الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

كيف تُصمم مبادرة ناجحة للتغيير المؤسسي؟

5 دقيقة
مبادرات التغيير
بيلانول/غيتي إميدجيز

عندما احتاجت مؤسسة مالية كبرى مقرها الولايات المتحدة إلى مساعدة في تنفيذ مبادرة تحوّل على مستوى المؤسسة، لجأت إلى ديبورا، وهي مدربة تنفيذية محنكة ومستشارة تغيير. كانت المؤسسة تواجه صعوبة في التعامل مع الزعزعة التكنولوجية وتغيّر توقعات العملاء والضغوط التنظيمية المتزايدة، ورأت في برنامج التغيير الذي وضعته الحل الطبيعي لهذه التحديات.

بعد أن وصلت ديبورا إلى المؤسسة، أمضت وقتاً في التحدث إلى الموظفين في المستويات كلها، وقد وصف العديد منهم مكان العمل بعد التحول وصفاً سلبياً، حيث أشاروا إلى حالة من الفوضى والتنافس. ويؤكد استطلاع جس نبض أجري في المؤسسة مؤخراً ما سمعناه، فعلى الرغم من أن الموظفين أدركوا سبب الحاجة إلى التغيير، فقد كانوا مرهقين إلى درجة عدم قدرتهم على تنفيذ أي مبادرات جديدة.

وصلت ديبورا مستعدةً لتنسيق المبادرات عبر برنامج التحول الحالي في المؤسسة، لكنها سرعان ما أدركت أن الأمر يستلزم تغييراً جوهرياً، إذ تطلب برنامج الشركة مجموعة من الاستراتيجيات التي يمكن تخصيصها لكل قسم تبعاً للصعوبات والعقبات التي يواجهها، ودون فعل ذلك، حتى مبادرات التحول السليمة قد تتعثر أو تأتي بنتائج عكسية.

بصفتنا مستشارين في استراتيجيات الموارد البشرية وأساتذة، درسنا التحولات في العديد من القطاعات لأكثر من 15 عاماً، وخلال ذلك واجهنا باستمرار الموقف الذي واجهته ديبورا: مؤسسة تطلق مبادرات تغيير مدروسة وتنوي العمل عليها بجد ثم تواجه صعوبة في تحقيق أهدافها.

يحدث ذلك أغلب الأحيان، ولفهم الأسباب، أجرينا دراسة واسعة النطاق امتدت عدة سنوات، واستطلعنا خلالها آراء 4,300 موظف في 20 مؤسسة، وحصلنا منها على معلومات مفصلة حول المصاعب التي تواجهها المؤسسات عند الشروع في مبادرات التحول. وبالاستناد إلى هذه المعلومات، صممنا عملية من 5 خطوات لإجراء مبادرات تحول ناجحة.

سعت ديبورا إلى توخي الدقة المستندة إلى البيانات في عملها في القسم المالي، ما مثل فرصة ممتازة لاختبار نهجنا الجديد، وقد تمكنت من تطبيقه بنجاح كبير، وعزز عملُها القدرة على التكيف والتعاون ضمن القسم كما أظهر إمكانات مالية واعدة، فقد حقق البرنامج التجريبي عوائد تجاوزت 200% على الاستثمار في إدارة التغيير. أعجبت المؤسسة بهذه النتائج، فطلبتْ من ديبورا تطبيق العملية ذات الخطوات الخمس على المؤسسة بأكملها، ونقدم لكم في هذه المقالة ملخصاً لها.

مواءمة الاستراتيجيات وأنماط التحفيز

ثمة 3 أسباب لفشل العديد من القادة في مبادرات التحول: أولاً، عدم تحديد التغيير الذي تواجهه المؤسسة أو القسم بدقة، ما يمنعهم من تحديد أهداف التغيير المنشودة بدقة. ثانياً، غالباً ما يطبّق القادة استراتيجية واحدة دون مراعاة التوازن المطلوب بين الاستكشاف (الابتكار والمجازفة) والتسخير (تحسين الإجراءات الحالية)، أما الأمر الثالث فهو أنهم لا يهتمون بتحديد قادة التغيير ولا يهتمون بتأثير اختلاف مهارات الموظفين واستعدادهم للتغيير في نجاح المبادرات.

كشف بحثنا أن هناك عاملاً حاسماً خفياً وراء هذه الإخفاقات وهو أنماط التحفيز، إذ إن لها دوراً كبيراً في مبادرات التغيير. نشرت هارفارد بزنس ريفيو مقالة لهايدي غرانت وتوري هيغينز بعنوان "هل تلعب لتربح أم تلعب لتجنب الخسارة؟" (Do You Play to Win — or to Not Lose?)، وبناءً على هذه المقالة حددنا 3 أنماط رئيسية للتحفيز: 1. أسلوب تحفيز يركز على تحقيق المكاسب (النجاح من خلال النمو واغتنام الفرص)، 2. أسلوب تحفيز يركز على تجنب الخسارة (التركيز على الاستقرار وتوخي الحذر)، 3. أسلوب تحفيز يركز على تحقيق التوازن (أسلوب وسط بين الأسلوبين الأول والثاني).

حتى تنجح مبادرات التغيير، من المهم إيجاد توافق بينها وبين أنماط التحفيز لدى الموظفين، وهو ما تأكد لنا بعد أن عملنا مع ديبورا وفريقها المسؤول عن مشروع التغيير في المؤسسة المالية، والذي شمل 206 موظفين، ولتحقيق هذا التوافق، لخصنا المعلومات التي توصلنا إليها في 5 خطوات يمكن لكل مؤسسة تطبيقها.

1. حدد نوع التغيير المنشود

قبل إطلاق مبادرة تغيير، حدد إذا كنت تريد التركيز على الاستكشاف أو التسخير، إذ يختلف النهج الذي يجب اتباعه باختلاف نوع التغيير.

لم يجرِ القسم المالي الذي عملت معه ديبورا مثل هذا التقييم، إذ رأت القيادة أن المؤسسة بأكملها بحاجة إلى تحول جذري، فطبقت نهجاً استكشافياً موحداً، وقد أدت هذه العقلية بالاقتران مع عدم وضوح احتياجات كل قسم إلى تداخل 15 أولوية من أولويات التغيير، وكانت النتيجة خليطاً من المبادرات ومنها "استراتيجية المواهب المرنة تجاه الظروف المستقبلية"، ومبادرة "دمج التكنولوجيا الجديدة"، و"تحول القيادة المرنة"، ما أدى إلى ضعف في توزيع الموارد على المشروعات غير المتوافقة.

كشف التقييم الذي أجريناه عن حقيقة أدق، وهي أن بعض الأقسام تتطلب استراتيجية الاستكشاف (خاصة الأقسام التي تواجه زعزعة رقمية، الأمر الذي يتطلب الابتكار)، في حين أن أخرى تتطلب استراتيجية التسخير (خاصة تلك التي تطمح إلى تحسين الإجراءات الحالية للامتثال إلى القوانين وتقديم خدمات عالية الجودة).

الخطوة الأولى هي استخدام شجرة صناعة القرارات لتحديد التغييرات الجذرية والتدريجية المطلوبة، بعد ذلك، عليك معرفة المخاطر المحتملة للتركيز على نهج الاستكشاف أو نهج التسخير وحده في كل حالة من حالات التغيير، وتساعدك هذه العملية على كشف النقاط المجهولة وترشدك إلى نهج متوازن ومخصص.

2. حدد أنماط التحفيز لدى الموظفين

بعد أن تحدد نوع التغيير المطلوب، يجب أن تحدد أنماط التحفيز لدى الموظفين. عندما فعلنا ذلك في القسم المالي الذي عملت ديبورا معه، خلصنا إلى ما يلي: يتحفز 45% من الموظفين من خلال أسلوب تحقيق المكاسب، و40% بأسلوب تجنب الخسارة و 15% بأسلوب متوازن بين الاثنين، لكن النسب تفاوتت بين الأقسام وكان بعض الموظفين يميلون بشدة إلى أحد الأساليب.

عندما تعمل على هذه المهمة، انتبه إلى الأسلوب الذي يتبعه أعضاء الفريق في التعامل مع المهام والصعوبات، فهل يركزون على المكاسب المحتملة ويحاولون التوصل إلى الحلول بسرعة؟ أم إن الأهم بالنسبة إليهم هو تجنب الأخطاء واتباع أسلوب منهجي ودقيق؟

3. طابق أنماط التحفيز مع المبادرات

عندما تحدد بدقة نوع التغيير المنشود وأنماط التحفيز لدى الموظفين في الفرق، يمكنك أن تسند إليهم المشروعات التي تتوافق مع ميولهم الفطرية.

في حالة القسم المالي الذي عملت معه ديبورا، أسندنا إلى الموظفين الذين يفضلون تحقيق المكاسب مشروعات استكشافية تضمنت تطوير منتجات مالية جديدة، وأسندنا إلى الموظفين الذين يفضلون تجنب الخسارة مشروعات ركزت على الامتثال التنظيمي وإدارة المخاطر، ولا عجب في أننا أسندنا إلى الذين يفضلون التوازن أدواراً تتطلب الابتكار والتنفيذ الدقيق في آن معاً. ومن الممكن اتخاذ تدابير أكثر جرأة، فخلال إحدى عمليات الدمج التي قدمنا استشارة بشأنها، صنفنا الموظفين حسب أنماط التحفيز الفطرية لديهم وأنشأنا فرق مشروع منفصلة تماماً للاستكشاف والتسخير.

4. خصص خطابك عن التغيير ليتوافق مع المتلقي

يتطلب التواصل الفعال بشأن التغيير عدم اعتماد قالب واحد، لذا يجب أن تخصص خطابك وفقاً لنمط التحفيز. لقد دربنا القادة في المؤسسة المالية التي عملت معها ديبورا على صياغة خطاب التغيير بطريقة مختلفة عبر الأقسام تبعاً لنمط التحفيز السائد، ومن الأمثلة على ذلك: "تتيح لنا المنصة الجديدة قيادة السوق من خلال تقديم خدمات ومنتجات مبتكرة، لا يمكن للشركات المنافسة مضاهاتها، ما سيجعل شركتنا رائدة على مستوى القطاع" (تحقيق المكاسب)، "إذا لم نجر هذه التغييرات فهذا يعني أننا قد نعجز عن الامتثال ومن ثم قد نخسر ثقة المشرعين والعملاء ونعرض سمعتنا وأمننا على المدى الطويل إلى الخطر" (تجنب الخسارة)، "سيسمح لنا هذا التحول بالابتكار والمنافسة والحفاظ على الأمن التشغيلي والامتثال التنظيمي الذي نعتمد عليه" (التوازن).

في بعض الأحيان قد يشير التوتر الشديد لدى الموظفين إلى أن سردية التغيير لا تتوافق مع أنماط التحفيز لديهم. استعان بنك سويسري بأحد أعضائنا (نيكولاس) للحصول على المشورة خلال توسعه في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكان الرئيس التنفيذي قد ركز في خطابه الأولي على المجازفة الكبيرة ما خلق قلقاً لدى الموظفين الذين يفضلون تجنب الخسارة، ثم أعاد صياغة المبادرة وأشار إلى أن أهميتها تكمن في حماية استقرار البنك ومكانته التنافسية مستقبلاً، فتمكن من التوفيق بين مبادرة التغيير ودوافع الموظفين الذين ينفرون من المخاطرة وتحولت مقاومتهم إلى التزام.

5. عزز عقلية تقبّل التناقض بين الموظفين

حتى إذا وفّقت المؤسسة بين أنواع التغيير وأنماط التحفيز كما ينبغي، فإنها ستضطر أحياناً إلى العمل على أهداف متناقضة في وقت واحد، لذا، من المهم تعزيز عقلية تقبل التناقض لدى الموظفين لتعزيز قدرتهم على التكيّف المستمر.

طبقت ديبورا هذا النهج في وحدة تجربة العميل في القسم المالي الذي عملت معه، إذ كانت الوحدة بحاجة إلى الابتكار لتحسين العلاقة مع العملاء ولكن كان عليها أيضاً اتباع ضوابط صارمة للتكاليف، وتمكنت ديبورا من تعزيز عقلية تقبل التناقض في الوحدة من خلال تصميم مشروعات توازن بين الأهداف المتناقضة ومن ثم تشجيع المناقشات الصريحة حول التوترات التي قد تنشأ. ينبغي للقادة تطبيق هذا النهج من خلال التعامل مع المطالب المتناقضة بشفافية، وعندما يجتمع الفريق بانتظام لمناقشة هذه الممارسات فإن ذلك يعزز عقلية تقبل التناقض على مستوى المؤسسة بأكملها.

لسنوات طوال، سعت المؤسسات إلى وضع أفضل خطط التحول وإدارة التغيير، ولكنها ما زالت تفشل، إذ تبدأ تنفيذ مبادرات للتغيير وتنوي العمل عليها بجد لكنها تفشل فيها عندما تسارع إلى إجراء تحولات ذات قالب واحد دون أن تراعي أسباب التغيير المطلوب والأفراد الذين سيقودونه. يظهر بحثنا والخطوات الخمس التي طبقتها ديبورا، أن النجاح يأتي من معرفة نوع التغيير الذي يحتاج إليه كل قسم وجاهزية الموظفين لتحقيقه. لا يتمحور الأمر حول اختيار الاستراتيجية المثلى بل حول جعل التغيير ملائماً للموظفين الذين سيعملون على تحقيقه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي