هناك ضرورتان تدفعان الحاجة إلى تعزيز الثقة بين جميع الأطراف المعنية في مختلف المؤسسات في منطقة الشرق الأوسط وهما: التحول الرقمي وتزايد أهمية معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية. ولا شك في أن الثقة قيمة ثمينة لا يسهل منحها أو استمرارها بسهولة. فعندما يتعلق الأمر بالثقة، يتعين علينا الانتباه إلى أن اهتمامات الأطراف المعنية تتغير باستمرار وأن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية أصبحت تتصدر هذه الاهتمامات.
ووفقاً لاستطلاع قياس الثقة في الشرق الأوسط الصادر عن مؤسسة إدلمان في عام 2022، فإن "جودة المعلومات هي أقوى أداة لبناء الثقة عبر الحكومة وقطاع الأعمال والمؤسسات غير الحكومية ووسائل الإعلام؛ حيث يميل 45% من المشاركين في الاستطلاع إلى عدم الشعور بالثقة حتى يروا دليلاً على وجود شيء يجعله جديراً بالثقة". وحالياً، يعتمد الحكم على المؤسسات على عوامل أكبر بكثير من النتائج المالية، إذ أصبح أداء المؤسسات في مجالات مثل المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية والتنوع والأمن السيبراني من العوامل التي تؤثر في صيت المؤسسة إلى جانب عوامل أخرى مثل قدرتها على الاحتفاظ بالموظفين والحصول على تمويل رأس المال والتي تؤثر في النهاية على قيمة المؤسسة. ونتيجة لذلك، تعمل المؤسسات على توسيع قاعدة المعلومات المعلنة لتشمل ما هو أكثر بكثير من المعلومات المالية.
إعادة صياغة معادلة الثقة
هنا يبرز السؤال: كيف تتطور الثقة في منطقة الشرق الأوسط؟ اليوم، نطاق حلول الثقة أوسع بكثير. ولكن ما أهمية ذلك؟ الجواب يكمن في أننا نشهد تطوراً سريعاً في مشهد إعداد التقارير وإصدار التقارير غير المالية مثل التقارير المتعلقة بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية والتي أصبحت أمراً إلزامياً وليست بالأمر الاختياري.
ويطالب الأطراف المعنية في جميع أنحاء المنطقة اليوم بما في ذلك الحكومات والجهات التنظيمية والمستهلكين والمستثمرين عن حقهم بمزيد من الشفافية وإصدار المزيد من التقارير المحسّنة وراء التزامات الشركة فيما يتعلق بمعالجة قضايا المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية. وتطالب هذه الأطراف بذلك للمواءمة مع مؤسسات تحمل قيماً مشابهة لهم، حيث يرغبون في معرفة مدى اتساق واقع المؤسسات مع ما تدعيه عن نفسها ومدى مطابقة ما تقوم به تلك المؤسسات مع ما تعلنه. ولذلك أصبح حالياً تقييم الشركات والمؤسسات يتوقف على عوامل أكثر بكثير من الأداء المالي، وأصبح لإصدار التقارير المختصة بالمجالات غير المالية دوراً أكثر أهمية في بناء ثقة الأطراف المعنية. ولا شك في أن هذا التحول في مفهوم الثقة يؤدي إلى إعادة تعريف قيمة الشركات والمؤسسات ويؤثر في العناصر التالية:
- قدرة المؤسسة على الحصول على رأس المال وتكلفة التمويل.
- صيت المؤسسة لدى العملاء.
- علاقاتها مع الموردين والمجتمع.
- جاذبيتها للكفاءات وقدرتها على الاحتفاظ بهم.
- قيمة المؤسسة وميزتها التنافسية.
وقد أوضح استطلاع المستثمرين الذي أجرته بي دبليو سي الشرق الأوسط مؤخراً أن الأطراف المعنية يثقون في المعلومات المعلنة في التقارير إذا كانت هذه المعلومات خاضعة للتدقيق، وإن كان هناك حالياً فجوة كبيرة بين ما هو معلن في التقارير وما هو مدقق ومضمون.
معادلة الثقة والقوى العاملة
تأتي القوى العاملة من بين الفئات الرئيسة التي تطالب بالشفافية والثقة اليوم أكثر من أي يوم مضى؛ إذ يأخذ جيل أواسط وأواخر التسعينيات على عاتقه عبء مطالبة جهات العمل بذلك. ومن هنا تأتي أهمية تقييم المؤسسات لمدى قدرتها على بناء الثقة وأن تصبح صاحب العمل المختار من أجل جذب أفراد هذه الفئة العمرية المسيطرة على سوق العمل والاحتفاظ بهم. حيث تشير دراسات بحثية نشرتها شركة بوبا أن نحو ثلث العمالة (31%) في الشريحة العمرية من 26 عاماً فأصغر يرفضون مناصب في مؤسسات مؤهلاتها ضعيفة في تطبيق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية وأكثر من نصف القوى العاملة في هذه الفئة العمرية (54%) يميلون إلى قبول وظائف بأجور أقل في مؤسسات تعكس اخلاقياتهم وقد يضحون في سبيل ذلك بأكثر من ربع الراتب (27%). وتتماشى هذه النتائج مع الواقع الذي يعكس اختيار الخريجين في بي دبليو سي الشرق الأوسط هذا العام تخصصات تتعلق بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية وتتمحور حول التقنية والابداع.
وتظهر نتائج استطلاع آمال ومخاوف الشرق الأوسط الذي أصدرته بي دبليو سي الشرق الأوسط أهمية تطوير أصحاب العمل في المنطقة لمهارات القوى العاملة لديهم جنباً إلى جنب مع استثماراتهم في التكنولوجيا، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي. حيث يترتب على ذلك إنشاء المؤسسات لرابط سلس يمكن من خلاله للتكنولوجيا أن تساعد في صقل وتنمية قدرات القوى العاملة.
لكن كيف يشكل هذا مهنة التدقيق في المستقبل، ويسمح لنا بالارتقاء بالمهارات الرقمية المستمرة لفرق التدقيق لدينا بالاستثمار في مهاراتنا الأساسية مع القدرات التكنولوجية الأخرى لتعزيز جودة التدقيق وزيادة الكفاءة وتحسين تجربة موظفينا.
ينبغي في وقتنا الحالي أن تدرك جميع الأطراف المعنية في قطاع الأعمال أن الإعداد للمستقبل لن يتم بخطوة واحدة بسيطة ولا يرتكز فحسب على إدخال التكنولوجيا إلى المجال. فالتقنيات الجديدة وآليات تحليل البيانات والشبكات الاجتماعية لها تأثير ضخم على كيفية تواصل الأفراد وتعاونهم وعملهم. ومع تعايش الأجيال وزيادة التنوع في قاعدة القوى العاملة أصبح من الضروري بناء الثقة من خلال تهيئة بيئة عمل تستوعب الجميع وتسمح للعاملين بتحقيق أقصى أداء لهم وتمنحهم فرصاً متساوية لتحقيق النمو والتطور.
أداء منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلق بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية
على الرغم من تغير الكثير من قواعد العمل في مجال الأعمال، فإن هناك ثوابت لم تتغير ومنها تحقيق توقعات المستثمرين بدءأً من اكتمال المعلومات الواردة في القوائم والإفصاحات المالية ودقتها ونزاهة عرضها. وعلى سبيل المثال، في مجال المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية أصدرت غالبية أسواق الأوراق المالية والجهات التنظيمية في منطقة الشرق الأوسط إرشادات حول إعداد التقارير بخصوص معلومات الاستدامة. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، نُشرت إرشادات الإفصاح عن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية من قبل سوق أبوظبي للأوراق المالية وسوق دبي المالي، ما يدل على زيادة التوجه نحو مزيد من الشفافية والإفصاح.
وكما هو الحال في بقية العالم، أصبحت المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية محوراً تركز عليه اقتصادات منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأس جدول أعمال حكومات المنطقة مع تفويضات تقود موجة جديدة من التشريعات واللوائح. وبين النسخة السابعة والعشرين من مؤتمر الأطراف (COP27) الذي انعقد في مصر خلال العام 2022 والنسخة الثامنة والعشرين من المؤتمر (COP28) المقرر انعقاده في دولة الإمارات العربية المتحدة في وقت لاحق العام 2023، وبالإضافة لوجود الاستدامة في صميم رؤى الإمارات والمملكة العربية السعودية لعام 2030، نجد أن التحول الكبير في المنطقة يعاد رسم ملامحه من خلال إعادة تصور المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية. ومن ثم، فقد حان الوقت الآن أكثر من أي وقت مضى للبدء في دمج ضمان جودة البيانات غير المالية وبناء الثقة لاستقطاب المستثمرين.
ففي آخر استطلاع لبي دبليو سي الشرق الأوسط شارك فيه 325 مستثمراً من جميع أنحاء العالم، أوضح ما يقرب من 80% من المشاركين أنهم يثقون في المعلومات المعلنة بخصوص المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية أكثر عندما تخضع لعملية تدقيق، بينما ذكر 70% أنه يجب مطالبة المؤسسات بالحصول على ضمان جودة بشأن جميع المعلومات الخاصة بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية. حيث يعد وجود ضمان جودة واسع النطاق وتقارير للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية أمراً حاسماً في تحقيق الثقة من خلال إعداد تقارير معلنة وتجنب إمكانية السمعة السيئة للمؤسسة أو ما يعرف بـ "الغسيل الأخضر". وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم الشركات حالياً ما زالت في المراحل الأولى فيما يتعلق بتتبع هذه البيانات وإعلانها وبالتالي يتعين عليها الإجابة عن كيف يمكن التحقق من البيانات المعلنة من خلال جهات خارجية. وما تزال ضمانات الجودة في المجالات المتعلقة بالاستدامة ممارسة جديدة بالنسبة لمعظم المؤسسات لكنها تساعد على بناء الثقة لدى المستثمرين في مراقبة الأداء.
وبصفتنا مدققين ماليين، نحن نفهم الطريقة التي تعمل بها المؤسسات ولدينا من الاستقلالية والخبرة والتجربة ما يؤهلنا لتقديم ضمان جودة متكامل في التقارير المالية وغير المالية. فنتائج الاستدامة أصبحت بالغة الأهمية للمستثمرين بحيث لا يمكن للمؤسسات أن تتعامل معها على أنها مجرد بيانات إضافية. فمن الضروري عند تتبع أداء الاستدامة والإبلاغ عنها بقدر من الصرامة وجودة البيانات يماثل القدر الذي تتحلى به المؤسسات عند رصد الأداء المالي.
أهمية الرقمنة والجودة في إعادة تعريف معادلة الثقة للأطراف المعنية
يخلق التحول الرقمي فرصاً كبيرة للمؤسسات؛ سواء فيما يتعلق بتحسين جودة التقارير وتخفيف العبء على موارد المؤسسة، أو تحسين العمليات داخلها، أو توفير معلومات شفافة وموثوقة للأطراف المعنية حول إجراءات المؤسسة. ولضمان تحقيق مستوى الثقة الذي يحتاج إليه الأطراف المعنية، يجب أن يركز التحول الرقمي على الجودة. وإيماناً منا بذلك، فقد واصلنا في بي دبليو سي الشرق الأوسط مسيرتنا في تقديم خدمات تدقيق تعتمد على التقنيات الرقمية وتضع الجودة في المقام الأول، وذلك من خلال اعتماد أحدث التقنيات التي أصبحت الآن جزءاً من عملنا، من أجل تقديم رؤى أوسع وقيمة أكبر لعملائنا من خلال الابتكار.
ويتطلب التركيز على الجودة أن يكون لدى المدققين معرفة فنية بالعنصر الخاضع للتدقيق سواء كان هذا العنصر متمثلاً في معلومات مالية أو انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أو فجوات الأجور بين الجنسين أو هياكل الحوكمة. ويحتاج الموظفون العاملون في ضمان الجودة أيضاً إلى الالتزام بكل ذلك في إطار أخلاقي مهني منظم يعزز استقلالية عمليات ضمان الجودة ونزاهته وموضوعيته ويمزج بين التقنيات الرائدة في المجال والتفكير الإبداعي والمعرفة المتخصصة. وفي بي دبليو سي الشرق الأوسط، نقدم عملية ضمان جودة ورؤى تتميز بالكفاءة والفعالية والاستقلالية فيما يتعلق بالمعلومات المالية وغير المالية من خلال فريق متكامل متعدد التخصصات من متخصصين في مجالات التدقيق المدعوم بالتقنية والأمور الفنية وفي القطاع الذي تعمل به المؤسسة. وشعارنا بناء الثقة من خلال إجراءات محكمة بدون ثغرات ومن دون تكرار ومن دون تناقضات.
واليوم ينبغي على الشركات الجمع بين فرق الاستدامة والتمويل معاً لمراجعة مصادر البيانات وتضمين معايير إعداد التقارير المتعلقة بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية في استراتيجيتها وعملياتها. ونظراً لأن جودة التدقيق هي أساس بناء الثقة في الأسواق، حرصت بي دبليو سي الشرق الأوسط على الالتزام بها في دعم عملائها خلال رحلات تحولهم الرقمي ومساعدتهم على بناء الثقة في المسائل المهمة.
مستقبل الثقة في الشرق الأوسط
هذا الوقت هو وقت بناء الثقة وتحقيق نتائج مستدامة في جميع المجالات ذات الأهمية المحورية للمؤسسات وأسواق رأس المال والمجتمع. واليوم، أنا أؤمن حقاً بقدرات جيلنا القادم لدفع هذه الأجندة إلى الأمام في منطقة الشرق الأوسط والجمع بين الحلول التي يقودها الإنسان وتدعمها التقنيات لحل المشكلات بشكل جماعي في المستقبل.
ومن المنتظر أن تختلف اهتمامات المستقبل باختلاف المؤسسة والدولة والمجال، ولكن العناصر التي لن تتغير هي قيمة المعلومات عالية الجودة وقوتها – ويقصد بالمعلومات عالية الجودة المعلومات المطابقة للغرض، والموثوقة، والتي تتسم بالشفافية والدقة. وفي بيئة معقدة تتعرض لتغيرات مستمرة وتخضع لرقابة مكثفة من الأطراف المعنية، لا بد من وجود عملية صارمة لضمان الجودة والمدقق المالي هو المؤهل للقيام بهذه المهمة.
وعلى مدار 170 عاماً في بي دبليو سي الشرق الأوسط، ساعدنا عملائنا على بناء هذه الثقة في إعداد التقارير المالية - والآن نقدم هذه الخبرة رغبة منا في توسيع عملية إعداد التقارير في جميع أنحاء الشرق الأوسط مع مساعدة عملائنا في بناء الثقة وتحقيق نتائج مستدامة.