في السنوات الأخيرة، طرح العديد من الشركات أجهزة قابلة للارتداء مع تطبيقات للهاتف المحمول يمكنها مراقبة بياناتنا الصحية الشخصية، وأدت إلى ظهور ما يُعرف بظاهرة “القياس الكمي للذات” (quantified self)، حيث يبدأ الأفراد بتتبع مؤشراتهم السلوكية والفيزيولوجية والبيولوجية وغيرها من المؤشرات الصحية المختلفة. ومع ذلك، بقي سؤال حاسم يثير الاهتمام في بيئة العمل هذه دون إجابة حتى وقت قريب: هل هناك أي دليل علمي على أن تبني المستهلكين هذه الأجهزة القابلة للارتداء والتطبيقات الصحية يؤدي في الواقع إلى تغيير ملموس في سلوكهم، ما يؤدي بدوره إلى تحسينات ملحوظة في نتائج الرعاية الصحية؟ هذا هو السؤال الذي استكشفته مع المؤلفين المشاركين في تقريرنا البحثي الذي نُشر مؤخراً.

تستخدم هذه الدراسة، الأولى من نوعها، بيانات من مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة الرئيسيين (مثل منصات التطبيقات الرقمية والمستشفيات والعيادات والأطباء وخبراء التغذية والصيادلة وغيرهم) لتحديد فعالية تقنيات الصحة المحمولة الناشئة حديثاً في تحفيز الأفراد على تعديل نمط حياتهم بطريقة قد تؤدي إلى انخفاض زياراتهم إلى المستشفى والنفقات الطبية بمرور الوقت. يُعد مجال تقنيات الصحة المحمولة جديداً نسبياً ويشمل أنظمة الحوسبة المتنقلة وأجهزة الاستشعار الطبية وتقنيات التواصل المستخدمة في خدمات الرعاية الصحية (مثل إدارة الأمراض المزمنة). يمكن أن تعمل تطبيقات الصحة المحمولة على أجهزة مختلفة مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الاستشعار وأنظمة الحوسبة السحابية، التي تجمع كلها البيانات الصحية عن الأفراد.

بالتعاون مع إحدى منصات تطبيقات الصحة المحمولة الرائدة في آسيا، صممنا تجربة ميدانية عشوائية واسعة النطاق ونفذناها، حيث استندت إلى أنشطة نمط الحياة التفصيلية للمرضى (مثل عدد الخطوات ووقت التمرين والسعرات الحرارية المستهلكة وأنماط النوم ونوعية الطعام وكميته) وقيم نسبة الغلوكوز في الدم بالنسبة لمرضى السكري المزمن على مدى 15 شهراً. قسمنا المرضى عشوائياً إلى مجموعات؛ كان لدى إحداها إمكانية الوصول إلى تطبيقات الصحة المحمولة، بينما كان لدى مجموعة أخرى إمكانية الوصول إلى الإصدار المستند إلى الويب من التطبيق، ولم يكن بمقدور المجموعة الأخيرة (مجموعة الضبط) الوصول إلى أي من هذه التطبيقات أو الأجهزة.

أدى استخدام تطبيق الصحة المحمول إلى تحسن في كل من المقاييس القصيرة المدى (مثل انخفاض مستويات الغلوكوز في الدم والخضاب السكري لدى المرضى) والمقاييس الطويلة المدى (مثل انخفاض زيارات المستشفى والنفقات الطبية). مارس المرضى الذين استخدموا تطبيق الصحة المحمول قدراً أكبر من التمارين الرياضية، وتناولوا طعاماً صحياً منخفض السعرات الحرارية، وزادوا عدد خطواتهم، وناموا فترة أطول يومياً.

كانت هناك اكتشافات أخرى مثيرة للاهتمام تتعلق بنتائج المرضى في المجموعة التي استخدمت تطبيق الصحة المحمول الذين تلقوا تذكيرات مخصصة عبر الرسائل النصية مقارنة بالمرضى الذين تلقوا تذكيرات عامة. على سبيل المثال، قد يقول التذكير الشخصي: “عزيزي السيد “س”، لم تمارس الرياضة على الإطلاق بالأمس. يمكنك المشي 45 دقيقة اليوم وسيساعد ذلك على التحكم بمستويات الغلوكوز في الدم”. في المقابل، قد يقول التذكير العام: “ممارسة التمارين الرياضية المنتظمة بكثافة معتدلة مفيدة جداً للتحكم بنسبة الجلوكوز في الدم”.

تبين أن الرسائل العامة التي تقدم نصائح عامة حول مرض السكري أكثر فعالية بنسبة 18% من الرسائل الشخصية في خفض مستويات الغلوكوز بمرور الوقت. قدمت الدراسات الاستقصائية التي أجريت بعد التجربة تفسيراً يوضح هذا الأمر: شعر بعض المرضى أن دقة الرسائل الشخصية كانت تطفلية ومزعجة، وقال بعضهم إنها جعلتهم يشعرون بأنهم مجبرون باستمرار على اتباع التوصيات الصحية، ما أدى إلى تثبيط عزيمتهم وانخفاض مستوى الأنشطة الصحية (مثل تقليل ممارسة التمارين الرياضية وعادات الأكل الصحية، والنوم فترات أقصر في الليل).

ومع ذلك، أظهرت تجاربنا العشوائية أن الرسائل الشخصية المخصصة كانت أكثر فعالية من الرسائل العامة في تقليل زيارات الطبيب الشخصية وتعزيز استخدام خدمات الرعاية الصحية عن بعد. كشفت الدراسات الاستقصائية التي أجريت بعد التجربة للموضوعات التجريبية أن دقة هذه الرسائل الشخصية زادت تقبل المرضى لتبني خدمات الرعاية الصحية عن بعد التي تقدمها المنصة. ونتيجة لذلك، كانوا يستبدلون تفاعلاتهم الشخصية مع الأطباء بتفاعلات عبر الإنترنت، ما قلل نفقاتهم الطبية الإجمالية. وكان هذا جانبا إيجابياً من الرسائل المخصصة.

نتائج دراستنا لها العديد من الآثار المهمة

أولاً، تُظهر دراستنا أن مستخدمي أجهزة الصحة المحمولة وتطبيقاتها يمكن أن يزداد اعتمادهم على أنفسهم وحافزهم في إدارة سلوكهم الصحي، ويزداد حرصهم على التمسك بنمط حياتهم وسلوكهم الصحي واستمرارهم فيه، ما يؤدي إلى تحسين النتائج الصحية. يشير ذلك إلى أنه قد يكون من المفيد لشركات التأمين الحكومية والخاصة وشركات التكنولوجيا دعم أسعار هذه الأجهزة مالياً للتشجيع على استخدامها. على سبيل المثال، دخلت شركة آبل مؤخراً في شراكة مع مقدمي خطط شركة ميديكير لتقديم إعانات مالية لكبار السن لشراء ساعاتها الذكية.

ثانياً، التخصيص له جوانب إيجابية وسلبية. من ناحية، يمكن أن يؤدي التخصيص إلى فقدان بعض المرضى الاهتمام باستخدام التكنولوجيات القابلة للارتداء وإهمال سلوكياتهم الصحية. من ناحية أخرى، يمكن أن يشجع التخصيص أيضاً المزيد من المرضى على استخدام خدمات التطبيب عن بعد، ما يؤدي بدوره إلى تخفيض النفقات الطبية. يجب على الممارسين في بيئة عمل الرعاية الصحية مراعاة هذه التأثيرات المتعارضة عند تصميم استراتيجيات تواصلهم مع المرضى. على سبيل المثال، يمكنهم إجراء تجارب أو تنفيذ أبحاث السوق على السكان المحليين لدراسة تأثير التخصيص على تفضيلات المرضى للاستشارات الشخصية مقارنة بالاستشارات الصحية عن بُعد. وهكذا، ومن خلال جمع التعليقات حول تفضيلات المرضى، يمكنهم توقع الفائدة الصافية للتخصيص وضبط وتيرة التواصل المخصصة وفقاً لذلك.

ثالثاً، يمكن أن توفر أجهزة الصحة المحمولة وتطبيقاتها لشركات التأمين الصحي فرصة لتخصيص أقساط التأمين. على سبيل المثال، يمكن أن تسمح لها بمكافأة المستهلكين، الذين يؤدون المزيد من التمارين الرياضية ويتناولون الطعام الصحي وينامون فترة أطول، بأقساط تأمين مخفضة. وهذا مشابه لما تفعله بعض شركات التأمين على السيارات بالفعل: تثبيت أجهزة تتبع في السيارات لمراقبة عادات القيادة ومكافأة السائقين الأفضل بأقساط أقل.

ومع ذلك، يطرح تنفيذ مثل هذه الاستراتيجية بعض المشاكل أو التحديات المحتملة؛ بموجب قواعد الخصوصية التي يفرضها قانون إخضاع التأمين الصحي لقابلية النقل والمحاسبة (HIPAA)، يجب على المرضى الموافقة على منح شركات التأمين الصحي إمكانية الوصول إلى بياناتهم، كما أن المكافآت المستندة إلى عادات الأكل وأنماط الحياة الصحية يمكن أن تؤدي عن غير قصد إلى تفضيل الأثرياء ومعاقبة الفقراء، وهو أمر غير عادل. ومع ذلك، يمكن لفهم كيفية تأثير هذه التطبيقات والأجهزة على السلوك أن يساعد مؤسسات الرعاية الصحية على تطوير استراتيجيات أكثر فعالية لتعزيز رعاية مرضاها.