تُعد القدرة على العمل بكفاءة مع الآخرين شرطاً أساسياً لمعظم الوظائف حالياً. إلا أن هناك دراسة حديثة حول تعاون المرأة مع فريق العمل تشير إلى أن النساء لا ينلن ما يستحققنه من تقدير عن عملهن الجماعي مع فرق العمل، وبخاصة عندما يعملن مع الرجال.
كيف يؤثر التعاون مع الآخرين على احتمالية الترقي؟
جمعت هيثير سارسونز، طالبة دكتوراة في مجال الاقتصاد بجامعة "هارفارد"، بيانات عن الباحثين الاقتصاديين لمعرفة كيف يؤثر التعاون مع الآخرين (من أجل المشاركة في تأليف ورقة بحثية في هذه الحالة) على احتمالية الترقي (أي نيل التثبيت الوظيفي)، وما إن كان ذلك يختلف بحسب النوع الاجتماعي. وقد اكتشفت وجود علاقة بين الأبحاث المشتركة التأليف وحصول الأكاديميين من النساء على ترقيات أقل. تتضرر النساء بصفة أساسية من تعاونهن مع الآخرين، وهو يظهر بشكل أكثر وضوحاً عندما تشترك النساء مع الرجال في كتابة الأبحاث، وأقل وضوحاً كلما زاد عدد النساء المشاركات في كتابة أحد الأبحاث. أما الرجال، فلا يتضررون إطلاقاً من تعاونهم مع الآخرين.
تحصل النساء على التثبيت الوظيفي بمعدلات أقل بكثير من الرجال في المجال الأكاديمي، وقد توصل بحث سابق إلى أن هذا لا يمكن تفسيره تماماً بناءً على الفروق في الإنتاجية أو الالتزامات الأسرية. يشير بحث سارسونز إلى سبب آخر: تظهر فجوة الترقيات عندما تعمل النساء في مجموعات مع الرجال.
وقد أخبرتني سارسونز: "في مجال الاقتصاد، غالباً ما يتحدث الناس عن خطورة مشاركة طلاب الدراسات العليا في كتابة الأبحاث مع أساتذة الجامعة، لأن الناس يفترضون أن الأساتذة هم من يقومون بكل العمل. لذا تساءلت، بناءً على بعض القصص المتناقلة، ما إن كانت النساء هن أيضاً يتلقين تقديراً أقل لعملهن الجماعي. في رأينا، يمكن أن يضر التحيز الأفراد عندما لا يكون واضحاً بشكل قاطع دور كل شخص في المشروع".
على عكس الأبحاث التي تُجرى في بعض المجالات الأكاديمية الأخرى، والتي يوحي ترتيب ظهور أسماء مؤلفيها بحجم مساهمة كل منهم، فإن الأبحاث الاقتصادية تسرد ببساطة أسماء العديد من الباحثين بناءً على الترتيب الأبجدي للقب العائلة. إذاً، إذا كنت المؤلف الوحيد لبحث ما يعطي إشارة واضحة عن قدراتك، أما مشاركتك في تأليفه فتعطي إشارة أقل وضوحاً. عندئذٍ يتعين على لجان التثبيت الوظيفي أن تقرر من هو صاحب المجهود الأكبر في تأليف البحث، فهنا يمكن أن يتسلل التحيز.
حللت سارسونز السيرة الذاتية لـ 552 باحثاً اقتصادياً ممن تقدموا للتثبيت الوظيفي بين عامي 1975 و2014 في واحدة من أهم 30 جامعة مانحة لشهادة الدكتوراة في الولايات المتحدة. حيث صنفت مكان وتوقيت حصولهم على شهادة الدكتوراة، وتاريخهم المهني وتاريخهم في النشر الأكاديمي، ومجالاتهم، وما إن كانوا قد حصلوا على التثبيت الوظيفي. (نظراً لأن معظم الكليات تشترط أن يتقدم أعضاء هيئة التدريس لنيل التثبيت الوظيفي بعد مضي سبع سنوات، افترضت سارسونز أن المتقدم يُحرم من التثبيت إذا انتقل من جامعة مرموقة إلى جامعة أقل تصنيفاً بعد مضي 6 إلى 8 سنوات.)
نتائج البحث
حصل 70% من إجمالي عينتها البحثية على التثبيت الوظيفي في أول كلية كانوا مؤهلين لها. ومع ذلك، فإن 52% فقط من النساء حصلن على التثبيت، مقارنةً بنسبة 77% من الرجال، على الرغم من عدم وجود فرق ذي دلالة إحصائية في عدد الأبحاث التي قدمها الرجال والنساء أو في معدل اشتراكهم معاً في تأليف الأبحاث. ولكنها وجدت أن الرجال يميلون إلى النشر في دوريات أفضل قليلاً، إلا أنها قالت إن ذلك لا يفسر الفجوة في عروض التثبيت الوظيفي.
تحظى النساء اللائي ينفردن بتأليف جميع أبحاثهن بالفرصة نفسها تقريباً لنيل التثبيت الوظيفي مثل الرجال، في حين أن النساء اللائي يشاركن في تأليف معظم أبحاثهن لديهن فرصة أقل بكثير لنيل التثبيت، حتى بعد التحكم في أمور مثل: فروق الإنتاجية، والكلية، وسنة التثبيت، والمجال، واختيار المؤلفين المشاركين.
إذا نظرت إلى الرسم البياني أدناه، فستستطيع أن ترى العلاقة بين التثبيت الوظيفي ونسبة الأبحاث التي ألفها الباحثون الاقتصاديون منفردين (رجالاً كانوا أم نساء) وقت تقدمهم لنيل التثبيت الوظيفي. في أقصى اليسار يوجد الباحثون الاقتصاديون الذين اشتركوا في تأليف جميع أبحاثهم ولم يؤلفوا أي أبحاث بشكل منفرد. في هذه الحالة، تملك المرأة فرصة بنسبة 40% لنيل التثبيت الوظيفي، بينما يملك الرجل فرصة بنسبة 75% تقريباً. تتقلص هذه الفجوة كلما زاد عدد الأبحاث التي تنفرد النساء بتأليفها. وبمجرد أن تكون جميع أبحاثهن من تأليفهن وحدهن، تصبح احتمالات التثبيت الوظيفي بالنسبة للرجال والنساء متساوية بصفة أساسية.
يرتبط تأليف كل بحث إضافي بزيادة قدرها 5.7% في احتمالية التثبيت الوظيفي بالنسبة إلى كل من الرجال والنساء، لكن تظل هناك فجوة ثابتة بين الجنسين في معدلات الترقي. وتقل احتمالات حصول النساء على التثبيت الوظيفي بنسبة 18% في المتوسط عن الرجال، حتى بعد التحكم في فروق الإنتاجية.
كما أن كل بحث إضافي مشترك التأليف يزيد من احتمالية الحصول على التثبيت الوظيفي، لكن بما أن ذلك يفيد الرجال أكثر من النساء (إذ إن بحثاً واحداً مشترك التأليف له الأثر نفسه على التثبيت الوظيفي مثل بحث فردي التأليف لرجل)، تتسع فجوة التثبيت الوظيفي كلما زاد عدد الأبحاث مشتركة التأليف.
التثبيت الوظيفي للمرأة
تبين النتائج أن هذا الضرر الواقع على النساء من مسألة التأليف المشترك مدفوع بشكل شبه تام بعملهن مع الرجال. فوجود بحث إضافي مشترك التأليف مع رجل ليس له أثر على التثبيت الوظيفي للمرأة، لكن عندما تكون هناك على الأقل امرأة واحدة أخرى مشاركة في تأليف البحث، يظهر أثر إيجابي طفيف. والأبحاث التي تشارك في تأليفها النساء فقط ترتبط ارتباطاً إيجابياً بالتثبيت الوظيفي.
من الصعب أن نعرف ما إن كان هذا الضرر من التأليف المشترك ناتجاً عن عدم تقدير أصحاب العمل للنساء بالقدر نفسه عندما يعملن في مجموعة واحدة مع الرجال، أو إن كانت النساء أقل قابلية للتحدث عن عملهن أو الإقرار بدورهن فيه. هناك رأي يدعم كلا هذين الاحتمالين: فقد كشفت دراسة أُجريت عام 2005 بقيادة مادلين هيلمان في جامعة "نيويورك"، أن الرجال والنساء عندما يعملون معاً في مهمة ما -لا سيما إذا كانت المهمة ذكورية الطابع وتتطلب مهارات قيادية وقدرة على الحسم- فإن المراقبين الخارجيين (الذكور والإناث على حد سواء) يقللون من قيمة مساهمة المرأة مقارنةً بالرجل. وفي عام 2013، كشفت سلسلة دراسات أخرى أجرتها كل من "هيلمان و"ميشيل هينز في جامعة "ماساتشوستس لويل"، أن النساء أعطين تقديراً أكبر لأعضاء الفريق من الذكور على عملهم الجماعي في المقابل أعطين أنفسهن تقديراً أقل، ما لم تكن أدوارهن واضحة بشكل لا يقبل الشك أمام المراقبين الخارجيين. ولم تختفِ مشكلة عدم إعطاء أنفسهن التقدير إلا عندما عملن فقط مع نساء أخريات.
قدمت سارسونز نتيجة مماثلة. فقد أجرت دراسة مصغرة على علماء الاجتماع لاختبار النتائج التي توصلت إليها في حالة الباحثين الاقتصاديين، واكتشفت أنه في حالة علماء الاجتماع كان أول اسم يتصدر قائمة المؤلفين بأحد الأبحاث مرتبطاً بزيادة قدرها 4% تقريباً في احتمالية التثبيت الوظيفي، بصرف النظر عن النوع الاجتماعي. في علم الاجتماع، عندما يتصدر اسمك قائمة المؤلفين، فإن هذا يعني أنك صاحب المساهمة الأكبر، لذا تقل احتمالات التساؤل بشأن دور كل مساهم، ولا تتضرر النساء من جراء تعاونهن.
ومن الجدير بالملاحظة، أن هذه النتائج قائمة على العلاقات الترابطية. فعلى الرغم من كل ما سبق، هناك عوامل أخرى بخلاف الأبحاث تؤثر في قرارات التثبيت الوظيفي. فمثلاً: لم تستطع سارسونز تفسير أمور مثل تقييمات التدريس وخطابات التوصية. إلا أن بحثها يقدم دليلاً موحياً على أن التحيز ضد المرأة يتخلل قرارات الترقي الأكاديمي، وأن الغموض حيال صاحب المساهمة الأكبر في بحث جماعي يميل إلى محاباة الرجال بشكل غير منصف.
تزداد مشكلة هذا التحيز تفاقماً في مجال الاقتصاد نظراً لأن الأبحاث مشتركة التأليف أصبحت أكثر شيوعاً (ربما بسبب المشروعات الأوسع نطاقاً القائمة على البيانات الضخمة وتتطلب تضافر جهود عدد أكبر من الباحثين). وتوضح سارسونز قائلة: "ما آمله بهذا البحث ليس أن يقل العمل الجماعي للنساء، وإنما أن ألفت الانتباه إلى حقيقة أن الناس ربما ينسبون الفضل بشكل مختلف دون وعي منهم".
كلنا نريد تصديق أن عملنا يتحدث عن نفسه، إلا أن تعاون المرأة مع فريق العمل يجعل الأمر بطبيعته أكثر صعوبة. مع تزايد اعتماد المزيد من الوظائف على العمل الجماعي، أصبح توزيع الفضل بشكل عادل أمراً أكثر صعوبة، حتى من دون أن يكون التحيز ضد المرأة مقصوداً. لذا يتعين على أصحاب العمل التأكد من حصول جميع الموظفين على التقدير الذي يستحقونه، كما يتعين على الموظفين الإصرار على المطالبة بالتقدير الذي يستحقونه.