تطبيق سجل الأداء المتوازن في مؤسسة (FMC)، مقابلة مع لاري برادي

13 دقيقة

تعتبر شركة (FMC) واحدة من أكثر الشركات تنوّعاً في الولايات المتّحدة الأميركية، فلديها أكثر من 300 خطِّ منتجات في 21 قسماً ضمن خمس قطاعات عمل هي: الكيماويات الصناعية، والكيماويات عالية الكفاءة، والمعادن الثمينة، والأنظمة الدفاعية، والآليات والمعدّات. تعمل شركة (FMC) انطلاقاً من شيكاغو، وتزيد إيراداتها، من جميع أنحاء العالم، عن 4 مليارات دولار أميركي.

منذ العام 1984، حقّقت الشركة عوائد سنوية على الاستثمار تزيد عن 15%؛ وقد أسفرت هذه العوائد، التي دعمتها عملية إعادة رسملة كبيرة عام 1986، عن زيادة في القيمة المحققة للمساهمين وبمعدّلات تفوق المعدّلات الوسطية السائدة في هذا القطاع بكثير. وفي العام 1992، استكملت الشركة إجراء عملية مراجعة استراتيجية لتحديد أفضل السبل للمضي قدماً نحو تعظيم القيمة المحققة للمساهمين. ونتيجة لهذه المراجعة، قرّرت (FMC) تبنّي استراتيجية للنمو تكمّل أداءها التشغيلي القوي. وقد تطلّبت هذه الاستراتيجية تركيزاً خارجياً أكبر، واتخاذ قرارات تشغيلية تتعلّق بالمضي في بعض العمليات على حساب عمليات أخرى.

وقد قرّرت الشركة الاستعانة بسجلّ الأداء المتوازن في إحداث هذا التحوّل. وفي هذه المقابلة التي أجراها روبرت س. كابلان، يتحدّث لاري د. برادي نائب الرئيس التنفيذي في (FMC)، عن تجربة الشركة في تطبيق السجلّ المتوازن.

روبرت كابلان: ما هو وضع سجلّ الأداء المتوازن في (FMC)؟

رغم أننا على وشك استكمال المرحلة التجريبية من التنفيذ، إلا أنني أعتقد بأن سجلّ الأداء المتوازن سيصبح على الأرجح حجر الزاوية في نظام الإدارة في (FMC). فهو يمكّننا من ترجمة استراتيجيات الوحدات التجارية التابعة لنا إلى نظام للقياس ينصهر ضمن مجمل نظام الإدارة لدينا.

فقد أفاد أحد المدراء، على سبيل المثال، بأن قسمه كان قد قاس العديد من المتغيّرات المرتبطة بالتشغيل في الماضي. أمّا الآن، وبسبب السجلّ المتوازن، فقد اختار القسم 12 متغيّراً لتكون الأساس في تطبيقه لاستراتيجيته. سبعة من هذه المتغيّرات الاستراتيجية كانت جديدة تماماً على القسم. وقد فسّر المدير هذه النتيجة على أنها تأكيد لما كان العديد من المدراء قد قالوه: لقد حسّن سجلّ الأداء المتوازن من فهم الناس لعملية تنفيذ الاستراتيجية، كما جعل هذا التنفيذ أكثر اتساقاً. وقال مدير آخر بأنه، وخلافاً للبيانات المالية الشهرية، أو حتى الخطة الاستراتيجية، لو قُدِّرَ لأحد المنافسين الاطلاع على السجلّ المتوازن الذي يستخدمه، لخسر الميزة التنافسية الموجودة لديه.

من النادر أن يتمكن المرء من إثارة هذا القدر من الحماس بين صفوف مدراء الأقسام تجاه مبادرة تضعها الشركة. فما الذي قادكم أنتم وهم إلى سجلّ الأداء المتوازن؟

لقد كان لدى (FMC) رسالة معرّفة بوضوح، وهي أن نصبح أكثر مورّد يحظى بتقدير زبائننا. وكنا من قبل قد أطلقنا العديد من برامج التحسين التي تحظى بشعبية واسعة، مثل الجودة الشاملة، والإدارة بالأهداف، والفعالية التنظيمية، وبناء مؤسسة عالية الأداء. لكن هذه الجهود لم تؤتِ ثمارها. وفي كلّ مرّة كنا نطلق فيها برنامجاً جديداً، كان الناس يتوقفون لوهلة ويتساءلون: "كيف يُفترض بهذا البرنامج أن ينسجم مع الأشياء الستّة الأخرى التي يفترض بنا القيام بها؟"

وقد نظر مدراء الأقسام التشغيلية إلى مجموعات موظفي الإدارة العليا في المكتب الرئيسي للشركة على أنهم يريدون فرض برامجهم المفضّلة على الأقسام. كما خلق هذا التنوّع في المبادرات- ولاسيما أن لكلّ منها شعارها الخاص بها- حالة من الإرباك، وأرسل إشارات متناقضة بخصوص المجالات التي ينبغي التركيز عليها، وعلاقة الترابط القائمة بين البرامج المختلفة. وفي النهايةأ، ورغم كل هذه المبادرات الجديدة، كنّا لانزال نطلب من رؤساء الأقسام تقديم أداء مالي متّسق على المدى القصير.

ما نوع المقاييس التي كنتم تستخدمونها؟

يُجري فريق الإدارة التنفيذية في (FMC)، حاله حال معظم الإدارات المسؤولة في كبريات الشركات، مراجعة شهرية للأداء المالي لكل قسم تشغيلي. وبما أننا شركة شديدة التنوّع تعيد تخصيص الأصول من الأقسام الناضجة التي تدرّ الأموال النقدية إلى الأقسام التي يمكن أن تحقّق نمواً كبيراً في المستقبل، فإن مقياس "العائد على رأس المال المُستثمر" كان من المقاييس الهامّة جدّاً بالنسبة لنا. لقد كنّا واحدة من قلائل الشركات التي تعدّل مقاييسها المالية الداخلية بحسب التضخّم لرسم صورة أدق عن الربحية الاقتصادية لقسم معيّن.

وفي نهاية كل عام، كنا نكافئ مدراء الأقسام الذين قدّموا الأداء المالي المتوقّع. لقد أدرنا الشركة إدارة مُحكمة خلال السنوات العشرين الماضية ونجحنا في ذلك. لكن الأمور كانت قد بدأت تأخذ طابعاً أقل وضوحاً بالنسبة لآفاق النمو المستقبلي والمجالات الجديدة التي يتعيّن على الشركة أن تدرس القيام باختراقات فيها. وكنّا قد أصبحنا شركة تحقّق عائداً كبيراً على استثماراتها لكن إمكانات نموّها المستقبلي كانت محدودة. كما لم تكن تقاريرنا المالية أيضاً تشير بوضوح إلى حجم التقدّم الذي كنّا نحرزه في إنجاز المبادرات طويلة الأمد. بالإضافة إلى أن الأسئلة التي كان المكتب الرئيسي للشركة يطرحها على الدوام حول مدى التطابق بين الإنفاق والموازنة كانت تعزّز التركيز على المدى القصير وعلى العمليات الداخلية.

خلق التنوّع في المبادرات، ولا سيما أن لكلّ منها شعارها الخاص بها، حالة من الإرباك، وأرسل إشاراتٍ متناقضة

لكن المشكلة كانت أعمق من ذلك بكثير. وهنا يجدر بنا أن نطرح السؤال التالي: ما هي القيمة المضافة لمكتب الإدارة العليا في الشركة الذي يركّز على جعل مدراء الأقسام مسؤولين عن النتائج المالية التي يمكن أن تُجمع من مختلف الأقسام؟ فنحن لدينا أقسام ذات أداء جيد، وأخرى ذات أداء ضعيف، ولدينا شركة إجمالية ذات أداء قريب من المعدّل الوسطي. فلِمَ لا نقسّم الشركة إلى شركات مستقلّة وندع السوق يعيد تخصيص رأس المال؟ وبما أننا كنّا نريد خلق القيمة من خلال إدارة مجموعة متنوّعة من الشركات، كان يتعيّن علينا أن نفهم عملياتها وأن نوجّهها استراتيجياً إلى ما يجب أن تركّز عليه. وكان علينا أن نضمن في كل قسم وجود استراتيجية تمنحه ميزة تنافسية مستدامة. وإضافة إلى ذلك، كان يجب أن نكون قادرين على تقويم ما إذا كانت الأقسام تلبّي الأهداف الاستراتيجية المطلوبة منها، أم لا، وذلك من خلال قياس عملياتها.

وإذا كنّت ستطلب من إحدى الشركات أو أحد الأقسام تغيير استراتيجيته، فمن الأفضل لك أن تغيّر نظام القياس ليكون متوافقاً مع الاستراتيجية الجديدة.

كيف ظهر سجلّ الأداء المتوازن إلى حيّز الوجود بوصفه العلاج المناسب للعقبات والقيود الناجمة عن قياس النتائج المالية قصيرة الأجل فقط؟

في مطلع العام 1992، قمنا بتأليف فريق عمل كانت مهمّته توحيد مبادراتنا المختلفة في الشركة. كنّا نريد أن نفهم ما هي الأشياء التي تحتاج إلى تغيير لتحقيق التحسينات الكبيرة المطلوبة في الفعالية التنظيمية الإجمالية. وقد أقرّينا بأن مقاييس العمل في الشركة قد باتت، ربما، مغرقة في التركيز على المدى القصير وعلى الجوانب الداخلية. وكان من الصعب علينا أن نحدّد ما هي البدائل التي يجب أن تحل مكان التركيز على الجوانب المالية. كنا نريد من المدراء أن يواصلوا سعيهم إلى إدخال تحسينات مستمرّة، لكننا أردنا منهم أيضاً تحديد الفرص التي تسمح لنا بتحقيق اختراقات في الأداء.

فعندما لم تكن الأقسام تحقق الأهداف الكمية المالية المطلوبة منها، فإن الأسباب عموماً لم تكن داخلية. فالذي كان يحصل عادة هو إمّا أن تكون إدارة القسم قد أخطأت في تقدير الطلب في السوق، أو تكون قد أخفقت في توقّع ردود أفعال المنافسين. وبالتالي كنّا بحاجة إلى نظام قياس جديد يقود مدراء الأقسام التشغيلية إلى تجاوز تحقيق الأهداف الداخلية، والانتقال نحو البحث عن اختراقات منافسة هامّة في الأسواق العالمية. وكان النظام بحاجة إلى التركيز على مقاييس خدمة الزبائن، وموقع الشركة في السوق، والمنتجات الجديدة التي يمكن أن تحقق للشركة قيمة على المدى الطويل. وقد ركّزنا في نقاشاتنا على سجلّ الأداء المتوازن، الذي أجبر مدراء الأقسام على الإجابة عن الأسئلة التالية: كيف نصبح أكثر مورّد يقدّره الزبائن؟ كيف يمكننا أن نزيد من تركيزنا على الخارج؟ ما هي الميزة التنافسية لقسمي؟ ما هي نقطة الضعف الموجودة في مجال المنافسة؟

كيف أطلقتم مبادرة سجلّ الأداء المتوازن في (FMC)؟

قرّرنا إطلاق برنامج تجريبي. وقد وقع اختيارنا على رؤساء ستة أقسام ليضعوا نماذج السجلاّت الخاصة بعملياتهم. وكان يتعيّن على كل قسم إجراء تحليل خاص من أجل تحديد مصادر ميزته التنافسية. كما اشترطنا أن تكون مقاييس السجلّ المتوازن، التي يبلغ عددها ما بين 15 و20 مقياساً، خاصّةً بالمؤسسة، وأن تُبيّن بوضوح ما هي المقاييس القصيرة الأجل للأداء التشغيلي المتوافقة مع المسار البعيد المدى للنجاح الاستراتيجي.

إذا كنت ستطلب من إحدى الشركات أو أحد الأقسام تغيير استراتيجيته، فمن الأفضل لك أن تغيّر نظام القياس ليكون متوافقاً مع الاستراتيجية الجديدة

هل كان مدراء الأقسام الستّة أحراراً في وضع سجلاّت الأداء المتوازن الخاصّة بهم؟

كنّا وبكلّ تأكيد نريد من رؤساء الأقسام أن ينجزوا تحليلهم الاستراتيجي، وأن يطوّروا مقاييسهم الخاصّة بهم. لقد كان ذلك جزءاً أساسيّاً من التوصّل إلى حالة من الإجماع بين الإدارة العليا وإدارة الأقسام بخصوص الأهداف التشغيلية. بيد أن الإدارة العليا فرضت بعض الشروط بخصوص النتائج.

بادئ ذي بدء، أردنا مقاييس موضوعية وقابلة للقياس الكميّ. وكان من المفترض أن تكون مسؤولية رؤساء الأقسام عن تحسين مقاييس سجلّ الأداء المتوازن مشابهة تماماً لمسؤوليتهم عن استخدام المراجعات المالية الشهرية. ثانياً، كنا نريد مقاييس للمُخْرَجات وليس مقاييس تركّز على العملية. فالعديد من برامج التحسين المطبّقة كانت تشدّد على مقاييس الوقت، والجودة، والتكلفة. لكن التركيز على تلك المقاييس يشجّع المدراء على السعي إلى إجراء تحسينات ضيّقة في العملية عوضاً عن تحقيق اختراقات في الأهداف الكمّية للمخرجات. كما أن التركيز على تحقيق المخرجات يُجبر مدراء الأقسام على فهم قطاعهم واستراتيجيتهم، ويساعدهم في تحويل النجاح الاستراتيجي إلى مقادير قابلة للقياس من خلال أهداف محدّدة للمخرجات.

هلاّ أوضحت لنا الفرق بين مقاييس العملية ومقاييس المخرجات؟

يجب أن تفهم صناعتك جيّداً لكي تتمكّن من الربط بين التحسينات المدخلة على العملية والمخرجات المحقّقة. دعنا نأخذ أمثلة من ثلاثة أقسام عن مقياس "زمن دورة الإنتاج"، وهو مقياس شائع يستخدم في قياس العملية.

في معظم أعمالنا التي نقوم بها في مجال الصناعات الدفاعية، ليس هناك من مكسب إضافي نحققه من التسليم المبكّر للمنتجات. كما أن العقود تسمح بتقديم تعويض مقابل تكاليف حفظ المخزونات في المستودعات. وبالتالي، فإن أي محاولات للتقليل من مخزونات المستودعات أو أزمنة دورات الإنتاج لن تؤدي إلى مكاسب يكون الزبون مستعدّاً لدفع المال مقابلها. لن نستفيد من تخفيض زمن من دورة الإنتاج أو تقليل المخزونات إلا عندما يقود تخفيف التعقيد في موقع التصنيع إلى انخفاض حقيقي في تكاليف المُنتَج. وبالتالي فإن الأهداف الكمية لأداء المخرجات يجب أن تأخذ شكل التوفير الحقيقي النقدي، وليس الانخفاض في مستوى المخزونات أو أزمنة دورات الإنتاج.

في المقابل، كان من الممكن إدخال تخفيضات كبيرة على الزمن الفاصل بين تقديم الطلبيات وتنفيذ المنتج في القسم الخاص بآلات التعبئة التغليف لدينا. وقد قاد هذا التحسين إلى انخفاض المخزونات، وأتاح لنا خيار الوصول إلى 35% زيادة من السوق. في هذه الحالة، كان يمكن ربط التحسينات في زمن دورة الإنتاج بأهداف محدّدة تتعلق بزيادة المبيعات والحصة السوقية. لم يكن بين الاثنين علاقة خطيّة، لكن بدا لنا بأن المخرجات كانت تتحسّن كلّما قمنا بتحسين أزمنة الإنتاج.

وفي أحد أقسامنا المتخصّصة بالآلات الزراعية، كانت الطلبيات تأتي كل عام ضمن مُهل تسليم ضيّقة. وبما أن فترة بناء الآلة أطول من مهلة إنجاز الطلبية، فقد كان علينا بناء جميع الآلات سلفاً بحسب المبيعات المتوقعة مستقبلاً. وكانت هذه العملية تؤدي إلى مستوى عالٍ من المخزونات - يزيد على ضعفي مستوى المخزونات الموجودة في الأقسام الأخرى – وإلى تكرار المخزونات الفائضة عن الحاجة، بالإضافة إلى تقادم المعدّات. إن التخفيضات البسيطة على الزمن الفاصل بين تصميم المنتج وتسليمه لا تُغيّر كثيراً في المعطيات الاقتصادية لهذه العملية؛ ولكن إذا كان بالإمكان تخفيض زمن دورةِ بناءِ الآلة، في جزء من الجدول الزمني لعملية البناء أو في الجدول كلّه، إلى أقلّ من ستة أسابيع، وهي الفسحة الزمنية المحدّدة للطلبية، فعندئذ يمكن الحديث عن تقدّم كبير؛ وسيكون القسم قادراً على الانتقال إلى استعمال جدول زمني يقوم على بناء الآلة عند الطلب، والتقليل من المخزونات الفائضة الناجمة عن بناء الآلات بحسب المبيعات المتوقعة مستقبلاً. أي أننا، في هذه الحالة، لن نحقق أي مكاسب من تخفيض زمن دورة الإنتاج، إلا عندما ينخفض هذا الزمن إلى ما دون مستوى معيّن.

نحن إذن هنا أمام ثلاثة أقسام، وثلاث عمليات مختلفة، يمكن لكلّ منها أن يضمّ أنظمة معقدة لقياس الجودة، والتكلفة، والزمن؛ لكن أثر التحسينات سيختلف اختلافاً جذرياً من قسم إلى آخر. ومع كل هذا التنوّع في أقسامنا وفي مجالات عملنا، لا يمكن للإدارة العليا أن تفهم بالتفصيل الأثر النسبي الذي تتركه التحسينات المُدخلة على الوقت والجودة في كل قسم. غير أن جميع مدرائنا الكبار يفهمون ما الذي تعنيه الأهداف الكميّة للمخرجات، ولاسيما عندما يتمّ عرضها مع الاتجاهات التاريخية الماضية والأهداف المستقبلية.

أنا أرى في السجلّ نظاماً استراتيجياً للقياس، وليس مقياساً لاستراتيجيتنا

لقد أصبحت عملية المقارنة المرجعية (benchmarking) شائعة لدى الكثير من الشركات. فهل هي جزء من مقاييس سجلّ الأداء المتوازن؟

إنّ المقارنة المعياريّة، بكل أسف، هي واحدة من الأفكار التي كانت جيّدة في بادئ الأمر ثمّ تحوّلت إلى صرعة. فحوالي 95 %من الشركات التي حاولت استخدام المقارنة المرجعية أسرفت في إنفاق المال عليها، ولكنها لم تحصد الكثير في المقابل. والفرق بين المقارنة المرجعية وسجلّ الأداء المتوازن يعزّز الفرق بين قياس العملية وقياس المخرجات. فإجراء مقارنة مرجعية للعملية أسهل بكثير من إجرائها لأحد المخرجات. ومع وجود سجلّ الأداء المتوازن، فإننا نطلب من كل مدير قسم أن يخرج من قسمه ويقرّر ما هي الأساليب التي ستفسح له المجال لتحقيق أهداف المخرجات على المدى الطويل. ولكل مقياس من مقاييس المخرجات لدينا هدف بعيد المدى مرتبط به. وقد تعمّدنا الغموض فيما يتعلّق بتحديد الفترة الزمنية لإنجاز الهدف؛ فنحن نريد تحفيز الأشخاص على الانطلاق في عملية تفكير تساعدهم في تحديد كيفية انتهاج أسلوب مختلف للوصول إلى الهدف، عوضاً عن أن يفكّروا كيف يمكنهم أداء المهام الحالية ذاتها بطريقة أفضل. وبالنسبة لنا، فإن عملية البحث التي تجري خارج أروقة المؤسسة وتهدف إلى معرفة كيفية تحقيق الآخرين لاختراقاتهم تدعى "عملية التحقق من الهدف الكمي" لا المقارنة المرجعية.

هل تمكّن مدراء الأقسام من تطوير هذه المقاييس التي تركّز على المخرجات؟

بالتأكيد واجه مدراء الأقسام بعض العوائق. فبسبب التأكيد على مقاييس المخرجات والتركيز في السابق على المقاييس التشغيلية والمالية، فإن وضع المقاييس الخاصّة بالزبائن والابتكار كان هو الأصعب. لكن في هذين المجالين أيضاً استفدنا من سجلّ الأداء المتوازن كثيراً في تنقيح استراتيجياتنا الحالية وفهمها.

بيد أن المشكلة التي حصلت في البداية هي أن فريق الإدارة خرق كلا الشرطين: فقد كانت المقاييس التي اقترحها غير قابلة للقياس الكمّي، عدا عن أنها كانت تركّز على المدخلات لا على المخرجات. وقد رغبت أقسام عديدة بإجراء استبيانات لآراء الزبائن ووضع مؤشر للنتائج؛ لكننا ارتأينا أن مؤشراً واحداً لن تكون له قيمة تُذكر، وفضّلنا عليه مقاييس أكثر صعوبة مثل أسعارنا التي تفوق أسعار منافسينا.

لقد استنتجنا على كل حال بأن الاستبيان الكامل لآراء الزبائن كان أداة ممتازة لتعزيز التركيز على الجوانب الخارجية، لذلك قررنا الاستفادة من نتائج الاستبيان لإطلاق النقاش خلال مراجعاتنا السنوية للأداء.

هل واجهتم أي مشاكل عند إطلاقكم للمشاريع التجريبية الستة؟

لم يبدِ العديد من مدراء الأقسام، في بادئ الأمر، أية حماسة تجاه الحريّة الإضافية التي منحتها لهم الإدارة في المكتب الرئيسي للشركة. فقد كانوا يعلمون بأن الشفافية والوضوح المتزايدين لسجلّ الأداء المتوازن قد جرّداهم من الخبرة التي كانوا قد اكتسبوها سابقاً في إجراء التسويات. وفسّروا في البداية الزيادة في إمكانية متابعة أداء القِسم بوصفه أحدث محاولة للتدخّل في عملياته الداخلية.

ولكي نخفف من قلقهم، صمّمنا الأهداف حول أهداف بعيدة المدى. ولا نزال نعاين عن كثب الإحصائيات الشهرية والفصلية، لكن هذه الإحصائيات باتت ترتبط الآن بالتقدّم المُحرَز في تحقيق الأهداف البعيدة المدى، وتثبت التوازن الصحيح بين الأداء على المدى القصير وعلى المدى الطويل.

كما أردنا أيضاً أن نحوّل التركيز بسرعة من مجال نظام القياس إلى مجال تحقيق نتائج الأداء. فالتركيز على القياس يعزّز مخاوفهم بخصوص السيطرة والتشديد على المدى القصير. ومن خلال تأكيدنا على الأهداف لا على نتائج القياس، تمكّنا من أن نوضّح لهم غايتنا المتمثّلة بتحقيق اختراق في الأداء.

لكن العملية لم تكن سهلة على الإطلاق. فقد وصف أحد مدراء الأقسام المراحل الثلاث لعملية التنفيذ بعد أن تلقّى تعليماتنا بإنشاء سجلّ متوازن على النحو التالي: في المرحلة الأولى كان هناك إنكار، وقلنا لأنفسنا: نأمل بأن يتوقّف تنفيذ هذا السجلّ فوراً؛ وفي المرحلة الثانية كان الأمر يشبه تجرّع الدواء المرّ، وقلنا لأنفسنا: بما أن تنفيذ سجلّ الأداء المتوازن لن يتوقّف، دعونا نطبّقه بسرعة لننتهي من أمره؛ وفي المرحلة الثالثة أحسسنا بميّزة امتلاكنا لسجلّ الأداء وقلنا: فلنطبّقه لنستفيد منه.

كان النجاح، في النهاية، حلفينا. والآن بات لدينا ستّة أشخاص مؤمنين بهذه الطريقة ويساعدوننا في نشر الرسالة في أرجاء المؤسسة.

بحسب ما علمت، فإنكم لم تبدؤوا تطبيق السجلّ المتوازن على الوحدات التشغيلية فقط، بل تطبقونها أيضاً على مجموعات الموظفين.

كشف لنا تطبيق المنهجية الخاصة بسجلّ الأداء المتوازن على مجموعات الموظفين في المكتب الرئيسي للشركة أموراً أكثر ممّا كشفه لنا عملنا الأساسي مع ستّة أقسام تشغيلية. فنحن لم نكن قد فعلنا الكثير لتحديد استراتيجيتنا الخاصّة بالاستفادة من موظفي المكتب الرئيسي للشركة. وأنا أشكّ في قدرة العديد من الشركات على تقديم إجابات واضحة عن السؤال التالي: "كيف يسهم الموظفون في تعزيز الميزة التنافسية للشركة؟" لكننا نطرح ذلك السؤال كل يوم بخصوص عملياتنا الإنتاجية. وقد بدأنا للتو نطلب من موظفي الأقسام أن يوضّحوا لنا ما إذا كانوا يقدّمون خدمات متميّزة أو خدمات أقل تكلفة. فإذا كانوا لا يقدّمون أياً من هذين النوعين، فإننا يجب أن نوكل هذه الوظيفة إلى جهة خارجية. وهذا المجال ينطوي على قدرات كامنة حقيقية لتطوير المؤسسة وتحسين قدراتها الاستراتيجية.

تكشف أحاديثي مع المسؤولين الماليين في المؤسسات عن بعض المخاوف لديهم بخصوص تزايد المسؤوليات الناجمة عن تصميم سجلّ الأداء المتوازن وتطبيقه. فكيف يتغيّر دور المراقب المالي مع تحويل الشركة نظام القياس الأساسي لديها من نظام مالي صرف إلى السجلّ المتوازن؟

خلال المراحل السابقة من تاريخ الشركة، كان لدينا في المكتب الرئيسي قسمان معنيان بالإشراف على أداء الوحدات التجارية. فقد كان قسم تطوير الشركة مسؤولاً عن الاستراتيجية، بينما كان مكتب المراقب المالي يحتفظ بالسجلات التاريخية، ويضع الميزانية على أساس الأداء القصير الأجل. كان الاستراتيجيون يضعون خططاً خمسية وعشرية (أي لخمس وعشر سنوات)، بينما يضع المراقبون الماليّون موازنات لعام واحد وتوقعات قصيرة المدى. ولم يكن هناك تفاعل كبير بين المجموعتين. لكن سجلّ الأداء المتوازن أصبح يشكّل الآن جسراً يربط بينهما. فالمنظور المالي الوارد في السجلّ المتوازن يستند إلى الوظيفة التقليدية التي كان يؤدّيها المراقبون الماليون. أمّا المنظورات الثلاثة الأخرى الواردة في السجلّ فتجعل أهداف القسم الاستراتيجية البعيدة المدى قابلة للقياس.

ففي بيئة عملنا القديمة، حاول مدراء الأقسام تحقيق التوازن بين الأرباح القريبة الأجل والنمو البعيد المدى، بينما كانوا عملياً يتلقّون إشارات مختلفة تبعاً لكونهم يراجعون الخطط الاستراتيجية أو الموازنات. ولم تكن الهيكلية القائمة تجعل تحقيق التوازن بين الأرباح القصيرة الأجل والنمو البعيد المدى، بما ينطوي عليه من تسوية بين الإجراءات، أمراً سهلاً. لكنها تلك الهيكلية كانت، بصراحة، تُسقط عن كاهل كبار المدراء مسؤولية المشاركة في اتخاذ هذه القرارات المتعلقة بالتسوية.

ربما يجب أن يتولّى المراقب المالي في المكتب الرئيسي للشركة المسؤولية عن جميع المقاييس وعمليات تحديد الأهداف، بما في ذلك الأنظمة المطلوبة لتنفيذ هذه العمليات. ويمكن للمراقب المالي الجديد في المكتب الرئيسي أن يكون مدير شؤون إدارية مميزاً وضليعاً بمختلف التوازنات، وبكيفية المفاضلة بين ما ينبغي أن يُتّخذ من الإجراءات وما ينبغي أن يُترك، وأن يكون ماهراً في وضع التقارير وعرضها. وهذا الدور لا ينفي الحاجة إلى التخطيط الاستراتيجي، وإنما يجعل النظامين أكثر انسجاماً. ويمكن للسجلّ المتوازن أن يحفّز الأداء ويقوّمه، لكنني أرى أن قيمته الأساسية تكمن في قدرته على جمع القدرات التي كانت قوية ولكن متفرّقة، في مجالي التطوير الاستراتيجي والضبط المالي. ويمكن القول بأن السجلّ المتوازن هو الجسر إلى الأداء التشغيلي الذي افتقدته المؤسسات طوال حياتها.

ما هي الوتيرة الزمنية لمراجعة السجلّ المتوازن لكل قسم في تصوّرك؟

أعتقد أننا سنطلب من مدراء المجموعات إجراء مراجعة للتقرير الشهري الذي ينبغي أن يقدّمه كل قسم من أقسامهم، لكن ربما يجري فريق الإدارة العليا في الشركة مراجعة لسجلاّت الأداء المتوازن كل ثلاثة أشهر بالتناوب بين الأقسام بحيث نتمكّن من مراجعة ما يصل إلى سبعة أو ثمانية سجلات متوازنة كل شهر.

أليس هناك تناقض في إجراء تقويم شهري أو فصلي لاستراتيجية القسم؟ ألا تشدّد هذه المراجعة على الأداء على المدى القصير؟

أنا أعتبر السجلّ المتوازن نظاماً استراتيجياً للقياس، لا مقياساً لاستراتيجيتنا. وأعتقد أنه من المهمّ أن نميّز بين هذين المفهومين. فالسجلّ الشهري أو الفصلي يقيس العمليات التي صُمِّمت لتتوافق مع استراتيجيتنا على المدى الطويل.

وفيما يلي مثال على التفاعل بين المديين القصير والطويل. فقد دفعْنا مدراء الأقسام إلى اختيار مقاييس تتطلّب منهم إحداث تغيير كاختراق أسواق رئيسية ليس لنا تواجد فيها. سيكون بإمكاننا قياس هذا الاختراق شهرياً والحصول على معلومات قيّمة على المدى القصير حول النجاح النهائي لسياستنا على المدى البعيد. وبالطبع فثمة بعض المقاييس، مثل الحصة السوقية السنوية ومقاييس الابتكار، لا يمكن تحديثها كل شهر؛ لكن غالبية المقاييس قابلة للحساب شهرياً.

هل لديك كلمة أخيرة تقولها بخصوص السجل المتوازن؟

أعتقد أن من المهم جداً ألا تنظر الشركات إلى منهجية سجلّ الأداء المتوازن بوصفها أحدث تقليعة منتشرة حالياً. لدي إجساس بأن عدداً من الشركات تتجه نحو استخدام سجلات الأداء المتوازن بالطريقة نفسها التي اتجهت فيها نحو إدارة الجودة الشاملة، والمؤسسة عالية الأداء، وهلم جرّا. فأنت تسمع بفكرة جيدة، ويعمل عدد من موظفي المكتب الرئيسي للشركة عليها، وربما استعانوا ببعض الاستشاريين ذوي الأجور الباهظة، ومن ثمّ تضعها في نظام يختلف قليلاً عما كان موجوداً من قبل. إن هذه الأنظمة لا تشكّل في الحقيقة إلا إضافة بسيطة، ولا تسمح لك بالحصول على قيمة إضافية كبيرة منها.

وتصبح الأمور أسوأ إذا اعتبرت الشركةُ سجلّ الأداء المتوازن نظامَ قياس جديد سيحتاج بالنتيجة إلى مئات وآلاف القياسات، وإلى نظام معلومات تنفيذي كبير وباهظ التكلفة. هذا يعني أنها تخفق في إدراك جوهر السجلّ المتوازن المتمثّل في تركيزه، وبساطته، ورؤيته. فالفائدة الحقيقية تأتي من جعل السجلّ المتوازن حجر الزاوية في إدارة الشركة؛ إذ يجب أن يصبح جوهر نظام الإدارة، لا نظام القياس. وكبار المدراء وحدهم الذين سيقرّرون ما إذا كان سجلّ الأداء المتوازن سيصبح مجرّد عملية حفظ سجلاّت قياس، أم أداةً تتيح رسم استراتيجية أكثر تبسيطاً وفعالية وتركيزاً تقود إلى تحقيق أداء خارق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي