يصف الرئيس التنفيذي الذي يجلس أمامي مدى تفاجئه هو والمسؤولين التنفيذيين الآخرين في إحدى شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية من التكنولوجيا الجديدة التي زعزعت أعمال الشركة، إذ قال وهو يهز رأسه: "لم نتوقع ظهور واتساب"، يبدي رغبته في زيادة قدرته على التعلم واكتشاف المستجدات داخل الشركة وخارجها وفهمها، لإيمانه بأهميتهما في تحسين الأداء ومواصلة تحقيق النجاح في مساره المهني. "أنا في أوائل الخمسينيات من عمري، وأخشى ألا يعتبرني الآخرون خبيراً في المرة القادمة التي أتقدم فيها إلى وظيفة جديدة، إذ رأيت ذلك يحدث لزملائي بالفعل. فكيف أحافظ على مهاراتي وأقنع الآخرين بأن إسهاماتي ما تزال غنية؟"
وحدسه صحيح في الواقع، إذ تُظهر البحوث أن القادة الذين يفكرون وفقاً للافتراضات والمرجعيات السلوكية نفسها التي استخدموها منذ سنوات هم عرضة للتقاعس أو تقديم أداء ضعيف أو الانحراف عن مسارهم المهني. وبحسب مدير إدارة تدريب التنفيذيين وقيادتهم في شركة جوجل، ديفيد بيترسون: "البقاء في منطقة راحتك هو طريقة مثالية للاستعداد لليوم، لكنه طريقة رديئة للاستعداد للغد"، ولتحافظ على نجاحك، عليك تطوير مهارة مرونة التعلم.
ما معنى مرونة التعلم؟
مرونة التعلم هي القدرة على التعلم السريع والمستمر من التجربة. فالمتعلمون الذين يُبدون مرونة في التعلم قادرون على خلق روابط بين التجارب، والتخلي عن وجهات النظر أو المناهج التي لم تعد مفيدة، أي نسيان ما تعلموه سابقاً في سبيل تعلم حلول جديدة، وهم يميلون بهذه العقلية إلى التركيز على أهداف التعلم والانفتاح على التجارب الجديدة واختبارها والتماس التقييمات والتفكير بصورة منهجية.
تُعد الرغبة في التطور من خلال اكتساب مهارات جديدة وإتقان المواقف الجديدة عنصراً أساسياً في مرونة التعلم، ويستمدّ المتعلمون الذين يتّسمون بالمرونة الرضا من عملية التعلم نفسها، ما يعزز دوافعهم وقدراتهم على التعلم من التجارب التنموية الصعبة.
كما أنهم لا يتخذون مواقف دفاعية وهم على استعداد لتحمل المخاطر، كارتكاب الأخطاء أو إبداء جهلهم ببعض الأمور على الملأ. تبنّى الرئيس التنفيذي المذكور آنفاً في المقدمة موقفاً غير دفاعي بالفعل. جرت محادثتنا خلال منتدى القيادة الذي عقده معهد التدريب (التابع لكلية هارفارد للطب) في شهر أكتوبر/تشرين الأول في كلية آي إي إس إي للأعمال (IESE Business School)، إذ تحدَّث عن تحدياته ومخاوفه صراحة، والتمس تقييمات من 4 مدربين تنفيذيين التقى بهم للتو. ولسوء الحظ، يفقد العديد من القادة فرص التعلم الرئيسية لأنهم يتجنبون التشكيك في افتراضاتهم أو تجاوز مناطق راحتهم عمداً.
تتطلب مرونة التعلم أيضاً الانفتاح على التجارب والأشخاص والمعلومات الجديدة. على سبيل المثال، يتبنّى اثنان من أساتذة الإدارة العليا الذين قابلتهم في المؤتمرات الأكاديمية على مر السنين نهجين متناقضين: يتّسم الأستاذ "أ" بنهمه للأفكار الجديدة، وعلى الرغم من مكانته الأكاديمية المرموقة، فهو يتحدث إلى طلاب الدراسات العليا وأعضاء الهيئة التدريسية المبتدئين من جامعات غير معروفة بالطريقة نفسها التي يتحدث بها إلى زملائه الأكاديميين المتميّزين، ويتعاون مع مجموعة متنوعة من العلماء. وعلى الرغم من أنه بلغ السبعينيات من عمره، فهو ما يزال مفعماً بالحيوية والطاقة ويحظى بشهرة واسعة بصفته قائداً نشطاً في مجال بحوثه؛ وعلى النقيض من ذلك، يُبدي الأستاذ "ب" قليلاً من الاهتمام بالعلماء خارج دائرة زملائه المألوفين، وتُعيد عروضه صياغة الأفكار القديمة عموماً، ومضى وقت طويل منذ أن طرح أفكاراً جديدة. وعلى الرغم من أنه قدّم العديد من الإسهامات المهمة في وقت سابق من حياته المهنية، بدأت سمعته بالتلاشي مع انخفاض مستوى مرونته في التعلم. لقد وقع في الفخ الوظيفي الذي يسعى الرئيس التنفيذي إلى تجنّبه.
كيف تطور مرونة التعلم؟
بما أن مرونة التعلم تتطلّب تحديد العمليات الروتينية التلقائية وتغييرها، قد تكون المساعدة المقدمة من المدرب مفيدة، إذ يساعد التدريب العملاء على فهم كيفية عمل عقولهم وكيفية تقديم أداء أفضل، وهو ما يطلِق عليه بيترسون "حلول التعليم المثالية المخصصة". لكن هناك خطوات يمكنك اتخاذها بنفسك لتعزيز مرونتك في التعلم، حتى إذا لم تكن تعمل مع مدرب.
التمس آراءً تقييمية. فكّر في شخص أو أكثر تفاعلوا معك أو راقبوا أداءك في مهمة معينة، وأخبرهم أنك تقدِّر وجهة نظرهم حول أدائك، واسألهم عن خطوات التحسين المقترحة. ولتكسب أقصى استفادة من تقييماتهم، من المهم جداً أن تكبح أي رغبة تتولد داخلك للدفاع عن نفسك، ثم اشكرهم على آرائهم، واسأل نفسك عما تعلمته منها.
ولتقليل موقفك الدفاعي وتبنّي عقلية التعلم، فكر في تبنّي شعار مشابه لشعار بيترسون: "لا بدّ من وجود طريقة أفضل لم أتعلمها بعد"؛ تكمن قوة الشعار في كلمة "بعد". وبحسب بحث أجرته عالمة النفس كارول دويك حول عقلية النمو، إذا كنت تؤمن أن علمك لا يزال محدوداً وتتبنى عقلية استكشاف مجالات غير مألوفة، فستتمكن من تحرير تفكيرك وإزالة المخاوف المرتبطة بالفشل من عقلك، وتعزيز نجاحك.
جرب أساليب أو سلوكيات جديدة. لتحديد سلوكيات جديدة واختبارها، يوصي بيترسون بالتفكير في التحدي الذي تواجهه وطرح أسئلة على نفسك مثل: "ما الخطوة التي يمكنني اتخاذها لتغيير نتيجة الموقف؟" و"ما النهج الذي يمكنني اتباعه في المستقبل؟" يمكنك إجراء تجارب فكرية أيضاً، واكتشاف الاحتمالات من خلال تبنّي وجهات نظر مختلفة. على سبيل المثال، كانت إحدى عميلاتي قلقة بشأن إدارة أول اجتماع خارج مقر العمل لتطوير فريق المدراء الإقليميين من أصحاب المواهب العالية، لكنها أدركت بعد التفكير ملياً أنها حبيسة وجهة نظر خاطئة بافتراضها ضرورة أن تكون أكثر خبرة منهم لكي تتمتع بالمصداقية. وكان ذلك مستحيلاً بما أنها كانت موظفة جديدة، ومن الممكن أن يتسبب التمسك بوجهة النظر هذه في إجهادها وتقويض مصداقيتها. لكن بعد أن تخلت عن افتراضها بضرورة أن تكون الخبيرة في الموضوع وتبنّت وجهة نظر جديدة تتمثّل في قدرتها على إضافة قيمة أكبر بصفتها منسقة للجلسة، نجحت في عقد اجتماع تتدفق فيه الأفكار الإبداعية بحرية. وتمكَّن أعضاء الفريق الذين واجهوا في السابق صعوبات تمثّلت في ضعف التنسيق من تطوير علاقات تعاونية أكثر فيما بينهم.
ابحث عن الروابط في المجالات غير ذات الصلة. على سبيل المثال، طبَّق بيترسون المبادئ التي استخدمها للتعرف على أنواع البُن على مجال تطوير القدرات القيادية، إذ يبني علماء البن خبراتهم من خلال تجربة العديد من أنواع البن المختلفة ومقارنتها ومناقشتها مع زملائهم الخبراء. وأدرك بيترسون من خلال تبنّي تلك المبادئ إمكانية تطوير قدراته القيادية من خلال البحث عن مجموعة متنوعة من القادة لتدريبهم، ومقارنة القادة بعضهم ببعض من ناحية صفات مختلفة، ومناقشة سلوكيات القادة مع الخبراء الآخرين. ولتجرب هذه التقنية بنفسك، اختر مجالاً تمتلك خبرة فيه لكنه بعيد عن مجال عملك، وانظر في كيفية تطبيق تلك الخبرة على مجال عملك الحالي.
خصص وقتاً للتفكير. تُظهر مجموعة متزايدة من البحوث أن التفكير في خبرات العمل على نحو منهجي يعزز التعلّم بشكل كبير. التزم بطرح أسئلة على نفسك مثل: "ما الذي تعلمته من هذه التجربة؟" و"ما النتائج التي خالفت توقعاتي؟" لتضمن إحراز تقدم مستمر. يتعلم القادة الذين يتبنون عقلية التفكير التأملي ويشجعونها الكثير عن أنفسهم، كما أنهم يحفزون الوعي السياقي والممارسات التأملية في الآخرين، ما ينعكس في بلوغ فِرقهم ومؤسساتهم مستويات أعلى من مرونة التعلم.
باختصار، تساعدك ممارسة هذه الاستراتيجيات على تحقيق أقصى قدر من التعلم من التجربة. ماذا تعلَّم الرئيس التنفيذي؟ أدرك أنه كان يسعى إلى الحصول على المشورة بشأن التحدي الحالي من أشخاص ضمن شبكة علاقاته قد تكون وجهات نظرهم مماثلة لوجهة نظره، وأن بإمكانه تعلم الكثير من شخصين يعملان في قطاعين مختلفين، فأوضح لهما ما يأمل تعلّمه منهما وحدد موعداً لإجراء مكالمة هاتفية معهما في صباح اليوم التالي.