أفضى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير التسويق. وقبل أن يتكيّف خبراء التسويق مع هذا التغيير، طرأ على الشبكات الاجتماعية تحوّل جديد، إذ شكّل ظهور تطبيقات الرسائل تحدياً للاستراتيجيات التي طوّرها خبراء التسويق للشبكات الاجتماعية العامة.
فإذا كانت شركتك لا تزال تحاول معرفة كيفية تحقيق أقصى استفادة من موقعَي فيسبوك وتويتر، فحريٌّ بك التفكير في الأمور التالية:
- سرعان ما أصبح تطبيق واتساب أكبر خدمة رسائل في العالم بـأكثر من مليار مستخدم.
- يعد تطبيق سناب شات القوة الساحقة في الفئة العمرية من 18 عاماً إلى 24 عاماً، ويحقق عمليات دخول يومية أكثر من موقع فيسبوك. ويصر مؤسس الشركة على أن الموقع "ليس شبكة اجتماعية".
- موقع فيسبوك هو الشبكة الاجتماعية السائدة في معظم أنحاء العالم، ولكن استثمارهم الرئيسي هو في تطوير تطبيق "ماسنجر فيسبوك" الخاص، بما في ذلك البرامج الآلية التي من شأنها أن تساعد الشركات على زيادة التفاعل "الإنساني" من خلال الخدمة. حيث يستخدم أكثر من مليار و300 مليون شخص تطبيق "ماسنجر" في الوقت الحالي. جذبت خدمات التراسل الخاصة الأخرى، مثل فايبر (Viber) وكيك (Kik) ملايين المستخدمين.
- تستخدم 77 شركة من شركات قائمة "فورتشن 100" تطبيق سلاك. يُبقي متوسط مستخدمي تطبيق سلاك التطبيق مشتغلاً 10 ساعات في اليوم، ومستخدماً بشكل نشط لما يزيد على ساعتين في اليوم.
- بدأ موقع إنستغرام خدمة الرسائل المباشرة في عام 2014 التي تركز على تبادل المحتوى مع ما يصل إلى 15 شخصاً وفق نهج مترابط.
- جرب موقع تويتر استخدام رسومات الشعار المبتكرة على غرار موقع سناب شات، وتحرير الصور، وفي عام 2015 زاد عدد الأحرف المسموح به عبر الرسائل المباشرة الخاصة.
وقد كانت حركة المستخدمين من الوسائط الاجتماعية العامة إلى الرسائل الخاصة سريعة للغاية لدرجة أن مجلة "بزنس إنسايدر" (Business Insider) ذكرت أن إجمالي الاستخدام لتطبيقات المراسلة الأربعة الأولى يتجاوز الآن إجمالي الاستخدام لأكبر أربعة تطبيقات وسائط اجتماعية. ويساعد انخفاض أسعار البيانات وقلة تكلفة الأجهزة وتحسّن الميزات في دفع هذا النمو.
فما سر التوق إلى تطبيقات الرسائل الخاصة؟ لعلّ الأشخاص أضحوا أكثر اهتماماً بالتواصل الفعلي وليس البث. وربما لا نرغب في الدمج بين الحياة الشخصية والخاصة بعد الآن ونريد التحكم في أوساطنا الاجتماعية المختلفة ضمن تطبيقات المراسلة هذه. وكما قال لي ابن أخي البالغ من العمر 16 عاماً: "نشر صديقي منشوراً على موقع فيسبوك، وقد سخرنا منه. إذ إننا نستخدم تطبيق سناب شات في الوقت الحالي فمن بريد نشر كل شيء على الملأ طوال الوقت؟ حيث يربطني تطبيق سناب شات بأصدقائي المقربين فحسب".
لن تندثر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الشبكات الاجتماعية التقليدية يمكن أن تصبح أقل أهمية بالنسبة لبعض المجموعات. إذ يوفر ظهور قنوات الخصوصية فرصاً جديدة، وربما أخطاراً، لخبراء التسويق. ويتمثل وجهان من أوجه التجاذبات التي سيتعين على خبراء التسويق التعامل معها في:
القابلية للاكتشاف مقابل التفاعلية، إذ يتيح التحدي المتمثل في وجود المزيد من التطبيقات الخاصة للأشخاص فرص العثور عليك والتفاعل معك. وهكذا، في التطبيق الذي يستخدمه الأشخاص للتواصل مع الأصدقاء والعائلة، ما الدور الذي يجب أن تؤديه العلامة التجارية؟
على الرغم من أن القابلية للاكتشاف قد تشكل تحدياً، يمكن للمراسلات الخاصة توفير المزيد من فرص الانخراط للعلامات التجارية التي يمكنها تدبّر أمر ذلك. ضعوا في اعتباركم أنه دون زيادة دعم الإعلانات على موقع فيسبوك، فإن متوسط معدل الاطلاع الطبيعي على المحتوى الذي تنشره ربما يكون أقل من 1% (على الرغم من أن هذا يختلف اختلافاً كبيراً حسب النشاط التجاري). ويعد المعدل المعتاد لفتح رسائل البريد الإلكتروني أفضل بكثير، نحو 20%، لكنه لا يزال غير مرتفع للغاية. أما معدل فتح الرسائل الخاصة فيبلغ 98%. ومن المرجح أيضاً أن يترك مستخدمو الهواتف الذكية إشعارات الأحداث الجديدة لتطبيق المراسلة قيد التشغيل وليس إشعارات البريد الإلكتروني أو التطبيق الذي يحمل علامة تجارية أو حتى تطبيق فيسبوك. لكن هذا يعني أن التوقعات كبيرة. فكيف يمكننا إدراج الإعلانات ورسائل العلامة التجارية في المحادثات على نحو لا يكون مثيراً للإحباط أو الاستغراب؟
التركيز على المحتوى مقابل التركيز على الأشخاص، يتمثل هدف العلامات التجارية على وسائل التواصل الاجتماعي في الأهمية الجماهيرية. ووفق نموذج الأهمية الجماهيرية هذا، يقع المحتوى في صميم التجربة. إذ إننا نريد أن تحظى صورة تلك القطة (أو المستند التعريفي بالمنتج) بأكبر قدر من الإعجابات والنقرات والمشاركات يمكننا حشده.
لكن في هذا العالم الجديد، يتمثل الهدف في الانخراط من خلال اللحظات الخاصة والهادفة والمتعلقة بالمحادثات. وفي هذا المستقبل، ستستمر أهمية المحتوى، لكن الأشخاص سيكونون هم محطّ تركيز التجربة. وسيتعين أن تكون عمليات التواصل التي تقوم بها العلامة التجارية فورية ومعبّرة وخاصة بدرجة أكبر.
كيف تقيس هذه التفاعلات؟ يمكن أن تتمثل الإجابة في الخوارزميات والبرامج الآلية، إذ ستساعدنا البيانات الضخمة في استحداث محتوى وعروض آنية وذات طابع شخصي وتستند إلى الموقع، وتعمل شركة ميتا على تطوير برامج آلية ذكية يمكنها إجراء محادثات شبيهة بالإنسان، واستحداث نظام لتحليل هذه المحادثات. سيتعين أن تكون عمليات التواصل التي تقوم بها العلامة التجارية فورية ومعبّرة وخاصة بدرجة أكبر.
وعلى الرغم من أن ابن أخي قد يسخر منه، فإن موقع فيسبوك يمثل طرفاً فاعلاً مهماً في هذا الانتقال؛ فهو المنصة التي ترتبط بها معظم العلامات التجارية، وهو الشبكة التي لا يزال يتم فيها معظم الاستثمار التسويقي. إذ إنه ثمة طمأنينة فيما يتعلق به. فكيف ستتغير هذه العلاقة في المستقبل؟
سيدعم الآن "ماسنجر فيسبوك" الشفرات التي يمكن قراءتها آلياً وأسماء المستخدمين والروابط. ويتيح هذا التحديث إنشاء عنوان موقع إنترنت فريد لـ "الماسنجر"، الذي يسمح لتطبيق "ماسنجر" اكتشاف المستخدمين والشركات بدرجة أكبر داخل النطاق الخاص. ويضع موقع فيسبوك بالفعل الصفحات والوحدات الإعلانية مع خيار "مراسلة العلامة التجارية"، ويعتقد المحللون أن شركة ميتا تضع تطبيق "ماسنجر" محوراً رئيسياً للتجارة في المستقبل.
لكن ثمة أخبار جيدة في كل هذه المستجدات التي تطرأ. بالنسبة لمعظم العلامات التجارية، فإن %80 إلى 90% من جميع المعجبين عبر الإنترنت يتواصلون عبر "وسائل التواصل الاجتماعي المظلمة"، وهذا يعني إرسال الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني والقنوات الأخرى التي لا يمكننا رؤيتها أو قياسها. وتنتقل عمليات التواصل الخاصة هذه إلى الشبكات الخاصة التي تمتلكها شركتا ميتا وسناب شات وغيرهما. فهل ستوفر لنا هذه الشركات في نهاية المطاف أفكاراً مستوحاة من أكبر مصدر غير مستغل عن بيانات المستهلكين في هذا العالم؟ لا شك في أن الشركات ستحاول الانتقال إلى هذه الشبكات الخاصة الضخمة، وربما تستفيد منها ذات يوم.