يتنامى عدد الشركات التي تتبنى أطر عمل تطوير البرمجيات والمنتجات مثل إطار عمل أجايل (Agile) ومنهجية سكرم التعاونية (Scrum) ونظام كانبان (Kanban) التي تعزز الإنتاج السريع والتكراري والمرن لتقديم منتجات عالية الجودة على نحو سريع. تساعد هذه النُهج فِرق العمل على إجراء تحسينات سريعة ومستمرة من خلال التواصل اليومي المباشر ومراقبة سير العمل.
إذا كانت هذه النهج قادرة على مساعدة الفرق على التوافق وتبسيط المهام والوصول إلى الأهداف الجماعية بسرعة أكبر، فهل يمكنها أيضاً مساعدة الأفراد على تحسين إنتاجيتهم على مستوى حياتهم الشخصية؟ تحدثت مؤخراً إلى المدرب التنفيذي ومدرب إطار عمل أجايل في شركة فري ستاندينغ أجيليتي (FreeStanding Agility)، فرانك ساوسييه، حول طريقة تطبيقه لهذه النُهج في حياته الشخصية. (إفصاح: درّس ودرّب العديد من الفرق في هارفارد بزنس ريفيو على طرق استخدام هذه النهج نفسها). فيما يلي مقتطفات منقحة من حديثنا:
ما الذي دعاك لتجربة بعض حلول العمل هذه في حياتك الشخصية؟
يتضمن جزء كبير من عملي تدريب الفرق لكي تصبح أكثر كفاءة وقدرة على التنظيم الذاتي. تحدثت أنا وزوجتي عن أسرتنا المكونة من 5 أفراد، وكيف أنها تشكل فريقاً واحداً، وأننا قد نستفيد من هذه النُهج.
ما الممارسات الإنتاجية التي طبّقتها على عائلتك في المنزل؟
عدد لا بأس به:
اللوحات المرئية
أستخدم نظام كانبان الشخصي لإدارة عملي وجداول أعمالي المنزلية. بصفتي مدرباً وموجهاً ومستشاراً، يتوزع تركيزي دائماً بين شؤون العمل والعملاء والمنزل والعائلة والأمور الشخصية. تساعدني لوحة نظام كانبان على متابعة كل شيء والحفاظ على سير الأمور، فالفعالية والتركيز على المهمة المناسبة في الوقت المناسب ضروريان. سأشرح لك كيف:
عندما نعلّم الفرق الأعمال غير المرئية لتطوير البرمجيات، تجعل لوحة كانبان المعلقة على الحائط كل شيء مرئياً. يصبح الجدار هو العمل ويساعدنا على تعلم بعض العادات مثل ما يجب فعله عندما تتعثر مهمة ما بوضوح في عمود المهام. يمكن تطبيق ذلك في المنزل أيضاً. نستخدم أعمدة على اللوحة مثل "المهام الواجب إنجازها" و"المهام قيد التنفيذ" و"المهام المنجزة"، أو أيام الأسبوع أحياناً. الهدف الأمثل هو أن نرى ورقة الملاحظات تتحرك على لوحة كانبان خلال اليوم بحيث نحقق ما يسمى بـ "التدفق" (أي إنجاز المهام بسلاسة وتسلسل). يسمح لك ذلك برؤية التقدم المحرز فعلياً ومعرفة المهام المتعثرة.
يحب أطفالي أسلوب اللمس المتمثل في الإمساك باللصاقات ووضعها على اللوحة، فقد وضعوا مرة " الذهاب للعب البولينغ" في عمود عطلة نهاية الأسبوع. ساعد هذا النظام أسرتنا بأكملها على تعلم دمج الأفكار الجديدة، والتفاوض، والمساومة، والتواصل على نحو فعال.
اجتماعات العائلة
عندما نستخدم منهجية سكرم التعاونية مع الفرق في العمل، نعتمد غالباً دورة مدتها من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، ونعقد "اجتماعات استرجاعية" للحفاظ على تركيز الجميع على المسار الصحيح. تشبه اجتماعاتنا العائلية الاجتماعات الاسترجاعية إلى حد كبير، إذ نتناول فيها الأمور الأهم التي يجب أن ننجزها. نعقد أنا وزوجتي اجتماعاً عائلياً كل نهاية أسبوع، ونستخدم نموذج جدول أعمال يتضمن الآتي:
- تفقّد الحالة النفسية (غضب، حزن، سرور، خوف). من الضروري أن يكون ذلك في بداية الاجتماع، والهدف منه أن يكون المجتمعون حاضرين جسدياً وفكرياً، وأن يتاح لهم المجال للتعبير عن عدم الارتياح وأسبابه.
- قسم خاص بكل شخص لتوجيه عبارات التقدير والامتنان للآخرين. يسهم ذلك في تعزيز السلوك الإيجابي.
- قسم للأعمال المنزلية، حتى نتمكن جميعاً من الاشتراك في أعمال المنزل وتحمل مسؤوليتها كل أسبوع.
- قائمة بالقضايا التي تحتاج إلى مناقشة عائلية (مثل الأعمال المنزلية التي لم تنجز من الاجتماع العائلي الأخير، والمشاريع المدرسية التي يعمل عليها الأطفال، وأولويات الأسبوع المقبل، وما إلى ذلك).
اعتاد ابننا البالغ من العمر 7 سنوات على استخدام ورقة جدول الأعمال لتيسير الاجتماع، وذلك يعلّمه مهارات التواصل الجيدة.
لقاءات يومية
نحاول أن نجري لقاءين على الأقل خلال اليوم. أولاً، نحاول أن يجتمع كل أفراد العائلة لتناول العشاء. نسأل بعضنا بعضاً عما فعلناه في ذلك اليوم، وما الذي أعجبنا، وأي أخطاء ارتكبناها، وما إلى ذلك. أما اللقاء الثاني فيكون بيني وبين زوجتي. بعد أن يخلد الأطفال إلى النوم، نذهب إلى المطبخ ونتحدث عن يومنا وما يخبئه لنا اليوم المقبل.
التخطيط الأسبوعي
نلتقي أنا وزوجتي بعد أن يخلد الأطفال إلى النوم كل يوم خميس في المطبخ ونتحدث عن أمرين، وهما خططنا لعطلة نهاية الأسبوع وجدول الأسبوع التالي، وما نحتاج إليه لتنسيق كل ذلك.
خلفية سطح المكتب
بدأت مؤخراً تجربة باستخدام خلفية رسومات على جهاز الكمبيوتر الخاص بي تحتوي على مربعات على النحو الآتي: للقراءة، قيد القراءة، استخدام، مرجع، احتفاظ. وفي الوسط توجد منطقة تحتوي على رمز سلة المهملات. أنقل الرموز إلى المناطق المخصصة لها في أثناء العمل لأرى إذا ما كان تنظيم ملفاتي وإشاراتي المرجعية وفقاً لطريقة تفاعلي معها يساعدني على إنجاز المزيد من المهام. إنها مجرد تجربة، لكنها تنجح في مساعدتي على رفع مستوى كفاءتي.
تقنية بلس/ديلتا
أستخدم أيضاً نهجاً سريعاً للملاحظات يسمى بلس/دلتا في نهاية الأيام الحافلة بالأعمال وبعد الأحداث الرئيسية وإعطاء الدروس وتيسير الفعاليات، وما إلى ذلك. أسحب قطعة من الورق وأرسم خطاً عمودياً في المنتصف. أضع علامة "بلس" في أعلى العمود الأيسر، وأضع علامة "دلتا" لتمثيل التغيير في أعلى العمود الأيمن. أكتب المهام التي أنجزتها على نحو جيد والتي سارت على ما يرام في عمود بلس. وأكتب المهام التي كنت سأنفذها بطريقة مختلفة لو عاد بي الزمن في عمود دلتا، وهي تقنية تفكير تهدف إلى التعلم والحصول على نتائج سريعة.
صناديق النفقات
نلعب أنا وزوجتي مرة كل ثلاثة أشهر تقريباً لعبة نضع فيها قائمة بجميع النفقات المتوقعة. يمكن أن تكون أي نفقات، مثل ثمن إطارات جديدة للسيارة أو كلفة مخطط الإجازة القادمة أو أحذية جديدة للأطفال، ثم نضع العناصر على ورقة تحتوي على أربعة مربعات مقسمة على النحو الآتي: أهمية عالية وأهمية منخفضة وتكلفة عالية وتكلفة منخفضة. يساعدنا ذلك على الاتفاق على تحديد النفقات التي نحتاج إليها لتحقيق أهدافنا.
أرى أنها أعمال كثيرة، هل تستغرق وقتاً طويلاً؟
لا تحتاج إلى الكثير من الوقت، أهم جزء هو إعداد هذه الأنظمة، لكن ليس من الضروري أن تتقنها منذ البداية لأنها عملية تهدف إلى التطور. أنظرُ يومياً إلى ما لدي على لوحة كانبان لهذا اليوم، وأتخذ القرارات بشأن ما يجب فعله في اللحظات الأخيرة، ويستغرق ذلك 5 دقائق فقط. إنه يشبه نوعاً ما الاجتماعات اليومية المختصرة لفرق العمل، حيث تكون لديك في نهاية عملية تكرار أو سبرنت فترة زمنية محددة للتعامل مع المهام. ما يستغرق وقتاً أطول هو التوقف للنظر إلى كل المهام التي لا يمكنك إنجازها، عندما تعلم أن إزالتها عن اللوحة يعني عدم إنجازها، تُجبر على تحديد المهام الأهم.
هل كان من الصعب إقناع عائلتك بهذه التقنيات؟
لا يزال هناك بعض التذمر والشكوى ولكن لا بأس بذلك. نحن نحاول تعليم أطفالنا أن الأسرة تتطور عندما يسهم الجميع ويتعاونون، وهي بالتأكيد تعلم الأطفال أن القرارات لا تصدر من أعلى، وتؤسس لعادات تنظيمية جيدة.
يبدو أن جزءاً من هذه التقنيات بسيط نوعاً ما، ماذا لو لم تكن قريباً من اللوحة؟ هل ثمة أدوات رقمية تعمل بالكفاءة نفسها؟
أحب استخدام الأدوات البسيطة، لأن تعلم العادات الجيدة أهم من تعلم استخدام الأدوات. ومع ذلك، يوجد الكثير من الوسائل الرقمية تؤدي المهمة نفسها، ومن الأدوات الجيدة المجانية أداة تريللو (Trello)، وهي في الأساس لوحة كانبان عبر الإنترنت. لكنني أرى أن الكثير من الأفكار الرائعة تُدفن باستخدام الأدوات الرقمية، كما أن عملية تحريك الملصقات على اللوحة مفعمة بالإحساس والحركة. كما أنني لاحظت أن الفرق تجري مناقشات أفضل عندما تكون حول لوحة حقيقية.
كيف غيّر استخدام هذه الأدوات حياتك العائلية؟
كانت هناك فائدة مباشرة برؤية كل تلك المهام موضوعة في مكان واحد، فقد بيّنت اللوحة قائمة كبيرة جداً من المهام الواجب إنجازها ومن الضغوط التي نواجهها بصفتنا أبوين وعائلة، فساعدتنا على إدراك سبب شعورنا بالإرهاق. عندما عرفنا بالضبط كم كان على عاتقنا من مهام، اضطررنا إلى تحديد الأولويات.
كما ساعدتنا على التوافق على الجداول الزمنية وطرق التنسيق بين أفراد العائلة والأولويات القادمة، ونغفل نادراً عن إنجاز إحدى المهمات.
هل هناك حالات تخفق فيها تلك الأدوات؟
من الصعب على الأطفال الصغار الحفاظ على تركيزهم في الاجتماع العائلي. نلتزم بالجلسة مدة 15 دقيقة أو أقل، ونقدم الحلوى ونغطي الطاولة بورق أبيض ونضع أقلام التلوين ونحاول ممارسة نشاط عائلي في نهاية الاجتماع، ونسمح لطفلنا ذي الـ 5 سنوات أن ينتهي أولاً وينصرف عندما يرغب في ذلك.
هل أثّر رفع مستوى التنظيم في المنزل على إنتاجيتك في العمل؟
بالتأكيد ساعدني هذا الأمر على التركيز على أهم المهام في العمل. جميعنا طاقته محدودة، ونحن محاطون بالمشتتات التي توحي لنا أنها الأهم، لكنها ليست كذلك دائماً. لذا علينا أن نكون بارعين جداً في تمييز الوقت المناسب للسماح لتركيزنا بأن يتشتت، وذلك يعني تمييز الأهم في المنزل والعمل.