يُعتبر الوعي الذاتي للمرأة بمنزلة المهارة القيادية الأساسية في القرن الحادي والعشرين. ويتّسم القادة الواثقون بأنفسهم وبآراء الآخرين حولهم أنهم أكثر فاعلية وثقة واحتراماً وقابلية للترقية.
عندما أتحدث إلى قادة الشركات عن برنامجنا البحثي حول الوعي الذاتي للمرأة الذي يمتد إلى فترة تقدر بحوالي خمس سنوات، فإن أحد الأسئلة الأكثر شيوعاً التي يطرحها هؤلاء القادة يدور حول ما إذا وجدنا أي اختلافات بين الجنسين فيما يخص الوعي الذاتي.
الاختلافات بين النساء والرجال في وعي الذات
أولاً، البيانات: أظهرت الأبحاث أن النساء يمتلكن أفضلية ضئيلة على الرجال فيما يخص الوعي الذاتي. وفي استبانة شملت 275 فرداً، وجدنا أن تقييم النساء لوعيهّن الذاتي كان أعلى قليلاً من تقييم الرجال، على الرغم من أن فارق التقييم لم يكن شاسعاً. وأظهرت أبحاث أخرى أن النساء يحظين بتقييمات أعلى قليلاً في الوعي الذاتي من قبل المرؤوسين المباشرين والمدراء والزملاء. كما تمتاز النساء بأنهن أكثر قدرة على إدراك أهمية الوعي الذاتي في نجاح مسيراتهن المهنية وتطورهن.
وعلى الرغم من هذه المزايا، لا تزال النساء غير ممثّلات بالقدر الكافي في المناصب القيادية العليا ويتقاضين رواتب أقل من الرجال. وفي حين تتعدد أسباب عدم المساواة بين الجنسين، فإن التركيز على الدور الذي يلعبه الوعي الذاتي يمكن أن يمنح النساء وأولئك الذين يناصرونهم بعض السبل بهدف معالجة هذه الفوارق.
لماذا لا تنعكس مزايا الوعي الذاتي للنساء على حصولهن على تمثيل أفضل في المناصب القيادية العليا؟ هل هناك أي دروس مستقاة من الأدبيات الأكاديمية تتعلق بالوعي الذاتي ويمكن أن تساعد في تفسير هذه الفجوة المستمرة؟ وماذا يمكننا فعله لإغلاق هذه الفجوة؟
الدروس المستفادة من قضية الوعي الذاتي لدى النساء
الدرس 1: عادة ما تستهين النساء بأنفسهن، ولكن ليس كما يظن معظم الناس
كثيراً ما يُزعم أن النساء أقل ثقة بالنفس من الرجال، ولكن من المدهش أن النتائج الحالية لا تدعم هذه الفكرة. وعلى الرغم من أن الباحثين السابقين قد وثقوا الاختلافات في الثقة بالنفس بين الفتيات والفتيان، تتقلص هذه الفجوة بشكل كبير عندما تبلغ تلك الفئة من الأفراد الثالثة والعشرين من العمر. وفي حين كشفت البحوث السابقة عن الفروق بين الجنسين في التقييمات الذاتية للفاعلية الإدارية، أظهرت دراسات حديثة أن القادة الذكور والإناث يضعون تقييماً مماثلاً لأنفسهم. وكما صرّحت سارة جرين كارمايكل: "عندما ننظر إلى النساء البالغات مراراً وتكراراً، لا نرى حفنة من زهرات البنفسج الذابلة التي تحتاج إلى بعض الجرأة فقط".
وعلى الرغم من أن المرأة العادية لا تستهين بنفسها كقائدة، فإنها تواجه تحدياً أكبر قليلاً، يتمثّل في افتقارها إلى الثقة في تقدير الآخرين إسهاماتها. ولم نلاحظ في إحدى الدراسات أي اختلاف في تقييمات النساء والرجال الذاتية للذكاء العاطفي فيما يخص مهارة القيادة الرئيسة. ومع ذلك، عندما طُلب منهم التنبؤ بدرجة تقييم مشرفيهم لذكائهم العاطفي كانت تنبؤات النساء أقل بمعدل ثلاثة أضعاف من توقعات الرجال، على الرغم من حصولهن على تقييم أعلى قليلاً من الرجال من قبل مديريهن.
لماذا تستهين النساء إذاً بقيمتهن الحقيقية؟ اقترح الباحثون أن الصور النمطية الراسخة حول طغيان الطابع الذكوري في مجال القيادة، سواء أكان ذلك ضمنياً أم صريحاً، قد تدفع النساء إلى ترسيخ صحة هذه الصور النمطية السلبية، التي من شأنها أن تجعل زملاء العمل ينظرون إليهن على أنهن أقل فاعلية من نظرتهن إلى أنفسهن.
وتعد القدرة على التنبؤ بآراء الآخرين فينا، التي يطلق عليها غالباً التصورات الشخصية، جانباً مهماً في الوعي الذاتي. وبالطبع، عندما تستهين النساء بآراء الآخرين في إسهاماتهن، يقفن حاجزاً في وجه نموهن دون قصد. على سبيل المثال، إذا اعتقدت إحدى القائدات أن الآخرين لا يقدرون إسهاماتها، فقد تكون أكثر حذراً فيما يتعلق بالتقدم إلى الوظائف، أو ترشيح اسمها للترقية، أو طلب زيادة في الأجر.
لذلك، تحتاج النساء إلى الحصول على صورة أكثر دقة عن إسهاماتهن، بأعين الآخرين بهدف تحقيق النمو والازدهار. ويتمثّل أحد أساليب مقارنة تنبؤاتنا مع الواقع في "تمرين أفضل الصفات المنعكسة" (reflected best self-exercise). وغالباً ما أستخدم تمرين أفضل الصفات المنعكسة هذا مع عملائي في دورة تدريب المديرين التنفيذيين، إذ يُعتبر هذا التمرين وسيلة قوية لاستكشاف مواطن قوتنا المحددة كما يراها الآخرون.
حيث ستحدد القائدة التي ترغب في إجراء تمرين أفضل الصفات المنعكسة ما لا يقل عن ثمانية أشخاص من أصعدة مختلفة من حياتها، وترسل لهم بريداً إلكترونياً تسألهم فيه عن المواقف التي وجدوا أنها كانت في أفضل حالاتها، مع ذكر بعض الأمثلة المحددة، وقد يكون هؤلاء الأشخاص من الزملاء الحاليين أو السابقين، الموظفين والمشرف والأصدقاء والأسرة وغير ذلك. وبمجرد أن تتلقى الردود منهم، يمكنها إجراء دراسة متعمقة على هذه الردود؛ بهدف تحديد الموضوعات والأنماط الرئيسة. أخيراً، ستقوم القائدة بتكوين صورة ذاتية عن هويتها وهي في أفضل حالاتها بأعين الآخرين.
ومن الضروري أن تعي القائدات ما يعتبره الآخرون نقاط قوتهن وإسهاماتهن المميزة. ويتطلب هذا القليل من الجهد والعقل المنفتح، لكن قيامهن بذلك يمكّنهن من إزالة أي قيود يفرضنها ذاتياً وتعيقهن من منح أنفسهن فرصاً أكبر وأفضل.
الدرس 2: لا تحصل النساء على أي آراء تقييمية جيدة
تُعتبر الآراء التقييمية ضرورية للقائدة وتمكّنها من فهم إسهاماتها، بالإضافة إلى أنها تمكنها من إجراء التعديلات اللازمة بغية أن تكون أكثر فاعلية. وعلى الرغم من أن النساء يطلبن حصولهن على آراء تقييمية بقدر ما يطلب الرجال، فإن احتمال حصولهن عليها ضئيل.
وقد سردتُ في كتابي الأخير قصة عميلة تُدعى لمى التي كانت تشرف على مناقصة مشروع ضخم للبنية التحتية للمياه. عندما خسر فريق لمى أمام المنافس، طلبتْ من زميل لها يُدعى فؤاد منحها رأيه التقييمي لمعرفة إن كان سلوكها هو ما قد أسفر عن هذه النتيجة. وسألتْه: "لقد كنتَ موجوداً خلال العرض التقديمي النهائي يا فؤاد، هل ارتكبتُ أي سلوك خاطئ جعلنا نخسر العمل؟" أجاب فؤاد: "كلا! على الإطلاق! لقد أبليت حسناً!" أصبحت لمى بعد هذا الحوار مرتابة أكثر.
وبعد بضعة أيام، اتصل بها أحد زملائها ليُعرب عن أسفه إزاء خسارتها المناقصة. قالت لمى بحزن: "الأمر محبط جداً! لا يسعني التفكير في سبب ما حصل! أعلم أن المشكلة لم تكن تتعلق بالعرض التقديمي". قال زميلها: "حقاً؟ لم يكن هذا ما أخبرني به فؤاد. قال لي إن العرض التقديمي كان سيئاً للغاية!" في تلك اللحظة، أُصيبت لمى بالذهول. لقد تجرأت على طلب تقييم من زميلها بهدف أن تدرك مواطن ضعفها وتعمل على تحسينها، لكن زميلها كذب عليها.
