ملخص: يجب النظر إلى تطوير القدرات القيادية باعتباره جزءاً لا يتجزأ من مسيرتك المهنية، وعملية لا تتوقف عند مرحلة زمنية بعينها. وفي حين أن ممارستها والتركيز عليها كلما سمح الوقت أمر رائع بكل تأكيد، فإن الوقت لا يسمح دائماً بالانخراط في محاولات تطوير القدرات القيادية. لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن تطوير مهاراتك أمر مستحيل؛ فما عليك إلا أن تتحلى ببعض التفاني وتستثمر القليل من وقتك لكي تحسّن مهاراتك القيادية.
يعد تخصيص وقت للتعلُّم والتطوُّر أمراً بالغ الأهمية لأي شخص يرغب في تحسين كفاءته القيادية والارتقاء بمستوى أدائه. وعلى الرغم من ذلك، فإن المدراء يجدون صعوبة في العثور على ما يكفي من الوقت لتطوير قدراتهم. ففي ظل إلحاح المواعيد النهائية وضغوط المهمات اليومية والاجتماعات العاجلة، يضطر الكثيرون إلى وضع تعلُّم المهارات القيادية في مرتبة متأخرة على جدول أولوياتهم. لكن ليس من الضروري أن يستنزف تطوير قدراتك الكثير من الوقت. في الواقع، يمكن إنجاز الكثير من جوانب هذه العملية في سياق عملك اليومي.
وقد أثبتت نتائج بحث أُجري مؤخراً أن البرامج المنظَّمة يجب أن تمثل 10% فقط من عملية تطوير القدرات القيادية. ويجب أن ترتكز بقية جوانب العملية التطويرية على التجريب (بنسبة 70%) واكتشاف الذات (بنسبة 20%). لكن كيف يمكن تحقيق ذلك على أرض الواقع؟ وكيف تبدأ؟ إليك الكثير من الأساليب القائمة على الأدلة التي أثبتت نجاحها.
تطوير القدرات القيادية
لنبدأ بأصغر جزء من الوقت، ألا وهو تطوير القدرات القيادية. قد تكون على دراية بالمنصات التي يمكنك التفكير في الحصول على دروس رسمية من خلالها، ولكن هناك شيئان عليك فعلهما قبل الضغط على زر "التشغيل" في أي مقطع فيديو.
أولاً: من المهم أن تحدّد جانباً رئيسياً واحداً تريد تطويره من القدرات القيادية. وبما أنك تعاني ضيق الوقت فعلياً، فينبغي لك ألا تحاول التعامل مع الكثير من الجوانب في وقت واحد. راجع أي بيانات أو ملاحظات متوافرة لديك في الوقت الحالي، مثل مراجعات الأداء أو نتائج آخر استقصاء تم إجراؤه بطريقة 360 درجة. وحدّد ما لا يزيد على كفاءتين أو مهارتين تريد تحسينهما.
ثانياً: ضع لنفسك حداً زمنياً. أجل! أعني ما أقول؛ لأنني أرى قادة كثيرين يرتكبون خطأ فادحاً بمحاولة فعل الكثير من الأشياء وبسرعة كبيرة. فقد يأخذك الحماس وتُقبل على مشاهدة محتوى تدريبي لمدة ساعة يومياً يعج بالكثير من الأفكار والنصائح، وتكون النتيجة الحتمية إمّا أن تفقد حافزك وإما أن تنهار عزيمتك عندما تعجز عن تنفيذ هذه الأفكار والنصائح بسبب ضعف النتائج؛ لكن عليك أن تتذكر أنك ترمي إلى تحقيق هدف بعيد المدى، واعلم أن الإجراءات الصغيرة التي تتخذها كل يوم ستكون أكثر فاعلية على المدى البعيد مقارنة بالأنشطة المكثفة على المدى القصير.
ولحسن الحظ، فقد تم إعداد الكثير من البرامج التدريبية عبر الإنترنت بهذه الطريقة التي تتألف من مقاطع فيديو قصيرة، ما يعني أنك تحتاج إلى تخصيص فترة لا تتجاوز 3 إلى 5 دقائق فقط يومياً لمطالعتها. ابحث عن دورة تدريبية تُناسب المهارة التي تريد تطويرها، واحرص على مشاهدة مقطع فيديو قصير أو مقطعين على الأكثر يومياً، ولا تكتفِ بالمشاهدة، بل اكتب أي ملاحظات مادية أو عقلية تستقيها من الدروس المستفادة والأفكار الرئيسية حول كيفية تنفيذها خلال اليوم.
