استحضر قاعدة “ما قل ودل” عند تصميم البرامج التعليمية

6 دقيقة
الأقل أفضل
ياروسلاف دانيلشينكو/ستوكسي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يتوقع الجميع اليوم الحصول على تجربة شخصية من مواقع الويب ومن التطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي؛ ولكن النهج الذي تتبناه المؤسسات عادة فيما يتعلق بالبرامج التعليمية يبدو مربكاً وعشوائياً، وفوق ذلك يفتقر إلى الطابع الشخصي. ولما كانت هذه الوفرة المفرطة في خيارات التعلم تبدو هي القاعدة، فعلى قادة التعليم والتطوير في الشركات التمعن في المبدأ الذي يعرفه علماء السلوك منذ عقود مضت وهو: الأقل أفضل (أو ما قل ودل). وفي هذا المقال، يكشف المؤلفان السبب ويحددان بعض الاستراتيجيات لتقديم محتوى تعليمي يوقع أثراً أعلى على الموظفين.

تخيل بستانياً مبتدئاً يبحث عن حلّ واحد لمشكلة آفة زراعية فيدخل أحد متاجر البستنة آملاً في بعض التوجيه من البائع، وبدلاً من أن يقدم له نصيحة مباشرة، قدّم له عدداً كبيراً جداً من البخاخات والفخاخ والمستحضرات العضوية، فغادر البستاني المتجر بعد أن تكاثرت عليه الخيارات وتركته في حيرة أشد من حيرته قبل دخول المتجر.

هذا ما يحصل بالضبط لكثير من الموظفين الباحثين عن دورات وبرامج لتحسين المهارات إذ يتيهون في زحام المحتوى الذي لا يستطيعون استيعابه؛ فهو في أحسن أحواله غامض وبعيد عن التحديات التي يواجهونها.

لقد أصبحنا نطلق على هذه الظاهرة اسم “مشكلة ازدحام الخيارات”. ففي حالات كثيرة جداً يتعرض الموظف لسيل جارف من قوائم البرامج التعليمية المتخمة غالباً بالمحتوى، ما يصعّب اختيار ما يوجه تركيزه إليه. ويُعطَى الموظف قوائم شاملةً لجميع المصادر المرتبطة بهذه البرامج، بدلاً من القوائم المنتقاة بعناية. إليك 100 دورة تدريبية! 70 رابطاً إلكترونياً! 35 أداة برمجية! عشرات من مواقع الإنترنت الداخلية، كلها متداخلة ومعقدة. بالإضافة إلى مقاطع فيديو لرواد الفكر! ومدونات عشوائية من الإنترنت! وتوصيات ببعض الكتب!

نتوقع اليوم الحصول على تجربة شخصية من مواقع الويب ومن التطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي؛ ولكن النهج الذي تتبناه المؤسسات عادة فيما يتعلق بالبرامج التعليمية يبدو مربكاً وعشوائياً، وفوق ذلك يفتقر إلى الطابع الشخصي. ولما كانت هذه الوفرة المفرطة في خيارات التعلم تبدو هي القاعدة، فعلينا التمعن في المبدأ الذي يعرفه علماء السلوك منذ عقود مضت وهو: الأقل أفضل. وفي هذا المقال، سوف نكشف السبب ونحدد بعض الاستراتيجيات لتقديم محتوى تعليمي يوقع أثراً أعلى على الموظفين.

ما الذي يجعل نهج “الأقل أفضل” مناسباً للبرامج التعليمية؟

يسعى كل من قادة الشركات ومصممي المحتوى التعليمي ورعاته لتحقيق هدف واحد من هذه البرامج: تحسين الأداء، إلى جانب تسويغ الاستثمار في الجهد والمال ووقت موظفيهم، ولعل الأخير هو الأهم.

لماذا يؤدي إغراق الموظف بالمحتوى التعليمي إلى إضعاف أثر هذه البرامج عليه وإهماله لها تماماً أو استهلاك بعضها فقط؟ هناك عدة أسباب، وإليك بعضها:

تطالب بتغيير كبير جداً

هل تريد أن تصبح قائداً أفضل؟ إذاً، يجب أن تكون أكثر تفهماً وإبداعاً وإلهاماً، وأن تجيد التخطيط وتتعامل مع الجميع بأسلوب شامل وتركز على التنفيذ، وتعمل بناءً على الهدف، وأن تتمتع بالذكاء والمرونة وهلمّ جرّاً. لا ريب في أن هذه الصفات جيدة ومهمة، لكن مطالبة الموظفين بتغيير جذري استجابةً للتحديات يفضي لا محالة إلى عدم تغيير شيء إطلاقاً. لقد حضرنا جميعاً برنامجاً على الأقل يناقش موضوعاً مهماً وتساءلنا: ما أهم شيء يجب أن أركز عليه في الوقت الحالي؟ من المستحيل غالباً أن نعرف الجواب.

ليس كل شيء مهماً بالتأكيد

في السنوات الأخيرة، كان الاعتقاد السائد هو أن كل ما يقدَّم إلينا دُقّق بالفعل وله صلة وثيقة بالموضوع. وكلما ازدادت التغييرات التي يقترحها البرنامج على اعتبارها “مهمة”، تناقصت ثقة الموظف في قدرته على التكيف مع حجم التغيير الهائل المطلوب، فيضعف اندماجه وتتضاءل دافعيته.

تقدم خيارات أكثر مما يجب

تظهر عشرات الأبحاث التي أجراها أبرز علماء الاقتصاد السلوكي أن تقديم الكثير من الخيارات ليس الأفضل إطلاقاً؛ فالإنسان يحب تعدد الخيارات بالتأكيد، ولكنه يفضل عدداً قليلاً من الخيارات المنتقاة بعناية (مثلاً، إليك 3 طرق، لا 30 طريقة، لتحسين مهاراتك في العروض التقديمية)، وكثرة الخيارات تنفره بسرعة (هل نظرت يوماً إلى قائمة طعام تبدو وكأنها تحوي جميع أنواع الطعام؟ هذا ما نعنيه بالضبط).

يفقد الموظف الثقة

ما شعورك إذا أتيت إلينا مرة ثانية بمشكلة جديدة تود حلها فعرضنا عليك القائمة الضخمة من الحلول التي نقدمها دائماً والتي قدمناها لك سابقاً؟ ننصح عادة، بوصفنا محترفين في المحتوى التعليمي، بأهمية الإنصات الإيجابي والتفاعل مع متطلبات التعليم، لكن نهج ازدحام الخيارات لا يساعدنا على الإنصات ولا التفاعل.

يستغرق تصفح أنظمة التعلم وقتاً ومجهوداً كبيرين

من المعتاد أن نسمع أن أنظمة التعلم ركيكة وعتيقة ويصعب تصفحها، فالموظف يتوقع أن يجد سهولة في البحث وتصفية النتائج، ولكن الحماسة في تقديم المزيد من العناصر في المحتوى تصعّب عليه العثور على العنصر المحدد الذي يحتاج إليه، وتعقيد عملية البحث عن هذا العنصر يهدر وقته الذي يمكن أن يستثمره في تطوير مهاراته.

يفتقر الموظف إلى الخبرة اللازمة لاختيار الأفضل

كيف، على وجه التحديد، يتسنى لغير الخبير أن يحدد الخيار الأنسب لمشكلته من الخيارات المتاحة أمامه؟ فليس من الحكمة أن نمنح البستاني المبتدئ مسؤولية اختيار المستحضَر الأنسب من بين مجموعة من أفضل حلول مكافحة الآفات. ولكن أليس هذا تحديداً ما نفعله حين نتبع نهج ازدحام الخيارات في العروض التعليمية؟

كيف نتجنب ازدحام الخيارات؟

جرِّب هاتين الطريقتين لتقديم محتوىً تعليميّ للموظفين منتقىً بعناية ويسهل العثور عليه ويكون وثيق الصلة بما يبحثون عنه:

افهم لماذا يصبح التعلم عملية معقدة

معظم محترفي التعلم والتطوير لديهم قصة مؤثرة عن لحظات مماثلة قالوا فيها شيئاً من قبيل: “لا أستطيع تصديق أن البرنامج انتهى إلى هذه النتيجة!” فهم لم يقصدوا بالتأكيد إغراق الموظفين بكل هذه المعلومات، ولكن كيف انتهى بهم الأمر إلى هذه النتيجة؟ غالباً ما تُعزَى هذه النتيجة إلى بعض التحيزات اللاإرادية، بالإضافة إلى بعض الدوافع المقبولة التي تنطوي على نية حسنة:

  • التحيز القائم على تجنب المخاطر. يتجنب الإنسان الخطأ والخسارة بطبيعته، فتنشأ لديه نزعة لعدم إغفال أي شيء لأن هذا الإغفال خطير وخاطئ.
  • تحيز “ما تراه هو كل شيء“. كما أورد دانيال كانيمان في كتابه “التفكير السريع والبطيء” (Thinking Fast and Slow)، تمر بنا أوقات عصيبة لا نرى فيها رأياً صائباً غير رأينا. وبناءً على ذلك يعطي الناس، عادة، الأولوية في كل شيء لاهتماماتهم قبل اهتمامات غيرهم فيبادرون إلى اغتنام الفرصة لدمج الموضوعات والمحتوى المفضَّل لديهم كلما أمكنهم، وهذا يؤدي إلي دمج كل الأفكار في كل وقت ولكل شخص.
  • الشمول غير المثالي. عندما يشارك كل فريق في كل اجتماع ويدلي برأيه في كل نقاش؛ تصبح النتيجة خليطاً من الأفكار المشوَّشة وغير المتجانسة. وعلى الرغم من ضرورة البحث عن وجهات نظر أخرى فالأمر يتطلب وجود صاحب قرار (أو بعض أصحاب القرار) يتدخل حين يحتاج الأمر إلى اعتراض.
  • عدم فهم حاجات الموظفين ورغباتهم الحقيقية. إذا لم يفهم الموظف بوضوح الفائدة التي سيعود بها البرنامج عليه؛ أي إذا لم يكن المحتوى التعليمي الذي تقدمه يعالج عنده تحدياً بعينه، فلن يتفاعل معه. علاوة على ذلك، لا يعرف الموظف حقيقةً ما يحتاج إليه، ويتعين على مزودي المحتوى التعليمي بذل وقت وجهد وخبرة كي يفهموا هذه الاحتياجات ثم صياغة محتوى جذاب يلبيها.
  • الامتثال لطلبات قائد الشركة. هذا الدافع شائع جداً على الرغم من وروده في آخر القائمة. إن الإحساس الداخلي (بدلاً من الدليل الملموس) الذي يوحي للقائد بالرغبة في تغطية هذا العنصر أو ذاك في البرنامج التعليمي المقبل يُسفِر، في الغالب، عن محتوى غير ضروري.

نحن نتوقع أن تكون هذه الدوافع مألوفة لدى المتخصصين في مجال التعلم والتطوير، ويحتاج التعامل مع كل واحد من هذه الدوافع إلى مجموعة من المهارات الاستثنائية، ويندر أن تكون هذه المهمة سريعة وسهلة. فهي تتطلب فهماً لديناميات تغيير السلوك وجداوله الزمنية، وتتطلب الصبر والثقة للتراجع وحذف بعض العناصر. مع ازدحام جداولنا وقلة وقت الفراغ فعلياً، نجد أن الأسهل هو أن نلقي كل ما في جُعبتنا من المحتوى المتنوع أمام الموظفين آملين تحقيق بعض النجاح، بدلاً من البحث عن الحل الأنسب للمشكلة.

اجعل الأثر دليلك

تستطيع أن تغيّر التصور السائد في الأذهان عن عروضك التعليمية إذا تمسَّكت بقاعدة واحدة بسيطة وبعض الأسئلة المهمة؛ فتتحول النظرة من أن المحتوى الذي تقدمه جارِفٌ وبعيد عن التحديات التي يواجهها الموظفون، إلى أنه محتوى وثيق الصلة بالتحديات ومنتقىً بعناية وشخصي.

فاجعل هذه القاعدة هي دليلك: الهدف الذي نريده من دمج أي محتوى في البرامج التعليمية هو تحقيق أثر واحد فقط. ليس 10 تأثيرات ولا 5، ولا 3؛ بل نريد أثراً واحداً يشبه تركيز أشعة الليزر.

ثم بعد ذلك لا تتوقف عن تنقيح المحتوى كله، واصنع القرارات الخاصة به في ضوء هذه الأسئلة:

  1. ما الدليل على أن هذا المحتوى مؤثر؟ هل مؤكد أنه مفيد فعلاً؟ هل تتوافر مواد بحثية أو بيانات تدعمه؟ من هم الخبراء الذين وضعوا هذا المحتوى، وهل هم ثقات؟
  2. هل هذا المحتوى يعالج المشكلة مباشرة؟ إذا لم ندمج هذا المحتوى أو المصدر في البرنامج التعليمي، فهل يُحتمَل ألّا يتحقق الأثر المرجو؟
  3. هل هذا ما يرغب فيه الموظفون لدينا؟ هل هذا المحتوى يلبي متطلباتهم؟ هل يحتاج الجمهور المستهدَف إلى دليل للمحادثات، أو إلى خبرات الفريق، أو إلى ورشة لبناء المهارات، أو إلى مقطع مرئي قصير مصحوب ببعض النصائح؟ لا يقلّ تقديم التوجيه بالطريقة التي يريدها الموظفون أهمية عن تقديم المحتوى المناسب.

عملياً، 3 أفكار أفضل من تزاحم الأفكار، بل فكرة واحدة أفضل. تنطبق هذه القاعدة على خيارات البرامج التعليمية والمحتوى المدرَج في كل واحد من هذه البرامج، وكذلك على المصادر المصاحبة لها.

إن الفروق الدقيقة في تفضيلات التعلم يفسرها الكثيرون بالفروق الفكرية بين الأجيال. كلنا وقتنا محدود، هذه هي الحقيقة؛ وكلنا نريد برامج تعليمية ومصادر فعّالة ومنتقاة ومصوغة بعناية. فبدلاً من إغراق الموظفين بالمحتوى، دعونا نستفيد من العلم ومما يعرفه الموظفون بالفعل وينتظرونه من البرامج التعليمية: الأقل أفضل.

الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراء المؤلفين ولا تعكس بالضرورة آراء شركة إرنست آند يونغ إل إل بي (Ernst & Young LLP) أو الشركات الأخرى ضمن مجموعة إرنست آند يونغ العالمية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .