كيف بالإمكان التعجيل بتطبيق التقنية الصحية الرقمية؟

4 دقائق

في العام 1997، ألّف وارنر سلاك رائد تقنية المعلومات الصحية والصحة الرقمية كتابه الجريء الذي يستشرف فيه المستقبل بعنوان: "الطب الإلكتروني: كيف تعمل الحوسبة الآلية على تمكين الأطباء والمرضى من الوصول إلى مستوى رعاية صحية أفضل" (Cybermedicine: How Computing Empowers Doctors and Patients for Better Care). فقد اعتبر سلاك أنّ "الحاسب الإلكتروني الرقمي سيكون له دور هام في تشخيص الأمراض السريرية ووصف العلاجات من خلال قدرته على استيعاب كميات هائلة من البيانات وتنفيذ تعليمات معقدة متعددة بدقة متناهية".

وبينما حلت رقمنة المعلومات الصحية الكثير من المشاكل في الطب الأميركي وساعدت على وجه الخصوص في الحد من الأخطاء الطبية من خلال تحسين وتطوير عملية دعم اتخاذ القرار الطبي، إلا أنها أدت بكل تأكيد إلى ظهور الكثير من المشاكل المستحدثة. إذ تسهم الحلول الطبية السريرية مثل السجلات الصحية الإلكترونية في الإرهاق المهني للأطباء بدلاً من تيسير رعاية المرضى. وقد توقع الكثيرون أن تحد تقنية المعلومات الصحية من التكاليف من خلال التقليل من تكرار الاختبارات والفحوصات، بيد أنّ هناك القليل من الأدلة على قدرتها على إنجاز هذا الهدف. وفي حين أنّ الحلول الرقمية الموجهة للعناية بالمرضى قد تضاعفت في العدد، إلا أنّ تأثيرها على المرضى سريرياً كان محدوداً. لقد توقع سلاك أنّ اليوم الذي يستطيع فيه المريض الوصول إلى سجلاته الطبية إلكترونياً سوف يسهم في تحسين "قدرة هذا المريض"، بيد أنّ الكثير من الحلول الموجهة للعناية بالمرضى لا يكون لها أهمية تذكر في غرفة الفحص السريري.

ولكن هناك بوارق أمل يجمع كل منها قاسم مشترك فيما يتعلق بتطبيق التقنيات الصحية الرقمية مثل التركيز الشديد على الاحتياجات النوعية للمستخدم النهائي، سواء كان المريض أو الطبيب السريري المعالج. وعندما تأخذ الأنظمة الصحية الإبداعية في اعتبارها المستخدم النهائي للتقنية الرقمية على أنه "المستهلك" لتلك التقنية وتشركه في ذلك، فسوف تزداد مستويات تبني هذه النظم واستخدامها ويزداد تأثيرها كذلك. نقدم في هذا السياق مبادرتين لشركة كير مور هيلث (CareMore Health) على سبيل المثال: المبادرة الأولى توفر للمرضى وسائل انتقال في الحالات غير الطارئة، بينما توفر الأخرى منصة جديدة آمنة لتواصل الفريق الطبي وتعاونه.

الحلول الموجهة للعناية بالمرضى. إنّ التركيز على تبسيط المشاكل المتعلقة بالاحتياجات الأساسية للمرضى وحلها هو ما يدفع إلى تبني هذا النظام الرقمي في الرعاية الصحية، وليس مجرد الحداثة أو درجة الابتكار. وقد اقترح كثيرون المشاركة في وسيلة النقل كحل لتحسين الوصول إلى وسائل النقل الطبي في الحالات غير الطارئة. ومع ذلك، فإنّ مجرد وضع تطبيقات مشاركة وسيلة النقل على الهواتف الجوالة للمرضى لن يحل مشكلة انتقال المرضى، ويرجع هذا على وجه الخصوص إلى كون كبار السن هم الأكثر استخداماً لخدمات الرعاية الصحية، كما أنّ الكثيرين منهم ليست لديهم هواتف ذكية أو لا يملكون المعرفة الرقمية لاستخدامها.

عندما قامت شركة كير مور هيلث، (وهي نموذج لتقديم الخدمة يركز على الرعاية الخاصة بالمرضى المشاركين في نظام "ميدي كير" (Medicare) ونظام "ميدي كيد" (Medicaid) عالي التكلفة وهم بحاجة شديدة إلى تلك الرعاية)، بعقد شراكة مع شركة ليفت (Lyft) لخدمات النقل لتحسين وصول المرضى إلى خدمات الرعاية الصحية التي تقدمها، لم تكن الشركة تعتقد أنّ الحل كان يتمثل في وضع تطبيق هاتف ذكي بين يدي الأشخاص المتقدمين في السن. وبدلاً من ذلك، عملت شركتا ليفت وكير مور هيلث بمنتهى الجدية على توثيق التحديات التي يواجهها المرضى في سبيل الوصول إلى خدمات النقل، وقامتا ببناء نموذج يلبي احتياجاتهم. وتشمل هذه التحديات دقة التوقيت في عملية النقل من خلال وسائل المواصلات، ومدى إحساس السائقين باحتياجات كبار السن للانتقال السريع.

وقد أسهم التعاون بين الشركتين في تطوير أداة إرسال فتحت المجال أمام مكتب مركزي للنقل والمواصلات بتقديم طلبات التوصيل نيابة عن كبار السن قبل جدولة مواعيدهم وبعدها. وبالتالي، يستريح المرضى من عناء التعامل مع تطبيق يجد الكثيرون صعوبة في استخدامه. وكانت شركة كير مور أكثر قدرة على تحسين رضا المرضى فيما يتصل بعمليات النقل والتوصيل من خلال تقليص أوقات الانتظار، والحد من تكاليف النقل في النظام الصحي على وجه العموم بما يزيد على مليون دولار في السنة.

الحلول الخاصة بالأطباء السريريين. لما كانت شركة كير مور مؤسسة تعمل تحت قيادة أطباء، فإنّ منهجيتها في تنفيذ تقنية المعلومات الصحية تتجه قلباً وقالباً نحو المستخدم النهائي في المقام الأول. إذ يقوم الأطباء بتحديد المشاكل المطلوب حلها، ويتعاونون خلال اختبار الحلول المقترحة لمساعدة فريق تقنية المعلومات في تنقيح التطبيق الإلكتروني. وبمجرد أن يتم وضع الحل موضع التنفيذ بشكل كامل، يتعاون الأطباء وأعضاء فريق التنفيذ الرقمي في عملية إدارة التنقيح المستمر للحل والإشراف عليه لضمان الاعتماد على التقنية بشكل تام واستغلالها بشكل فعال، وهكذا تتحقق فوائدها بالكامل.

نسوق هنا مثالاً على ذلك، تايجر تيكست (TigerText)، وهو عبارة عن منصة آمنة جديدة خاصة بشركة كير مور للتواصل والتعاون بين الفريق الطبي. كان الأطباء المقيمون في المستشفى والقائمون على رعاية المرضى الداخليين معتادين على استخدام المكالمات الهاتفية، والرسائل النصية، ورسائل الفاكس، والبريد الإلكتروني للتواصل مع العديد من أطباء العيادات الخارجية مثل أطباء وأخصائيين الرعاية الصحية الأولية، وكان يتم توصيل المعلومات مشتتة وبطريقة غير متناسقة إلى أعضاء فريق الطب السريري المعنيين. اقتضت المنصة الإلكترونية الحديثة انتقال الأطباء السريريين إلى منصة واحدة للتواصل من خلالها.

قام الأطباء السريريون بتحديد المشكلة التي تحتاج إلى حل، وبمجرد أن يتم طرح إصدارات من الحلول التقنية في مرحلة الاختبار، فإنهم يقومون بتقديم تعليقاتهم وملاحظاتهم حول استخدام تلك الحلول التقنية في نطاق عمليات سير العمل اليومي لديهم وعبر المؤسسة بأكملها. هذا الإسهام المستمر من جانب الأطباء السريريين ترتب عليه تنفيذ عمليات تنقيح في واجهة المنصة الإلكترونية عززت من قابلية استخدامها. في حين أنّ شركة كير مور ما تزال في المرحلة المبكرة من تنفيذ المنصة الإلكترونية، فإنّ معدل رضا الأطباء عن المنصة مرتفع.

قام فريق تقنية المعلومات في كير مور باستخدام منهج مشابه لبناء تطبيق "أميز" (AMAZE)، وهو تطبيق يستطيع أن يدمج في واجهة واحدة كل الأنظمة المتفرقة التي كان أطباء كير مور يحتاجون إليها لتسجيل دخولهم إلى المنصة، بما في ذلك برنامج إدارة الرعاية من كير مور، والسجل الصحي الإلكتروني، وأنظمة بيانات الصيدليات وغيرها. وتقوم تلك المنصة المملوكة لشركة كير مور بدمج البيانات المعملية والسريرية الخاصة بتسجيل دخول المرضى الذين يتم علاجهم داخل المستشفى، وتخزين مستجدات حالة المرضى، وإتاحة إمكانية التوفيق بين الأدوية التي يصفها الأطباء، ونقل البيانات الخاصة بالمرضى إلى الأطباء السريريين الآخرين داخل النظام. وقد ساعدت المعلومات التي يسهم بها الأطباء في تحسين منهجية التصفح داخل النظام، وكانت نتيجة ذلك التوصل إلى نسق يدعّم عملية صنع القرار الطبي حسب رأي المستخدمين.

عندما يتعرف المستخدم النهائي على المشكلة، ويشارك في بناء الحل، ويستمر في المشاركة خلال عملية تنقيح ذلك الحل، فإنّ تبنيه للنظام واستخدامه له يكون حتمياً ولا مناص منه.

***

إنّ نظام الرعاية الصحية الأميركي في حاجة مستمرة إلى الابتكار، وبمقدور النظام الصحي الرقمي توفير الحلول لبعض أكبر التحديات التي يواجها نظام الرعاية الصحية في هذا البلد. فلقد أخفق القطاع الصحي كثيراً في إشراك المستخدم النهائي في توفير الحلول، على الرغم من البساطة التي يبدو عليها هذا الأمر. ومع زيادة التركيز على المشاكل التي يتعرض لها المستخدم النهائي وتقليل التركيز على الأنظمة ذاتها فربما تنجح أنظمة الرعاية الصحية مستقبلاً في خلق ثورة الطب الإلكتروني (Cybermedicine) الذي تصوره الدكتور وارنر سلاك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي