كيف تشجّع الخلافات البنّاءة داخل فريقك؟

12 دقيقة
الخلافات البنّاءة
مصدر الصورة: ماستر1305/غيتي إميدجيز

أُصيب مازن بالإحباط ووجد نفسه في حيرة من أمره بسبب الصراع الدائم بين اثنين من أعضاء فريقه. كان الأمر في البداية خلافاً حول أنسب الطرق للتعامل مع مشروع بالغ الأهمية، لكنه سرعان ما تحوّل إلى صراع شخصي شرس. كان التوتر يسود كلما اجتمعا في لقاءٍ واحد؛ إذ كانا يتبادلان التعليقات اللاذعة ويقاطع أحدهما الآخر، وبدا واضحاً أن أعضاء الفريق الآخرين بدؤوا الانقسام بينهما. اعتبر مازن (وهو اسم مستعار) أن السبب في المشكلة هو "الخلاف في الطباع"، ورأى أن الحل الوحيد المتاح أمامه هو العمل على منع أي تداخل بين مهام هذين الشخصين.

يحلم أي مدير بقيادة فريق يسوده الانسجام ويتفق أعضاؤه كلهم في وجهات النظر، ولا يشهد أي خلافات، لكن هذه "الحالة المثالية الخالية من الخلاف" لا تؤدي دائماً إلى أفضل النتائج، على الرغم من أنها قد تبدو مريحة، على الأقل في المدى المنظور؛ إذ يؤدي غياب الخلافات البنّاءة في واقع الأمر إلى ما يسميه مؤلف كتاب "العوامل الخمسة لخلل العمل الجماعي" (The Five Dysfunctions of a Team)، باتريك لينسيوني، "التناغم المصطنع"، حيث يتظاهر الجميع بأن الأمور تسير على ما يرام، بينما تظل الأفكار غير المعلنة والخلافات المكبوتة ومشاعر الاستياء تتراكم تحت السطح.

أثبتت الأبحاث أن الفرق التي يشعر أعضاؤها بالأمان عند التعبير عن خلافاتهم تتفوق على غيرها في حقيقة الأمر؛ فهي تتخذ قرارات أفضل، كما أن التفاعل الناتج عن اختلاف الرأي، وإن بدا مزعجاً أحياناً، يعزز القدرة على الإبداع والنمو.

في الوقت نفسه، ثمة فارق بين الخلافات البنّاءة ونظيرتها الهدّامة، وما واجهه مازن كان بلا شك أقرب إلى النوع الثاني؛ فالخلافات البنّاءة داخل الفريق تدفعه نحو تحقيق أهدافه وتكوين علاقات مثمرة بين أفراده تقوم على الاحترام والثقة المتبادلة، أما الخلافات الهدّامة فتعرقل تقدُّم الفريق. وإذا لم يطمئن عضو الفريق إلى قدرته على التعبير عن رأيه بحرية تامة ودون خوف، فقد يلجأ إلى قمع الآراء المخالفة أو إصدار الأحكام على الآخرين أو لومهم أو التصرف والتحدث بأسلوب يفتقر إلى الاحترام.

فما الذي يمكن أن يفعله مازن، أو أي مدير آخر، لتعزيز الخلافات البنّاءة؟

عليه أن يعترف بدايةً بأن الخلاف أمرٌ طبيعي ولا مفر منه، وأن الواجب يقتضي تسليط الضوء على تباين الرؤى التي تشهدها الفرق كلها والتعامل معها بإيجابية، بدلاً من تجاهلها أو الاكتفاء بتقبُّلها. وإليك بعض الطرق لفعل ذلك:

قل: "لا بأس"

وضِّح لفريقك أن الخلافات أمرٌ متوقع وطبيعي، بل وضروري لتعزيز التعاون والعمل الجماعي والابتكار. ولأن الإنسان ميال بطبعه لتجنُّب قول أو فعل أي شيء قد يعكر صفو التناغم، فلا بد أن توضح للآخرين بصراحة تامة أنك تتوقع منهم الاختلاف في الرأي وأن هذا لا يمثل مشكلة تستوجب الحل، بل فرصة يجب اغتنامها.

بالإضافة إلى توضيح أن الخلافات أمرٌ طبيعي، يمكنك أيضاً وضع قواعد سلوكية تُحدد كيفية التفاعل بين الأفراد، خاصة عندما تختلف رؤاهم. وأنصح بأن تُشرِك الفريق بأكمله في هذه العملية؛ يمكنك طرح معايير مبدئية، ثم دعوة أفراده إلى تطويرها واقتراح أفكار إضافية. وإليك بعض الأمثلة على المعايير التي يمكن أن تساعدك على البدء:

"نحن نتواصل بصراحة، فنقول ما نعنيه بصدق ونلتزم بما نقول".

يبيّن هذا أن لكل شخص رأياً ذا قيمة وأن الخلافات فرصة للنمو وليست إساءة شخصية.

"نحن نركز على المشكلات".

هذا يعني أن تركيز الجميع ينصب على حل المشكلات، لا على الأشخاص المعنيين بها. وبدلاً من التعامل مع فكرتين متناقضتين على أنهما تخصان شخصين بعينيهما، ينبغي اعتبارهما خيارين يمكن للفريق مناقشتهما للوصول إلى المسار الأمثل. يمكنك أيضاً توضيح أن الإساءة الشخصية مرفوضة تماماً، وأن الهدف هو الوصول إلى الحل الأمثل للفريق.

"نحن نحترم الاختلاف في وجهات النظر".

يجب أن يسود الاحترام بين أعضاء الفريق حتى عند اختلاف وجهات النظر. وضّح أن لكل شخص وجهة نظره الخاصة، وأن تنوع الأفكار عنصر أساسي لنجاح العمل الجماعي.

يُفضل الاحتفاظ بهذه المعايير في مستند مشترك متاح للجميع، على أن تخضع لمراجعة دورية لتحديثها والتحقق من التزام الفريق بها.

حدد الأنماط الإيجابية من تباين الرؤى

لتجنُّب شخصنة الخلافات وتشجيع الخلافات البنّاءة، يُستحسن الاعتراف بتباين الرؤى فور ظهورها، بل وتدوينها. وإليك بعض أنماطها الشائعة التي ألاحظها في أثناء عملي مع الفرق:

  • المفاضلة بين السرعة والجودة.
  • المفاضلة بين صناعة القرار بمشاركة مختلف الأطراف المعنية وصناعته بسرعة وفعالية.
  • المفاضلة بين التركيز على العميل أو الزبون والتركيز على الشركة.
  • المفاضلة بين الابتكار والاستفادة من القدرات الأساسية الحالية.
  • المفاضلة بين التركيز على التفاصيل والرؤية الشاملة.
  • المفاضلة بين الغاية أو الرسالة والإيرادات.

لنتحدث عن النوع الأول من تباين الرؤى، أي المفاضلة بين السرعة والجودة؛ فقد يضم فريق العمل عضواً يتمتع بقدرٍ عالٍ من الكفاءة ويركز بدرجة كبيرة على الالتزام بالمواعيد النهائية، ويشعر بأن التحرك بأسرع ما يمكن أمرٌ بالغ الأهمية. وقد يضم عضواً آخر يرى أن التركيز على السرعة مبالغٌ فيه وأن الأهم هو التريث لضمان إنجاز عمل يتميز بأعلى مستويات الجودة، دون الالتفات للوقت المستغرق.

من المتوقع أن يكون هذان الشخصان على خلاف، ولا بأس بذلك؛ فهذا تباين إيجابي في الرؤى. وإذا أحسنَّا إدارته بأسلوب مهني بنّاء، فسيسهم في إتمام المشروع بسرعة وجودة عالية.

ولكن إذا لم تتوخَّ الحذر، فقد يتحول هذا النمط من تباين الرؤى إلى صراع شخصي، حيث يُوصف أحد الطرفين بأنه مهملٌ ومتسرعٌ، بينما يُوصف الطرف الآخر بأنه بطيءٌ ومعطِّل. وقد يساور باقي أفراد المجموعة الشعور بأنهم مضطرون للانحياز إلى أحد الطرفين؛ لذلك يجب تحديد أنماط تباين الرؤى واستخدامها باعتبارها إطاراً للتعامل مع اختلاف الرأي. على سبيل المثال، إذا كان يوسف يركز على السرعة بينما تركز رشا على الجودة، وبدأ كل منهما الدفاع عن رأيه بقوة خلال الاجتماع، ما يؤدي إلى خلق حالة من التوتر، فيمكنك توضيح أن المفاضلة بين السرعة والجودة هو تباين جوهري في الرؤى يجب معالجته، وليس خلافاً شخصياً بين يوسف ورشا.

تمهّل قليلاً وفكر في أنماط تباين الرؤى الأكثر شيوعاً داخل فريقك. قد يتضمن ذلك بعض النقاط المذكورة في القائمة السابقة، ولكن ربما تكون هناك نقاط أخرى أيضاً. سجّلها حتى يسهل عليك تحديدها وتوصيفها فور ظهورها.

ناقش الأنماط الإيجابية من تباين الرؤى التي حددتها مع فريقك، واشرح لهم سبب أهمية وجود هذه الأنماط، دون ربطها بأشخاص محددين. اسأل الفريق أيضاً عما إذا كانت هناك تباينات أخرى لم تدرجها في القائمة. فكر في الاحتفاظ بقائمة قابلة للتحديث كلما دعت الحاجة في مستند مشترك بحيث تكون مرجعاً للجميع. احرص أيضاً على تمكين فريقك من التعرف إلى أنماط تباين الرؤى عند نشوئها وتحديدها بأنفسهم، سواء كنت موجوداً أم لا.

تجنَّب شخصنة الخلافات

إحدى مزايا تحديد هذه الأنماط من تباين الرؤى أنه يساعدك على الفصل بين الشخص والمشكلة. وهذه إحدى الركائز الأساسية لنهج التفاوض القائم على المبادئ (Principled Negotiation) الذي اكتسب شهرته عبر برنامج التفاوض في كلية هارفارد للحقوق.

ثمة طريقة أخرى لفعل ذلك وهي أن تطلب من كل طرف الدفاع عن وجهة النظر المخالفة لوجهة نظره الشخصية. يمكنك مثلاً أن تطلب من يوسف الدفاع عن سبب وجوب تمهُّل الفريق، بينما تطلب من رشا الدفاع عن سبب قبولها تقديم بعض التنازلات فيما يخص الجودة. سيؤدي هذا إلى منح كل منهما الفرصة لفهم وجهة نظر الآخر (ولو بصورة مؤقتة)، كما سيساعد بقية الفريق على عدم ربط أي حجة بشخص معين.

وإليك بعض الأسئلة التي يمكنك طرحها خلال هذه النقاشات للحفاظ على إيجابية الخلاف:

  • هل هناك جانب آخر لم نأخذه في الاعتبار؟
  • ما هي مزايا وجهة النظر "أ" وعيوبها (ثم وجهة النظر "ب")؟
  • لو استطعنا التخلص من القيود الحالية، كيف سيتغير مسار هذا النقاش؟
  • ما هي الحلول الوسطى الممكنة بين هذه الرؤى؟ وما هي التنازلات المطلوبة للوصول إليها؟

حافظ على هدوئك

أخيراً، من أهم الأشياء التي يمكن للقائد فعلها التحلي بالهدوء عند نشوب الخلافات. وثمة مقولة يفيد فحواها أن "همس القائد يدوّي كالصراخ"، ما يؤكد قوة أثر كلماتك. وسواء كنت تدرك ذلك أم لا، فمكانتك وصلاحياتك تجعل الآخرين يعتمدون عليك بحثاً عن الإشارات الدالة على قبول أمر معين أو رفضه. فإذا تجهّمت أو احمرّ وجهك أو بدا عليك الضيق عند وقوع خلاف، فسيلاحظ الآخرون ذلك وغالباً ما سيفسرونه على أنه إشارة إلى عدم قبول النقاش في هذا الموضوع (أو أي موضوع آخر).

وعلى العكس من ذلك، إذا حافظت على هدوئك وأظهرت تقبلك للخلافات بصبر وارتياح، فسيكون فريقك أكثر استعداداً للمشاركة في النقاش، بل وإظهار الخلافات وتباين الرؤى دون تردد. يمكنك أن تقول بهدوء شيئاً مثل: "يبدو أن هناك مفاضلة بين السرعة والجودة. هل يتفق الجميع مع هذا الطرح؟" وإذا انحرف النقاش عن المسار الصحيح وتخلّلته إساءات شخصية، فحاول إعادة توجيه دفة الحديث مجدداً بقول: "دعونا نعيد هذه المناقشة إلى مسارها البنّاء. ما الذي ينبغي أن نقرره هنا لمساعدتنا على تحقيق أهدافنا؟"

إذا كنت تهاب الخلافات، فلست وحدك؛ إذ يخبرني مدراء كثيرون بأن التعامل مع الخلافات أو الصدامات بين مرؤوسيهم من أصعب المهام التي تصيبهم بالإزعاج. ومع ذلك، فهي مسؤولية تقع غالباً على عاتق المدراء؛ فقد توصلت دراسة أجرتها شركة غارتنر (Gartner) عام 2023 أن 57% من المدراء يرون أنهم مسؤولون مسؤولية كاملة عن تسوية الخلافات داخل فرقهم.

وعلى الرغم من ذلك، فلا مفر من تباين الرؤى، وتشجيع أنماطها الإيجابية يسهم في خلق بيئة آمنة تحفّز الجميع على التعبير عن رؤاهم وأفكارهم، ما يؤدي إلى اتخاذ قرارات فعّالة وتحقيق نتائج أفضل. ولا يقتصر دور المدير على تقبّل هذا النوع من الخلافات، بل يتعداه إلى تشجيعها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي