أحد أفضل أنشطتي المنتظمة المشاركة في نادٍ للكتب يسمّى نادي الركائز الست يستضيفه صديقي ستان. أسّس ستان مجموعة القراءة في هذا النادي من أجل الالتقاء بالأصدقاء وتنويع عاداته القرائية وخلق علاقات جديدة. وسُمّي النادي بهذا الاسم لأننا نقرأ كل عام 6 كتب في 6 تخصصات أساسية. ويلتقي أعضاء النادي مرة كلّ شهرين في ضيافة ستان الذي يطهو لنا طعام العشاء، ثم نناقش لمدة ساعتين الكتاب الذي قرأناه في مجموعات مكونة من 10 إلى 12 شخصاً.
وبالطبع لم يكن هذا النادي فريداً من نوعه، إذ أصبحت هذه المجموعات شائعة بدءاً من نادي أوبرا وينفري الشهير وصولاً إلى الموقع الإلكتروني جودريدز (Goodreads). ونظراً لأنها غير رسمية فمن الصعب حصر أعدادها لكن أحد المصادر يقدّر أن نحو 5 ملايين أميركي ينتمون إلى هذه الأندية (دون احتساب الأندية على شبكة الإنترنت).
والقراءة عنصر ضروري لتطوير القدرات القيادية. وقد ناقشت باستفاضة في مقال سابق في هارفارد بزنس ريفيو فوائد القراءة، ودور العادات القرائية المتنوعة والعميقة في صقل الذكاء وتطوير القدرات التواصلية وتحسين الذكاء العاطفي إضافة إلى فوائد أخرى. وتتجاوز القراءات الأكثر تأثيراً بالنسبة إلى قادة الشركات كتب "الأعمال التجارية" لتشمل مؤلفات في ميادين التاريخ والسير الذاتية والروايات بل حتى الشعر. وغالباً ما تكون القوائم الأفضل للكتب التي "تجب قراءتها" بالنسبة إلى قادة الأعمال بالغة التنوع.
ومع ذلك ما يزال يُنظر إلى القراءة باعتبارها سلوكاً فردياً. فهل يمكن أن يستفيد القادة من موجة أندية الكتاب؟ أنا أعتقد أن بإمكانهم ذلك. فأندية الكتاب وسيلة فريدة الفعالية في تعزيز فوائد القراءة، وتقدم عدداً من الفوائد الإضافية. ويمكن جني هذه الفوائد من قبل رجال الأعمال الذين ينضمون إلى نوادي الكتاب المكونة من الأصدقاء وأعضاء المجتمع، وكذلك من قبل أولئك الذين ينضمون إلى الأندية المكونة من زملاء العمل لعدة أسباب.
أولاً تسهّل نوادي الكتاب الالتزام بعادة القراءة المنتظمة. فأنا مثلاً ألتزم سنوياً بقراءة 12 كتاباً على الأقل لا صلة لها بعملي. ويشكل نادي الكتاب الذي أنتمي إليه عنصر تذكير أساسي بهذا الهدف. كما تعزز مجموعات القراءة مستوى الالتزام لدى الفرد. وفي عالم ينجح فيه 8% فقط من الناس في تنفيذ قرارات العام الجديد يختار مارك زوكربيرغ أن يعلن على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قراره قراءة 26 كتاباً، ويعرض منشوراته عن الكتب بوصفها ناديَ كتب افتراضياً حتى يلتزم بأداء هذه المهمة التي أخذها على عاتقه. كما ثبت أن نوادي الكتاب تعزز الارتباط بالأدب لدى الشباب والكبار. ويؤكد أحد مؤلفي الكتب الأكثر مبيعاً غريتشن روبن مراراً أن المجموعات تمثل عموماً إحدى أفضل الطرق لاكتساب عادات إيجابية. وإذا كنت تؤمن بفوائد القراءة لكنك تجد صعوبة في تطوير هذه العادة فإن الانضمام إلى إحدى مجموعات القراءة يمكن أن يمثل ذلك الإحساس بالمسؤولية الذي تحتاج إليه كي تلتزم بذلك.
ويمكن للقراءة ضمن مجموعة أن تساعدك على مطالعة الكتب بعمق أكبر وتمكّنك من فهم أفضل لوجهات النظر المختلفة. إذ لن يكون لك حق اختيار كل الكتب التي ستقرأها في النادي، لذا ستكون مجبراً على قراءة أجناس أدبية وأعمال قد لا تهتدي إليها وحدك. ويمكن أن تساعدك المشاركة في قراءة محتوى متنوع، يشمل مثلاً الأعمال الأدبية الخيالية وكتب التاريخ والسيرة الذاتية والعلوم الاجتماعية، على الخروج من روتينك اليومي والربط بين أفكار من مجالات أخرى قد تكون ذات صلة بعملك أو حياتك. وعلاوة على ذلك، فإن مناقشة هذه الكتب مع مجموعات متنوعة من الأصدقاء أو الزملاء يمكن أن يوسع مجال تفكيرك. لهذا، فإن أحد الأهداف الرئيسية لاعتماد طريقة دراسة الحالة في التعلّم بكلية هارفارد للأعمال بقراءة الطلاب حالة أو قصة جماعياً ثم مناقشتها هو جعل الطلاب أكثر وعياً بوجهات النظر المختلفة التي يقدمها الآخرون، وكيفية توظيفها في تعميق الفهم ومساعدة المجموعة على الوصول إلى استنتاجات دقيقة. وتعمل أندية الكتاب بالطريقة نفسها إذ تلزمك بالمشاركة في مناقشة مواضيع مهمة وجديدة من خلال الإصغاء لأشخاص آخرين يفكرون بأسلوب مختلف عنك. ولأنك تعرف أنّ دورك سيأتي لمناقشة الكتاب الذي التزمت بمطالعته مع أقرانك، فإنك ستقرأه قراءة أعمق مما ستفعل بمفردك.
ويساعدك هذا النشاط أيضاً على بناء العلاقات الاجتماعية وتقويتها. وفي هذا السياق وصف مؤسس شركة واربي باركر (Warby Parker) لصناعة النظارات، نيل بلومنثال، ذات مرة فوائد أندية الكتاب في شركته قائلاً: "تساعد هذه النوادي من ناحية حيوية الفريق على بناء علاقات عمل متينة، فهي تسهم في بناء الثقة عندما تنشئ بيئة آمنة لتشارك الأفكار أو مناقشتها". وأخبرني كبير المسؤولين التنفيذيين في شركة عقارات حديثة التأسيس أنها توظف أنشطة نادي الكتاب والمناقشات التي تدور شهرياً بين أعضاء الفريق الأول من أجل تعميق فهم بعض القضايا وبناء الثقة وروح الزمالة بينهم. في هذين المثالين يعزز نادي الكتاب الذي ترعاه الشركتان العلاقات المهنية داخلهما، لكن هذه الفوائد التي تمسُّ مجال العلاقات عن طريق قراءة الكتب تتحقق أيضاً (وربما خاصة) عندما تضم مجموعات القراءة أشخاصاً لا يعملون معاً في المؤسسة نفسها. كما أن العديد من أندية الكتاب يرتكز نشاطه على العلاقات الاجتماعية، إذ يخلق فرصاً لالتقاء الأصدقاء ومناقشتهم للمواضيع ذات الاهتمام المشترك في أثناء تناول وجبة عشاء أو مشروب. وحتى تلك النوادي التي تركّز على الكتب لها طرقها الخاصة في بناء العلاقات وتعميقها من خلال القراءة المشتركة.
وفي الختام يبدو أن مناقشة محتوى الكتب في مجموعات القراءة يمكن أن تجعلك مرتاحاً وواثقاً من نفسك في المحادثات المهنية، سواء في مجموعات العمل مع الزملاء أو خلال تقديم العروض في اجتماعات مجلس الإدارة أو في اجتماعات الفِرق. وعلى الرغم من أن هناك عدداً لا يحصى من المقالات حول تطوير القدرة على المناقشة، فإن أفضل طريقة وأضمنها كي تصبح محاوِراً بارعاً قادراً على المشاركة في القضايا الجوهرية هي الممارسة. ولأجل ذلك توفر أندية الكتاب مكاناً مريحاً خارج بيئة عملك للمشاركة في مناقشة المحتوى وتعلّم التحدث بفعالية مع الآخرين.
تزدهر أندية الكتاب في الوقت الراهن. ومع ثبوت فوائد القراءة للقدرة القيادية، يتعين على رجال الأعمال الراغبين في تطوير مسارهم الشخصي والمهني أن يتحلوا بحكمة استغلال هذا التوجه الجديد لصالحهم. فهذه المجموعات يمكن أن تساعد الفرد على أن يصبح قارئاً بارعاً، يلتزم بعادة القراءة ويطور علاقاته ويتعلم أموراً جديدة بالاستماع إلى وجهات نظر مختلفة، ليصبح محاوراً متمكناً. كما يمكن أن تكون مجموعات القراءة هذه مفيدة للعقل والقدرة القيادية والأعمال التجارية.