من الصعب تقديم آراء تقييمية صادقة. وقد يصبح تقديم هذه الآراء التقييمية أكثر صعوبة عندما تتجاوز حدود النوع الاجتماعي. وقد صاغ الباحثون عبارة "التحيّز الخيري ضد المرأة" للإشارة إلى السلوكيات التي تحمي النساء من المعلومات الجارحة. حيث قد يتجنب المديرون أو الزملاء الذكور تقديم آراء تقييمية سلبية إلى النساء في العمل؛ لأنهم لا يريدون إيذاءهن أو إزعاجهن.
وعادة ما تكون الآراء التقييمية التي تتلقاها النساء أقل تحديداً من الآراء التقييمية المقدمة إلى الرجال، وهو ما يسفر عن عواقب وخيمة. إذ أظهرت الدراسات أنه عندما تتلقى النساء ملحوظات مبهمة، فمن الأرجح أن يحصلن على تقييمات منخفضة للأداء. كما أن هذه الآراء التقييمية السلبية المبهمة تخبر القائد بأن أداء هؤلاء النساء لا يلبي التوقعات. وما يزيد من قلقهن هو أن هذه الآراء التقييمية لا تحدد السلوكيات الفاشلة التي يتبعنها، وهو ما يسفر عن جهلهن بالسلوكيات التي يجب تعديلها.
كما أن عدم وجود آراء تقييمية إيجابية محددة يضع القائدات في وضع مجحف. إذ قد تشير هذه الآراء التقييمية إلى أن أداءهن جيد، ولكنها لا تشير إلى الإجراءات أو النتائج الجديرة بالثناء، وهو ما يجعلهن يجهلن السلوكيات التي يمكنهن مواصلة ممارستها. وقد يكون من الصعب على النساء إثبات كفايتهن أو الحصول على ترقية أو علاوة إن لم يكن يملكن سجل إنجازات مفصلة وموثّقة. كما تبيّن أن قدرة النساء على استخلاص آراء تقييمية إيجابية محددة وتدوينها يسفر عن إلغاء التمثيل الزائد للرجال في فئات الأداء الأعلى بشكل فاعل.
ويصبح السؤال إذن: كيف يمكن للنساء الحصول على آراء تقييمية أكثر تفصيلاً؟ اكتشفنا في بحثنا الذي اشتمل على رجال ونساء واعين لذواتهم نمطاً مثيراً للاهتمام في كيفية حصولهم على الآراء التقييمية، حيث لجؤوا إلى مجموعة صغيرة نسبياً مكونة من ثلاثة إلى خمسة أشخاص عادة، وكان هؤلاء الأشخاص جميعاً مهتمين جداً بنجاحهم وبمشاركة قصص صادقة عن معاناتهم. على سبيل المثال، سيكون زميل لمى الصادق مرشحاً رائعاً، في حين أن فؤاداً لن يحصل على ثقتها بالتأكيد.
عندما تتمكن القائدات من التعرف على هؤلاء الناصحين المحبين والتحاور معهم، يمكنهن ضمان حصولهن على الآراء التقييمية التي يحتجن إليها. ويمكنهن إضفاء الطابع الرسمي على لقاءاتهن هذه حسبما يقتضي الأمر. على سبيل المثال، تحب إحدى زميلاتي في جلسة تدريب المديرين التنفيذيين مشاركة السلوكيات التي تعمل عليها، ثم تصطحب كل مقدمي النصح المحبين إليها إلى الغداء كل شهرين للحصول على آرائهم التقييمية. ولدى زميلي الآخر ترتيبات ذات طابع أقل رسمية تتضمن جلسة ملحوظات مدتها لا تتجاوز الدقيقتين مع أحد مقدمي النصح إليه بعد كل اجتماع.
إذا كانت محادثات الآراء التقييمية غير مثالية في البداية، فهذا لا يعني أنها لن تكون ذات قيمة. ويقترح الأستاذ في كلية إدارة الأعمال إيلي بيل سميث أنه إذا كانت الآراء التقييمية غير محددة بما فيه الكفاية، فيجب على النساء طرح أسئلة متابعة، مثل: "هل يمكنك أن تعطيني مثالاً يوضح وقت ممارستي هذا السلوك؟" "ما التأثير الذي نجم عن هذا السلوك؟" أو "كم مرة رأيتني أمارس هذا السلوك؟"
الدرس 3: تميل النساء إلى أخذ الآراء التقييمية على محمل الجد
بالطبع، ينبغي لكل واحد ألا يأخذ كل جزء من الآراء التقييمية على محملها الظاهري فقط، وينبغي ألا يفرط في الاعتماد على آراء الآخرين لبناء مفهومه الذاتي. بشكل عام، يوجد ثلاثة أنواع من المعلومات التي نستخدمها لتكوين صورة عن هويتنا، وتتمثل هذه المعلومات في نظرتنا لأنفسنا، وفي آراء الآخرين فينا، وفي المقارنات التي نجريها مع الآخرين. وبينما يولي الرجال أهمية كبيرة لآرائهم الذاتية والمقارنات الاجتماعية، تميل النساء إلى التركيز أكثر على آراء الآخرين فيهن. وعلى الرغم من أن الرجال والنساء يمتلكون وجهات نظر متشابهة حول أدائهم في غياب الآراء التقييمية، فإن النساء أكثر عرضة لتعديل وجهات نظرهن من الرجال في ظل وجود هذه الآراء.
ومن المسلم به أن المرء بطبيعته لا يمكنه تجاهل آراء الآخرين حوله، ولكن بالمنطلق نفسه، قد ينطوي الاستخفاف بوجهات نظرنا الذاتية على القدر نفسه من العواقب. كما أن إضفاء أهمية أكبر على آراء الآخرين حول أدائنا قد يجعلنا نتجاهل معاييرنا وأهدافنا، وهو ما قد يجعل سلوكنا أقل اتساقاً مع قيمنا. لكن عندما نفرط في الاعتماد على آراء الآخرين، فإن ذلك يجعلنا نمعن في التفكير في مخاوفنا ومواطن ضعفنا والحالات التي نشعر فيها بانعدام الأمان. وتعتبر فكرة ميل النساء إلى الإمعان في التفكير أكثر من الرجال صحيحة تماماً.
قال فرانسيس سكوت فيتزجيرالد ذات مرة إن الذكاء هو "القدرة على التفكير في فكرتين متعارضتين في الوقت نفسه مع الاحتفاظ بالقدرة على العمل". والوعي الذاتي يشبه ذلك إلى حد ما. إذ لا يُعتبر الوعي الذاتي حقيقة واحدة، وإنما هو تشابك معقد ينطوي على آرائنا عن أنفسنا وعلى آراء الآخرين فينا على حد سواء. في الواقع، لقد ثبتت أهمية هذين المنظورين في استخلاص جوانب مختلفة من هويتنا. على سبيل المثال، عادة ما نفهم دوافعنا بشكل أفضل من الآخرين، لكن الآخرين عادةً ما يرون سلوكنا بصورة أكثر وضوحاً مما نراه نحن. لذلك على الرغم من أهمية أخذ آراء الآخرين على محمل الجد، لا يجب علينا أن ندع هذه الآراء تحدد صفاتنا أو تجعلنا نتجاهل صورتنا الذاتية تماماً.
وللتغلب على الميل إلى الاعتماد على آراء الآخرين بشكل كبير، يمكن للنساء العمل على تطوير صورهن الخاصة عن ذواتهن. ما المبادئ التي يردن أن يبنين حياتهن عليها؟ ما أعظم تطلعاتهن؟ ما أنواع المشاريع التي توفر لهن أكبر قدر من الطاقة؟ وبغض النظر عن النهج الذي يتّبعنه في سبيل تطوير صورهن الذاتية، مثل تسجيل اليوميات واليقظة الذهنية والمحادثات مع أحبائهن وما إلى ذلك، من المهم إيلاء هذا النهج المتّبع أولوية بقدر أهمية الحصول على الآراء التقييمية من الآخرين. (في حال رغبتكم في تقييم قوة وجهات نظركم الذاتية ومقارنتها مع تقييمات الآخرين، يمكنكم تجربة اختبارنا المجاني).
وغالباً ما يمكن للقائدات الاستفادة من جرعة إضافية من الاعتماد على الذات، خاصةً عندما لا يتمكن الآخرون من رؤية ما هنّ قادرات عليه. على سبيل المثال، إذا تلقيتِ آراء تقييمية سلبية من مديرك في العمل بشأن مهمة تعتقدين أن بإمكانك التميّز فيها، فإياكِ الاستسلام على الفور، وإنما فكري فيما قد يلزم لعكس توقعاته.
وكما قالت قاضية المحكمة العليا سونيا سوتومايور ذات مرة: "في كل موقف خُضته وجدت الرافضين الذين لم يؤمنوا بإمكاناتي في تأدية هذا العمل. وكنت أشعر بمسؤولية خاصة لإثبات خطئهم". في الواقع، لن يضرنا فعل ذلك مطلقاً في سبيل تنمية الوعي الذاتي للمرأة.
اقرأ أيضاً: