بناء مولّد لمعلومات السوق المعمَقة

23 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
فيما مضى، كانت المهارات التشغيلية للشركة تساهم في تحقيق تميزها على المدى البعيد. فالتصنيع الرشيق، أو تلك التي كانت تمتاز بجودة منتجاتها، أو الشركة التي تمتلك شبكة توزيع أقوىأرقى، كانت تلك عوامل تتيح التفوق على المنافسين. لكن هذه الرهانات أصبحت اليوم محدودة القوة، فالتركيز اليوم هو “العملاء”، أي أن تفهمك لحاجات عملائك، وتلبيتها على نحو أفضل من غيرك هو ما يميزك.

ولكي تحقق هذا، فأنت بحاجة  إلى بيانات عن العملاء. غير أن امتلاك أطنان من البيانات لا قيمة كبيرة له في حد ذاته. والشيء الذي يميز الفائزين عن الخاسرين، هو القدرة على تحويل البيانات إلى معلومات معمقة حول دوافع العملاء، وتحويل معلومات السوق المعمقة هذه إلى استراتيجية. وتتطلب هذه العملية التي تبدو سحرية قدرات مؤسسية إبداعية نسميها في مجموعها “مولّد معلومات السوق المعمقة”.

كُشف عن الدور الحيوي الذي يلعبه مولّد معلومات السوق المعمقة في دراسة عالمية للأبحاث السوقية قادتها السنة الماضية شركة الاستشارات الاستراتيجية كانتار فيرمير. تضمنت الدراسة المسماة ” معلومات السوق المعمقة 2020″ مقابلات شخصية ومسوح استقصائية، شارك فيها أكثر من 10 آلاف ممارس أعمال في كل أنحاء العالم (انظر العمود الجانبي “نبذة عن بحوث معلومات السوق المعمقة 2020”). من بين العوامل التي وُجد أنها تدفع النمو والمتمحورة حول العملاء، لم يكن هناك أهم من مولّد معلومات السوق المعمقة الخاص بالشركة، والذي يتجسد في الوحدة المعنية بمعلومات السوق المعمقة والتحليلات داخلها (على الرغم من أن هذه الوحدة تسمى بأسماء كثيرة من ضمنها “معلومات السوق المعمقة والتحليلات” و”معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق” و”المعلومات المتعلقة بالعملاء”، فإننا رغبة في التبسيط نشير هنا إلى كل هذا باسم وحدات معلومات السوق).

سنقوم في هذا المقال بوسف عناصر مولّد معلومات السوق المعمقة، ونبيّن كيف يعمل في عملاق السلع الاستهلاكية “يونيليفر”. حققت علامات الشركة التجارية التي تربو على الأربعمئة، والتي من بينها دوف وكنور وآكس، إيرادات قدرها 60 مليار دولار في عام 2015، محققاً ارتفاعاً في المبيعات الأساسية بنسبة 4.1% لهذا العام. يتطلب الأداء على ذلك المستوى الانخراط الكامل لموظفي الشركة البالغ عددهم 169 ألف موظف، والذين يتوزعون على تخصصات تمتد من سلسلة الإمداد والبحوث والتطوير إلى التسويق والمالية. لكن كما سنبين، فإن مولّد معلومات السوق المعمقة – الذي يتجلى في فريق “معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق” الخاص بالشركة – هو الذي يدعم استراتيجية يونيليفر المتمحورة حول العملاء.

استراتيجية جديدة

عندما نشرت يونيليفر نتائجها عن الربع الأول في أبريل/نيسان 2016، أعلن المدير المالي للشركة غرايم بيتكيثلي، مخاطباً المحللين، عن مبادرة جديدة كبرى لتحويل الموارد إلى الأسواق المحلية حول العالم. ونوّه إلى أن المستهلكين يطلبون بشكل متزايد علامات تجارية ومنتجات تتفق مع هويتهم الثقافية ونمطهم الحياتي. والنتيجة هي أن الشركات المحلية، وعلى وجه التحديد في الأسواق الناشئة، آخذة في النمو بسرعة وتعزيز مراكزها التنافسية. وبيّن أن البرنامج الجديد سيوضح المساءلة، ويجعل فِرق تسويق يونيليفر أخف حركة على الصعيدين العالمي والمحلي على السواء.

وكان مدراء الشركة في كل دولة قد أدركوا الشعبية المتزايدة التي تتمتع بها العلامات التجارية المحلية، ونوقشت مضامين ذلك بشكل منفصل على مستويات كثيرة في عموم الشركة. فهناك عرض تقديمي نفذه رئيس فريق “معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق” والمشارك في تأليف هذا المقال، ستان ستانيوناثان، أمام مجلس التشغيل واعتمد على هذه المعلومات التحليلية وعلى العرض الذي أجراه فريق “معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق” بنفسه لمجريات الأمور. استعرض ستانيوناثان مع أعضاء المجلس تحليلاً للأسباب التي تجعل العلامات التجارية المحلية تحقق نمواً، وماهية ما ينطوي عليه هذا من تهديد، وكيف تستطيع يونيليفر المنافسة. ركّز هذا العرض التقديمي الانتباه، وكان عاملاً محفزاً للحديث عن الاستراتيجية، وأدى في نهاية المطاف إلى تغييرات في كل من المؤسسة وفي العقلية.

تُبرز مبادرة يونيليفر الجديدة نوع الدور الاستشاري رفيع المستوى الذي تضطلع به فرق معلومات السوق المعمقة القيادية في الشركات على نحو متزايد. فمنذ عقد مضى، كان المرء لا يكاد يسمع بهذا النوع من الانخراط الاستراتيجي من جانب فريق المعلومات المتعلقة بالعملاء. كانت دائرة البحوث السوقية نمطياً عبارة عن وحدة خدمات مستندة إلى رد الفعل، وكانت تتبع دائرة التسويق وتتولى تقديم الطلبات التسويقية، وإصدار تقارير إدارة الأداء. لكن مع مرور الوقت، ظلت دوائر البحوث السوقية تتحول من مجرد توفير البيانات إلى تفسير هذه البيانات، إذ تقوم باستخلاص معلومات معمقة حول دوافع العملاء وحاجاتهم بناءً على سلوكياتهم.

تحركت الشركات الكبرى، مدفوعة بحتمية تمحورها حول العملاء، لتتجه الآن إلى تحويل فرق البحوث السوقية إلى مولّدات حقيقة لمعلومات السوق المعمّقة تضطلع بدور استراتيجي في الأساس. وفي يونيليفر نجد أن رسالة وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق المعلنة بوضوح تتمثل في “الإلهام والاستنهاض للتمكين من الإجراء التحويلي”. لاحظ أن كلمة “رؤية متبصرة” غير موجودة، وهذا أمرٌ مقصود. السبب في ذلك أن كل ما تفعله معلومات السوق المعمقة هو توفير وسيلة لتحقيق الغاية المنشودة، وهي الفعل الذي يدفع نمو أعمال الشركة إلى الأمام.

وسنتحدث في الصفحات التالية عن عشر سمات تتسم بها مولّدات معلومات السوق المعمقة المتفوقة، وهي مستمدة من دراسة “معلومات السوق المعمقة 2020” ومن واقع خبرتنا في يونيليفر. ونقسم هذه السمات إلى فئتين عامتين، وهما السمات التشغيلية، مثل الاستقلال الوظيفي والتوجه التجريبي، والسمات البشرية، مثل فطنة في مجال الأعمال وأساليب التفكير التحليلي والإبداعي جيد التوازن.

السمات التشغيلية

هناك سبع سمات أساسية ترتبط بالطريقة التي تعمل بها مولّدات معلومات السوق المعمقة.

تجميع البيانات

حتى وقت قريب، كانت الشركات الكبيرة تتميز عن منافساتها الصغيرة؛ وذلك ببساطة بفضل حجم قدرات البحوث السوقية التي تتمتع بها. أما اليوم، فالبحوث التي كان إجراؤها يستغرق شهوراً ويكلف الملايين، صار يمكن إجراؤها مقابل جزء ضئيل من ذلك الثمن وفي غضون أيام فقط. وما يهم الآن ليس كمية البيانات التي تستطيع شركة معينة أن تكدسها بقدر ما تهم قدرة هذه الشركة على تحليل هذه المعلومات واستخلاص قيمة منها. تميز هذه القدرة الشركات الناجحة عن الشركات الأقل نجاحاً، إذ وفقاً لبحوث “معلومات السوق المعمقة 2020” قال 67% من المسؤولين التنفيذيين في الشركات عالية الأداء (التي تخطت منافسيها في نمو الإيرادات)، أن شركتهم ماهرة في ربط مصادر البيانات المختلفة، في حين لم يقل الشيء نفسه إلا 34% من المسؤولين التنفيذيين في الشركات متدنية الأداء.

هذه الكفاءة في استخدام البيانات واضحة في الشركات عالية الأداء عبر جميع المجالات، بما في ذلك الصناعات الدوائية والخدمات المالية والضيافة والسلع الاستهلاكية. ورغبة في التحسن، تعكف شركات كثيرة على إنشاء فرق متخصصة في البيانات، تحت إشراف القيادة التنفيذية العليا، لتجميع وإدارة وتحليل البيانات وتوزيعها في عموم المؤسسة. وقد اضطلعت وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق بهذا الدور في يونيليفر.

بالنسبة لأي فريق معني بمعلومات السوق المعمقة يتولى دور تجميع البيانات وتفسيرها وتوزيعها، يكمن التحدي الأول في دمج المجموعات الضخمة والمختلفة من البيانات المهيكلة وغير المهيكلة، على السواء المستمدة من مصادر، كأرقام مبيعات المنتجات والإنفاق الإعلاني وسجلات مراكز الاتصال ورصد شبكاتالتواصلالاجتماعي، وقد تصل هذه البيانات إلى عشرات الملايين من السجلات. تعود ملكية مجموعات البيانات عادة إلى فرق مختلفة، فبيانات المبيعات يملكها فريق المبيعات، والإنفاق الإعلاني يملكها فريق التسويق، والبيانات الخاصة بتفاعلات العملاء يملكها فريق خدمة العملاء وهكذا دواليك.

بالعمل عن كثب مع دائرة تكنولوجيا المعلومات، نفذت وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق نظاماً عالمياً لمعلومات التسويق متاح لجميع الموظفين المعنيين بالتسويق في عموم الشركة، ويتولى دمج البيانات وتقديمها في تنسيقات متوافقة. وهذا يضمن أن قدرة جميع المستخدمين، أينما كان موضعهم في الشركة، على رؤية ذات المعلومات في ذات الوقت، وهو ما تسميه وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق “رواية واحدة للحقيقة”. وبالتالي، فإذا كان فريقا التسويق والمالية، كلاهما ينظران إلى حصص الربع الأول لصابون دوف في أي قطاع سوقي، فإنهما يريان الأعداد ذاتها والوحدات ذاتها، المستخلصة باستخدام المنهجية ذاتها والمعروضة بالأسلوب ذاته. وهما يريان أيضاً بالضبط ذات الصورة، عندما ينظران إلى البيانات عبر العلامات التجارية أو بائعي التجزئة أو المناطق الجغرافية.

ساعد نظام معلومات التسويق العالمي في يونيليفر بشكلٍ كبير على تقليل الجدالات حول تعريفات البيانات والمنهجية والتفسير، والتي كانت تؤدي إلى استنتاجات متعارضة (وأحياناً خاطئة). كما أعفى أيضاً وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق من جزء كبير من عمل رفع التقارير، لما يتسم به من كثافة في استهلاك الموارد، والذي تغرق في مستنقعه فرق معلومات السوق المعمقة في الكثير من الشركات، مما سمح للقسم بتحويل محور تركيزه من مجرد توفير البيانات إلى تقديم معلومات معمقة وتوصيات للعمل.

أنظر إلى دور وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق في حملة يونيليفر لتحسين صحة قلب المستهلكين. كانت الشركة تبيع زبدة دهن ومشروبات خافضة للكوليسترول، لكن العقبة كانت تتمثل في دفع المستهلكين إلى استخدام هذه المنتجات بانتظام. تمخضت بحوث وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق عن كميات من البيانات حول أنماط الاستهلاك. كانت الرؤية المتبصرة الأولى، هي أنه لإدامة التغيير السلوكي، يجب أن يستخدم الناس المنتجات لمدة ثلاثة أسابيع. وكانت الرؤية المتبصرة التالية أن أفضل طريقة للحصول على التزام طويل الأمد هي من خلال الضغط من الأقران، بمعنى دفع مجموعة من الأفراد للتجربة سوياً. وعندئذ دفعت تلك الرؤية المتبصرة فريق التسويق إلى إنشاء برنامج يسمى It Takes a Village (الأمر يحتاج إلى مجهود البلدة بأكملها)، وهو يتحدى أهالي بلدة بأكملها لخفض مستوى الكوليسترول في أجسامهم. يشمل البرنامج، المطبق الآن في مجتمعات محلية موزعة على أكثر من 10 بلدان، فحص مستوى الكوليسترول، وتقديم نصائح تغذية وإرشادات للطهي (باستخدام منتجات الشركة) ووجبات إفطار وتمارين رياضية جماعية. حتى اليوم، استطاع 85% من الأشخاص الذين قبلوا التحدي خفض مستوى الكوليسترول لديهم.

النهج الذي تتبعه وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق في جمع البيانات وتحليلها نهج كثيف الاستخدام للتكنولوجيا غالباً. فعلى سبيل المثال، أثناء رصد الدردشة على تويتر رداً على حملة “بن أند جيري” الترويجية المتضمنة تقديم “مخروط آيس كريم مجاني”، لاحظ أحد فرق وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق علاقة قوية بين الدردشة والزيادات في المبيعات في معظم المناطق الجغرافية لكن ليس فيها كلها. وكشف تحليل في الزمن الحقيقي لمناطق بطء المبيعات أن نفاد المخزونات هناك هو الذي كان يعوق المبيعات، مما سمح لينويليفر بتفادي حدوث مشكلات مماثلة في الحملات المستقبلية.

لا يتناسب المقام هنا مع تقديم وصف تام للكيفية التي تجنّد بها وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق التكنولوجيا لتجميع البيانات، لكن هناك برنامجين يوضحان مرادنا. أول هذين البرنامجين هو مركز بيانات الأشخاص التابع لوحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق. إذ يجمع هذا المركز البيانات التحليلية المستمدة من شبكات التواصل الاجتماعي والأعمال التجارية مع تحليل البيانات الخاصة بخطوط خدمة العملاء وقنوات التسويق الرقمية في يونيليفر، والتي تسجل ملايين المحادثات يومياً بأربعين لغة. تستطيع وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق بسرعة أن تحوّل البيانات الخام المستمدة من تلك المصادر إلى تأثير على الأعمال. فعلى سبيل المثال، عندما دشنت العلامة التجارية كنور التابعة للشركة حملتها تحت شعار “حب من أول مذاق”، كانت مستلهمة من بحوث تثبت أن معظم الناس ينجذبون إلى الآخرين الذين يحبون ذات النكهات التي يحبونها. وبالتالي وجدت كنور رجالاً ونساء غير مرتبطين تجمع بينهم مذاقات مشتركة، ورتبت لهم مواعيد تعارف دون سابق معرفة، وذلك استناداً إلى الأطعمة وحدها، وصوّرت النتائج بالفيديو. ثم نشرت الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي وتواصلت مع الأشخاص المؤثرين في عالم الطعام على الإنترنت ليقوموا بنشر الفيديو. وفي الأسابيع الثلاثة الأولى، حقق الفيديو 100 مليون مشاهدة.

وهناك برنامج آخر لوحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق، وهو PeopleWorld (عالم الناس)، يعالج مشكلة “لو علِمت يونيليفر ما تعلمه يونيليفر”. في أغلب الأحوال تكون الإجابة عن سؤال تسويقي بعينه موجودة بالفعل في البحوث التاريخية التي أجرتها الشركة، ويتمثل التحدي في العثور عليها. لكن باستخدام منصات الذكاء الاصطناعي، يستطيع أي شخص داخل يونيليفر استخلاص البيانات من وثائق بحوث المستهلكين البالغ عددها 70 ألف وثيقة، بالإضافة إلى كميات كبيرة من بيانات شبكات التواصل الاجتماعي والتي يتضمنها البرنامج للحصول على أجوبة عن أسئلة مكتوبة باللغة الطبيعية. على سبيل المثال، يمكن لأحد مديري العلامات التجارية أن يطرح السؤال: “ما هي مشكلات العناية بالشعر التي تواجه الرجال ممن هم في منتصف أعمارهم في الهند؟” ستدرك أجهزة الكمبيوتر التابعة لبرنامج PeopleWorld ما هو مطلوب، وستبحث في الحصيلة الهائلة من المعلومات المتصلة بتساقط الشعر، والقشرة، والموضوعات المماثلة، وتقدم فوراً فكرة عامة رفيعة المستوى. من خلال مجموعة من الاستفسارات ذات العلاقة، يستطيع هذا المدير أن يحصل على صورة واضحة للشواغل المنفصلة والمتداخلة ذات الصلة بالعناية بالشعر لدى الرجال الأصغر سناً أو الأكبر سناً وغيرهم ممن هم في بلدان أخرى، وهذه معلومات يمكنها أن تتمخض عن معلومات حول حاجات المستهلكين في مختلف الأسواق وكيفية تلبيتها.

الاستقلال

تتمتع فرق معلومات السوق المعمقة الأرفع مستوى بوجود مستقل تماماً عن دائرة التسويق وغيرها من الدوائر الأخرى، وغالباً ما تكون تبعيتها وترفع تقاريرها إلى الرئيس التنفيذي أو مدير الاستراتيجيات أو مدير تجارب المستخدمين. تظهر بحوث “معلومات السوق المعمقة 2020” أن قادة معلومات السوق المعمقة في الشركات عالية الأداء يرفعون تقاريرهم إلى هؤلاء المسؤولين التنفيذيين الكبار بمعدل يزيد عن مثلي معدل نظرائهم في الشركات متدنية الأداء (29% مقابل 12%). ويشير عمل شركة كانتار فيرمير مع العشرات من الشركات في مختلف التخصصات إلى أن هذا العدد في ازدياد، ونتوقع أنه بمرور الوقت أن يكون هذا هو الترتيب النمطي.

في يونيليفر يرفع ستان ستانيوناثان تقاريره إلى أحد أعضاء المجلس التنفيذي، وهو كيث ويد، المشارك في تأليف هذا المقال وقائد وحدات التسويق والاتصالات والأعمال المستدامة بالشركة. يمنح هيكل التبعية هذا الاستقلال التام لوظيفة وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق مع ضمان التبعية المباشرة للمدير التنفيذي. في هذا المركز، تستطيع وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق أن تكون موضوعية وأن تتعاون على قدم المساواة مع الوحدات الأخرى، وأن تتحدى بل وتحدد اتجاه المشاريع والإستراتيجية الوظيفية والمؤسسية.

انظر مثلاً إلى سعي وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق إلى جعل الاختبار المسبق للإعلانات إجراء معيارياً. نظراً لأن يونيليفر هي ثاني أكبر منفق إعلاني في العالم، فإن تحسين أداء الإعلانات حتى بنقاط مئوية قليلة يمكنه أن يترجم إلى مئات الملايين من الدولارات على هيئة انخفاض في التكاليف وإيرادات جديدة. ومع ذلك ففيما مضى، كان يتم إطلاق الإعلانات في أحوال كثيرة دون وجود معلومات ملموسة عن فعاليتها. ولتغيير تلك الممارسة، نفذت وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق برنامجاً منضبطاً للاختبار؛ فباستخدام استقصاءات المستهلكين والبرمجيات التي تقرأ تعبيرات الوجه، يستطيع فريق وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق الآن، أن يرى ما إذا كان الناس يرون الإعلانات صادقة ووثيقة الصلة بهم وجديرة بالحديث عنها أم لا، وذلك قبل أن يتم بثها. وهكذا يتم إلغاء الإعلانات الرديئة، وأما الإعلانات القوية فتعطى الضوء الأخضر، ويتعاون فريق وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق مع فريق التسويق للنهوض بأدائه. في أول الأمر كان مبدعو الإعلانات يرون في برنامج الاختبار تهديداً للإبداع وقاوموه. لكن تبين أنه شديد الفعالية لدرجة أن المسوقين اعتمدوه حالياً، علماً منهم أنه يساعدهم على تحقيق أحسن أداء، وأن الإعلانات الناجحة تدخل في الاعتبار عند حساب مكافآتهم.

يتحقق استقلال وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق بمنحها حرية التصرف في ميزانيتها، واعتمادها كأداة لدفع أداء الأعمال قُدماً، وخضوعها للمساءلة عن مساعدة الوحدات الأخرى على تحقيق مستهدفات الأعمال. وبالتالي فعندما يوصي فريق وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق مثلاً بالتوسع في علامة تجارية بعينها في أسواق محلية جديدة، فإنه يعمل في شراكة وثيقة مع فريق التسويق على وضع الاستراتيجية وتنفيذها؛ لأن التقصير سيكون مسؤولية وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق بقدر ما سيكون مسؤولية فريق التسويق.

التخطيط المتكامل

تعتبر دورة تخطيط الأعمال والعلامات التجارية بالنسبة لمعظم الشركات القوة المحركة وراء وضع الاستراتيجيات وتنفيذها. فهنا تُتخذ القرارات بشأن أين تلعب الشركة وكيف تحرز الفوز، وهنا أيضاً تتم بلورة تخصيص الموارد، وإعداد الميزانيات ورصد الأداء قياساً على الأهداف. إذا كان لفرق معلومات السوق المعمقة أن تساعد على دفع الاستراتيجية قدماً، فلا بد من أن تكون أنشطتها متسقة أثناء دورة التخطيط مع أنشطة فرق التخطيط الاستراتيجي والتسويق والمالية والمبيعات وغيرها من التخصصات. ولهذا السبب نجد شركات عالية الأداء أكثر بكثير من الشركات متدنية الأداء (61% مقابل 46%) تُشرك قادة معلومات السوق المعمقة في جميع المراحل الأساسية من دورة التخطيط. ونجد أن إشراك فريق معلومات السوق المعمقة في الدورة يتباين تبعاً للمجال الذي تعمل به الشركة، وهو قوي بشكل خاص في قطاع التجزئة.

وإليكم كيف تشارك وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق في دورة التخطيط: “أين تلعب الشركة؟” هو في الأساس سؤال عن الموضع الذي يتم توجيه استثمارات النمو إليه، وذلك في الأسواق الحالية أو المجاورة أو الجديدة. للمساعدة على تحديد هذا، تستخدم وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق أداة برمجية مصممة حسب الطلب تسمى “غروث سكاوت” (بمعنى كشاف النمو) وتقوم بتمحيص ملايين نقاط البيانات حول طلب المستهلكين عبر القطاعات الديموغرافية والمناطق الجغرافية والبلدان للقياس الكمي للقيمة المحتملة المترتبة على التغلغل الأعمق لفئة أو علامة تجارية. وقد يكون أحد الاستعمالات النمطية لهذه الأداة قياس تأثير زيادة تغلغل أنواع صابون الاستحمام السائل بنسبة 10% في الأسواق التايلندية. وتستطيع النتائج مساعدة يونيليفر على تحديد أولويات فرص النمو واتخاذ قرار بشأن الموضع الذي تستثمر فيه موارد إضافية خاصة بالتسويق أو تطوير المنتجات على نحو يحقق أعلى الأرباح. في الآونة الأخيرة استعان فريق منتجات العناية بالمنزل في وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق بأداة غروث سكاوت، ليميط اللثام عن أسواق جديدة تنطوي على آفاق مربحة لعلامات يونيليفر التجارية لمساحيق التنظيف بتحديد القطاعات الديموغرافية التي تشهد تغلغلاً ضعيفاً.

ما إن يتم اتخاذ القرارات بشأن الموضع الذي تلعب فيه الشركة، هناك أداة برمجية أخرى مصممة حسب الطلب تسمى “غروث كوكبيت” (بمعنى مقصورة قيادة النمو) تساعد على إرشاد استراتيجيات “كيف نفوز؟”. توفر هذه الأداة استعراضاً على الشاشة لأداء علامة تجارية بعينها في سوق بعينها منسوباً إلى أداء فئتها. وهي توجه المديرين إلى فرص النمو ببنائها بشكل سريع صورة مرئية لمقارنة أداء العلامة التجارية على مجموعة من المقاييس (الحصة السوقية، التغلغل، التسعير، الإنفاق الإعلاني، وغير ذلك الكثير).

بالإضافة إلى ذلك، تستخدم وحدة معلومات السوق المعمقة أدوات أخرى للمساعدة على الإجابة عن أسئلة تتناول: على أيٍ من مزايا المنتجات ينبغي أن ينصب تركيز التسويق، وأي الإعلانات أشد فعالية، وما الموازنة التسويقية التي ستتمخض عن أعلى عائد على الاستثمار، وما هو السعر الأمثل للمنتج. وعندئذ تلعب وحدة معلومات السوق المعمقة دوراً محورياً في تتبع أداء المبادرات التسويقية قياساً على المستهدفات وتقديم المشورة بشأن التعديلات التكتيكية التي قد تحسّن الأداء.

التعاون

وجدت دراسة “معلومات السوق المعمقة 2020” في المتوسط أن 69% من المشاركين في الاستقصاء من الشركات فائقة الأداء، قالوا إنهم يعملون عن كثب مع الفرق الأخرى والعملاء، مقارنة بنسبة 52% فقط من نظرائهم في الشركات متدنية الأداء. هذا التأكيد على التعاون واضح بخاصة بين الشركات التكنولوجية الناشئة، لكننا نراه أيضاً بين عمالقة من أمثال علي بابا وغوغل، وهو يقيناً يمثل القاعدة المتبعة في يونيليفر وشركات السلع الاستهلاكية المعبأة الكبيرة الأخرى.

في وظائف البحوث السوقية التقليدية، لا ينصب التركيز كثيراً على التعاون بقدر ما ينصب على كون الوحدة مقدم خدمات فعال. وأما وحدات معلومات السوق المعمقة كوحدة معلومات السوق المعمقة في يونيليفر فتضطلع بدور مختلف اختلافاً واضحاً يؤكد على الأهداف المشتركة والشراكات. وقد رأينا هذا في عمل وحدة معلومات السوق المعمقة مع دائرة تكنولوجيا المعلومات لإنشاء منصات “ذكية” لتبادل المعلومات، مثل PeopleWorld، يمكن لأي شخص في يونيليفر استخدامها. على صعيد مماثل، تعاونت وحدة معلومات السوق المعمقة تعاوناً مقصوداً مع دائرة التسويق، متخلصة بذلك من صورتها كـ”شرطيّ” يرصد الأداء وصارت بدلاً من ذلك تعتبر شريكاً متعاوناً في إقامة اتصالات فعالة.

بوجه أعم، يتمخض اتساق وحدة معلومات السوق المعمقة هيكلياً مع سائر وحدات الشركة ودمجها في دورة التخطيط عن قنوات طبيعية للتعاون الذي يجري يومياً في الغالب. على سبيل المثال، يشمل الهيكل التنظيمي لوحدة معلومات السوق المعمقة فرقاً تركز على العناية الشخصية والعناية بالمنزل والأغذية والمرطبات، وقادة الفرق متواجدون مع رؤساء فئات المنتجات ذاتها في المؤسسة الأوسع، مما يساعد على ضمان مشاركة وحدة معلومات السوق المعمقة والوحدات الأخرى في الأحاديث سوياً وعملها كشركاء عندما تتحول مناقشة الاستراتيجية على سبيل المثال إلى توسيع العلامات التجارية للعناية الشخصية في سوق جديدة. وتوفر مساءلة وحدة معلومات السوق المعمقة عن نتائج الأعمال أيضاً حافزاً لها لكي تتعاون مع جميع الفرق الموجهة تجارياً؛ بما أن هذه هي أفضل طريقة للتأثير على مؤشرات الأداء الأساسية فيما يخص عمليات كل فريق.

ومن المفهوم في عموم الشركة أن معلومات السوق المعمقة يمكن أن تنبع من أي أحد في أي وقت، وبالتالي تشجع وحدة معلومات السوق المعمقة جميع الموظفين على الانخراط مع العملاء لاكتساب معلومات عن حاجاتهم والدور الذي تلعبه منتجات يونيليفر في حياتهم، وتوفر أدوات للمساعدة في ذلك. فمن خلال برنامج يسمى “بيبول فويس” (بمعنى صوت الناس) على سبيل المثال، يمكن لجميع الموظفين، من عمال المصانع في آسيا مروراً بأعضاء فرق العلامات التجارية العالمية وانتهاء بالرئيس التنفيذي، الاتصال مباشرة بالعملاء في فعاليات تحمل شعارات من قبيل “الاستدامة” و”تجربة المتسوق”. وهناك خيار آخر، وهو أن يستخدم الموظفون منصة “أولويز-أون”، التي يتم توفيرها من خلال شركة ناشئة تسمى ديسكس دوت آي أو (Discuss.io)، لترتيب لقاءات افتراضية مع المستهلكين في أي مكان. أحد الطلبات النمطية يمكن أن يكون كالتالي: “أريد لقاء شخص جنوب أفريقي محب للحساء الأسبوع القادم الساعة 4 مساء”. وعندئذ يحصل الموظف على دعوى مؤتمتة للمشاركة في دردشة حية بالفيديو. يستخدم بعض رؤساء الفئات هذه المنصة للانخراط مع أشخاص في البلد الذي يخططون لزيارته، فيسألونهم عن حاجاتهم ويستكشفون الفرص المتاحة ليونيليفر. وهذا يساعد الرؤساء على تركيز أحاديثهم مع المديرين المحليين عندما يصلون إلى هناك.

يستخدم الموظفون لتسجيل رؤاهم المتبصرة تطبيقاً داخلياً يسجل ملاحظاتهم من واقع الدردشات الحية أو التفاعلات الأخرى مع المستهلكين. فعلى سبيل المثال، قد يلاحظ أحد الموظفين أن الأشخاص الذين تحدث معهم في الجزائر ساووا بين “الاستدامة” والحفاظ على المياه. ويتم تخزين هذه التنويهات والقصص والصور والفيديوهات التي تتمخض عنها اتصالات الموظفين تخزيناً مركزياً وتحليلها بمعرفة وحدة معلومات السوق المعمقة، التي تستخدم تحليل الفيديوهات وغير هذا من التكنولوجيات للتعرف على الأنماط السلوكية عبر المناطق الجغرافية والمجموعات لبلورة معلومات السوق المعمقة حول حاجات المستهلكين. فعلى سبيل المثال، كشفت التقارير المستمدة من زيارات الموظفين إلى مطابخ العملاء في الصين عن مشكلة شائعة وهي تراكم الشحوم نتيجة ارتفاع درجة الحرارة وضيق الأماكن. وتعكف فرق العلامات التجارية حالياً على تحديد الابتكارات والرسائل على صعيد المنتجات التي يمكنها المساعدة على تقديم حل لهذه المشكلة.

يشارك حوالي 30 ألف شخص في برامج “صوت الناس” سنوياً. وتعزز هذه البرامج، بالإضافة إلى مساعدتها يونيليفر على فهم حاجات المستهلكين، فكرة أن الجميع منوط بهم مهمة إماطة اللثام عن معلومات معمقة، وهذا تحدّ يدفع الموظفين على جميع المستويات ويُشركهم.

التجريب

الشركات فائقة الأداء تفوق الشركات متدنية الأداء ثلاث مرات في احتمال تبنيها ثقافة قوامها التجريب، حسبما كشفت أبحاث “معلومات السوق المعمقة 2020” (40% مقابل 13%)، والشركات التي تمارس الأعمال التجارية مع مؤسسات تجارية أخرى، هي بوجه عام أكثر ميلاً إلى التجريب من الشركات التي تمارس الأعمال التجارية مع العملاء. وتعتبر يونيليفر استثناء في عالم الشركات التي تمارس الأعمال التجارية مع العملاء، بعد أن أضْفت الصبغة الرسمية على التجريب من نواح عديدة، وأبرزها بتدشينها في عام 2014 شركة “فاوندري”. توسعت فاوندري، التي كانت في الأصل حاضنة ناشئة لتكنولوجيا التسويق، منذ ذلك الحين لتشمل فعاليات هاكاثون، ومنصة تعاون لمعالجة قضايا الاستدامة، ومنصة أخرى تحصل على مفاهيم التسويق المبتكرة من الجهات الأخرى وتمنح جوائز عليها، وبرنامجاً إرشادياً يربط بين الشركات الناشئة وخبراء يونيليفر الذين يقدمون المشورة حول تطوير المنتجات والعلامات التجارية واستراتيجية التسويق. يتمحور جزء كبير من عمل فاوندري حول “التحديات” التي تنشرها على موقعها على الإنترنت، وهي طلبات لتقديم مقترحات لعلاج مشكلة بعينها، كالحيرة التي يقع فيها المستهلكون بشأن ماهية الأصناف التي يطهونها لطعام العشاء، أو كيف يعيشون نمط حياة أكثر استدامة.

تحت رعاية فاوندري، تطبق مبادرة “شارك تانك” التي أطلقتها وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق طريقة اقتبستها من برنامج أذيع على شاشة “سي إن بي سي” يحمل الاسم ذاته. تقوم عشرة أو نحو ذلك من الشركات الناشئة بترويج تكنولوجيات جديدة أمام فريق تنفيذي تابع لوحدة معلومات السوق المعمقة. وتُمنح كل شركة منها خمس دقائق لتحكي قصتها، تليها خمس دقائق للأسئلة والأجوبة. بعد العروض التقديمية، يصوّت الفريق على الأفكار لتحديد أيها ينفذ تجريبياً وأيها يرفض. منذ إطلاق مبادرة “شارك تانك” قبل عامين، قامت بفرز ما يزيد على 650 تقنية، ونفذت أكثر من 175 تقنية بشكل تجريبي، وقامت بتوسيع نطاق 37 تقني

إحدى الشركات الناشئة التي تمخضت عنها المبادرة Discuss.io، وهي منصة فيديو للاتصال بالمستهلكين على الإنترنت. ومن الشركات الناشئة الأخرى weseethrough، التي تستخدم تكنولوجيا قابلة للارتداء لرصد ما يفعله المستهلك حقيقةً، والذي يختلف في غالب الأحوال عما يزعم أنه يفعله. يرتدي الأشخاص الذي أجريت عليهم weseethrough اختباراتها نظارة غوغل أثناء انخراطهم في المهام الروتينية، مثل التنظيف أو الطهي أو التسوق. ثم تقوم الشركة بتحليل الفيديو الذي تلتقطه أجهزة الرأس لاستبانة السلوكيات التي قد لا يكون المستهلكون أنفسهم على وعي بها. فعلى سبيل المثال، قد يظن الناس أن تنظيف غرفة الجلوس يستغرق وقتاً أطول من تنظيف الحمام، لكن العكس هو الصحيح في حقيقة الأمر. ساعدت معلومات السوق المعمقة من هذا القبيل يونيليفر على تكييف حافظة منتجاتها لتلبية حاجات التنظيف التي لم يتحدث عنها العملاء.

توجه متطلّع إلى المستقبل

رغبة في استشراف المستقبل، ركز باحثو الأسواق تقليدياً على الماضي. فربما كانوا مثلاً يستعرضون تدشين مشروع بعد هذا التدشين بأشهر. حولت معظم الشركات اليوم جزءاً كبيراً من اهتمامها إلى دراسة الحاضر، حيث ترصد المستهلكين في الزمن الحقيقي لكي تستبق ما سيفعلونه فيما بعد. وأما الممارسون الأكثر تطوراً – وهم الشركات التي تمتلك مولّدات معلومات السوق المعمقة كوحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق – فيتخذون الخطوة التالية، حيث يستخدمون أدوات تحليلية للتنبؤ وتقنيات أخرى، بالإضافة إلى الهياكل التنظيمية الجديدة، لاستباق السلوك والتأثير عليه في آن واحد. وعلى الرغم من أن الشركات فائقة الأداء في الوقت الراهن ليست متقدمة بكثير في هذا الصدد عن الشركات متدنية الأداء (32% مقابل 28%)، إلا أن بحوث “معلومات السوق المعمقة 2020” تشير إلى أن الفجوة آخذة في الاتساع، ونتوقع أن يستمر هذا الاتجاه.

انظر كيف عملت وحدة معلومات السوق المعمقة مع شركتي غوغول وريزرفيش لتطوير برنامج، يستفيد من رصد وسائل الإعلام في الزمن الحقيقي لاستباق اتجاهات تصفيف الشعر وتشكيل الطلب على المنتجات ذات العلاقة. يونيليفر واحدة من أكبر اللاعبين في سوق العناية بالشعر العالمية، بعلامات تجارية من ضمنها Suave وTRESemmé، لكنها وجدت صعوبة في تمييز نفسها، شأنها شأن منافسيها. وباستخدام أداة مصممة خصيصاً لتحليل عمليات البحث المتصلة بالشعر على محرك بحث جوجل (يوجد حوالي مليون عملية بحث كهذه شهرياً)، يتعرف البرنامج على اتجاهات تصفيف الشعر، وينشئ بسرعة فيديوهات إرشادية تشتمل على منتجات يونيليفر (لكنها لا تقوم بالترويج لها بشكل مباشر) على قناة تسمى All Things Hair على موقع يوتيوب. يستطيع الزوار على هذا القناة تصفح الفيديوهات حسب نوع الشعر وشراء منتجات يونيليفر ذات الصلة. تبث قناة All Things Hair الآن في 10 أسواق، وحققت أكثر من 125 مليون مشاهدة منذ تدشينها في عام 2013، وتظهر البحوث أنها تفوق الإعلانات التقليدية بثلاث مرات في قدرتها على دفع عجلة المبيعات.

على مستوى أوسع، أنشأت وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق فريقاً يسمى المستقبليات البشرية والثقافية مكرس لتصور المستقبل وتمحيص التطورات في المناطق الجغرافية الرئيسة، واستكشاف مدلولات ذلك بالنسبة لاستراتيجية الشركة. حدد الفريق ضغوطاً مجتمعية وتكنولوجية وبيئية وسياسية واقتصادية معينة (يسميها “القوى الكلية”) تشكل العالم ومن ضمنها تحول النمو الاقتصادي والتكنولوجي إلى الشرق (الهند والصين) والجنوب (أفريقيا وأمريكا الجنوبية) والإجهاد البيئي المتنامي. يدير فريق المستقبليات البشرية والثقافية من بين ما يدير من برامج ورش عمل للتوعية الثقافية، ويحفز فرق العلامات التجارية والفئات لمناقشة كيف يمكن أن تؤثر مختلف القوى الكلية على كل من المستهلكين ويونيليفر. في أحد الأحاديث حول ازدياد معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة، محّص فريق العلامة التجارية صابون لايفبوي بيانات تظهر أن أكثر من 40% من الوفيات يحدث بين الرضع الذين تقل أعمارهم عن شهر واحد، والكثير من هذه الوفيات يمكن اتقاؤه بغسل اليدين. أدى هذا إلى برنامج واسع النطاق للتوعية بغسل اليدين أسفر عن تغيير سلوك 337 مليون شخص في 28 بلداً. وفي قرى في الهند، أفادت الأمهات بأن معدل حدوث الإسهال بين أفراد الأسرة انخفض من 36% في 2013 إلى 5% في 2014.

رغبة قوية في الفعل

تركز دوائر معلومات السوق المعمقة الأكثر تأثيراً على الاستراتيجية بقدر تركيزها على البيانات. والحقيقة أن دراسة “معلومات السوق المعمقة 2020” وجدت أن 79% من وحدات معلومات السوق المعمقة في الشركات فائقة الأداء، شاركت في صنع القرار الاستراتيجي على جميع مستويات المؤسسة، مقارنة بـ 47% فقط في الشركات متدنية الأداء.

يتجلى توجه وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق نحو العمل من ناحيتين عامتين: في توصياتها المحددة للدوائر الأخرى داخل الشركة، وفي استقطاب وتدريب موظفين “موجهين نحو الفعل”.

انظر على سبيل المثال إلى انخراط الوحدة مع دائرة التسويق بخصوص تطوير الأسواق، حيث أوضحت “حجم المكاسب” الكبيرة التي كانت الفرصة سانحة ليونيليفر لتحقيقها بتوسيع الأسواق التي تعمل فيها، وقد اعترف قادة الشركة بهذه الفرصة باعتبارها أكبر فرصة نمو أمام الشركة. وساعدت وحدة معلومات السوق المعمقة على تجزئة هذا التحدي إلى ثلاثة أجزاء (إيجاد المزيد من مستخدمي المنتجات، والمزيد من الاستخدام، والمزيد من المنافع للمستخدمين) ثم ساعدت على تحديد سبل التصدي لتلك التحديات. فعلى سبيل المثال، في مجال تحقيق زيادة الاستخدام، اقترحت الوحدة أن تشجيع الاستخدام الليلي لفرش الأسنان ومعجون الأسنان يمكنه زيادة نمو الأعمال وهو يتناغم مع رسالة يونيليفر الاجتماعية المتمثلة في تحسين صحة الفم والأسنان. فيسّرت الوحدة ورشة عمل سلطت الضوء على أهمية دور الآباء في تعليم أطفالهم غسل أسنانهم بالفرشاة، مما تمخض عن حملة تسويقية تشتمل على أغنية تشجع الأطفال على غسل أسنانهم بالفرشاة ليلاً من باب المرح وتقوية روابطهم بآبائهم.

على جانب استقطاب الموظفين، ومن قاعدة الهرم إلى قمته، تستثمر وحدة معلومات السوق المعمقة في برامج تطوير مصممة لتوسيع قدرات الأشخاص، بما يتجاوز حدود المهارات الوظيفية المتوقعة (البحوث والتحليل) إلى مهارات “الفعل”، وهي التواصل والإقناع والتيسير والقيادة. المقصود هو مساعدة الموظفين على التحسّن في تحويل معلومات السوق المعمقة إلى نتائج أعمال، سواء بوضع تصور لفرصة أعمال جديدة أو بترويجها داخل المؤسسة.

سمات الناس

السمات التشغيلية التي تميز مولّدات معلومات السوق المعمقة المتفوقة تتممها ثلاثة سمات تميز الأشخاص الذي يمثلون جزءاً من هذه المولّدات.

عقلية استخدام كلا شقي المخ

لكي يكون أي مولّد لمعلومات السوق تعاونياً وتجريبياً وما إلى ذلك، فإنه يحتاج إلى ثقافة تنفصم عن الماضي. فقد كان أفراد فرق معلومات السوق المعمقة تاريخياً يركزون على التحليلات. كان توجه “شق المخ الأيسر” يخدمهم جيداً، لكن فرق معلومات السوق المعمقة في يومنا هذا يجب أن تفكر تفكيراً شمولياً، وتمارس مهارات شق المخ الأيمن الإبداعية أيضاً.

المؤسسات عالية الأداء بارعة في دمج المنهجين؛ وقد أجمع من المشاركين في الاستقصاء من الشركات فائقة الأداء عدد أكبر بكثير من نظرائهم في الشركات متدنية الأداء، على أن فرق معلومات السوق المعمقة بشركاتهم ماهرة في التفكير باستخدام كلا شقي المخ (71% مقابل 42%). يتطلب تحقيق التوازن بين التفكير باستخدام شقي المخ الأيمن والأيسر مجهوداً ثنائياً، وهو استقطاب مواهب تملك القدرة على التفكير باستخدام كلا شقي المخ، وتشجيع هذه العقلية بين الموظفين الحاليين في المؤسسة. ولا يوجد إلا أشخاص قلائل يقتصرون على التفكير باستخدام الشق الأيمن أو الأيسر بشكل محض. لكن العمل المؤسسي يحابي في أغلب الأحوال التفكير التحليلي؛ لذا فمن الأهمية البالغة أن تُبذل جهود واعية لإطلاق العنان للجانب الإبداعي لدى الأفراد.

يتمثل أحد الطرق التي تستخدمها وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق في عقد ورش عمل بعنوان Upping Your Elvis تديرها شركة تحمل الاسم نفسه. يدفع هذا التدريب النشط والتفاعلي الأفراد إلى الخروج عن أنماط تفكيرهم الاعتيادية، ويجعلهم ينخرطون مع زملاء ربما لا يتواصلون معهم في الظروف الطبيعية في إيجاد حلول إبداعية للمشكلات. وهناك ورشة عمل نظمت مؤخراً على سبيل المثال جمعت بين أشخاص من دوائر التسويق والبحوث والتطوير ووحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق وتخصصات أخرى، وطلبت منهم شحذ أفكارهم للتوصل إلى سبل لزيادة مبيعات بلسم الشعر في جنوب شرق آسيا. كانت الرؤية المتبصرة التي توصلوا إليها هي احتمال أن يكون المستهلكون عازفون عن المجازفة بشراء منتج عندما لا يثقون في منافعه. وقد أدى هذا إلى فكرة تدشين عبوة صغيرة بحجم تجريبي.

في ورش العمل الأخرى التي تنظمها وحدة معلومات السوق المعمقة، ينصب التركيز على ربط البيانات حول الأسواق وأداء العلامات التجارية بتجربة المستهلك الفعلية. فيتوجه موظفو التسويق والبحوث والتطوير وغيرهم في المؤسسة إلى بيوت الناس لغسل ملابس أو طهي وجبة، ليروا بذلك رأي العين كيف يتفاعل المستخدمون مع منتجات يونيليفر. ويتصل المشاركون في ورش العمل أيضاً اتصالاً مباشراً بكل من العملاء الأوفياء والعملاء الذين تخلوا عن منتجات الشركة، وسماع متحدثين خارجيين يقدمون دراسات حالة حول الانخراط مع العملاء. وهم ينضمون إلى جلسات تَصوّر مع الزملاء من عموم دوائر الشركة لتخيّل برامج نمو جديدة وتطوير خطط عمل مفصلة.

في جميع الأحوال، يترك الموظفون حلقات العمل هذه وفي جعبتهم أدوات تعاونية جديدة، ويتحول كل واحد منهم إلى قدوة ومبشّر لأسلوب التفكير بكلا شقي المخ.

محور تركيز الأعمال

تاريخياً لم يركز المفكرون بشق المخ الأيمن (موظفو التسويق والفرق الإبداعية على سبيل المثال) بشكل طبيعي على جانب الأعمال. لكن دراسة “معلومات السوق المعمقة 2020″، وجدت أن احتمال إيمان المشاركين في الاستقصاء من الشركات عالية الأداء، بأن وحدات معلومات السوق المعمقة في شركاتهم لديها تركيز على الأعمال يفوق بكثير إيمان نظرائهم في الشركات منخفضة الأداء (75% مقابل 50%).

في يونيليفر، نفذت وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق تشكيلة من البرامج، لتكوين فطنة الأعمال لدى الموظفين. ولا تنسوا أن رؤية فريق معلومات السوق المعمقة هي “الإلهام والاستنهاض للتمكين من التغيير”. ترى وحدة معلومات السوق المعمقة تطوير معلومات السوق المعمقة كوسيلة لتحقيق غاية، ألا وهي نمو الأعمال المتمحور حول العملاء. ولتعزيز الصلة بين معلومات السوق المعمقة والنمو، يتم ربط مكافآت الموظفين بأداء وحدة الأعمال الأوسع؛ مما يوجِد مساءلة مشتركة مع التخصصات الأخرى، ويشجع فريق وحدة معلومات السوق المعمقة على تولي المسؤولية عن النمو، ويحفز الآخرين لبذل مجهود إضافي. يتم تدريب الفرق على التفكير خارج مجالاتهم التقليدية من خلال دورات “أكاديمية وحدة معلومات السوق المعمقة حول العملاء والأسواق” التي تتناول موضوعات من قبيل المالية للمديرين غير الماليين والدخول في شراكات أعمال فعالة. نتيجة لهذه البرامج وغيرها، تأخذ الفرق الآن في اعتبارها بشكل غريزي تأثير العمل الذي تؤيده على أعمال الشركة وتأثير أي توصية تتقدم بها.

رواية القصص

تعطينا بحوث “معلومات السوق المعمقة 2020” درساً أخيراً عما يصنع مولّداً قوياً لمعلومات السوق المعمقة. ففي الشركات فائقة الأداء، أجمع 61% من المسؤولين التنفيذيين المشمولين بالاستقصاء على أن الناس في وحدات معلومات السوق المعمقة بشركاتهم مهرة في نقل الرسائل التي يريدون إرسالها من خلال السرود الشيقة؛ وأما في الشركات متدنية الأداء فلم يُجمع على هذا إلا 37% منهم

وقد اعتنقت وحدة معلومات السوق المعمقة في يونيليفر رواية القصص. كانت عروضها التقديمية تقليدياً كثيفة البيانات ومبنية على افتراض أن الحديث المليء بالحقائق سيكون أكثر إقناعاً من حديث قائم على الحقائق، ويحتوي على قدر أقل من البيانات وقدر أكبر من السرد. وعلى الرغم من أن البيانات لها مكانها، ابتعدت وحدة معلومات السوق المعمقة عن الرسوم البيانية والجداول لصالح رواية القصص المؤثرة، معتمدة مبدأ “أرهم دون أن تحكي لهم”، وصارت الوحدة على نحو متزايد تقدم ما تريد تقديمه من خلال أحاديث على غرار أحاديث مؤتمر “تيد” وغير ذلك من النهج المعايشية.

فعلى سبيل المثال، في مرحلة مبكرة من دورة تخطيط الأعمال، تنفذ وحدة معلومات السوق المعمقة عروضاً تقديمية لكل سوق على حدة أمام القيادة والموظفين، بما في ذلك رؤساء فئات العناية الشخصية والأغذية وغيرها من الفئات في يونيليفر. وتصف هذه العروض التقديمية الديمغرافيا العالمية والاستهلاك والاتجاهات الأخرى ذات الصلة بكل فئة. وبدلاً من أن إثقال كاهل الجماهير بالبيانات، تشمل العروض التقديمية صوراً ومقالات قصيرة جذابة للترويج لقصة معينة لها مدلولاتها بالنسبة للاستراتيجية.

فيما يخص مبادرة تستهدف المسنين، وجد فريق وحدة معلومات السوق المعمقة طريقة جديدة لبث الحياة في تجارب المستهلكين الأكبر سناً. فبدلاً من الاكتفاء بالإفادة عن مدى الصعوبة التي يواجهها كبار السن مع المنتجات، شجعت الوحدة مسؤولي المبيعات على ارتداء تجهيزات تحاكي الشيخوخة ثم محاولة قراءة بطاقات البيانات الملصقة على منتجات يونيليفر مثل الشامبو. بعد أن أثقل كاهل مسؤولي المبيعات بتجهيزات قللت قدرتهم على الحركة وأضعفت بصرهم، صار لديهم إدراك حقيقي للعقبات التي يواجهها كبار السن. ومن المحصلات التي تمخضت عنها هذه الفعالية عبوة آيس كريم جديدة يمكن قراءة بياناتها بسهولة أكبر.

يتمثل جزء كبير مما تفعله مولّدات معلومات السوق المعمقة في أي شركة في جمع البيانات وتحليلها. لكن هذا هو الحد الأدنى المطلوب للنجاح في يومنا هذا. فامتلاك القدرة على ترجمة هذه الإمكانيات إلى نمو متمحور حول العملاء هو ما يميز الفائزين عن الخاسرين. مولّد معلومات السوق المعمقة حاسم الأهمية لهذه العملية، والحقيقة أنه أهم قوة دافعة تعرفت عليها دراسة “معلومات السوق المعمقة 2020”. لكن مولّد معلومات السوق المعمقة في حد ذاته أيّاً كان لا يمكنه أن يجعل الشركة متمحورة حول العملاء، إذ يتطلب هذا قيادة من أعلى قمة الهرم لضمان أن يحافظ كل تخصص، بداية من البحوث والتطوير ومروراً بالتسويق وانتهاء بوحدة معلومات السوق المعمقة ذاتها، على محور تركيز موحد على فهم حاجات العملاء الأساسية وتلبيتها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .