ملخص: ثمة مفهوم خاطئ وشائع في القيادة مفاده أن مجرد تشجيع أعضاء الفريق على التعبير عن آرائهم سيؤدي إلى بناء ثقافة قائمة على الانفتاح. لكن في الواقع، لن يعبّر الموظفون عن آرائهم بحرية إلا إذا شعروا بالأمان. وذلك يعني أنه يجب على القائد معالجة الأسباب الكامنة وراء تحفّظ الموظفين بشأن مشاركة آرائهم ومخاوفهم، بما في ذلك العوائق الفردية والمنهجية. توضح هذه المقالة العديد من الأساليب التي يمكن للمدراء استخدامها لتوفير مسارات بديلة يشعر الموظفون من خلالها بالأمان للتعبير عما يجول في أذهانهم؛ تشمل هذه الأساليب الإفصاح عن النية الصادقة للاستماع إلى وجهات النظر المتنوعة، واستخدام أسئلة نمطية لتشجيع الموظفين على التعبير عن آرائهم دون خلق ضغوط لا داعي لها، وتكييف أساليب التواصل بحيث تتوافق مع تفضيلات الموظفين ومناطق راحتهم، والاستفادة من رأس المال الاجتماعي لتعزيز آراء الموظفين غير الممثلين بإنصاف، والاعتراف بإسهامات الموظفين الفردية.
اعتبر جمال نفسه قائداً ودوداً مع الموظفين، وشخصاً متواضعاً ومهتماً بوجهات النظر المختلفة. وكان يظن أنه نجح في إيصال رسالته لفريقه بأنه يرحّب بآرائهم ويرغب في سماعها. وكان يذكّرهم بذلك مراراً وتكراراً قائلاً: "شاركوني بأي مستجدات حتى نتمكن من اتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح المسار مبكراً". لكن الصمت كان سيد الموقف، سواء ضمن المجموعات أو في اللقاءات الفردية.
ثم سمع جمال خلال محادثات غير رسمية بين أقرانه في مختلف الأقسام أن مرؤوسيه المباشرين لم يكونوا راضين عن الجداول الزمنية التي وضعها وأن الفريق لا يشعر بالدعم. وأكدت تقييمات الأداء بطريقة 360 درجة التي جمعتها شركته أن جمالاً كان جزءاً من المشكلة؛ فقد حصل على أدنى تصنيف في الكفاءة القيادية ضمن معيار: "يخلق شعوراً بالأمان النفسي" من قبل أولئك الذين يعملون تحت إشرافه.
يتمثّل الخطأ الذي وقع فيه جمال، والعديد من القادة الآخرين، في أن تشجيع فرد ما على التعبير عن آرائه دون فهم السبب الذي جعله يفضّل البقاء صامتاً، هو أسلوب غير فعال في الواقع ولا يُسهم في حصول القائد على الآراء التي يرغب في سماعها إلا نادراً. بدلاً من ذلك، على القادة التفكير في العوائق، الفردية والمنهجية، التي تجعل الموظفين يُحجمون عن مشاركة آرائهم، سواء من خلال تقديم وجهات نظر مختلفة في عملية العصف الذهني، أو طرح مخاوف بشأن الاتجاه الاستراتيجي للشركة. قد تشمل هذه العوائق ثقافة تعتبر الصمت علامة على الاحترام، والفروقات في توزع السلطة بين المدراء والموظفين، وحقيقة أن الصمت يمثّل غالباً استراتيجية بقاء للعديد من الموظفين في أماكن العمل.
يعود قرار التعبير عن الآراء غالباً إلى حسابات العقل الباطن. هل الفوائد المحتملة للتعبير عن الرأي تفوق العواقب الحقيقية والمتصورة لهذا الفعل؟ إذا لم تكن الفوائد تفوق العواقب بالفعل، فمن الأسلم حينها التزام الصمت.
ولمساعدة الموظفين على التعبير عن آرائهم، والشعور بالأمان في أثناء مشاركتها، يجب على المدراء إدراك دورهم في خلق ثقافة قائمة على الشفافية والثقة، بدلاً من تبنّي ثقافة لا تتيح الفرصة لجميع الموظفين التعبير عن آرائهم (ربما دون قصد حتى). كما عليهم توفير مسارات بديلة تجعل الموظفين يشعرون بالأمان للتعبير عما يجول في أذهانهم. عملتُ مع قادة شركات في 6 قارات مختلفة، وفي مجموعة متنوعة من القطاعات، وعلى مستويات مختلفة من الأقدمية، وشهدت العديد من الأساليب الناجحة، وفيما يلي بعض هذه الأساليب التي يمكن للمدراء البدء بها:
الإفصاح عن النية
أوضح للموظفين أنك تريد سماع الملاحظات الإيجابية والسلبية على حد سواء، شرط أن تكون جاهزاً لتلقّي الملاحظات الصريحة بالفعل. يمكن للمدير أن يقول مثلاً: "أريد أن أعرف كيفية سير الأمور، وسماع آرائكم الصادقة، وليس الآراء التي تعتقدون أني أفضّل سماعها، فالطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها اتخاذ قرارات سليمة معاً هي أن نفهم الوضع الحالي فهماً دقيقاً".
إذا لم توضح الإدارة السلوكيات والآراء المقبولة والمتوقعة من الموظفين بصورة متكررة، فقد يصعب عليهم معرفة الحدود التي ينبغي لهم عدم تجاوزها. وبالتالي، من المهم أن تتطابق إجراءاتك مع توقعاتك؛ بمعنى أنك إذا اتخذت موقفاً دفاعياً أو تجاهلت الآراء التي يشاركها الموظفون، فقد لا يشاركون أفكارهم معك مرة أخرى.
استخدم الأسئلة النمطية
عندما يسأل المدير فجأة: "ما هو رأيك؟" فقد يشعر المرؤوس المباشر بأن هذا السؤال فخ. ويتساءل في قرارة نفسه غالباً: "هل يريد أن يعرف رأيي حقاً؟ ما هي العواقب المحتملة لقول شيء لا يود سماعه؟" بدلاً من ذلك، استخدم مجموعة نمطية من الأسئلة التكميلية لتشجيع الموظفين على تقديم وجهات نظرهم بصورة متكررة. يمكنك أن تسأل مثلاً: "ما هي إيجابيات هذه الفكرة؟ وما هي سلبياتها؟ ما هي الجوانب الناجحة وغير الناجحة في هذه الفكرة؟" يمكنك تعديل الأسئلة بناءً على المعلومات التي تحتاج إليها وثقافة مؤسستك. يساعد استخدام الأسئلة النمطية على ترسيخ معايير مهمة في بيئة العمل، مثل تحليل القضايا من وجهات نظر متعددة، والتعبير عن الآراء المخالفة المحتملة، بغض النظر عن كيفية صياغتها. تهدف هذه الممارسة أيضاً إلى ضمان عدم إرباك الموظفين ومفاجأتهم. فعندما يتوقع الموظفون منك أن تطرح هذه الأسئلة، يمكنهم حينها الاستعداد مسبّقاً لمشاركة آرائهم.
مناقشة تفضيلات التواصل
تُعد معرفة الوقت والمكان المناسبين للتعبير عن الآراء وكيفية التعبير عنها عقبة إضافية تقف في وجه الموظفين عند تقييم فوائد المشاركة ومخاطرها. ويمكن للمدراء تسهيل الأمر على الموظفين من خلال توضيح القنوات المتاحة لتقديم الآراء. على الرغم من أن عبارة "بابي مفتوح لكم دائماً" قد تكون نابعة من نوايا حسنة، فمن الأفضل أن يكون المدراء أكثر تحديداً في هذا الصدد. يمكن للمدير أن يقول مثلاً: "إذا توصلتم إلى أفكار أخرى بعد اجتماعنا، فأرجو انتقاء خيار 'الرد على الكل' في سلسلة الرسائل الإلكترونية لكي يتسنى للجميع رؤية كيفية تطور المحادثة ونتمكن من اتخاذ قرار سريع معاً".
والأفضل من ذلك، اسأل الموظفين عن قنوات الاتصال التي تسهّل عليهم مشاركة وجهات نظرهم. يمكنك أن تسأل الموظف في اجتماعاتك معه وجهاً لوجه: "ما هي القنوات التي تسهّل عليك مشاركة الأفكار؟ هل تفضّل مشاركة أفكارك شفهياً أم كتابياً؟ هل تفضّل أن تكون المحادثة في الوقت الحقيقي أم لا تزامنية؟" يختلف البشر في أسلوب مشاركتهم المعلومات، وبالتالي، تؤدي الوسائط المختلفة دوراً مهماً في تعزيز مواطن قوتهم. إذا كنت تستخدم الوسائط التي يفضلونها بدلاً من الوسائط التي تفضلها أنت، فمن المحتمل أن يبادروا بالمشاركة.
استخدم رأس المال الاجتماعي
يواجه الأفراد الذي ينتمون إلى فئة الأقليات في المؤسسات، سواء من حيث النوع الاجتماعي أو العِرق أو القدرات أو الهوية، عدة تحديات، منها التقليل من شأنهم، أو مقاطعتهم في أثناء الحديث، أو التهميش، ما يصعّب عليهم التعبير عن آرائهم. ويمكنك المساعدة في منع هذه التحيزات وزيادة احتمالية أن يشارك الأفراد من الأقليات أفكارهم وآراءهم من خلال تعمّد منحهم الفرصة للتحدث، والإعراب علناً عن أهمية أن يستمع الآخرون إليهم، وتعزيز أفكارهم بعد ذلك.
وإليكم كيفية تطبيق هذين الأسلوبين في الممارسة العملية: "طلبتُ من فاطمة إلقاء العرض التقديمي اليوم لأنها الأكثر اطلاعاً ومعرفة بالبيانات وتمتلك فهماً عميقاً للتفاصيل يفوق معرفة الآخرين". وبالتالي، يمكن لتأييدك العلني لشخص ما أن يزيد من احتمال أن يأخذ الآخرون آراءه على محمل الجد.
نسب الإنجازات لأصحابها بدقة
قد تشعر بالإهانة والإحباط عندما يحظى شخص آخر بالتقدير على العمل الجاد الذي تؤديه؛ وذلك هو السبب الذي يدفع الموظفين إلى التزام الصمت بدلاً من مشاركة أفكارهم عادة. فإذا كان شخص ما يعتزم تبنّي أفكارك ورؤاك، فما هو الداعي لمشاركتها من الأساس؟
يسعى العديد من المدراء إلى تعزيز التماسك بين أعضاء الفريق من خلال اعتبار النجاحات انتصارات جماعية. في حين قد يُسفر عدم الاعتراف بالإسهامات الفردية التي تُعد أساس الحصول على الترقيات أو المكافآت أو الزيادة في الرواتب عن تأثير سلبي.
إذا حاول شخص ما نسب العمل إليك، فاحرص على توضيح هوية الشخص الذي أدّاه بالفعل ونسب فضل أدائه إليه مجدداً. يمكنك أن تقول مثلاً: "لا بدّ لي أن أنسب فضل طرح هذه الرؤية الثاقبة إلى سليمة". بمعنى آخر، الاعتراف بإسهامات أعضاء الفريق وتقديرها لا يقلل من قيمة نجاح الفريق أو نجاحك الشخصي، بل تُعد القدرة على تسليط الضوء على أفضل الرؤى الثاقبة والجهود من الموظفين إحدى علامات القيادة الفعالة.
كما أن حثّ الموظفين على مشاركة ملاحظاتهم الصريحة والتعبير عن آرائهم ليس كافياً، بل يجب أن يكون المدراء على استعداد لتذليل العقبات وخلق بيئة آمنة تتيح للموظفين التعبير عن آرائهم ومخاوفهم دون خوف من المخاطر. وقد تغيّر الإجراءات المذكورة أعلاه الحسابات التي يجريها الموظفون عند اتخاذ قرار بمشاركة آرائهم، وتساعد في إنشاء ثقافة تنظيمية قائمة على التعبير عن الآراء بدلاً من الصمت.