اكتشاف الذات
يجب أن يستغرق اكتشاف الذات 20% من الوقت المخصَّص لتطوير القدرات القيادية. وتذكر أنك خصَّصت أقل من 10 دقائق يومياً لعمليات التعلُّم الرسمي؛ ونتطلع إلى تخصيص وقت أطول من ذلك قليلاً لاكتشاف الذات. والخبر السار أنه يمكنك ممارسة اكتشاف الذات خلال يومك العادي.
وإليك ما يجب عليك فعله: خصّص بعض الوقت لمراقبة ما يفعله القادة الآخرون. ابحث عن قائد في مؤسستك ينتهج سلوكيات تتوافق مع المجالات التي تريد تطوير قدراتك القيادية فيها. لاحظ ما يفعله وكيف يفعله. وإذا سنحت لك الفرصة، فاطرح عليه أسئلة حول سبب فعله لشيء ما، ولكن لا تضغط عليه، فنحن لا نعي سلوكياتنا في كثير من الأحيان. وأعود وأكرر، لا تكتفِ بالمشاهدة، بل احرص على تدوين الملاحظات حول سلوكياته وفكّر في كيفية محاكاتها.
التجريب
والآن لنتحدث عن عنصر التجريب الذي يستغرق الجزء الأكبر من الوقت. فكّر بطريقة العلماء وحاول إجراء تجارب صغيرة لتعديل سلوكك المعتاد. طبّق شيئاً واحداً مما تعلمته من الدورات التدريبية التي تلقيتها عبر الإنترنت أو من خلال مراقبة سلوك القادة الآخرين. على سبيل المثال، إذا كنت بحاجة إلى إجراء محادثة صعبة مع مرؤوسيك، فجرب أسلوباً لا تتبعه عادة. قرر قبل انعقاد الاجتماع ما ستفعله على وجه التحديد. جرّبه ولاحظ النتائج. حتى إذا باءت محاولاتك بالفشل، يمكنك دائماً الرجوع إلى ما تعرفه بالفعل والانتقال إلى التجربة التالية.
وقد أثبتت أبحاثي أن التجريب أمر بالغ الأهمية لتعزيز هويتك القيادية أو ترسيخ صورتك الذاتية كقائد. وبمرور الوقت، سيصبح التصرف بطرق جديدة مبدأً راسخاً في حياتك.
وعلى الرغم من أن التجربة تشغل الحيز الأكبر من الوقت المخصّص للتطوير، فإنها تشكّل أيضاً جزءاً لا يتجزأ مما تفعله كل يوم، لذا من المهم أن تجد وقتاً لتسجيل ملاحظاتك والتفكير فيها. دوّن ملاحظاتك حول ما تحاول فعله وكيف يؤتي ثماره. وإذا لم تكن قد جرّبت هذه الطريقة من قبل، فاحرص على كتابة يومياتك لتسجيل أفكارك وتأملاتك.
كُن مستمعاً أفضل
يجب النظر إلى تطوير القدرات القيادية باعتباره جزءاً لا يتجزأ من مسيرتك المهنية، وعملية لا تتوقف عند مرحلة زمنية بعينها. وفي حين أن ممارستها والتركيز عليها كلما سمح الوقت أمر رائع بكل تأكيد، فإن الوقت لا يسمح دائماً بالانخراط في محاولات تطوير القدرات القيادية. لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن تطوير مهاراتك أمر مستحيل؛ فما عليك إلا أن تتحلى ببعض التفاني وتستثمر القليل من وقتك لكي تحسّن مهاراتك القيادية.
وإذا كان هذا الأمر لا يزال مربكاً، فتذكر ما يلي: نعتقد خطأً أن تطوير القدرات القيادية لا يحدث إلا في محل العمل، في حين أن الأبحاث تشير إلى أن القادة الأكثر فاعلية يتعلمون في كل زمان ومكان. وسواءً كنت أباً أو أماً، أو كنت لاعباً رياضياً أو متطوعاً في منظمة أهلية، فإن هذه الأدوار كلها تنطوي على عنصر قيادي. فكّر فيما يمكنك تعلُّمه عن المهارات القيادية من خلال أدائك لهذه الأدوار، واعمل على إجراء تجارب سلوكية في هذه السياقات، وفكّر في كيفية تطبيق التعلُّم على دورك في العمل. وأضمن لك أن هذا سيسهم في تسريع تطوير قدراتك القيادية في المجالات الرئيسية التي حددتها.