ملخص: تحتوي السوق الرقمية على الكثير من التطبيقات في مجال الصحة النفسية، لكن الأدلة التي تدعم فعاليتها المزعومة ضئيلة. يقدم هذا المقال مبادئ توجيهية لمساعدة مدراء الموارد البشرية في اتخاذ القرار حول تقديم هذه التطبيقات للموظفين ويجيب عن 3 أسئلة: 1) هل يتعين على شركتي تقديم تطبيقات الصحة النفسية الرقمية للموظفين؟ 2) ما هو أفضل تطبيق رقمي يمكنني تقديمه للموظفين لمساعدتهم في إدارة التوتر أو القلق؟ 3) كيف أقيّم التأثير الاقتصادي لمنتج الصحة النفسية الرقمي؟
بفضل الجائحة ازداد الاهتمام بالخيارات الجديدة الفعالة للوقاية من القلق والاكتئاب وغيرهما من الأمراض النفسية ومعالجتها. فقد بدأ مدراء الموارد البشرية بالبحث عن طرق جديدة لدعم موظفيهم، إذ تشير بيانات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها إلى أن الصحة النفسية للموظفين الأصغر عمراً والأقليات تأثرت بدرجة كبيرة.
في العام الأخير، واجه فريقنا المتخصص بالأبحاث في قسم الطب النفسي الرقمي ضمن مركز "بيث ديكونيس الطبي" التابع لكلية "هارفارد للطب" زيادة كبيرة في الأسئلة المتعلقة بالصحة النفسية الرقمية، لا سيما التطبيقات الرقمية للصحة النفسية. فيما يلي 3 أسئلة شائعة برزت في محادثاتنا مع الأطباء وكبار المسؤولين التنفيذيين ومدراء الموارد البشرية، ونجيب عنها بناء على خبرتنا في الرعاية السريرية ودراسات البحث السريري وتحليلاتنا للقطاع.
1. هل يتعين على شركتي تقديم تطبيقات الصحة النفسية الرقمية للموظفين؟
أفضل ما يمكنك فعله لموظفيك هو أن تدفع لهم تكاليف الرعاية الصحية الجيدة بسعر معقول، ويجب أن يتضمن ذلك رعاية شاملة للصحة النفسية تجعل العلاج الشخصي مع طبيب معالج متخصص ممكناً وميسور التكلفة، لأن تطبيق الصحة النفسية الرقمي وحده ليس بديلاً كافياً. حتى اليوم، لا تتوفر الأدلة التي تثبت أن تطبيقات المساعدة الذاتية تتمتع بفعالية مساوية لفعالية العلاج أو الأدوية في معالجة الأمراض النفسية، لكن قد تكون هذه التطبيقات قادرة على مساعدة البعض في التعامل على نحو أفضل مع التوتر والأعراض المرتبطة بالقلق أو الاكتئاب.
وبالتالي يجب أن تستخدم تطبيقات الصحة النفسية فقط لتكمّل العلاج النفسي والأشكال الأخرى من الاهتمام بالذات، كممارسة التمرينات الرياضية واتباع نظام غذائي صحي والنوم الكافي المريح. وكما هو حال أي علاج مكمل، لن تتمكن التطبيقات من معالجة السبب الأساسي لمشكلات الصحة النفسية بحضور العوامل المنهجية الأساسية المتعلقة بمكان العمل المتمثلة في الثقافة السامة، والتعرض للإساءة، وما إلى ذلك. ويجب على مدراء الموارد البشرية معالجة هذه الأسباب الأشمل قبل التركيز على خيار التطبيقات الرقمية.
من الصعب تقييم الأدلة التي تثبت فائدة التطبيق الرقمي. صحيح أننا نشهد زيادة في الدراسات المنشورة ونأمل أن تزداد الأدلة التي تثبت فعالية تطبيقات الصحة النفسية، إلا أن العلم الذي تستند إليه هذه التطبيقات التي تقدمها الشركات للموظفين لا يزال محدوداً. وبالفعل، لاحظنا أن غالبية التطبيقات التجارية المتاحة تدعي فعاليتها فيما يتعلق بالصحة النفسية من دون دليل علمي. ولذلك، يجب على مدراء الموارد البشرية الاستناد إلى ميزانيتهم واحتياجات موظفيهم الخاصة والأفراد أنفسهم من أجل النظر فيما إذا كانت فوائد إتاحة الوصول إلى تطبيقات الصحة النفسية وتكاليفها الأقلّ مقنعة بما يكفي سواء توفرت الأبحاث الدقيقة التي تثبت فعاليتها أو لم تتوفر.
ويجب الأخذ في الاعتبار أيضاً أن المدربين وليس الأطباء المعالجين هم من يؤيدون بصورة متزايدة تطبيقات الصحة النفسية من أجل تحفيز الاندماج في العمل، وهو أمر يجب على مدراء الموارد البشرية التوقف عنده. ينبغي لهم التعرف على هؤلاء المدربين والاطلاع على درجات تخصصاتهم أو مؤهلاتهم الأخرى، إن وجدت، ويمكنهم الحصول على هذه المعلومات أحياناً بالبحث في موقع الشركة الإلكتروني ببساطة، وإلا يجب عليهم التواصل مع الشركة مباشرة وطلب المعلومات منها، أو استشارة متخصص في الصحة النفسية يفهم المؤهلات وما تتطلبه من شهادات وتعليم.
2) ما هو أفضل تطبيق رقمي يمكنني أن أوصي به الموظفين لمساعدتهم في إدارة التوتر أو القلق؟
وفي حين أن التطبيقات نفسها غير قادرة على معالجة مشكلات الصحة النفسية، فهي تتيح للموظفين الوصول إلى أدوات ومهارات وموارد يمكنها مساعدتهم في التعامل مع مشكلاتهم وإدارتها. تتوفر مئات التطبيقات التي تتيح الاستخدام الفوري لتمرينات اليقظة الذهنية ورصد تقلبات المزاج ومواد التثقيف في مجال الصحة النفسية ومهارات علاجية معينة وتقديم البيانات الحيوية وغير ذلك، ويمكن لكل منها المساعدة في تخفيف التوتر والأفكار السلبية أو حتى الاشتهاء المرتبط بحالات الإدمان. لكننا لا نعتقد أنه يمكن العثور على تطبيق واحد للصحة النفسية الرقمية مناسب للجميع، وننصح الموارد البشرية بالبحث عن التطبيقات التي يمكنها معالجة احتياجات الموظفين المحددة.
كما نتفادى قوائم مثل "أفضل 10 تطبيقات" لأنها تصنف بناء على اعتبارات ذاتية وعلى مدى سرعة تحديث التطبيقات وإعادة تصميمها. وقد رأينا كثيراً من مواقع تقييم التطبيقات تنشر مراجعات عن تطبيقات تم إيقافها، وقد لاحظنا أيضاً أن 28% من التطبيقات الرقمية التي توصي الجامعات طلابها باستخدامها لم تعد متاحة للتحميل. وإحدى القواعد العامة التي استخلصها فريقنا من التجارب هي أنه إذا كان عمر التقييم أكثر من 6 أشهر فيجب تجاهله هو وكل ما يرد في تلك القائمة أو ذلك الموقع.
كما نحذر من تقييم التطبيقات استناداً إلى عدد مرات تحميلها أو عدد نجوم تقييمها أو إعلاناتها. فقد ظهرت بضعة تطبيقات على أنها الأكثر شيوعاً أو شهرة لكن ليس بالضرورة أن تكون الأكثر فعالية.
يجب على مدراء الموارد البشرية التعمق في بحثهم وطرح أسئلة أقوى، مثل: ما هي العوامل المرتبطة بمكان العمل التي تسهم في توليد التوتر أو القلق؟ ماذا يعني ذلك بالنسبة لصحة الموظفين النفسية وما هي الموارد التي يحتاجون إليها للتعامل مع مشكلاتهم؟ إذا كان الموظفون يعانون من مشكلة تفاوت ساعات العمل فيمكن لتطبيق يساعد المستخدمين على الاستعداد للنوم أن يكون مفيداً، لكن إذا كانوا يعانون من الاحتراق الوظيفي فستكون إتاحة جلسات مع معالج مرخص أكثر أهمية.
ومن أجل مساعدة مدراء الموارد البشرية في الاستفادة من تزايد التطبيقات الرقمية المتاحة وتحديد التطبيق الأنسب لاحتياجات موظفيهم المحددة، بنى فريقنا قاعدة بيانات مؤشر مشكلات الصحة النفسية وطرق التعامل معها القائمة على الأدلة عبر الإنترنت ويعمل على صيانتها باستمرار، وذلك بدعم من مؤسسة "أرغوسي فاونديشن" (Argosy Foundation) التي قدمت له هبة خيرية. تتضمن قاعدة البيانات معلومات عن أكثر من 400 تطبيق ضمن 105 أبعاد تضم بيانات عن التكاليف والمشكلات التي تتم معالجتها والوظائف والميزات والأدلة وتفاعل المستخدمين والخصوصية.
3. كيف أقيّم التأثير الاقتصادي لمنتج الصحة النفسية الرقمي؟
نعلم أن أعباء مشكلات الصحة النفسية مكلفة، وأن الوقاية من الأمراض النفسية ومعالجتها يتمتع بفعالية كبيرة. لكن العديد من مواقع تطبيقات الصحة النفسية الرقمية يدعي تحقيق عائدات على الاستثمار وتوفير التكاليف بأسلوب مصمم لجذب مدراء الموارد البشرية. وفي حين أنه لا تتوفر أرقام دقيقة (بعد) تدل على درجة فعالية أدوات الصحة النفسية الرقمية من ناحية التكلفة، ننصح مدراء الموارد البشرية بأخذ 4 أنواع من البيانات في حسبانهم عند تقدير توفير التكاليف المحتمل.
أولاً، ينبغي للمدراء تقدير التكاليف الناجمة عن المشكلات (مثل خسارة الإنتاجية) لكل موظف. ثانياً، يتعين على المدراء طلب بيانات تفاعل المستخدمين من أجل معرفة النسبة المئوية المتوسطة للمستخدمين الذين سيتسمر نشاطهم على التطبيق بعد أسبوعين. نادراً ما تتوفر هذه المعلومات على نحو عام، لكنها ضرورية جداً: تشير الأبحاث إلى أن متوسط معدلات تفاعل المستخدمين قد يصل إلى 5% فقط بعد أسبوعين. ثالثاً، ينبغي للمدراء مطالبة الشركة بتقديم تقدير التأثير الإيجابي للتطبيق على الصحة النفسية متمثلاً في النسبة المئوية لتراجع الأعراض. رابعاً، ينبغي للمدراء البحث عن البيانات المتعلقة بمدة استمرار الأثر المؤكد للتطبيق (النسبة المئوية من العام).
سيساعد ناتج ضرب هذه الأرقام الأربعة بعضها ببعض المدراء في تقدير التكاليف والفوائد المحتملة لكل موظف على مدى عام واحد. مثلاً، 5,000 دولار خسارة الإنتاجية × انخفاض بقيمة 25% في معدلات الاكتئاب × استمرار التأثير لمدة 3 أشهر (أي 25% من العام) يساوي تقريباً 312 دولاراً سنوياً. لكن إذا كان معدل التفاعل 5%، فسيكون 312 دولاراً × 5% يساوي 16 دولاراً تقريباً. نقدم معلومات مفصلة أكثر عن هذا النموذج وأمثلة عن الحسابات في هذه الدراسة المنشورة. من خلال عملية طرح هذه الأسئلة وجمع البيانات ذات الصلة، سيتمكن المدراء من معرفة المزيد عن احتياجات موظفيهم ومدى قدرة منتج الصحة النفسية الرقمي على مساعدتهم.
وبما أننا لم نرَ بعد تطبيقات تحقق الرضا عن أدائها أو تقدم ضماناً له، ينبغي للمدراء المطالبة بمقاييس معيارية للنتائج وتحميل الشركات المسؤولية عن تلبيتها. لن تخاف أفضل التطبيقات من تسويق نفسها عن طريق النتائج، ومع نضوج المجال واندماج الشركات فيه قد يتمكن مدراء الموارد البشرية قريباً من اختيار حزم مخصصة من التطبيقات الرقمية وتقديم مجموعة من الأدوات الرقمية لموظفيهم.
يجب ألا يتم اختيار تطبيقات الصحة النفسية الرقمية التي سيتم تقديمها للموظفين بناء على طرق تسويقها أو شعبيتها المزعومة، بل بناء على الأدلة وبيانات تفاعل المستخدمين وأنواع العلاج الذي تقدمه. وباستثناء تطبيقات الرعاية الصحية عن بُعد التي تقدم اتصالاً متزامناً مع معالج أو طبيب نفسي مرخص، يجب أن تكون تطبيقات الصحة النفسية الرقمية مكملة للرعاية القائمة على الأدلة لا بديلاً عنها. وعند اختيار هذه التطبيقات الرقمية ينبغي لمدراء الموارد البشرية بذل جهد لمعرفة احتياجات موظفيهم المحددة والعثور على العروض التي تلبيها بأفضل ما يمكن.