويتلذذون بخرق قواعد الصناعة التي يحاولون زعزعتها. إنهم ينجزون الأمور بأسهل وأرخص طريقة ممكنة، ويتجاهلون المنتقدين، ويتجنبون الرافضين. تكون جهودهم الشاقة مسؤولة عن إنشاء الشركة، ولكنها مسؤولة أيضاً عن الفوضى التي تحل بها. وبمجرد أن تصل الشركة إلى المستوى المراد من النجاح، يحتاج مدراؤها إلى الاستماع أكثر للأصوات المتنافسة، واستثمار المزيد من الوقت في أصحاب المصلحة المستجدّين.

غالباً ما يكون المؤسسون مسؤولين أيضاً عن قيادة فرقهم للعمل بأقصى طاقتها، وتحقيق أكثر مما يبدو ممكناً، وغالباً ما يكون ذلك مقابل تضحيات شخصية هائلة. ومع ذلك، يمكن أن يجعل ذلك من المستحيل عليهم استبدال أو تكملة هؤلاء الأعضاء المؤسسين لفرقهم بموظفين جدد يمكنهم نقل المؤسسة إلى مستوى أعلى. إذ يظل المؤسس مخلصاً للفريق الأصلي.

يشبه المؤسسون الذين نجحوا في تأسيس شركاتهم وتوسيع نطاق أعمالها صاعقة برق تضرب مرتين، إذ تجتمع معجزة الإبداع ومعجزة النمو المستدام في الشخص ذاته، وهذا أمر نادر.

تؤكد العوائق الثلاثة الأخرى التي ذكرناها في كتابنا هذا التحدي. إذ يستشهد نحو 55% من المسؤولين التنفيذيين بمشكلة نمو الإيرادات بشكل أسرع من المواهب، تنمو الشركة بسرعة كبيرة لدرجة أنها تواجه مشكلة في جذب جودة وكمية المواهب التي تحتاج إليها. وبما أن النمو يخلق تعقيداً، يصبح التعقيد قاتلاً صامتاً للنمو، إذ أشار 22% من المسؤولين التنفيذيين إلى غياب المساءلة مع توسع الشركة وعدم وضوح القواعد. وفي أسوأ الحالات، يمكن أن يؤدي ذلك إلى نشر ثقافة سامة في الشركة. وما يزيد الأمر تعقيداً، أن 25% من المسؤولين التنفيذيين أشاروا إلى فقدان الأصوات في الخطوط الأمامية، لأن الشركة المتنامية أصبحت منشغلة بالأمور الداخلية وغافلة عن تعليقات العملاء التي من شأنها أن تحسن نموذج الأعمال، أو غافلة عن مخاوف موظفي الخطوط الأمامية.

شركات "اليونيكورن"

وفي دراستنا لشركات اليونيكورن، ألقينا نظرة فاحصة على 10 منها تعثرت بشدة، شركات مثل "غروبون" (Groupon)، و"زينيفيتس" (Zenefits)، و"جوبون" (Jawbone)، و"جو برو" (GoPro)، و"زينغا" (Zynga)، وهي مجموعة شركات شهدت انخفاضاً في القيمة من القمة إلى القاع بنسبة 75% في المتوسط. وخلصنا إلى أن نحو نصف هذه الشركات واجهت تحديات السوق الخارجية الرئيسية التي ساهمت بوضوح في انخفاض قيمتها، ووجدنا أن هذه العوامل الخارجية دائماً ما كانت تعرقل تقدم الشركة بجانب انهيار داخلي موثق جيداً.

على سبيل المثال، اكتشفت شركة "جو برو" أنه من أجل تحقيق إمكاناتها في النمو، لم يكن عليها أن تصبح مصنعة لأجهزة الكاميرا الصغيرة فحسب -وهو عمل تصعب حمايته أمام شركات المنتجات الإلكترونية الاستهلاكية الكبرى مثل سوني- بل كان عليها أيضاً أن تنشئ نظاماً بيئياً للخدمات (تحميل الملفات على منصات التخزين السحابي)، والمنتجات (طائرات بدون طيار مزودة بكاميرات) التي ستميزها عن الشركات الأخرى في المستقبل. هذا ما وصفه مؤسس الشركة الأميركي نيك وودمن (Nick Woodman) بأن تصبح نموذجاً مصغراً عن شركة آبل، وهي استراتيجية صعبة التنفيذ.

وانعكس هذا التحدي من خلال انخفاض في الإيرادات بنسبة 50% تقريباً عما توقعه المحللون عام 2016، مما أدى في النهاية إلى انخفاض في قيمة الشركة إلى 1 مليار دولار من أعلى قيمة لها وقدرها 12 مليار دولار في وقت سابق.

اقرا أيضاً: لماذا عليك تحويل مشروع ريادة الأعمال إلى مؤسسة متعلمة؟

على عكس التكرار المتوسط للانهيارات الخارجية، واجهت كل واحدة من شركات اليونيكورن التي درسناها مشكلات داخلية موثقة جيداً ساهمت في تعثرها أو كانت المسبب الرئيسي فيه. لننظر إلى شركة زينيفيتس، وهي شركة مزودة لخدمات استحقاقات الموظفين عبر الإنترنت للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. في أوائل عام 2015، أعلنت زينيفيتس أن إيراداتها ستزداد بعامل قدره 10 في ذلك العام لتصل إلى 100 مليون دولار، مما دفع المستثمرين إلى إغراقها بالأموال بقيمة تتجاوز 4 مليارات دولار. كانت الفكرة الأساسية للشركة مثبتة بشكل جيد، وكانت السوق كبيرة وغير مستغلة بكل تأكيد، وكانت زينيفيتس في مقدمة السوق. ومع ذلك، ووفقاً للشركة نفسها، تعثرت زينيفيتس لأنها لم تكن مستعدة داخلياً للتوسع. وعندما انهارت قيمتها بنسبة 55% وجرى استبدال رئيسها التنفيذي ومؤسسها، أرسل الرئيس التنفيذي الجديد رسالة إلكترونية إلى موظفي الشركة أشار فيها إلى أنه "ليس سراً أن زينيفيتس نمت بشكل سريع للغاية، مما أدى إلى توسع ثقافتنا وضوابطنا". على سبيل المثال، أصبحت ثقافة الشركة غير الرسمية إلى حد بعيد شديدة الاختلال بحيث لم تتمكن من إدارة أعمالها في صناعة تخضع لضوابط مشددة، وأصبحت بعض التدابير المتخذة لإصدار شهادات الموظفين الجدد في قانون التأمين الصحي مهمَلة للغاية.

وإذا كان هذا هو الحال مع صفوة الشركات التي يحيط بها أفضل المستثمرين ومجالس الإدارات والمستشارين، فماذا عن بقية الشركات؟ لنتعمق أكثر في التحديات التي تواجه الشركات عالية النمو، عقدنا أكثر من 25 ورشة عمل في جميع أنحاء العالم وكوَّننا مجموعة أطلقنا عليها اسم "عقلية المؤسس 100"، تضم هذه المجموعة الشركات التي حققت نجاحاً وتوسعاً مبكرين، وأظهرت بوادر للنجاح، ورغبة أكبر في النمو بمقدار خمس أو حتى عشر مرات على مدار السنوات المقبلة. وعندما أجرينا دراسة استقصائية على المدراء التنفيذيين في هذه المناقشات الخاصة، وجدنا أمراً ثابتاً: أنه في 15% من المرات فقط شعر هؤلاء المدراء أن التهديد الرئيسي لتنفيذ خططهم كان خارجياً (منافس متفوق، أو نموذج أعمال جديد، أو ضوابط حكومية، أو تحولات السوق أو تشبعها). كانت الأغلبية عوامل داخلية -أي عوامل ينبغي أن يتمكنوا من السيطرة عليها.

أسئلة عملية من أجل تجنب تعثر الشركات

عند فحص حالتنا الصحية، يستخدم الأطباء مجموعة من الأسئلة والاختبارات المثبتة. ومع عدم إتمام العديد من قصص نمو الشركات بسبب عوامل داخلية كان يمكن لمدرائها السيطرة عليها، ما هو البروتوكول الذي يمكن استخدامه لتشخيص حالة الشركات المتنامية؟ نقترح طرح هذه الأسئلة الخمسة لتقييم الحالة العامة لأي شركة، وقدرتها على النمو على نطاق واسع:

1- هل يوسِّع مؤسس شركتك نطاق الفريق بسرعة للتعامل مع الفرص والتحديات التي يفرضها توسيع نطاق عمل الشركة؟

2- هل لدينا خطة مواهب تتوافق مع خطتنا للنمو؟ إذا كانت الإجابة لا، كيف سنسد هذه الفجوة؟

3- هل صوت العملاء والخط الأمامي قوي كما كان عليه الحال من قبل؟ كيف نعرف ذلك؟

4- هل مهمة توسيع نطاق شركتنا، التي كانت ملهمة في أيامها الأولى، ما زالت قوية، أم أنها آخذة في الضعف؟

5- هل ما زال الموظفون يشعرون بعقلية المالك و التي تدفع للمساءلة وحل المشكلات على الفور؟

إذا كنت جزءاً من منظمة ذات طموحات جريئة للنمو، تأكد من طرح هذه الأسئلة مبكراً وكثيراً من أجل معرفة أسباب تعثر الشركات.

اقرا أيضاً: لماذا تُعتبر بعض أحدث التقنيات الرائدة غير صالحة لنموذج تمويل وادي السيليكون؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي